دور ابن حزم الأندلسي والألباني في الاحاديث والإخبار التشريعي
ابن حزم الأندلسي: هذا النموذج العجيب من الذين سلطوا
لسانهم على المسلمين إنّه عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد
بن معاوية وحسبه بذلك فقط شرفاً وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف.
فكان ابن حزم في بداية الامر شافعي ثم
بعدها انتقل إلى الظاهرية، وله مصنفات من الكتب كثيرة ومنها الفصل في الملل والنحل
والمحلى وغيرهما، وله قدرة غريبة على الإِفتعال والإِختلاق أضافة الى جرأة في
التهجم على الناس وهي أهم مصداق بعدم الورع وعدم الالتزام بالصدق ونذكر آراء علماء
أهل السنة فيه وتقييمهم له:
فقال فيه أبو العباس بن العريف: ( إنّ لسان ابن
حزم وسيف الحجاج شقيقان).
وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان
فيما كتبه عنه في فصل طويل منه قوله : ( ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني اُمية
ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب).
وقال ابن العماد الحنبلي: ( كان ابن
حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت منه
القلوب).
وقال عنه مصطفى البرلسي البولاقي: أما
ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزناً كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره
لأنّه وأصحابه ظاهرية محضة تكاد عقولهم أن تكون مسخت ومن وصل إلى أن يقول إن بال
الشخص في الماء تنجس، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس.
كيف يقام له وزن ويعد في العقلاء
فضلاً عن العلماء، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشيء الذي لا
ينحصر.
ومن تأمل كذبه عن العلماء ولا سيما
إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أنّ الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حيّز
الإِهمال وعدم رفع رأس لشيءٍ صدر منه، راجع فيما كتبناه عن ابن حزم المراجع أدناه
فقد أفاضت في ترجمته وشرح حاله[1].
فبعد شهادة علماء أهل السنة التي هي
رمز لمحصلة آراء عن ابن حزم لدى العلماء فلا تستكثر عليه أن يقول في آخر فصله الذي
كتبه عن الشيعة: (والقوم -يعني الشيعة- بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة
وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال)[2].
فإن كان هذا وأمثاله مثل الشهرستاني هم الذين
يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك فرق تأريخ المسلمين فهل للأجيال القادمة أن تثق
بتاريخها وسيرة أسلافهم.
والأغرب من ذلك أنّ الذين ينتقدون
الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنّهم يحملون عليهم إذا انتقدوهم او وخزوهم أو
شتموهم، وأما إذا شتم الشهرستاني وابن حزم غيرهم مثل الشيعة فيعتبرون كلامهم صادق
ويؤخذ بأقواله ولا أي حساسية أو أعتراض منهم.
وفي القرن العشرين من تحت أروقة
جامعات حديثة يظهر ( محمد حسن هيتو) محقق كتاب المنخول للغزالي فعندما يمر ببعض
مواقف الغزالي لبعض المذاهب الإِسلامية مثل الإِمام مالك والإِمام أحمد بن حنبل
والإِمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً ومستهجناً حيناً آخر.
فمثلاً يذكر الغزالي عن ابي حنيفة
رأيه في أقل الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أولها وحدث في آخرها للخروج منها وبين
ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة بكلمة مدهامتاه بلغة فارسية إلى آخر ما
جاء عن أقل الصلاة في رأي أبي حنيفة.
وكما ذكر رأي الامام مالك بجواز قتل
ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين، وهكذا آراء بعض الأئمة
التي ذكرت.
فـ(محمد حسن هيتو) تلاحظهُ وقع في
ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي، أم يثبت ذلك وفيه الطعن الصريح على
أئمة المذاهب.
فتراه يقول هذه الأقوال نتيجة لمرحلة
مر بها الغزالي، وتخلص منها بعد ذلك، وأخرى يقول إنّ الغزالي فرد من مدرسة تؤيد
أهل الحديث وتطعن في أهل الرأي وذلك تعصب أقلع عنه الغزالي كما في مؤلفاته التي
صدرت بعد ذلك كالمستصفى المتأخر عن المنخول.
وهل هذا الإِعتذار يحل مشكلة وهي كون
الامام الغزالي إما صادق وإما كاذب.
فالذي يهمنا هنا أنّ محمد حسن هيتو
إذا الامام الغزالي[3] ذكر الرافضة وشتمهم ونال منهم لا
نجده يعلل الشتم بعصبية أو غيرها كأنّه يؤمن على كلامهُ. وحرصه على وحدة المسلمين
ليس من موارده.
الألباني جعل الإخبار
التشريعي إخبار غيبي: أن
الشيخ الألباني الذي انتقد ( تسرع ) إمامه ابن تيمية ، تسرع هو أيضاً وجعل من
الإخبار التشريعي إخباراً غيبية!
فلو صح ذلك لانتقض حديثه الذي صححه
وأحكمه، وهو قول النبيJ (من كنت مولاه فعلي مولاه ) ( وحيٌ يوحى )
فبناءاً على قول الالباني وجب عليه بأنه إخبار غيبي عما سيقع أن يكون عليA ولياًّ لكل المسلمين وسيداً لهم، وأنهم
سيكونوا معه كالعبيد كما كانوا مع رسول اللهJ.
وذلك لم يتحقق، بل العكس منه فقد
هاجموا بيت علي وفاطمةD في ثاني او ثالث يوم لوفاة النبيJ وهددوا المعتصمين فيه بإحراقه عليهم إن لم
يخرجوا ويبايعوا وبعدها أجبروا الامام عليA إجباراً على البيعة على حد قولهم ؟
والظاهر أن وصايا النبيJ لامام عليA كان بعضها معروفاً في حياته، ومن ذلك وصيته
له بأن يسجل مظلومياته ويقيم الحجة على القوم، ولا يقاتلهم ابدا من أجل الخلافة.
فلو لم يكونوا يعرفون ان الامام عليA موصى من قبل الرسولJ بعدم القتال، لما كانت عندهم جرأة أن
يهاجموا عليA في بيته بعشرين مسلح أو خمسين، يقتحمون
الدار، وبعدها يلقون القبض عليه، ويجر بحمائل سيفه للبيعة!.
لقد كان الامام عليA معجزةً في القوة والشجاعة، والهيبة والرعب
في قلوب الناس وخصوصاً اعداء الله تعالى.
وأكثر الذين هاجموا دارهA كانوا معروفين بالخوف والفرار في العديد من
الحروب. ولم يكن أحد منهم ولا من غيرهم يتجرأ من الوقوف بوجههA إذا جرد ذا الفقار!
ولكنهم كانوا مطمئنين جدا أن طاعته
للنبيJ تغلب شجاعته وغيرته، وسيعمل بالوصية، ولن
يجرد ذا الفقار، حتى لو ضربوا السيدةB وأسقطوا جنينها! وهناك الكثير من الامثلة
تحتاج لبحث مستقل فنكتفي بهذهِ الامثلة السريعة.
1 - حب ومودة فاطمة وعلي
واهل البيتD: حبّ النبيJ لفاطمةB كما عن ثوبان[4] قال:
كان رسول اللهJ إذا سافر كان آخر عهده بانسان من أهله فاطمةB، واول من يدخل عليها اذا قدم فاطمةB.
فقدم من غزاة وقد علقت مسحاً أو ستراً
على بابها وحلّت الحسن والحسينD قلبين من فضة، فقدم فلم يدخل، فظنت أن ما
منعه أن يدخل ما رأى، فهتكت الستر، وفككت القلبين عن الصبيين، وقطعته بينهما،
فانطلقا الى رسول اللهJ وهما يبكيان، فأخذه منهما وقال:
« يا ثوبان اذهب بهذا الى آل فلان ـ
أهل بيت بالمدينة ـ انّ هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم
الدنيا..».
وعن السيدة عائشة[6]
قالت: [ ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً (حديثاً وكلاماً) برسول اللهJ من فاطمةB. كانت إذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها
وقبّلها واجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت اليه فاخذت بيده فقبّلته
واجلسته في مجلسها]. فهذه مرتبة عظيمة للسيدة فاطمةB.
وجاء عن أبي هريرة: انّ الاقرع بن
حابس أبصر النبيJ وهو يقبّل حسيناًA، فقال انّ لي عشرة من الولد ما فعلت هذا
بواحد منهم، فقال رسول اللهJ: «من لا يَرحم لا يُرحم».
وورد عن السيدة عائشة والسيدة أُمّ
سلمةB قالتا:
أمرنا رسول اللهJ أن نجهزّ فاطمةB حتى ندخلها على عليA، فعمدنا الى البيت ففرشناه تراباً ليّناً من
اعراض[7]
البطحاء، ثم حشونا مرفقتين[8]
ليفاً فنفشناه بايدينا، ثم اطعمنا تمراً وزبيباً، وسقينا ماءً عذباً الى عود
فعرضنا في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ويعلقّ عليه السقاء، فما رأينا عرساً أحسن
من عرس فاطمة[9]B.
وعن عمر بن أبي سلمة[11]
قال: لما نزلت هذه الآية على النبيJ: (انّما يُريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرجسَ
أهل البيتِ ويُطهّركم تطهيراً) في بيت أُمّ سلمةB، فدعا فاطمةB وحسناً وحسيناًD فجللهم بكساء، وعليA خلف ظهره فجلله بكساء.
ثم قالJ: « اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيرا». قالت أُمّ سلمةB: وانا معهم يا نبي الله؟ قالJ: «انت على مكانك، وانت على خير».
وعن جابر بن عبداللهE: انّ النبيJ قال لعليA: « انت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ
انّه لا نبي بعدي»[13].
وعن ابن عباس: انّ النبيJ أمر بسد الابواب إلاّ باب عليA. وعنهE: أول من صلّى عليA. وعن زيد بن ارقم: أول من أسلم عليA.
وعن حذيفة[14]:..
قال J: « انّ هذا ملك لم ينزل الارض قط قبل
الليلة، استاذن ربّه ان يسلّم عليَّ ويبشرني بانّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وان
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
وعن جابر[15]E: رأيت رسول اللهJ في حجّة يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب
فسمعته يقول: « يا أيّها الناس أنّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا: كتاب
الله، وعترتي أهل بيتي».
وعن زيد بن ارقم[16]:
قال رسول الله J: « انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا
بعدي احدهما اعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل
بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
وحدثنا سهل بن أبي سهل ومحمّد بن
إسماعيل قالا[17]:
حدثنا عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن
جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبD قال: قال رسول اللهJ:
« الايمان معرفة بالقلب، وقول
باللسان، وعمل بالاركان». قال أبو الصلت: لو قرِىء هذا الاسناد على مجنون لبرأ.
2 - ولاية الامام علي بن
ابي طالبD: جاء عن البراء بن عازب[18]
قال: اقبلنا مع رسول اللهJ في حجّته التي حجّ، فنزل في بعض الطريق،
فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليA فقالJ:
« ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم».
قالوا: بلى. قالJ: «ألست أولى بكل مؤمن من نفسه». قالوا: بلى.
قالJ: « فهذا ولي من أنا مولاه، أللّهمّ وال من
والاه، أللّهم عاد من عاداه».
وعن عمران بن حصين[19]
قال: بعث رسول اللهJ وسلم جيشاً.. فاقبل اليه رسول اللهJ والغضب يعرف في وجهه فقالJ:
« ما تريدون من علي، ما تريدون من
علي، ما تريدون من علي، انّ عليّاً مني وانا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي».
وعن أبي الطفيل[20] يحدّث عن أبي سريحة أو زيد بن ارقم ـ شك شعبة ـ
عن النبيJ قال: « من كنت مولاه فعليّ مولاه».
وعن سعد بن أبي وقاص[21]
قال: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد
وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول اللهJ يقول: « من كنت مولاه فعليّ مولاه».
وسمعته يقولJ: «انت مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ انّه
لا نبي بعدي». وسمعته يقولJ: «لاَعطين الراية اليوم رجلاً يُحبّ الله
ورسوله».
في يوم كان أبو ليلى[22]
يسمر مع عليٍّA، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب
الشتاء في الصيف، فقلنا لو سألته؟ فقال: انّ رسول اللهJ بعث اليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر... فتفل
في عيني ثم قال: «اللّهم اذهب عنه الحر والبرد».
قالA: فما وجدت حرّاً ولا برداً بعد يومئذ. وقالJ: « لاَبعثنَّ رجلاً يُحبّ الله ورسوله
ويُحبُّه الله ورسوله ليس بفرار» فتشرَّف له الناس فبعث الى عليٍّA فأعطاه إياه.
وعن الامام علي[25] A قال: « انا عبدالله، وأخو رسولهJ، وانا الصدّيق الاَكبر، لا يقولها بعدي إلاّ
كذّاب، صلّيت قبل الناس لسبع سنين».
وجاء عن الزوائد: هذا اسناد صحيح
رجاله ثقات، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وعن العباس بن عبد المطلب: كنّا نلقى
النفر من قريش وهم يتحدّثون، فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول اللهJ فقال: « ما بال اقوام يتحدّثون، فإذا رأوا
الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم، والله لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبّهم لله
ولقرابتهم مني»[26].
وجاء عن أبي هريرة: قال رسول اللهJ: « من أحبَّ الحسن والحسين فقد أحبّني، ومن
ابغضهما فقد ابغضني»[27].
وعن يعلى بن مرّة[28]:
انّهم خرجوا مع النبيJ الى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة،
فتقدّم النبيJ، أمام القوم وبسط يديه، فجعل الغلام يفرّ
ههنا وههنا ويضاحكه النبيJ حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والاُخرى
في فأس رأسه فقبّله وقالJ: « حسين منّي وأنا من حسين، اُحبَّ الله من
أحبَّ حسيناً، حسين سبط من الاَسباط».
وعن زيد بن ارقم[29]:
قال رسول اللهJ لعلي وفاطمة والحسن والحسينD: « أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم».
وعن بريدة[30]:
قال رسول اللهJ: « انّ الله أمرني بحبّ أربعة، وأخبرني انّه
يحبّهم». قيل: يا رسول الله من هم؟ قالJ: « عليّ منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ وأبو ذر
وسلمان والمقداد».
وعن بريدة[31]:
رأيت رسول اللهJ يخطب، فاقبل حسن وحسينD عليهما قميصان احمران يعثران ويقومان، فنزل
النبيJ فأخذهما فوضعهما في حجره، فقال: « صدق الله
ورسوله (انّما أموالكم وأولادكم فتنة) رايت هذين فلم أصبر» ثم أخذ في خطبته.
وعن أُمّ الفضلI: يا رسول الله رأيت كأن في بيتي عضواً من
اعضائك، قال: «خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فترضعيه فولدت حسيناً أو حسناً
فارضعته بلبن قثم...» [33].
واما الولاية التكوينية للامام عليA وما هو المراد بالولاية التكوينية, وهل هي
ثابتة لأهل البيتD نقول:
ما هو حكم منكرها على فرض ثبوتها وهل
يجب عليك الأعتقاد بها, وما هي حدود علمهمD هل هو حضوري أم متعلق بالمشيئة.
وهل هو اجمالي أم تفصيلي, وهل المراد
من تنزل الملائكة والروح فيها نزولها على ألأئمةD بعد النبي ألاكرمJ وهل أن عصمتهمD كعصمة جدهم النبيJ أم أنها نسبية؟
نقول : ان معنى الولاية التكوينية لها
العديد من المعانٍي ذكرها العلماء في كتبهم، بعضها شرك محرم، وهي القائلة من أنّ
معنى الولاية التكوينية لغير الله. لإنّهم يتصرفون بالكون والخلق بانفصال عن إرادة
الله، أو أنّ الله تعالى قد فوّض إليهم شؤون العالم، وهذه المعاني كما ذكرنا قد
اتفق العلماء على استلزامها للشرك المحرم.
وأما إن كان معنى الولاية التكوينية
غير هذا، بل هو تصرف في الكون باشارة الله تعالى وإرادته فلا مانع منه ولا محذور
فيه ، وقد وقع هذا عند غير أهل البيتD كما ذكره القرآن في قصة آصف وزير سليمانA بقوله تعالى:
( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا
آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك، فلّما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل الله..)[34].
وهنالك معاني أخر لا تصل إلى المعنى
الاول (الشرك) وإن كانت أعمق من الثاني (تصرف بالكون باشارة الله تعالى) أعرضنا
عنها لغرض الاختصار.
وأما ثبوتها لأهل البيتD فلا شك في ذلك ولا شبهة (عدا المعنى الاول
الذي استلزم الشرك والتفويض المحرم) ويكفي الدلالة عليه الآية التي ذكرناها قصة آصف
(فمن كان عنده علم من الكتاب) ولاحظ هنا (من) تبعيضية يستطيع أن يتصرف في شؤون
الكون وينقل بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس.
فكيف لا يستطيع وأكثر منه من تجد عنده
علم الكتاب (أي جميع الكتاب) وقد جاءت الاحاديث الكثيرة من أن أهل البيتD عندهم علم جميع الكتاب، ولاحظ القرآن الكريم
صريح في ذلك حيث قال في إشارة إلى الكتاب الكريم (وما يعلم تأويله إلا الله
والراسخون في العلم)[35].
وأما حكم المنكر لها أو وجوب الاعتقاد
بها, فإنّ مقامات أهل البيتD كثيرة جداً ولا يصل إلى إدراكها إلا ذو حظ
عظيم، وهذا ما نجده في بعض الاحاديث المستفيضة وقد اشارت إليه فعن الامام الصادقA انّه قال: (..فمن عرف فاطمة حقَّ معرفتها
فقد أدرك ليلة القدر وإنما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها)[36].
فالذنب كل الذنب في إنكارها وجحدها
وظلمها بدون دليل وعلم لمجرد قصور الذهن وعدم التفاعل.
واما حدود علمهمD وهل هو حضوري أم متعلق بالمشيئة, هنا إختلفت
وجهات النظر لعلمائنا الابرار تبعاً لاختلاف الروايات في ذلك، مضافاً لوجود أسباب
أخرى نابعة من تفاوت المعرفة لهذه الحقائق القدسية.
والقول من أن علمهم حضوري فهو يستلزم
القول بالعلم التفصيلي لهم فلا تحضر المعلومات إلا باعيانها وعناوينها وهذا يقتضي
التفصيل.
وإن قلنا أنّه متعلق بالمشيئة امكن
أحتمال أمرين فلربّما تعلّقت مشيئتهم بالعلم على نحو الاجمال، وربما كان العلم على
نحو التفصيل, وللتفصيل اكثر انظر كتاب الشيخ محمد الحسين المظفرH.
وأما عصمتهمD فهي كعصمة جدهم النبيJ بالأدلة العقلية والنقلية المذكورة, وتجد
هنالك روايات تشير الى نزول الملائكة في ليلة القدر وفي غيرها على أهل البيتD. والله العالم.
[1]- راجع : ولسان الميزان 4/199 وشذرات
الذهب 3/299 والسيف اليماني للبرلسي رسالة صغيرة مع عدة رسائل، ووفيات الأعيان
1/369.
[2]- الفصل في المل والنحل 4/181.
[3]- المنخول للغزالي ص354، و488.
[4] - سنن أبي داود 4: 85 كتاب الترجل.
[5] - سنن أبي داود 4: 330 كتاب الادب.
[6] - سنن أبي داود 4: 357 كتاب الادب.
[7] - الاعراض : الجوانب.
[8] - مرفقتين : مخدتين.
[9] - سنن ابن ماجه رقم 1911 كتاب النكاح.
[10] - جامع الترمذي 2: 93.
[11] - جامع الترمذي 3: 92.
[12] - نفس المصدر 214.
[13] - الترمذي 3: 215.
[14] - نفس المصدر 3: 226.
[15] - جامع الترمذي 3 : 226.
[16] - نفس المصدر 3: 227.
[17] - مقدمة نفس المصدر: 65.
[18] - مقدمة نفس المصدر 116.
[19] - جامع الترمذي 3: 213.
[20] - نفس المصدر.
[21] - مقدمة سنن ابن ماجة رقم 121.
[22] - (أي اعطى الراية اياه) مقدمة سنن
ابن ماجة رقم 117.
[23] - مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
[24] - نفس المصدر.
[25] - نفس المصدر رقم 120.
[26] - مقدمة سنن ابن ماجة رقم 140.
[27] - نفس المصدر رقم 143.
[28] - مقدمة سنن ابن ماجة رقم 144.
[29] - مقدمة سنن ابن ماجة رقم 145.
[30] - نفس المصدر رقم 149.
[31] - سنن ابن ماجة رقم 3600 كتاب اللباس.
[32] - سنن ابن ماجة رقم 3666.
[33] - سنن ابن ماجة رقم 3923 كتاب
تعبير الرؤيا.
[34] - سورة النمل الاية40.
[35] - سورة ال عمران الاية7.
[36] - تفسير فرات الكوفي H 581 ح 747 عنه اخذها المجلسيH في البحار 43/65.