الأربعاء، 12 أبريل 2017

إعجاز البيان في سورة القارعة وصور التمثيل لها


إعجاز البيان في سورة القارعة وصور التمثيل لها
إعجاز البيان في سورة القارعة : جاء في كتاب الله الكريم كما في قوله تعالى: ( الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)[1].
قال الشيخ الطوسي u في تفسير التبيان ان السورة مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي إحدى عشرة آية في الكوفي. وعشر في المدنيين وثمان في البصري.
افتتح الله تعالى هذه السورة الكريمة بلفظ (الْقَارِعَةُ) وهو افتتاح مرعب للنفوس. فيه ترويع وتخويف، وفيه إثارة وتشويق إلى معرفة ما سيأتي بعده من خبرها.
وتلاحظ انه قد ألقى باللفظ سبحانه مفردًا؛ مثل القذيفة هكذا: (الْقَارِعَةُ) من دون خبر، ولا صفة تذكر؛ لكي يلقي بظله، وجرسه على الإيحاء المدوِّي، فيقرع بهوله جميع القلوب.
ثم بعد ذلك عقَّب سبحانه وتعالى على هذا الإجمال والإبهام من خلال سؤال التهويل والتعظيم عن ماهيَّة هذه القارعة؛ لكي يثير في النفوس الدهشة من هولها، والتساؤل عن معرفة حقيقتها[2].
ثم بعدها أتبعه بسؤال ثاني، يزيد في التهويل من أمرها، والتعظيم من شأنها، كما في قوله تعالى: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)[3].
ولفظة (الْقَارِعَةُ) هي وصف مشتق من القرع على وزن الفاعلة. وكلمة (القرع) هو ضرب أي جسم بآخر موصوف بشدة، له صوت وأطلق مجازاً على الصوت، الذي يتأثر منه السامع تأثُّر خوف، أو اتعاظ او امتعاظ.
وكما يقال: قَرَّع فُلاناً، بالتشديد. أي بمعنى: زجره وعَنَّفه بصوت شديد. ويقال: قرَعه، بالتخفيف. أي بمعنى: ضربه بالعصا، أو غيرها ضربًا عنيفًا كما هو قول المتنبي حينما انشد قال:
العبد يقرع بالعصا * والحر تكفيه الإشارة
وكذلك أطلق لفظ كلمة (الْقَارِعَةُ) على الحدث العظيم، وإن لم يكن من الأصوات، كما منه قول العرب في عبارة:
قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، حينما يوقع او يحدث بهم أمر فظيع عظيم مهول، وعلى هذا المعنى جاءت عبارة قوله تعالى: (وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ)[4].
أي بمعنى أن داهية تقرعهم بأنواع صنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب، وغيرها. ولاحظ انه أنِّث لفظ كلمة القارعة؛ لغرض تأويلها بالحادثة أو الكائنة.
وعليه فالمقصود او المراد بلفظة (الْقَارِعَةُ) هنا: هي الحادثة العظيمة، أو الشديدة من شدائد الدهور, وعلى القول[5] من أنها اسم من أسماء القيامة، مثل الحَاقَّة، والطَّامَّة، والصَّاخَّة، والآزِفَة، والوَاقِعَة.
كما ذكر الشيخ الطوسي u في تفسير التبيان معنى (القارعة) هي البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة تقول:
قرع يقرع قرعا وهو الصوت بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة، وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف، وقرع رأسه إذا ضرب في أعلى الشعر حتى يذهبه، والقرعة كالضرب بالفال. وقال وكيع: القارعة، والواقعة، والحاقة القيامة.
واما الشيء إذا عظُم خطره، كثُرت أسماؤه كما روي ذلك عن الإمام علي A كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمَّى.
ومعلوم أن ذلك لا يعتبر من المترادفات؛ فإن لكل اسم دلالته على معنى خاص به. وفي الحقيقة أن لكل شيء اسم واحد، وما عدا ذلك صفات له، وكل صفة منها معناها غير المعنى الأول.
ومثلهِ ذكر الشيخ الطبرسيu في تفسير مجمع البيان هي القارعة الشديدة من شدائد الدهر ومنه سميت القيامة قارعة وأصله من القرع وهو الضرب ومقارعة الأبطال ضرب بعضهم بعضا وقوارع القرآن الآيات التي من قرأها أمن من الشيطان كأنها تضرب الشياطين إذا قرئت.
أذاَ فلفظة (الحَاقَّةُ) هي التي يحق فيها وعد الله تعالى بالبعث والجزاء. واما لفظة (الطَّامَّةُ) هي التي تطمُّ، وتعم بأحوالها. واما لفظة (الصَّاخَّةُ) هي التي تصخُّ الآذان.
أي بمعنى : يصم صوتها الآذان لما تصحبه من جرس عنيف نافذ، يكاد يخترق صماخ الأذن. وكما يقال: صخَّتهم الصاخَّة، ونابتهم النائبة. واما لفظة (الآزِفَةُ) هي التي تزِف، بتخفيف الزاي وكسرها. أي بمعنى: تقترب.
وتجد الفرق بين عبارة قوله: (أَزِفَتْ الْآزِفَةُ)[6] وعبارة قوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)[7] هو أن لفظة (الأَزَفَ) هو ضيق الوقت، ولهذا عُبِّرَ عنه في الثانية بلفظة (الساعة).
واما لفظة (الوَاقِعَةُ) هي التي يصدق وقوعها، فليس لاي نفس أن تكذِّب بها او أن تنفيها؛ كما نفتها في الدنيا كما في عبارة قوله: (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ)[8].
وأما لفظة كلمة (الْقَارِعَةُ) فهي التي تقرع الناس بالأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم والكواكب بالطمس والانكدار وغيرها.
وذهب جميع المفسرين أن عبارة قوله تعالى:  (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ) أشدُّ هولاً من عبارة قوله تعالى: (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ)؛ لأن النازل آخرًا لابد، من أن يكون أبلغ؛ وذلك لأن المقصود منه زيادة التنبيه. وهذه الزيادة لا تحصل إلا إذا كانت هي أقوى.
أما بالنظر إلى المعنى فلفظة كلمة (الْحَاقَّةُ) هي أشدُّ وذلك كونها راجعة إلى معنى: وهو العدل، ولفظة كلمة (الْقَارِعَةُ) هي أشد وذلك كونها تهجم على القلوب بالأمر الهائل.
( أ ) – الاية الاولى والثانية والثالثة: لاحظ انه لو تأملت قول الله تعالى: ( الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ) وكيف وضعت لفظة (الْقَارِعَةُ) في الآية الرابعة موضع ضمير لفظة (الْحَاقَّة).
 فكان ينبغي من أن يقال عبارة : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِهَا ). وإنما أتى الله سبحانه وتعالى- هنا- بلفظ كلمة (الْقَارِعَةُ)؛ لكي تدل على معنى القرع في لفظة (الْحَاقَّة) وهو زيادة في وصف شدَّتها وهولها.
ولكن أما عبارة قوله تعالى: (مَا الْقَارِعَةُ) فهي تعتبر استفهام ويراد به التهويل والتعظيم على طريقة المجاز المرسل؛ وذلك لأن الأمر العظيم من شأنه أن يستفهم عنه، فتحصل التعظيم والتهويل مع الاستفهام متلازمان.
لان الأصل فيه عبارة قوله: (الْقَارِعَةُ * مَا هِيَ ) أي بمعنىفي عبارة: أيُّ شيء عظيم مَهول هي. لذلك وضع الاسم الظاهر موضع المضمَر من باب التفخيم لشأنها، وتفظيعًا لهولها.
وتجد مثل ذلك قولك في عبارة: زيد، ما زيد؟ جعلته لانقطاع قرينه، وعدم نظيره؛ كأنه شيء خَفِيَ عليك جنسه، وهنا أنت تسأل عن جنسه، وتفحص عن جوهره؛ كما تقول في عبارة: الغول، ما الغول؟ ومثله في عبارة: العنقاء، ما العنقاء؟ تريد تستفهم المعنى وهي عبارة: أيُّ شيء من الأشياء هي؟
ولهذا تلاحظ انه قول السكاكي: يُسأل بـ( ما ) عن الجنس. تقول: ما عندك؟ أي: أيُّ الأشياء عندك؟ وجوابه: إنسان، فرس، كتاب. وكذلك تقول: ما الكلمة؟ وما الكلام؟ وفي التنزيل: (فَمَا خَطْبُكُمْ)[9]؟.
أو لا لكي يُسْأل بها عن الوصف، تقول: تقول عبارة: ما زيد؟ وما عمرو؟ وجوابه في عبارة: كريم، أو فاضل، ونحوهما.
ولكن قيل[10] لفظة ( مَا ) وضعت لغرض طلب ماهيَّات الأشياء وحقائقها. كما تقول في عبارة: ما الملك؟ وما الروح؟ وما الجن؟ والمراد في العبارة: طلب ماهيَّاتها، وشرح حقائقها.
وكل ذلك يقتضي من كون ذلك المطلوب مجهول. ثم إن الشيء العظيم، الذي يكون لعظمه وتفاقم مرتبته، وتجد العقل يعجز عن أن يحيط بكنهه، فهو يبقى مجهولاً؛ فحصل بين الشيء المطلوب بلفظة (مَا) وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه.
وتعتبر المشابهة هي إحدى أسباب المجاز، فمن خلال هذا جُعِل لفظة (مَا) من باب الدليل على عظمة حال ذلك المطلوب، وعلو شأنه ورتبته.
وحينما كان هول الشيء وعظمته يستلزم تساؤل الناس عنه، تلاحظ انه أتبعه الله تعالى في عبارة قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) وهي للزيادة في التهويل، والمبالغة في التعظيم.
وتجد الخطاب فيه لغير معين، ومعناه في عبارة: أيُّ شيء أدراك أيها السامع: ما القارعة؟ ولك أن تجعل هذا الاستفهام إنكاريًا. أي بمعنى انه لا دراية لك بكنهها، ومدى عظمتها وشدتها.
وبمعنى اخر : أنها في العظم والشدة، من حيث لا يبلغه دراية أي أحد، ولا وهمه. وكيفما قدرت وصورت حالها فهي أعظم من ذلك وأعظم، فلا يتسنى لك الإعلام عنها ابداً.
فمن ذلك تعرف من أن الاستفهام- هنا- كُنِّيَ به عن لازمه من أنها لا تعلم، ولا يصل إليها دراية أي دارِ، ولن تبلغ كنهها الأفكار والأوهام والتصورات؛ وذلك لأنها أكبر من أن يحيط بها الإدراك, وتبلغ درايتها الوهم، ويلمُّ ويحيط بها التصور.
واما الدراية[11] فهي المعرفة المُدْرَكة بضرب من الختل؛ ولهذا لا تستعمل الدراية في الله سبحانه وتعالى. وأما كلاك قول الشاعر حينما انشد: (لاهُمَّ لا أدري وأنت الداري). قصده: اللهم أنت الداري، فهو من تعجْرُف أجلاف العرب.
وتلاحظ ان أصل لفظة ( درى ) الثلاثي أن يتعدى بالباء، وقد تحذف على قلَّة. كما يقال: دريت به، ودريته. فإذا دخلت عليه همزة التعدية تراه تعدَّى إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بلفظة (الباء). كما يقال في عبارة: أدريت فلانًا بالأمر، ومنه عبارة قوله تعالى: (وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ)[12].
ويمكن ان يتعدَّى إلى ثلاثة مفاعيل، فيكون من باب: أعلم، وأرى. كما تقول في عبارة: أدريت فلانًا الأمر سهلاً؛ كما تقول مثله في لفظة: أعلمته، وأريته.
وقد يعلق عن المفعول الثاني والثالث من خلال همزة الإنكار، أو بلفظة (ما) المتضمنة لها. فمن مثال الأول كما أنشد زهير بن أبي سُلمَى فقال:
وما أدري وسوف إخال أدري * أقومٌ آل حصن أم نساء
واما من مثال الثاني كما في عبارة كتابه العزيز قوله تعالى: ( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ولا الإيمَانُ )[13].
وتركيب عبارة قوله: ( مَا أدراك ما كذا ) هو مما جرى مجرى المثل، فلا يغير عن هذا اللفظ، وهو مركَّب من لفظة (ما) الاستفهامية، وكلمة فعل (أدرى) الذي يتعدى بهمزة التعدية إلى ثلاثة مفاعيل، وقد علق عن المفعولين الثاني والثالث بلفظة (ما) الاستفهامية الثانية.
وحرف كاف الخطاب فيه - كما سبق- هي خطاب لغير معين؛ فلذلك إذا خوطب به غير المفرد المذكر، فلا يقترن بضمير تثنية، أو جمع، أو تأنيث.
وتلاحظ انه استعمال عبارة قوله : ( ما أدراك ما كذا ) هي غير استعمال عبارة ( ما يدريك ) كما في عبارة قوله تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ )[14]. وعبارة قوله تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً )[15]. وعبارة قوله تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى )[16].
كما روي عن سفيان بن عيينة: كل شيء في القرآن (وَمَا أَدْرَاكَ) فقد أُخبِر الرسولo به، وكل شيء فيه (وَمَا يُدْرِيكَ )؟ لم يُخبَر به.
وكما ذكر في مستدرك سفينة البحار أنّ للقرآن ظهراً وبطناً وأنّ علم كلّ شيء في القرآن وأنّ علم ذلك عند الأئمّة D ولا يعلمه غيرهم إلاّ بتعليمهم[17].
وقد روي نحو هذا أيضًا كما عن ابن عباس F وعن يحيى بن سلاّم. فإن مرادهم أن المفعول في عبارة قوله: (مَا أَدْرَاكَ) محقق الوقوع.
وذلك لأن الاستفهام فيه للتهويل، وأن المفعول في عبارة قوله: (مَا يُدْرِيكَ) غير محقق الوقوع؛ وذلك لأن الاستفهام فيه للإِنكار المجرَّد، وهو في معنى نفي الدراية.
وهو كما قال الشيخ الطوسي u في تفسير التبيان : قال سفيان: يقال للمعلوم ما أدراك، ولما ليس بمعلوم: وما يدريك في جميع القرآن. وإنما قال لمن يعلمها: ما أدراك لانه إنما يعلمها بالصفة، فعلى ذلك قال تفخيما لشأنها أى كأنك لست تعلمها إذا لم تعاينها وترى ما فيها من الاهوال.
وكل ما في القرآن بلفظ الماضي، فقد أدراه o وما كان بلفظ يدريه، فلم يعلمه، يقال: دريت الشئ دراية أى علمته، ودريت الصيد أى ختلته ودرأته دفعته.
وهو كما ذكر الراغب الأصفهاني فقال: كل موضع ذُكر في القرآن (وَمَا أَدْرَاكَ)؟ فقد عُقِّب ببيانه؛ نحو: قوله تعالى : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ )[18]. قوله تعالى : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ )[19]. قوله تعالى : ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ )[20].
فكل موضع ذكر فيه عبارة قوله: (مَا يُدْرِيكَ) لم يُعقِّبْه بذلك؛ كما في عبارة قوله: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)[21] وعبارة قوله تعالى: ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)[22].
( ب ) – الاية الرابعة والخامسة : تلاحظ في كتاب الله العزيز من السورة قوله تعالى: ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ).
وهي جواب لقوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ )[23].
وقد كان حق هذا الجواب من أن يكون في ماهيَّة القارعة وحقيقتها، لا بما يكون فيها من أحوالها. ولكن تجده عدِل عن الأول إلى هذا؛ وذلك لأن ماهيتها وحقيقتها-ذكر مسبقاً- هي أكبر من أن يحيط بها الإدراك, ويبلغ درايتها ذلك الوهم، ويلم بحقيقتها التصورات.
وتجد انه قد بين الله تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين حالاً من أحوال الوقعة وهي كلمة (القارعة)، ومن ثم بين بعض أحوالها الأخرى في سورة (الواقعة) من أنها خافضة رافعة.
وتجد في لفظة ( الحاقة ) هو ما أصاب ثمود وعاد وحلَّ بهم وذلك بسبب تكذيبهم بـ(القارعة). وفي عبارة قوله: ( الطامة والصاخة ) ينظر المرء ما قدَّمت يداه.
وتلاحظ انه قد ذكر الله سبحانه وتعالى مع كل حالة من هذه الحالات الحال الذي يناسبها. ولفظة القارعة هي من القرع؛ وكما سبق وان قلنا هو ضرب جسم بآخر بشدة يخرج لها صوت، فناسب أن يذكر معها ما يوهن قوى الإنسان إلى ضعف الفراش المبثوث، وكذلك يفكك ترابط الجبال وتماسكها إلى هباء العهن المنفوش.
كما ذكر الشيخ الطوسيu في التبيان قال والمعنى إن القارعة التي وصفها وذكرها تقرع القلوب يوم تكون الناس بهذه الصفة.
والفراش الجرات الذي ينفرش ويركب بعضه بعضا، وهو غوغاء الجراد هذا على قول الفراء.
وقال ابوعبيدة : هو طير يتفرش وليس بذباب، ولا بعوض. وقال قتادة: الفراش هو هذا الطير الذي يتساقط في النار والسراج.
والمبثوث المتفرق في الجهات، كأنه محمول على الذهاب فيها، يقال: بثه يبثه إذا فرقه، وأبثثته الحديث إذا ألفيته اليه كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين.
وعبارة قوله: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) فالعهن الصوف الالوان - في قول أبي عبيدة – كما أنشد زهير[24]  قال:
كأن فتات العهن في كل منزل * نزلن به حب الفنا لم يحطم
ولفظة كلمة (الفَرَاشُ) هو فرخ الجَراد، حينما يخرُج من بيضه من الأرض. وقد يطلق لفظه على ما يطير من الحشرات، ويتساقط على النار ليْلاً. وهو إطلاق آخر، لا يتناسب مع تفسيرُ لفظ الآية به هنا.
ومثلهِ قال الفرَّاء: هو غوغاء الجراد، الذي ينتشر في الأرض، ويركب بعضه بعضًا من الهول.
واما صاحب التأويلات قال : اختلفوا في تأويله على وجوه؛ لكن كلها ترجع إلى معنى واحد، وهو الإشارة إلى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم.
ولظة كلمة (الْمَبْثُوث) هو المتفرق على وجه الأرض في كل الجهات. ومن أمثال العرب قولهم في عبارة: (أطيش من فراشة) وعبارة (أضعف من فراشة) وعبارة (وأذل وأجهل من فراشة).
وتجد في عبارة قوله تعالى هنا: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) فقد شبه الناس يوم البعث بالفراش المبثوث. وكذلك في العبارة بموضع آخر قوله: ( يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ )[25].
فقد شبههم على شكل الجراد المنتشر. وقد سبق أن ذكرنا إلى أن معنى كلمة الفراش هو فرخ الجراد، أو تعتبره غوغاء الجراد، فما وجه التشبيه في كل منهما.
فأما وجه تشبيههم بالجراد فكما قيل هي: الكثرة، والتتابع. وأما وجه التشبيه بالفراش فكما قيل هو: شبِّه الناس بالفراش المتفرق المتطاير في الكثرة والانتشار، وما يلحقه من الضعف والمذلة.
وكذلك المجيء والذهاب والتطاير على غير نظامهم، إلى الداعي من كل جهة حينما يدعوهم إلى المحشر؛ وذلك لأن الفراش إذا ثار، لم يتَّجه لجهة واحدة فقط؛ بل تلاحظ كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى.
فلو ان الذين يكتبون ويتحدثون عن كيفية ابتداء الخلق (اهل النظريات) أن يقرنوا فيما بين عبارة هذه الآية: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ)[26] وبين عبارة قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)[27].
لعلهم يتراجعون ويدركون سبب تخصيص اللفظ هنا بكلمة (البشر) بالذكر من دون ان ياتي بلفظ كلمة (الناس)، وسبب تشبيههم بلفظة كلمة (الجراد) في الانتشار يوم خلقهم من تراب، ويوم بعثهم، ثم بعدها يتأملون العبارة في قول الله تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)[28].
ولفظة كلمة (الْعِهْنُ) هو الصوف المصبوغ باللون الأحمر، ولكن قيل هو المصبوغ ألوانًا. وكما قال صاحب تفسير الميزان الطباطبائيu العهن مطلق الصوف، ولعل المراد المنفوش منه كما في عبارة قوله تعالى: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش)[29].
 وتجد في قراءة ابن مسعودE: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْصُّوفِ الْمَنْفُوشِ. وذكر زهير بن أبي سُلمَى حينما أنشد فقال:
كأنَّ فُتات العِهن في كل منزلٍ * نَزَلْنَ به حبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ
ولفظة كلمة (الفَنَا) بالقصر: هو حَبٌّ في البادية، يسمى عنب الثعلب، ويتميز بألوان بعضه أخضر، وبعضه أصفر، وبعضه أحمر. وام لفظة كلمة (العهنة): هي شجرة تنبت في البادية ولها ورد أحمر.
ولفظة كلمة (الْمَنْفُوشِ) هو المفرَّق، بعض أجزائه عن بعض؛ لكي يغزَل، أو تحشَى به الحشايا، فعندما يضرب بالعصا، تتطاير منه أجزاؤه.
واما وجه التشبيه بين لفظة كلمة (الجبال)، وعبارة (العهن المنفوش): هي أن من الجبال؛ كما في عبارة قوله تعالى: (جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)[30].
فتلاحظ هي مختلفة الألوان بحجارتها ونبتها، وكذلك الصوف هي مختلفة ألوانه. فهي تشبهه من هذه الجهة، ثم هي تشبهه من جهة آخرى، وهي أنها إذا بسَّت، أي بمعنى طيِّرت في الجو كما يتطاير الصوف.
كما في الحديث النبوي عن الامام قال الحسن المجتبىA: تسير الجبال مع الرياح، ثم تنهدُّ، ثم تصير كالعهن، ثم تنسف، فتصير هباء.
وتجد إعادة لفظ الكون مع حرف العطف في لفظة (تَكُونُ - وَتَكُونُ) للإِشارة إلى اختلاف الكونين؛ فأولهما كونُ إيجاد، واما الثاني هو كونُ اضمحلال، وكلاهما علامة على زوال العالم، وظهور عالم آخر. وقد قيل: كرَّر ذلك؛ لأن التكرير في مثل مقامنا أبلغ في التحذير.
وكما هو في عبارة قول الله تعالى هنا: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) وقال في عبارة بموضع آخر قوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ )[31].
فجاء بالعهن موصوفًا بالنفش كما في الآية الأولى، وجاء به غير موصوف كما في الآية الثانية، فما هو سبب البيان في ذلك.
جوابه هو أن الغاية والغرض من هذا التشبيه في سورة القارعة هو غيره في سورة المعارج او مختلف عنه.
ولغرض التوضيح والبيان أن القارعة كما سبق وان ذكرنا هي مأخوذة من القرع، وهو ضرب جسم بآخر بشدة، لهما صوت، فمن المناسب أن يذكر معها من أحوالها في ذلك اليوم المهول ما يوهِن قوة الإنسان إلى ضعف الفراش المبثوث، وهو الذي يفكك ترابط الجبال وتماسكها إلى هباء العهن المنفوش.
فقد شبَّه الله تعالى أحوال الناس بذلك اليوم في كثرتهم وحيرتهم واضطرابهم وانتشارهم في كل الجهات مثل الفراش المبثوث، ثم بعدها شبَّه الجبال في اختلاف ألوانها وتفكك أجزائها وتطايرها الى هباء في الجو بالصوف المنفوش.
وهنا تناسب فيما بين المشبَّه، والمشبَّه به من جهة، ثم تناسب فيما بين التشبيه في الصورة الثانية، مع التشبيه في الصورة الأولى، فجاءت عبارة قوله تعالى: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ).
وأما ما موجود في آية المعارج فقد ذكر الله تعالى من أحوال ذلك اليوم، الذي وصفه في عبارة قوله تعالى: (فِيْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[32].
فمن هو الذي يحيل بناء السماء ولونها، إلى صورة المهل المذاب ولونه، ومن ثم يحيل تماسك الجبال وثقلها وألوانها، إلى وهن العهن الخفيف وألوانه. هو نفسه الذي شبَّه السماء في ذلك اليوم بالمهل، وشبَّه الجبال بالعهن وهو الله سبحانه وتعالى عما يصفون.
تجده قد ناسب بين المشبَّه والمشبَّه به من جهة، ثم بعدها ناسب فيما بين التشبيه في الصورة الثانية، مع التشبيه في الصورة الأولى؛ وهو كما في عبارة قوله تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ)[33].
واما وجه التشبيه فيما بين لفظة كلمة (السماء)، ولفظة كلمة (المهل) هي: أن السماء تذاب في ذلك اليوم، وتصير مثل الفضة المذابة.
وكما قيل لفظة كلمة المهل: هي ما أذيب من النحاس والرصاص، وما أشبه ذلك. وقد قالها غير واحد هو ان المهل ما أذيب على مهل من الفلزات. والمراد به هو يوم تكون السماء واهية.
وجاء عن عبد بن حميد عن قتادة في الآية الكريمة قوله: إن السماء الآن خضراء، وإنها تحول يوم القيامة لونًا آخر إلى الحمرة.
ومثلهِ سئل ابن مسعودEعن قوله تعالى: (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)[34] فدعا بفضة، فأذابها، فجعلت تميع، وتلوَّن، فقال: هذا من أشبه ما أنتم راءون بالمهل).
وهو كما روي في تفسير نور الثقلين عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده D قالA :
قال أمير المؤمنين A ان أهل النار لما غلى الزقوم والضريع في بطونهم كغلى الحميم سألوا الشراب، فأتوا بشراب غساق وصديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ، وحميم يغلى به جهنم منذ خلقت، كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا.
وجاء في تفسير العياشيu عن عبدالله بن سنان عن أبى A قال: ابن آدم خلق أجوف لا بد له من الطعام والشراب، فقال: ( وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه).
قال الأزهري : ومثله قوله : (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)[35] قال أبو إسحق: كالدهان. أي تتلون؛ كما يتلون الدهان المختلفة، ودليل ذلك قوله تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) كالزيت، الذي قد أغلي).
قال السيد الطباطبائيu: أي كانت حمراء كالدهان وهو الأديم الأحمر. وقال الشيخ مكارم الشيرازي[36]K  ويستفاد من مجموع آيات «القيامة»[37] بصورة واضحة أنّ النظام الحالي للعالم سوف يتغيّر ويضطرب وتقع حوادث مرعبة جدّاً في كلّ الوجود.
فتتغيّر الكواكب والسيّارات والأرض والسماء، وتحصل تغيّرات يصعب تصورها، ومن جملتها ما ذكر في الآية أعلاه; وهي إنشقاق وتناثر الكرات السماوية، حيث يصبح لونها أحمر بصورة مذابة كالدهن.
واما لفظة كلمة (وردة) ولفظة كلمة (ورد) معناه هذا الورد المتعارف اليوم، ولأنّ لون الورد في اغلب الاحيان يكون أحمر، فإنّ معنى الإحمرار يتبادر للذهن منها.
وكذلك يأتي هذا المصطلح أيضاً بمعنى عبارة «الخيل الحمر»، وبما أنّ لونها يتغيّر في فصول السنة حينما تكون في الربيع مائلة إلى الصفرة، وفي الشتاء يحمرّ، ويقتم لونها في البرد الشديد.
فتشبيه سماء يوم القيامة بها هو مأخوذ من لحاظ التغيّرات التي تحصل في ألوانها فتارةً يكون لونها مثل الشعلة الوهاجة أحمر حارق، وأحياناً اخرى يكون أصفر، واُخرى أسود قاتم ومعتم.
ولفظة كلمة «دهان» هي على وزن (كتاب)، بمعنى الدهن المذاب، وتطلق بعض الأحيان على الرسوبات المتخلّفة للمادّة الدهنية، وغالباً ما تكون لها ألوان عديدة، فمن هنا جاء هذا التشبيه من حيث يصبح لون السماء مثل الدهن المذاب في لون الورد الأحمر، أو إشارة إلى ذوبان كرات السماء أو إختلاف لونها.
وقد فسّر البعض لفظة كلمة «الدهان» بمعنى الجلد أو اللون الأحمر، وعلى كلّ حال فإنّ جميع هذه التشبيهات تجسّد لنا صورة من مشهد ذلك اليوم العظيم أظلنا الله واياكم بظل محمد واله الاطهارD.
من حيث أنّ حقيقة الحوادث في ذلك اليوم ليست لها أي شبيه مع أيّات الحوادث الاُخرى ومنها حوادث عالمنا اليوم. فمثل هذه المشاهد لا تستطيع إدراكها إلاّ إذا رأيتها بعينك.
ولكن ذكر ابن الأنباري قال: تبدل السماوات بطيِّها، وجعلها مرة كالمهل، ومرة وردة كالدهان. ومثل عن مجاهد تكون الأرض كالفضة، والسماوات كذلك.
وقيل[38] إن السموات، وإن طويت وكانت كالمهل واستحالت عن صورتها، فإن ذلك لا يوجب عدمها، وفسادها، بل أصلها باق بتحويلها من حال إلى حال.
كما في عبارة قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)[39] فإذا بدلت، فإنه لا يزال سماء دائمة، وأرض دائمة.
وكذلك عن ابن مسعود E قال تبدل الأرض أرضًا بيضاءَ؛ كأنها سبيكة بيضاء، لم يسفك فيها دمٌ حرامٌ، ولم يعمَل فيها خطيئةٌ.
وبعبارة اخرى مما ذكرنا سابقاً ان وجه التشبيه بين لفظة الجبال، ولفظة العهن: هي أن الجبال في ثقلها وتماسك أجزائها واختلاف ألوانها، تصير في ذلك اليوم واهية خفيفة مفككة الأجزاء تتلوَّن في ألوان مختلفة؛ مثل العهن في ضعفه وخفته وتفرق أجزائه واختلاف ألوانه.
فليس المراد- هنا- تطاير أجزائها في الجو، كما في القارعة؛ ولهذا أطلق لفظ العهن هنا من دون قيد، وتلاحظه قيد هناك بالوصف.
( ج ) – الايات الباقية: وتلاحظ انه حينما وصف الله تعالى في كتابه العزيز الآيات السابقة حال يوم القيامة، بعد ذلك عقَّب عليه كما في قوله تعالى:
( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ).
وتراه قد قسم الناس في هذا اليوم إلى قسمين وهما الاول في عبارة قوله: (مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ). والقسم الاخر في عبارة قوله: (مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ).
وتلاحظه قد أخبر عن الناس الذين في القسم الأول من أنهم كما في عبارة قوله: (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ). أي بمعنى: عيشة مرضية.
ومن ثم أخبر عن الناس الذين في القسم الثاني من أنهم كما في عبارة قوله: (أُمُّهُ هَاوِيَةٌ). أي بمعنى: مستقرُّه، أو مسكنه. ويقصد بلفظة كلمة (الهاوية) هي اسم من أسماء النار؛ ويمكن ان تكون هي النار العميقة، يهوي فيها أهل النار مهوى بعيدًا اعاذنا الله منها واياكم.
ومما ذكر سابقاً عبارة قوله: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) وذلك لأن الأصل في السكون والاستقرار الأمهات. ثم بعدها ذكر عبارة قول الله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ).
فقد أخبر عنها فقال في عبارة قوله هي: (نَارٌ حَامِيَةٌ) منبهًا بذلك على أن نار هذه الدنيا في مقابل تلك النار الحامية ليست بشيء ابداً. ومن هذا تلاحظ انه صار آخر السورة مطابق لأولها.
وأما عبارة قوله تعالى: (هِيَهْ) فهي ضمير يعود على قوله في لفظة قوله: (هَاوِيَةٌ) واما الهاء فهي للسكت. وقد حذفها في الوصل: ابن أبي إسحاق، والأعمش، وحمزة[40].
فقال في عبارة قوله  تعالى: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ) ولم يقل في عبارة قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هَاوِيَةُ) كما قال في عبارة قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ).
وتجد الفرق بينهما : وهي أن كونها قارعة فهي أمر محسوس، وليس كذلك من كونها هاوية؛ ولهذا حسُن وضع الضمير في هذا المحل موضع الاسم الظاهر، خلافًا للآية السابقة والله العالم.

[1]- سورة القارعة الايات 1 – 11.
[2]- رفاه محمد علي زيتوني – ( من الاعجاز اللغوي والبياني في سورة القارعة).
[3]- سورة القارعة الاية 1 – 3.
[4]- سورة الرعد الاية 31.
[5]- هذا رأي جمهور المفسرين.
[6]- سورة النجم الاية 57.
[7]- سورة القمر الاية 1.
[8]- سورة الوقعة الاية 2.
[9]- سورة الحجر الاية 57 . وسورة الذاريات 31.
[10]- هو الفخر الرازي .
[11]- هو قول الراغب .
[12]- سورة يونس الاية 16.
[13]- سورة الشورى الاية 52.
[14]- سورة الشورى الاية 17.
[15]- سورة الاحزاب الاية 63.
[16]- سورة عبس الاية 3 و 4.
[17]-  طبعة : كمباني ج 19 كتاب القرآن ص 21، وجديد ج 92/78، وص 80 .
[18]- سورة القارعة الاية 10 و 11.
[19]- سورة القدر الاية 2 و 3.
[20]- سورة يونس الاية 16.
[21]- سورة عبس الاية 3.
[22]- سورة الشورى الاية 17.
[23]- سورة القارعة الاية 3.
[24]-  ديوانه 77 طبعة دار بيروت.
[25]- سورة القمر الاية 7.
[26]- سورة القمر الاية 7.
[27]- سورة الروم الاية 20.
[28]- سورة الاعراف الاية 29.
[29]- سورة القارعة الاية 5.
[30]- سورة فاطر الاية 24.
[31]- سورة المعارج الاية 8 و 9.
[32]- سورة المعارج الاية  4.
[33]- سورة المعارج الاية 8 و 9.
[34]- سورة الكهف الاية 29.
[35]- سورة الرحمن الاية 37.
[36]- تفسير الامثل ج17 ص412 – 413.
[37]- توجد إحتمالات متعدّدة في أنّ (إذا) في الآية هل هي شرطية، أم فجائية، أم ظرفية، والظاهر أنّ الإحتمال الأوّل هو الأولى، وجزاء الشرط محذوف ويمكن تقديره هكذا: (فإذا انشقّت السماء فكانت وردةً كالدهان، كانت أهوال لا يطيقها البيان). (تفسير الامثل للشيخ مكارم الشيرازيK).
[38]- هو لابن تيمية.
[39]- سورة ابراهيم الاية 48.
[40]- وقد أثبتها جمهور العامة .