الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 موقف علماء الشيعة من تفاسير أهل السنة


ق1 موقف علماء الشيعة من تفاسير أهل السنة
موقف أعلام الشيعة من تفاسير أهل السنة : تلاحظ ان موقف الشيعة الامامية من التفاسير الباقية ومن الكتاب والسنة النبوية فقد أخذت الشيعة الامامية بعد رسول اللهo أحكام دينها من الكتاب، وسنة نبيها.
أما موقفهم اتجاه التفاسير لجميع طوائف المسلمين فقد أخذوا من آرائهم وناقشوها والتزموا بالبعض منها وتلاحظ ذلك حينما تراجع أي تفسير منسوب للشيعة الامامية.
وأما الكتاب وهو (القران المنزل) فالمجتهد منهم تلاحظه قد أخذ بنصوص آيات الأحكام منه، أو بما له ظاهر مثل النص.
وأما ما يحتاج وتعلق كله او بعضه إلى التفسير فيتوقف فيه حتى يأتي فيه تفسير من أئمة العترة الطاهرة المعصومين من البيتD.
وأما ما يحتاج الى السنة النبوية فيأخذ بصحاح أحاديث رسول اللهo وأئمة أهل البيتD من خلال أفعالهم وتقريرهم على ما هو مرسوم في الأصول.
واما غير المجتهد من الشيعة فعليه أن يحتاط في أحكامه، أو يقلد مجتهدا (عادل) على شروط موجودة ومذكورة في كتب الامامية، وأهمها أن يكون ذلك المجتهد ممن يأخذ فقهه من رسول اللهo وأهل بيت العصمةD مع عطر ايات القران والاستضاءة من خلال نور العقل.
وللامامية في تدعيم المنهجية حجج متينة وراسخة، وبراهين رصينة منبثة في الكثير من مؤلفاتهم الموجودة والمنشورة في كل الازمان.
وقد يستغل البعض تصوير الخلاف الشيعي السني من أنه خلاف عقدي جذري لا يمكن معالجته ولكني أعتقد انه بالدرجة الأولى هو خلاف سياسي تجاوزه الزمن.
 ولكن حتى وإن كان متضمن وصفاً من معاني الخلاف السياسي في التاريخ السحيق، فانه أضاع مبرر وجوده اليوم بعدما حدثت تطورات هائلة في حياة المسلمين جميعاً.
ولم تبقى منه سوى البعض من رواسب ومخلفات بسيطة التي لا تشكل مادة جدية للخلاف فضلا عن التناحر بين المسلمين واستخدامها سياسياً كما في التنظيمات التكفيرية.
واذا وافقنا على ذلك ينبغي التخلص من تلك الرواسب التاريخية فانه يجدر مقارنة تلك الخلافات بعوامل الاختلاف المتعددة الأخرى التي ترسم بها حياتنا اليومية، والتي يجب ان نعمل سوية من أجل التخلص منها أيضا، من أجل بناء وحدة اسلامية متينة[1].
ألف : موقف الامامية من تفسير الصحابة : انت تلاحظ تفاسير اخواننا اهل السنة لا تأخذ بآراء مفسري علماء الشيعة كمصدر حينما يلتزم برأي ما.
تجد ذلك فقط عند اليسير والنادر جدا من العلماء القدماء اما اليوم فشبهة المستحيل ولكن تجد العكس لدى علماء الشيعة كما في كلام الدكتور احسان الأمين حيث قال:
لقد قال العلماء إنّ «سائر تفاسير الصحابة التي لا تشـتمل على إضافة شيء إلى رسول الله o فمعدود في الموقوفات».
و« الموقوف هو ما يُروى عن الصحابة فيوقف عنهم ولا يتجاوز به إلى رسول اللهo» وقد استثنوا التفسير الذي «يتعلّق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي ونحو ذلك».
وهو كما عرف من كلام القرطبي والغزالي والبغدادي صاحب تفسير الخازن وكذلك رشيد رضا صاحب تفسير المنار وأمثالهم، من أنّ الصحابة «اختلفوا اختلافاً كثيراً لا يمكن فيه الجمع ويمتنع سماع الجميع من رسول اللهo».
وتلاحظ حتى أسباب النزول لم تسلم من هذه الاختلاف فإنّ «كثيراً ما يذكر المفسِّرون لنزول الآية أسباباً متعدِّدة».
فبناءً عليه فإنّ الخلاف بهذه الآراء في تفسير الصحابة فيما بين اهل السنّة والشيعة يكاد يكون معدوم ومنتهي، لأنّ الأصل في الخلاف هو إنزال تفاسيرهم منزلة تفسير رسول اللهo وإعطائه الحجّيّة فيه.
وأمّا بلا ذاك. فإنّ الشيعة استعانوا بأقوال الصحابة والتابعين واستفادوا منها في بيان الآيات إلاّ أنّ هذه المنقولات لم تكن حجّة بذاتها فتبقى خاضعة للمناقشة.
ولكنّ تلاحظهم أخذوا بها وقد قدّموها على غيرها من نصوص المفسِّرين ; بسبب معاصرة الصحابة زمان نزول الوحي ومعايشتهم ظروفه ومعرفتهم باللغة وغيرها.
وكانت طريقتهم مناقشة الاحاديث على ضوء متونها، كما أنّهم استعملوا نفس الطريقة في مناقشة الاحاديث الواردة عن ائمة أهل البيتD فأخذوا ببعضها ولم يأخذوا بالبعض الآخر والسبب إمّا لعدم تأييد القرآن لمضامينها أو اضطراب في متونها أو في معانيها.
ولكن الواقع أنّنا من خلال نظرة عابرة في التفاسـير الأساسية للشيعة الامامية مثل تفسير التبيان للشـيخ الطوسي وتفسير مجمع البيان للطبرسي ومن عصرنا اليوم تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي، تجد أنّ هذه التفاسير مشحونة بالمأثور من تفاسير الصحابة والتابعين والرجوع إليها في الكثير من الآراء.
ولك ان تتابع في فهارس تفسير الميزان، في الموارد التي رجع المؤلف فيها إلى الدر المنثور للسيوطي فكانت تزيد عن ثمانمائة مورد.
كما ذكر فيه آراء معظم الصحابة والتابعين من المفسِّرين مثل عبدالله بن عباس في (أكثر من500 مورد) ، ومثل عبدالله بن عمر بن الخطّاب في (109 مورد) تقريباً، ومثل عبدالله بن مسعود (126 مورد) تقريباً، وكثيرين ممّن وردت عنهم الآثار.
وهذا ممّا يدل على أنّ الشيعة الامامية تعاملوا مع الاحايث التفسيرية كما هي، وناقشوها بناءً على توافق معانيها مع القرآن، لا على أساس رواة الحديث أو موقفهم منهم من حيث الجرح والتعديل.
لهذا لم يكن من الانصاف من ان تقول أنّ الشيعة « تجاوزوا فرفضوا ما رواه الصحابة عن رسول الله o وردّوا رواياتهم كلّها إلاّ ما صحّ من طرق أهل البيت ...».
وكذلك ليس من الانصاف إطلاق هذا الرأي على تفسير الميزان لأنّه لا يثق بالمروي عن طريق الصحابة، وقد رأيت ويمكنك المراجعة كم وثّق وكم روى من طرقهم.
ونفس الحال من الكلام حول الذهبي فهو ليس مصيباً في رأيه، حينما قال من أنّ الّذي عليه الشيعة إلى اليوم فقال الذهبي:
« أنّهم لا يأخذون الحديث إلاّ ممّن كان شيعيّاً ولا يقبلون تفسيراً إلاّ ممّن كان شيعيّاً ولا يثقون بشيء مُطلقاً إلاّ إذا وصل لهم من طريق شيعي... لا يقبلون أقوال الصّحابة ولا يثقون بروايتهم ...».
فلاحظ ما هو ردّ الدكتور الرومي على السيد الطباطبائيu قوله:
«... وأمّا الروايات الواردة عن مفسِّري الصحابة والتابعين ـ لا عن النبيo- فإنّها على ما فيها من الخلط والتناقض لا حجّة فيها على مسلم...» والسبب لأنّه شيعي مع أنّ أئمّة اهل السنّة قالوا:
« اتّفق الكل على أنّ مذهب الصحابي ـ رأيه ـ في مسائل الاجتهاد لا يكون حجّة على غيره من الصحابة المجتهدين... واختلفوا في كونه حجّة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين، والمختار أنّه ليس بحجّة مطلقاً».
وكذلك قالوا : « وعلى هذا فالمأثور عن الصحابي ممّا للرأي فيه مجال لا يرقى إلى مرتبة السنّة المرفوعة إلى النبيّ o حتى يكون ملزماً، ذلك لأنّ مقام النبوّة لا يدانيه مقام، ومأثور السنّة نَقلٌ عن معصوم مؤيّد بالوحي، ومجتهدات الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، من المأثور، هي مواطن لا تزيلها الاحتمالات، لقصور الطاقة البشرية عن إصابة وجه الحق في الواقع ونفس الأمر».
وهكذا تلاحظ أنّ آراء المحقِّقين من علماء أمة الاسلام ـ سنّة وشيعة ـ متقاربة في الموقف من المأثور عن الصحابة وتفاسيرهم. ونذكر على سبيل المثال تفسير اللاية الكريمة من سورة القصص كما يلي:
[ فوالد إبراهيم عاش كافرًا ومات كافرًا... وعمه أبو طالب الذي كفله ورباه وكف عنه أذى المشركين واعترف بصدق نبوته، ولما قال له عند الاحتضار: «يا عم قل: لا إله إلا الله. كلمة أُحاجُّ لك بها عند الله»[2].
فامتنع ومات على ملة عبد المطلب، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ[3]. ونُهي عن أن يستغفر له فقال:
﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ[4]. لأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه][5].
وقد اعتبروها من معجزات وكرامات رسول اللهJ فنتيجة كلامهم ابوه عبدالله وامه امنة وعمه عبد المطلب وابي طالبD وغيرهم كلهم بالنار على رأيهم.
ولكن معجزات الأنبياء كلها من الله تعالى لا من كسب الأنبياء انفسهم ولا من تصرفهم، كما نطق به القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِ‍َٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ﴾[6].
والباري عز وجل لم يؤيد رسله بما أيدهم به من المعجزات إلا لكي تكون حجة لهم على قومهم، بحيث يهتدي بها المستعد منهم للهداية، وتحق بها كلمة العذاب على الجاحدين بها كما قوله تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ * وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ﴾[7].
فإن الثابت من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء مثل أهل الكهف وغيرهم فما كانت دلالته من نصوص القرآن فإنها تعتبر قطعية لا مجال للرأي في إنكارها ولا صرفها بمجرد التحكم والتأويل عن المعنى المراد منها.
فقد أتت الرسل لمخاطبة العقول، فالتكذيب بها (الرسل) يعتبر نقضًا لقواعد الشريعة المعتبرة القطعية، وينطبق عليه قوله تعالى:
﴿ بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[8].
وانه من لم يقر بما جاء عن الله تعالى ورسوله حتى يعلم بعقله فقد أشبه الذين قالوا: ﴿لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ[9]. فمن اخذ هذا السبيل فليس بالحقيقة مؤمنًا بالقرآن ولا بالرسول، ولا متلقيًا عنه الأخبار بالقبول.
بـاء : تفسير آية ( متى هذا الفتح ) وتخبط البيضاوي : لو راجعنا التفسير بالرأي (بالدراية) نجد إن الرسولJ بيَّن الكثير من معانى القرآن فقال اهل التفسير بالراي كما شهد بذلك كتب الصحاح، ولكنه بالقطع لم يُبيِّن كل معانى القرآن.
وقالوا السبب لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، وبديهى أنهJ لم يفسِّر لهم ما يرجع فهمه إلى معرفة كلام العرب، لأن القرآن نزل بلغتهم، ولم يفسِّر لهم ما تتبادر الأفهام إلى معرفته.
وهو الذى لا يُعزر أحد بجهله، لأنه لا يخفى على أحد، ولم يفسِّر لهم ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وحقيقة الروح، وغير ذلك ولا ادري هل تفسير الراي يبين حقيقة الروح ومن ثم قالوا وهذا من كل ما يجرى مجرى الغيوب التى لم يُطلع الله عليها نبيه، ومن هنا كانت الحاجة إلى التفسير بالرأي.
ونفهم من هذا ان التفسير بالراي يبين مالم يبينه الله ورسوله من هذه العلوم التي ذكرت, وكما يعرف التفسير بالرأي (الدراية) من أنه ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على إلاجتهاد والإستنباط المستند إلى الأصول الشرعيه واللغوية بالعقل.
وعرف عندهم التفسير بالرأي قسمان مذموم ومحمود فالتفسير بالرأي (المذموم): هو ما كان قائله لا يصدر فيه علم ولا دراية وهو رأي خاطئ يحرم الإقدام عليه في كافة العلوم.
واما التفسير بالرأي المسمى (المحمود): هو ما كان مستنداً إلى اللغة والشرع وفق ضوابط, ومن أشهر الكتب في التفسير بالرأي هي ما يلي:
تفسير فخر الدين الرازي المسمى (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير), وتفسير النيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) وهو مختصر وتهذيب لتفسير الرازي.
وتفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) وهو وسط في التأويلات يذكر وجوه الإعراب والقراءات, يتضمن علم البديع والإشارات. وتفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم).
تفسير أبي حيان (البحر المحيط) يجمع النحو والصرف والبلاغة مع أحكام فقهية. وتفسير الزجاج  والجلالين, وغيرها.
وتجد عندهم الكثير من التفاسير يجمع بين الرواية والدراية, نذكر على سبيل المثال:
تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) وتفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) وتفسير الشوكاني (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير) ويعتمد على الدر المنثور للسيوطي.
كما جاء في قوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون)[10].
    ورد انه ذكر المفسرين احتمال ثلاثة محاور لتفسير هذا الفتح، وجمعوا بين المحاور الثلاثة في محاولة الغرض منها تضييع الحقيقة بينها، والسبب هو لعدم انطباق أي واحد منها على الآية، ولأن كل عاقل لابد أن يتساءل عن مدى صحة هذه المحاور.
فكتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويستحيل لك تفسيره بصورة خاطئة ما لم يقع المفسر في تناقض أما في نفس الآية أو في المجاورة لها أو نفس السورة أو مع آيات أخرى بعيدة[11].
وهذا الاحتمال للمحاور التي ذكرت هي: (محور يوم القيامة أو محور فتح مكة أو محور يوم معركة بدر) وناتي بها كما يلي:-
المحور الأول :- يوم القيامة : فلا تنطبق (يوم القيامة) على الايات من سورة السجدة لأنه:
1 ـ لانه ليس في يوم القيامة حينها إيمان وكفر، لكي يقول عبارة: (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم...) ياترى هل يصبح الكافر مؤمن يوم القيامة وهو أصلاً مات كافراً؟ أليس هذا من التخليط المتناقض؟.
واخرى ألم يقرؤوا الآيات التي تؤكد على التوبة حتى وصلت إلى لحظة الموت وآيات ثانية تؤكد أنهم كفار داخل النار ويبقون كفاراً حتى لو رجعوا إلى الدنيا؟ إذ يعودون لما نهوا عنه؟.
2 ـ لاحظ لفظ كلمة (الفتح) هي معنى عسكري، وخاص بالدنيا، إذ ليس هناك في يوم القيامة لا معارك ولا فتوحات.
3 ـ قد ذكر سياق الآيات السابقة عليها يوم القيامة مرتان. وجاء التساؤل الجديد بعد ان ضرب مثل لعرض أحياء الأرض.
وهذا واضح جدا اراد به التنويه والالتفات على قدرته من إحياء الأرض وإنزال البركات فتساءل المجرمين: (متى هذا الفتح).
حينها أجاب : قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا ادعوا الإيمان.. كما نفعهم في عصر الرسالة بدخولهم في النفاق. ففي الطور المهدوي تنزل الملائكة ويحدث الوسم على الجباه وذلك منتهى المهلة لهم فلا ينفعهم إيمانهم.
4 ـ لاحظ قوله تعالى: (ولا هم ينظرون) فهو خاص بالدنيا لانتهاء المهلة، إذ ليس هناك أنظار يوم القيامة. بل تجد إبليس نفسه لا يأمل بهذا الأنظار ـ ثم رجع أكد المعنى بقوله (فانتظر) المشتق من نفس الجذر اللغوي. (أنهم منتظرون) ـ اشتقاق آخر من نفس المفردة عن الكفار وكل ذلك في الدنيا.
المحور الثاني :- يوم فتح مكة : وهذا الاحتمال يكفي لإبطاله وتهافته لأن الذين كفروا قد نفعهم إيمانهم في فتح مكة من السوء كثيراً فأطلق سراحهم رسول اللهo وقالJ:
( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) الى درجة أن القائد العسكري للذين كفروا ـ أبو سفيان ـ هو نفسه انتفع به، فبعد ان جمع العساكر لمدة عشرين سنة، شهد الشهادتين لكي يحقن دمه.
فأطلق سراحه ـ والاكثر من هذا عادت السلطة لأولاده وأحفاده وأحيط بمجموعة من الفضائل ولازال يرددها إلى اليوم مَن هم على شاكلته بل حاز على فضيلة مذكورة للآن في أول لحظة لإسلامه.
بل قبل ان يفك قيوده وبعد ان كان بيته مأوى لإبليس والشياطين والدسائس خمسين سنة، أصبح في لحظة من التاريخ أماناً للخائفين.
كما روى أصحابه عن رسول اللهo أنه قال: (ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فكيف لم ينفع الذين كفروا إيمانهم يوم فتح مكة.
وأما على فرض وجود مستضعفين ونساء لا يعلمون شيئاً عن حقيقة الرسالة ثم رأوا الآيات يوم الفتح ودخل الإيمان إلى قلوبهم حقاً فآمنوا فلماذا لا ينفعهم إيمانهم يوم الفتح.
فلا يمكنك أن تنسب إلى الخالق سبحانه وتعالى مثل هذا المراد من الآيات، ولو أخذت به وجب عليك تكفير جميع مَن أسلم يوم فتح مكة وهي نتيجة لا يقبلها احد ابداً.
فلاحظ كيف يحيق المكر السيئ بأهله بعدما أرادوا إخراج الآيات عن معناها في اليوم المهدوي الموعود.
فتجد أينما يذهبون تصفعهم الآيات كما في قوله تعالى: (الر * كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)[12].
المحور الثالث :- يوم بدر : في هذا الرأي او التوجيه شعر المفسرين بهذا التخبط بالتفسير، ولذلك رموا سهامهم وشباكهم نحو معركة بدر فإذا هي أكثر طيشاً مما سبق.
إذ كانوا يتأملون ويحلمون من أن تنقذهم واقعة بدر لغرض تفسير هذه الآيات باعتبارها أول فتح فتحه الله لنبيه الكريمo.
فمن هنا تورطوا أكثر لأنه لا يوجد أي مبرر لعدم قبول إيمان مَن يؤمن والمعركة قائمة.
فلربما وجد انسان نقي السريرة فرأى الآيات ومدد الملائكة وبهاء رسول الله o وأصحابه فآمن. فلماذا لا ينفعه إيمانه هنا؟. من أجل ذلك قال البيضاوي[13] لكي يخلص ويخرج من هذه الورطة: والمراد بالذين كفروا الذين قتلوا منهم يوم بدر.
فكيف حصر الذين كفروا ـ وهو عام ـ بقتلاهم فقط يوم بدر وبناءً على رأيه إن الكفار إذا ماتوا موتاً طبيعياً، ينفعهم إيمانهم.
ثم الشيء الاخر ما هذه المضحكات فكيف يموت الكافر أو يقتل ويجري الحديث عن إيمانه أو ليس هو(الكافر) قد قتل كافراً.
فالبيضاوي يتحدث عن شيء لا وجود له أصلاً لا في ايات القرآن ولا في العقول. بل يعتبر هذا (تحدث بلا موضوع) أصلاً، لأنه لا موضوع أصلاً عن إيمان بعد موت، فهو موضوع منتفي من الأساس.
وظاهر تفاسير المفسرين أنهم لا يفرقون فيما بين هذه الآيات الخاصة بالطور المهدوي وبين آية القيامة في سورة الروم كما في قوله تعالى: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون)[14] والفارق بينهما كبير فهذه الآيات تخص حالهم يوم القيامة والسبب لأنها:-
1 ـ لانها جاءت في ضمن سياق الحديث عن قيام الساعة ووصف حالهم بعد قيام الساعة مباشرة.
2 ـ لاحظ هنا سماهم (الذين ظلموا) بدل (الذين كفروا)، إذ يظهر ظلمهم علاوة على كفرهم وهو وجود الصحف وسجلات الأعمال.
3 ـ لاحظ انه (لا تنفعهم يوم القيامة معذرتهم) بدل (إيمانهم)، والسبب لأنه لا يوجد تكليف إيمان يوم القيامة ولكن من الممكن أن يعتذروا.
4 ـ لاحظ تجد (ولا هم يستعتبون) بدل (ولا هم ينظرون)، لأنه لا يوجد نظار يوم القيامة، بل الحساب الذي يحاولون تحويله إلى عتاب، لكي يعتذروا. ولهذا تؤكد ايات القرآن على عدم منفعة اعتذارهم بشكل دائم في يوم القيامة.
كما في قوله تعالى: (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون)[15]. فقد أمر الله نبيهJ بالإعراض عنهم وانتظار ما سيحدث فهم منتظرين، فإن كانوا قتلى بدر فكيف أمره بالإعراض عن القتلى الميتين.
وإن كان المقصود (الفتح) فتح مكة أو القيامة فكيف أمره الله بالإعراض عنهم وهو إنما جاء لينذرهم؟.
فمن أجل التخلص من جميع هذه الإشكالات، قال البيضاوي: فأعرض عنهم أي لا تبال بتكذيبهم وقيل منسوخ بآية السيف.
فما أعجلهم من ذكر النسخ لكي لا يعطونك فرصة او مهلة للتفكير في قوله الأول. ثم نسأله ونسأل غيره من الذي قال أنه منسوخ ومتى وكيف يعود مجدداً.
وهذا يناقض ما قاله في البداية حينما يقول في قوله تعالى: (فانتظر إنهم منتظرون): (انتظر النصرة عليهم إنهم ينتظرون الغلبة عليك) فكيف يقول له أعرض ثم يقول له أنتظر النصرة عليهم؟.
وأما عند فهم آيات القران بمعناها الحقيقي ليوم الفتح العظيم لكافة الأرض تزول جميع هذه التناقضات التي تسببها التركيبة الإعجازية لكل مفردة بها التي لا تقبل أي اعوجاج أو تناقض بالمعنى.
فقول الله تعالى (فأعرض عنهم) لا يعني الإعراض عن محاربتهم لكي يحتاج إلى نسخ أو صد هجماتهم العسكرية وتحصين قوته الذاتية، بل أعرض عن البرهنة على وقوع الفتح لأن عليك أن تنتظر وقوعه لأنه وعد ربك ووعده حق.
فإنهم منتظرون عدم تحقيقه أو منتظرون بالضم أي من ان لهم مهلة وانظار حتى يوم الفتح حيث لا ينفعهم يومئذ إيمانهم ولاهم ينظرون مزيداً من الوقت اكثر من الذي أمهلناهم فيه.

[1]- انظر : خلاف التاريخ والسياسة - لأحمد الكاتب- بريطانيا لندن.
[2] -  متفق عليه من حديث المسيب بن حزن .
[3]- سورة القصص الاية 56.
[4]-  سورة التوبة الاية 113.
[5]- مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود المجلد الأول: العقائد وجوب الإيمان بكل ما أخبر به القرآن من معجزات الأنبياءD.
[6]- سورة الرعد الاية 38.
[7]- سورة يونس الاية 96 – 97.
[8]- سورة يونس الاية 39.
[9]-  سورة الانعام الاية 124.
[10]- سورة السجدة الاية 28-30.
[11]- انظر : عالم سبيط النيليH طور الاستخلاف ج1 .
[12]- سورة هود الاية 1.
[13]-   توضيح طبقات المفسرين  :  اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد ان ارتحل الرسولo الى الرفيق الاعلى ، ومنهم أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الانصاري وابو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وانس وابو هريرة وابو موسى ، وكان اشهرهم عبد الله بن عباس.
كان منهج هؤلاء في التفسير انهم ينقلون ما سمعوه من النبي o في معاني الآيات بشكل احاديث مسندة (كتاب الاتقان ، طبع القاهرة سنة 1370هـ) وبلغت هذه الاحاديث كلها الى نيف واربعين ومائتي حديث اسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون اليها.
وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على انه تفسير منهم بدون اسناده الى الرسول o فعد المفسرون من متأخري اهل السنة هذا القسم ايضا من جملة الاحاديث ، بحجة ان الصحابة اخذوا علم القرآن من النبيo ويبعد ان يفسروا من عند انفسهم.
ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا، بالاضافة الى ان كمية كبيرة من الاحاديث المذكورة واردة في اسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية، كما ان فيها احاديث غير مسندة منقولة عن بعض علماء اليهود الذين اسلموا ككعب الاحبار وغيره.
وكان ابن عباس في اكثر الاوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات، كما نرى ذلك جلياً في مسائل نافع بن الازرق، فان ابن عباس عند الاجابة عليها استشهد بالشعر في اكثر من مائتي مورد من الآيات، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جواباً منها في كتابه الاتقان (الاتقان ص 120 ـ 133).
ومن هنا لا يمكن اعتبار الاحاديث المنقولة عن الصحابة احاديث نبوية كما لا يمكن القول بأنهم لم يفسروا مطلقاً برأيهم. ومفسرو الصحابة هم –
الطبقة الاولى - من المفسرين.
الطبقة الثانية : هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة، وهم (مجاهد مفسر مشهور توفي سنة100 او سنة103 / تهذيب الاسماء للنووي) و (سعيد بن جبير مفسر معروف تلميذ ابن عباس، قتله الحجاج الثقفي سنة94 /التهذيب) و(عكرمة ، مولى ابن عباس وتلميذه وتلميذ سعيد بن جبير توفي سنة104 التهذيب)  و( ضحاك، من تلامذة عكرمة / لسان الميزان).
ومن هذه الطبقة ايضا (الحسن البصري، زاهد ومفسر معروف، توفي سنة 110/التهذيب) و(عطاء بن ابي رباح ، فقيه ومفسر مشهور، من تلامذة ابن عباس، توفي سنة 115/ التهذيب) و(عطاء بن ابي مسلم، من اكابر التابعين، ومن تلامذة ابن جبير وعكرمة، توفي سنة 133/التهذيب) و(ابو العالية، من ائمة التفسير واكابر التابعين، كان في المائة الاولى من الهجرة /التهذيب) و(محمد بن كعب القرظي، مفسر معروف، وهو من عائلة يهودية من بني قريظة، كان في المائة الاولى من الهجرة) و(قتادة، اعمى، كان من اكابر المفسرين، وهو من تلامذة الحسن البصري وعكرمة، توفي سنة117/التهذيب) و(عطية، ينقل عن ابن عباس / لسان الميزان) و(زيد بن اسلم، مولى عمر بن الخطاب، فقيه ومفسر، توفي سنة 136/التهذيب) و(طاوس اليماني  من اعلام عصره، وهو تلميذ ابن عباس، توفي سنة 106/ التهذيب).
الطبقة الثالثةتلامذة من الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم (يعد من علماء التفسير) وابو صالح الكلبي (هو النسابة المفسر من اعلام القرن الثاني) ونظرائهم.
كان منهج التابعين في التفسير انهم ينقلونه احيانا بصورة احاديث عن الرسول الكريمo او الصحابة، واحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها الى احد، فعامل متأخرو المفسرين مع هذه الاقوال معاملة الاحاديث النبوية واعتبروها احاديث موقوفة (هي التي لم يذكر فيها المروي عنه).
ويطلق على الطبقتين الاخرتين لفظة « قدماء المفسرين ».
الطبقة الرابعةاوائل المؤلفين في علم التفسير، كـ (سفيان بن عيينة، مكي من طبقة التابعين الثانية، وهو من علماء التفسير توفي سنة 198/التهذيب) و (وكيع بن الجراح، كوفي من طبقة التابعين الثانية، ومن مشاهير المفسرين توفي سنة 197/التهذيب) و(شعبة بن الحجاج البصري، من طبقة التابعين الثانية، وهو من مشاهير المفسرين، توفي سنة 160/التهذيب)  و(عبد بن حميد، صاحب تفسير، من طبقة التابعين الثانية، كان في القرن الثاني من الهجرة) وغيرهم.
ومن هذه الطبقة ايضا (ابن جرير الطبري، محمد بن جرير بن يزيد، من مشاهير علماء السنة، توفي سنة 310/ لسان الميزان).
ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل اقوال الصحابة والتابعين بشكل احاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة. الا ان ابن جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الاحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها. ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين.
الطبقة الخامسة : المفسرون الذين نقلوا الاحاديث في تفاسيرهم بحذف الاسانيد واكتفوا بنقل الاقوال والآراء. قال السيوطي: فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل (الاتقان2/190). الا ان المتدبر في الاحاديث المسندة يرى ايضا كثيرا من الوضع والدس، ويشاهد الاقوال المتناقضة تنسب الى صحابي واحد، ويقرأ قصصاً وحكايات يقطع بعدم صحتها، ويمر على احاديث في اسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات. ومن هنا نقل ان احمد بن حنبل قال: ثلاثة لا اصل لها المغازي والملاحم واحاديث التفسير. ونقل عن الشافعي ان الثابت من الاحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط.
الطبقة السادسة : المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها، فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي اتقنه: فالنحوي ادرج المباحث النحوية كـ(الزجاج من علماء النحو، توفي سنة 310/ ريحانة الادب) و(الواحدي، نحوي مفسر، توفي سنة 468/ الريحانة)  و(ابو حيان الاندلسي، نحوي مفسر قارىء توفي في مصر سنة 745/ الريحانة).
والاديب اورد المباحث البلاغية كـ (الزمخشري، من مشاهير علماء الادب، مؤلف تفسير الكشاف، توفي سنة 538/ كشف الظنون) والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كـ(فخر الدين الرازي، متكلم مفسر مشهور، صاحب تفسير مفاتيح الغيب ، توفي سنة 606 / كشف الظنون) والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي و(عبد الرزاق الكاشاني، من مشاهير علماء الصوفية في القرن الثامن الهجري/ ريحانة الادب) والاخباري ملأ كتابه بالاحاديث كـ(احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي، صاحب التفسير المشهور، توفي سنة 426 او 427/ الريحانة).
والفقيه جاء بالمسائل الفقهية كـ(محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي ، توفي سنة 668/ الريحانة) وقد خلط جماعة آخرون في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني تأليف الشيخ اسماعيل حقي، توفي سنة 1137) و(روح البيان تأليف شهاب الدين محمود الالوسي البغدادي، توفي سنة1270في ذيل كتاب كشف الظنون) وتفسير النيسابوري (غرائب القرآن) تأليف نظام الدين حسن القمي النيسابوري، توفي سنة 728 في ذيل كتاب كشف الظنون.
والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة الى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس والبحث، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيراً من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على القرآن حملاً ولا تدل عليها الآيات (القرآن في الإسلام السيد محمد حسين الطباطبائيu ترجمة السيد احمد الحسيني).
[14]- سورة الروم الاية 57.
[15]- سورة السجدة الاية 30.