الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 جوانب الاعجاز البياني


ق1 جوانب الاعجاز البياني
تلاحظ إن هذا الأسلوب قد جرى على نسق بديع خارج عن المعروف من نظام جميع الكلام، تجده يقوم في طريقته التعبيرية على أساس مباين للمألوف من طرائقهم.
وكذلك تلاحظ التعبير القرآني يبقى جارياً على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ ، وعمق المعنى ودقة الصياغة وروعة التعبير ، بالرغم تنقله فيما بين الموضوعات المختلفة من التشريع والقصص والمواعظ وغيرها وتلك حقيقة صعبة، بل بقيت مستحيلة لفترة من الزمن لدى اهل  العربية والبيان.
فمثلاً أختار آية من القران مما تعلق بمعنى متفاوت في مدى فهمه لدى العقول، ثم بعد ذلك اقرأها على مسامع خليط من الناس يتفاوتون في المدارك العلمية، والثقافية، فستلاحظ ان الآية تعطي لكل منهم معناها بقدر ما يفهم، وأن كل منهم قد استفاد منها معنى وراء الذي انتهى عنده علمه.
فمما سبق انت تعلم ان معنى الإعجاز باللغة كما قال صاحب القاموس: وأعجزه الشيء: فاته، وأعجز فلاناً: وجده عاجزاً وصيّره عاجزاً.
ولفظة التعجيز: هي التثبيط والنسبة إلى العجز، ومعجزة النبيn: ما أعجز به الخصم عند التحدي والهاء للمبالغة[1].
واما الإعجاز في اللغة العربية هو : نسبة العجز إلى الغير، كما في عبارة قوله تعالى: (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)[2].
وتسمى المعجزة بهذا الاسم؛ لأن البشر يعجزون عن الاتيان بمثلها، لأنه أمر خارق للعادة، خارج عن حدود الأسباب المعروفة، وإعجاز القرآن معناه[3]:
وإثبات عجز البشر متفرقين ومجتمعين عن الاتيان بمثله، وليس المقصود من عبارة (إعجاز القرآن) هو تعجيز البشر لذات التعجيز، أي بمعنى: تعريفهم بعجزهم عن الاتيان بمثل القرآن[4].
1 - جوانب الاعجاز العامة : بعث الله تعالى رسوله محمداًn بالرسالة الخاتمة، فكان خاتم الأنبياء والمرسلين، وكذلك رسالته خاتمة الرسالات، فقد أنزل الله تعالى عليه الكتاب بلسان عربي مبين في أُمَّة أُمية كان يرثى لها.
لها الباع الطويل والقِدْح المُعلَّى في البيان والفصاحة وروعة الأسلوب، حتى عرفت ونقل لنا التاريخ ان لهم الأسواق والمنابر والمواسم يعرضون فيها أنفس البضائع، وأدق وأجود وأبرع صناعتهم البيانية، تلك هي بضاعة الكلام من الشعر والنثر والخطابة.
فكان عرضهم النقد والمساجلة والمناظرة، حتى يختاروا من هذه الصناعة البيانية أروعها وأحسنها في ضمن جوِ من التنافس الشديد، لكي يتفاخروا بما قدموه، ولتتناقله العرب بعدها تذوقاً للُّغة التي تهذبت كلماتها وأساليبها واختيرت ألفاظها على أحسن اختيار.
وحينها نزلت ايات القرآن على النبي محمدn، وهو معجزته الكبرى، ودليل النبوة فهو لا ينطق عن الهوى إلا إنْ هو إلاَّ وحي يوحى، وقد وقف أئمة اللُّغة من زعماء العرب.
عاجزين أمام كلمات القرآن أنْ يحاكوه أو يماثلوه في أزهى العصور للأُمَّة العربية بياناً وفصاحة وبلاغة.
فكان التحدي بألفاظ ايات القرآن الكريم وكلماته في فصاحته وبلاغته مع بيان أسلوبه، لهذا قبل الدخول ونبحر في صميم موضوعنا وهو:
إعجاز البيان في القرآن الكريم، يحسن بنا أنْ نشير إلى الموضوعات التي سوف نتناولها من خلال البحث بحول الله وقوته، وهي على الترتيب التالي:
منها : يعتبر مناسب لجميع الناس بأختلاف العصور، لكي يفهمونه ويتأثرون به ويتبعونه على امتداد المكان والزمان مع تتابع القرون.
منها : يعتبر بديع النسق الخارج عن المألوف من الكلام.
منها : يشمل التداخل في الموضوعات والمعاني لكي تؤدي الترابط في بناء متكامل متناسق بالتالي استحالة الإتيان بمثله؛ فلا يحصل التنقل المتكرر في المعاني والموضوعات ليؤدي توجيه الخطاب كما لدى (كاتب بشري) إلا ويكون مدعاة للاضطراب والخلل وغيرها.
منها : تنوع مشدد من خلال توجيه الخطاب بما يتلائم مع السرد، وهو بما يجسد المعاني والمواقف بشكل واقعي وحقيقي كما في كلامه سبحانه إلى النبيn أو إلى جماعات من الناس، أو عنه تعالى، أو من خلال ضمير الغائب عن أشياء أو جماعات او اشخاص.
منها : تلاحظ الإحساس بجلالة ربوبيته من خلال اشارة التعبير القرآني برمته، فمستحيل نفسيا من أن يتصنع أي أنسان التقليد بهذا الأسلوب على طوال امتداد النص بهذا القدر.
منها : إخراج مدلول اللفظ والجملة بالمعنى المجرد بعدها الانتقال إلى التصور المحسوس المتخيل، وبالخصوص في مشاهد القيامة وقصص القران كما في آية النور بعبارة قوله تعالى:
( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ)[5].
منها : التحول المباشر من خلال تصور الشكل الصامت لمنظر حي ناطق تلاحظه متحرك، كما في وصف مجيء الليل ثم طلوع النهار في عبارة قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)[6] وهكذا.
منها : ضخامة المنظر من خلال تجسيمه حيثما استدعى المشهد والجو لذلك، مثل تصور الخيل للجهاد كما في عبارة قوله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً)[7].
منها : تكامل وحدة الموضوعات في سور وآيات القرآن جميعاً، بحيث تلاحظ  انه فسر بعضه البعض من دون تباين ولا اختلاف في بعض الآيات عن البعض الاخر كما في عبارة قوله تعالى:
( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً([8] ومنه تكامل قصص القرآن وخطابات الدعوة من خلال تناوله جميع الدواعي وأسباب الكفر؛ لكي يكشفها ويدحضها الواحد بعد الآخر.
منها : خلوه من التكرار بإستثناء غرضين احدهما: التأكيد وما صاحبها من تعظيم التأثير وتضخيم المعاني.
والاخر : لغرض تكامل الأشكال والصور التي يستعرض فيها الموضوع كما في عبارة قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[9] وعبارة قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)[10].
وعبارة قوله تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[11] وعبارة قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[12].
منها : الاختلاف الواضح عن أسلوب الحديث القدسي، التي أوحيت إلى رسول اللهn بمعناها؛ فصيغت ومن ثم بلغها بأسلوبه البشري.
منها : جريانه على شكل رفيع موحد بالرغم من تنوع المعاني والموضوعات، حتى في آيات التشريع والأحكام، وآية الدَّيْن[13] ، وآيات المواريث[14] وغيرها.
منها : إعجاز الوفاء بالأهداف المتباينة والمتضادة بنفس الوقت مثل:-
- مثل الإيجاز الشديد أو الحذف من خلال مصاحبة الوفاء الكامل بالمعاني المقصودة لهما.
- مثل الإجمال مع التفصيل بينهما.
- مثل خطاب الخاصة وخطاب العامة فيما بينهما.
- مثل إقناع العقل مع إمتاع العاطفة، الذي يستشعر به كل قارئ متدبر له، حتى بآيات التشريع والأحكام وهذا واضح جداً.
منها : تصريف البيان من خلال التنوع الشديد في التعبيرات بنفس الموضوع، لكي يؤدي كل تعبير معنى اخر جديد، وخصوصاً في قصص القرآن، أو أمور الآخرة أو غيرها.
واما إعجاز العدد المتمثل في موافقات تكرار بعض الألفاظ المتقابلة، التي عجز عنها أي مخلوق على مراعاتها مسبقا في صياغتها بهذا النص والطول والتنوع.
ومستحيل تحققه الصدفة المحضة، ومن ذلك ما ورود في ذكر الشياطين والملائكة[15] والدنيا والآخرة والسيئات والصالحات والقرآن والوحي والإسلام بمشتقاتها وغيرها.
2 -  خلاصة الإعجاز البياني : تلاحظ انه بالرغم من وجود الدافع لدى أعداء الإسلام في كل جيل وإلى قيام الساعة، مع انتفاء المانع، إذ كانوا هم أهل فصاحة وبلاغة؛ والقرآن نزل بلغتهم وألفاظهم وأساليبهم[16] فمن الجوانب العامة للبيان هي:-
(تلاحظ) : تجد ان النسق البديع الخارج عن المألوف من الكلام (الشعر- النثر) وكذلك اختلافه البين عن أسلوب مبلغهn وهو القائل:
أَنا مُحَمَدٌ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ (ثلاث مرات) وَلا نَبِيَّ بَعْدِي، أُوتِيتُ فَواتِحَ الكَلِمِ وخَواتِمَهُ وجَوامِعَه.
(تلاحظ) : جريانه على مستوى متناسق ورفيع واحد بالرغم من تنوع المعاني والموضوعات، حتى آيات التشريع والأحكام، مثل آية الدَّيْن[17] وآيات المواريث[18].
(تلاحظ) : مناسبته لكل الناس على اختلاف معارفهم وعصورهم، فتجد يفهمه ويتأثر به ويتبعه العامة والخاصة، مع الجهلاء والعلماء، على امتداد الازمان وتتابع القرون.
(تلاحظ) : التداخل في ضمن معانيه وموضوعاته بحيث ترتبط في بناء نسيج متكامل ومتناسق يتعذر الإتيان بمثله ابداً.
(تلاحظ) : تصريف البيان من خلال التنوع الشديد في التعبيرات لنفس الموضوع، بحيث يؤدي كل تعبير معنى جديدا مختلف عن الاخر.
(تلاحظ) : خلوه من التكرار إلا لغرض التأكيد وما يصحبه من تضخيم المعاني وتعظيم التأثر، أو لأجل تكامل الصور والأشكال التي يعرض فيها الموضوع.
(تلاحظ) : الإحساس بجلالة الربوبية التي يأتي بها التعبير القرآني برمته، مع استحالة تصنع الفرد تقليد او انشاء هذا الأسلوب على امتداد النص الواحد بهذا القدر من السنوات.
(تلاحظ) : شدة التنوع في توجيه الخطاب بما يتناسب مع السرد لكي يجسد المواقف والمعاني بصورة حقيقية وواقعية من الله إلى رسولهn أو إلى الناس، أو عن الله، أو من خلال ضمير الغائب عن أشياء أو أشخاص وغيرهم.
(تلاحظ) : إخراج مدلول الالفاظ من معنى مجرد إلى صورة متخيلة محسوسة بالخارج.
(تلاحظ) : تحويل هذا التصور المتخيل من شكله الجامد او الصامت إلى معنى مصداقه منظر حي متحرك في الخارج.
(تلاحظ) : ضخامة المنظر والتجسيم بما تطلب الجو والمشهد له.
(تلاحظ) : التكامل في وحدة الموضوعات (آية – سورة) بالكتاب.
(تلاحظ) : الوفاء بأهداف متباينة ومتضادة في نفس الوقت الإيجاز الشديد أو الحذف مع وفاء كامل بالمعنى المراد. وكذلك الإجمال مع التفصيل. وخطاب العامة وخطاب الخاصة مع إقناع العقل وإمتاع العاطفة.
(تلاحظ) : إعجاز العدد الذي يتمثل في موافقات تكرار بعض الألفاظ المتقابلة، التي يعجز أي مخلوق على مراعاتها مسبقا في صياغة نص بهذا الطول والتنوع، ومستحيل أن يتحقق بمجرد الصدفة.
(تلاحظ) : إعجاز اللفظ في العديد من الجوانب كما في:
( في ) : الكمال في اختيار كل لفظ لوحده بحيث يؤدي المعنى على أدق وجه وأوفاه بما لا يؤديه لفظ آخر مثله.
( في ) : الاختيار الدقيق للألفاظ المترادفة بحيث تتميز فيما بين أدق الفروق بالمعنى، وبحيث إن استبدل اللفظ بمرادفه في اللغة فقد النص عمق معناه ودقة تصوره وجمال ايعازه.
( في ) : تجد تماسك التجانس في الدلالة القرآنية لكل مترادف حيثما تكرر استخدامه في ايات القرآن.
( في ) : البراعة في استخدام نفس اللفظ الواحد بحيث يؤدي معنى مغايرا لمعنى اخر وهو نفس اللفظ بحسب موضعه في ايات القرآن مثل لفظة كلمة (عين) جاءت عشر مرات بصيغ مختلفة.
( في ) : تلاحظ تجانس استخدام الحروف بنفس الدلالة لكل منها في كل أرجاء القرآن الكريم.
(تلاحظ) : إعجاز الجملة القرآنية في العديد من الجوانب وهي:-
( في ) : الاتساق اللفظي الصوتي، الذي تدركه الأذان حتى لو لم تفهم المعنى أو تعرف اللغة، وترتيب ذلك سهولة نطقه باللسان في عبارة قوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[19].
مع تيسير حفظه عن ظهر قلب، حتى حفظه الصبي كما حفظته الأجيال. فلا تجد نص بهذا الطول والتنوع يسره الله للحفظ مثل كتابه العزيز.
( في ) : دلالتها من خلال أقصر عبارة على أوسع معنى.
( في ) : بلاغة الحذف في بعض المواقف لغرض الدلالة على المعنى من خلال أبلغ عبارة وأكثرها تأثيرا.
( في ) : الترتيب المحكم لجميع الألفاظ ضمن داخل الجملة، وللجمل داخل الآية، في أدق تعبير وأعمق تأثير.
( في ) : البلاغة المثلى في توظيف صور البلاغة والمحسنات البديعة مع أساليب الإنشاء بالموضع ويحتوي على القدر المناسب بدون مبالغة أو افتعال.
(تلاحظ) : إعجاز قصص القرآن في العديد من الجوانب وهي:-
( في ) : وحدة أهدافها لتحقيق غايات ثلاث: احدهما إثبات الوحي والنبوة، والاخرى الموعظة والاعتبار، والثالثة بيان وحدة الرسالات السماوية.
( في ) : بلاغة الاقتصار على سرد التفاصيل التي تخدم هذه الأهداف السابقة.
( في ) : تكرير سرد القصة في سور مختلفة من خلال صورة مغايرة في كل مرة، بحيث يتكامل موضوع القصة بالرغم من سردها في مشاهد ومواضع مختلفة.
( في ) : إقحام نصائح وعظات في ثنايا القصص.
( في ) : عرض تصويري حي في مخيلتك ضمن نقل مباشر عبر القرون من الزمن والعصور.
( في ) : التنوع من خلال استهلال رواية القصة والدخول إليها ضمن العديد من الجهات وكل جهة تختلف عن الاخرى متشابكة لاتنفصل عن الاخرى.
( في ) : العرض التمثيلي لبعض اللقطات والمشاهد المترابطة، مع حذف ما لا يلزم من المشاهد؛ مصاحب لعملية إذكاء التصور والخيال.
(تلاحظ) : إعجاز البيان التشريعي في العديد من الجوانب وهي:
( في ) : صبغ جميع المواضيع من خلال صبغة الهداية والموعظة والإرشاد وغيرها.
( في ) : التدرج داخل التشريع وذلك لغرض تعويد الناس على التحول والتدرج من فواحشهم الى مرضاة الله تعالى.
( في ) : إظهار التيسير مع تأكيد الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة لمن يتبع شرع الله تعالى.
( في ) : إبراز أسوأ سمات وأعمال الكافرين، مع التركيز على إبراز أسمى خصال وفعال المؤمنين من جميع الجهات.
( في ) : المقابلة بأستمرار فيما بين نتيجة الثواب والعقاب في الجنة أو النار.
(تلاحظ) : اعجاز السور القرآنية[20] في العديد من الجوانب وهي:-
( في ) : تكامل المعاني مع تجانس الأسلوب والإيقاعات لكل اية وسورة بالرغم من تناولها موضوعات متعددة ونزول آياتها في مناسبات متباعدة، وكما أن:-
أ- صنعة البيان في الانتقال من معنى إلى معنى أشق منها في التنقل فيما بين أجزاء المعنى الواحد.
ب- نزول القرآن مفرقا بحسب الوقائع والدواعي على تباعد وترابط زماني، مما لا يسمح بالتواصل.
ج- إن جمع أحاديث مختلفة المعاني، ومتباعدة الزمان، والمتنوعة الملابسات ضمن حديث واحد مسترسل هو مظنة التفكك والاقتضاب ومظنة المفارقة والتفاوت[21].
د- عجز جميع البشر عن الاهتداء إلى تحديد وضع كل جزء من أجزاء المركب قبل تمام أجزائه، بل قبل معرفة طبيعة تلك الأجزاء[22].
( في ) : اجتماع هذه الأسباب جميعها في كل سورة نزلت متفرقة من دون أن تؤثر على إحكام وحدتها، ولا من استقامة وزنها هو من خلال تحقيق معجزة المعجزات، فلا يجرؤ في قرارة علم الغيب على وضع هذه الخطة المفصلة المصححة المحكمة ثم تنفيذها إلا هو عالم فوق أطوار العقل وغيرها.
( في ) : مطاوعة الأحداث الكونية، ومعاونتها بدقة لنظام هذه الوحدات البيانية هي خير شاهد على أن هذا القول وذلك الفعل كانا يجيئان من طريق واحد، والذي صدر هذه الكلمات عن علمه هو نفسه الذي صدر تلك الكائنات عن مشيئته[23].
(تلاحظ) : عصارة الإعجاز البياني في اجمال ما بسط من جوانب إعجاز البيان في ايات وسور كتاب الله تعالى منها:
( منها ) : اجتمعت في بنائه كل مواصفات الكمال والجمال، سواء في اختيار المفردات أو ترتيب الألفاظ أو تراكيبه النحوية أو صيغه البلاغية؛ من حيث تؤدي أسمى الدرجات كما في:-
-  دقة التعبير عن المعاني المركبة والأحاسيس المتداخلة.
-  بلوغ الغاية بإقناع العقل وإمتاع السمع والتأثير في المشاعر وتحريك العزائم، وهو مما يؤكد أنه إنما قُدِّر تقديرا محكما وصُمِّم قبل نزوله بحساب دقيق ووزن حكيم عليم.
- ان لكل حرف بكلمة وجملة وآية وسورة ثم تمام الكتاب، مع تكامل سوره والتناسق والتكامل الداخلي لكل سورة.
- نزوله في سور متفرقة ( بل في آيات أو مجموعات متفرقة للسورة الواحدة) عبر ثلاث وعشرين سنة، ومناسبات متباينة.
( منها ) : التباين فيما بين بيان القرآن وباقي البيان لا يتمثل في بعض مكونات بنائه من ألفاظ الفصحى والأساليب الإنشائية وصور البلاغة؛ فهذه وتلك تلاحظ أمثالها في القرآن.
كما تجدها في كلام العرب، كما لا يتمثل في بعض صفات الكلام تأثير او تعبير وجمال التي قد تلمسها بدرجات متفاوتة في كلام البشرية، بأعلى درجة في الكتاب.
بل هو اجتماع صفات الكمال والجمال بأقصى درجاتها في بيان ايات القرآن بأكمله من دون سواه.
ومنها : بيان التحدي بالقرآن وتحير القوم في إجابة هذا التحدي، كيف يأتون بكلام مثل هذا الكلام كله؟ ربما حاولوا، ولكنهم عجزوا، وقالوا في عبارة قوله تعالى: (إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ)[24].
فتجاوز لهم عن بعض ما طولبوا به، ولم يشأ أنْ يفلتوا بما أعذروا أنفسهم به، فلئن كان حديثاً مفترى أعين عليه كما في عبارة قوله تعالى: (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[25].
وما أجداهم من أنْ يستعينوا بمَنْ شاءوا ومَنْ استطاعوا في أنْ يأتوا بالعشر المفتريات، فأرخى لهم إمعاناً في التحدي الساخر بقدرتهم، فتجاوز عن العشر إلى واحدة مع العون كذلك فقال في عبارة قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[26].
ولئن تقاصرت قدرتكم من أنْ تأتوا بسورة مماثلة لسورة على التحديد كما في عبارة قوله تعالى: (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[27], فلربما كانت مماثلته على التقريب أيسر عليكم من مماثلة على التحديد, وهو الذي ما أشارت إليه آية سورة البقرة من استخدام لفظ قوله: (مِن مِّثْلِهِ).
ولكن كل ذلك محكوم بحالة العرب الفكرية وعلينا أنْ نلقي نظرة على الحالة الفكرية والبيانية قبيل عصر المبعث، لنرى مبلغ رُقِيّهم الفكري والأدبي، متمثلاً في أسواقهم الأدبية، يعرضون فيها أنفس بضاعتهم من الكلام.
وأغلب صناعتهم من الشعر والبيان، يتبارون في عرضها ونقدها ومن ثم اختيار أحسنها، والمفاخرة من خلال أجودها، كذلك لم يكن غريباً أنْ ترى ايات القرآن ـ وقد صادفت هذا المستوى الفكري لدى العرب ـ أنْ يناقش ويجادل عن نفسه.
وبعدها يشتد في جداله ودفاعه ويعلو صوته حتى يصافح وجه السماء، فما ذاك إلاَّ لأنه وجد أمامه خصوماً ألداء وأعداء أشداء، أوتوا حظاً من الفكر الشركي، وبلاغة القول، وعزة النفس.
لتجد كذلك انه لم يشأ الله تعالى أنْ تكون آيته إليهم إلاَّ كلمات القرآن، وهي آية عقلية تناسب نضجهم الفكري، ورتبتهم في سلم الرُّقي البشري، الذي يريده الله.
فكلما ارتكسوا في حمأة اليأس من معارضته، نكسوا على رؤوسهم في طلب معجزة حسية، أبى الله ذلك - وهو القادر على أنْ ينزل عليهم آية فتظل أعناقهم لها خاضعين – وذلك لأنهم تجاوزوا دور الطفولة، وتخطوا مرحلة البلادة الفكرية التي اقتضت أنْ تكون معجزة البشرية في تلك المرحلة حسية[28].
اذاً نحن أمام مجتمع حي قادر على التفكير، فيا ترى ما الذي منعه من أنْ يرد على هذا التحدي, ولكن تلاحظ انه أشترط عدة عوامل في بيان المعجزة ونذكر بعض منها وهي كما يلي:-
منها : من أنْ تكون المعجزة فعلاً من الأفعال المخالفة لما تعوَّد عليه الناس وألفوه فيما بينهم.
منها : أنْ يظهره الله سبحانه وتعالى على يد من يدّعي النبوة.
منها : أنْ يحصل الغرض من ظهور هذا الفعل الخارق هو تحدي المنكرين له، سواء صرح النبيn صاحب المعجزة بالتحدي أو كان التحدي مفهوماً من قرائن الأحوال مصاحبة.
منها : أنْ تأتي المعجزة موافقة ومصدقة لدعوى النبوة، فإذا حدثت المعجزة وكذبت صاحبها في دعواه فلا يكون المدعي صادقاً، كما لو نطق الجماد مثلاً بتكذيب صاحب المعجزة.
منها : أنْ يعجز المنكرون عن الإتيان بمعجزة مماثلة لمعجزة النبيn، أي يعجزون عن معارضته[29].

[1]- القاموس المحيط  ص663.
[2]- سورة المائدة الاية 31.
[3]- تيسير العزيز المنان في بيان إعجاز القرآن الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن علي الهرفي.
[4]- التبيان في علوم القرآن ص:93.
[5]- سورة النور الاية 35.
[6]- سورة التكوير الاية 16و18.
[7]- سورة العاديات الاية 1و5 راجع كتاب : التصوير الفني في القران.
[8]- سورة النساء الاية 82.
[9]- سورة الرحمن في عدة ايات.
[10] - سورة المرسلات في عدة ايات.
[11]- سورة القمر في اربعة اماكن من السورة.
[12]- سورة الرعد الاية 5.
[13] - سورة البقرة الاية 282 .
[14] - سورة النساء الاية 11-12.
[15]- جاءت الشياطين والملائكة 88مرة بصيغها المختلفة, والدنيا والآخرة115مرة, والسيئات والصالحات180مرة بمشتقاتها, والقرآن والوحي والإسلام بمشتقاتها 70 مرة لكلُ منها.
[16]- راجع : كتاب نبوءات المستقبل ج1 ص11.
[17]- في سورة البقرة الاية 282.
[18]- في سورة النساء الاية 12 – 11.
[19]- سورة القمر الاية 11.
[20]- كتاب: النبأ العظيم ـ محمد عبد الله دراز، تخريج وتعليق عبد الحميد أحمد الدخاخني.
[21]- يمكنك تطبيقه على مجموعة متون روايات أو غيرها من البلغاء لكي تجعل منها سردا واحدا حتى يتبين لك ذلك.
[22]- ويمكنك تطبيقه على أي منشأة أو صناعة أو نشاط لكي توقن كيف وقوعه بالقرآن فهو تحدي لقدرة البشرية جميعاَ حتى ظهور المنتظر المهدي صاحب الزمن من ال محمدD.
[23]- مثال تطبيقي: تحليل ترابط المعاني في سلسة واحدة من الفكر تتلاحق فيها الفصول والحلقات، ضمن نسق واحد من البيان تتعانق فيه جمل وكلمات، كما في سورة البقرة، أطول سور القرآن (282 آية)، التي نزلت فيما وصل إلينا من أسباب نزولها في نيف وثمانين مناسبة ـ عبر تسع سنوات (النبأ العظيم ـ محمد عبد الله دراز).
[24]- سورة الفرقان، الآية 4.
[25]- سورة هود، الآية  13.
[26]- سورة يونس، الآية  38.
[27]- سورة البقرة، الآية  23.
[28]- د. إسماعيل أحمد الطحان: دراسات حول القرآن الكريم، ص 92.
[29]- بحوث في الثقافة الإسلامية، تأليف عدد من أساتذة جامعة قطر، ص 275.