الأربعاء، 12 أبريل 2017

اجازة التفسير من جميع الجوانب


اجازة التفسير
ذكر انه جاء عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفرA فقال: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة ؟
فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر A: بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة، نعم، فقال له أبو جعفرA فان كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك - إلى أن قال أبو جعفر A - ويحك يا قتادة؟.
إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال، فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة؟ إنما يعرف القرآن من خوطب به.
أقول : والأحاديث الواردة بالنهي في ذلك كثيرة في كتاب القضاء من وسائل الشيعة[1].
ومثلهِ جاء عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن أيوب بن الحر، عن عمران ابن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله A قال: نحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله[2].
وكذلك جاء عن علي بن محمد، عن عبد الله بن علي، عن إبراهيم ابن إسحاق عن عبد الله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما D في قول الله عزوجل:
(وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)[3] فرسول اللهo أفضل الراسخين في العلم، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لا يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه[4].
وجاء عن محمد بن مسعود العياشي عن عمار بن موسى، عن أبي عبداللهA قال: سئل عن الحكومة، فقال: من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسر آية من كتاب الله فقد كفر[5].
ومثلهِ انه جاء عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله A قال: «من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه»[6].
وكذلك عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر A: «ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ، فإن الرجل ينزع بالآية فيخر بها أبعد ما بين السماء والأرض»[7].
وعنه كذلك عن عبد الله بن جعفر، عن السيّاري، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنينA ـ في حديث ـ أنه قال: ما من شيء تطلبونه إلاّ وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه[8].
واما أن للقرآن ظهرا وبطنا، وأن علم كل شئ في القرآن وأن علم ذلك كله عند الائمةD ولا يعلمه غيرهم الا بتعليمهم فعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليD قال:
سلوني عن كتاب الله، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار، ولا مسير ولا مقام، إلا وقد أقرأنيها رسول الله o وعلمني تأويلها، فقام ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قالA:
كان - يحفظ علي- رسول الله o ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقولJ: يا علي أنزل الله بعدك كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا فعلمني تأويله وتنزيله. وكذلك جاء باسناد المجاشعي، عن الامام الصادق o عن آبائه، عن عليD مثله[9].
فقد جاءت أحاديث متواترة تزيد على (مائتين وعشرين) حديثاً دالة على عدم جواز ورود استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيره من كلام الائمةD والتفحص عن أحوالها، والقطع من أنها محكمة أو متشابهة، ناسخة او منسوخة عامة او خاصة[10] وإلى غير ذلك.
واعلم أن الحديث صح عن رسول اللهo وعن الأئمة القائمين مقامهD من أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح، والنص الصريح[11].
شروط التفسير : في البداية يمكنك حصرها ببعض المعارف العلمية منها:
معرفة قواعد اللغة العربية, ومنها: معاني المفردات, ومنها: تفسير القرآن بالقرآن, ومنها: الحفاظ على سياق الآيات, ومنها: الرجوع الى الاحاديث الصحيحة.
ومنها: معرفة أسباب النزول, ومنها: الاحاطه بتاريخ صدر الاسلام, ومنها: تمييز الأيات المكية عن المدنية, ومنها: الوقوف على الآراء المطروحه حول الاية, ومنها: الاجتناب عن التفسير بالرأي[12].
لإن فهم القرآن مختص فقط بمن خوطب به، وقد استند في هذه إلى العديد من الاحاديث الواردة في هذا الصدد, والمراد من هذه الروايات وأمثالها فهم القرآن حق فهمه، ومعرفة ظاهره وباطنه، وناسخه ومنسوخه مختص بما خوطب به.
فمعنى هذا أن الله تعالى قد خص أوصياء نبيهo بإرث الكتاب، وهو تمام معنى قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا) [13] فهم المخصوصون بعلم القرآن على واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب[14].
والمراد هنا أن علماء الشيعة الإمامية في تفسير ايات القران يعلمون تأويل ما تشابه كله ولكن بشرطين وهما:
الشرط الأول : أن يكون الإمام العالم حاضرا فيهم لا غائبا عنهم، فإن الغائب لا يفيد قوله العلم إلا إذا تواتر، وقلما يحدث ذلك.
الشرط الثاني : أن يعلمهم الإمام العالم من أن لا يكون كلامه في تأويل ما تشابه عن تقية[15].
إذا نتيجة تفسير القرآن لا يجوز إلاّ من خلال الرجوع إلى الإمام او الاستعانة بالروايات المتواتره بعد فحصها.
واما التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريA إنما هو من خلال رواية هذا الرجل وزميله يوسف بن محمد بن زياد وكلاهما مجهولين الحال ولا يعتد برواية أنفسهما عن الإمامA.
واما ما عرف من اهتمامه A بشأنهما وطلبه من أبويهما إبقاءهما عنده لافادتهما العلم الذي يشرفهما الله به هذا مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع وجل مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير فكيف بالامامA[16].
وأمّا ما موجود من نقل أقوالهم كما في تفاسير الشيعة كما في تفسير «التبيان» لشيخ الطائفة الطوسيH وتفسير «مجمع البيان» للشيخ الطبرسيH، فعذرهم في نقل أقوالهم هو رواجها في تلك العصور والأزمنة بحيث كان الجهل بها نقص في التفسير وسبب لعدم الاعتناء به.
واما تفسير علي بن إبراهيم القمي (الذي كان حياً سنة307هـ)، وتفسيره هذا مطبوع قديماً وحديثاً، غير أنّ التفسير ليس لعلي بن ابراهيم القمي وحده.
بل هو تفسير ممزوج من تفسيرين، فهو ملفّق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس، وما رواه تلميذه بسنده الخاص، عن أبي الجارود عن الإمام الباقرA وقد أوضح الشيخ جعفر السبحاني حاله في أبحاثه الرجالية.
واما تفسير محمد بن مسعود العياشيH المعاصر للكلينيH الذي توفّي سنة329هـ، وطبع في جزأين، غير أنّ ناسخ الكتاب في القرون السابقة، جنى على الكتاب جناية علمية لاتغتفر حيث أسقط الأسانيد، وأتى بالمتون فقط، وبذلك غلق على المحقّقين باب التحقيق[17].
واما تفسير الصافي لمحسن الكاشانيH قد إعتمد المؤلف في نقل عباراته على تفسير البيضاوي, ثم على نصوص الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيتD.
ومن بعد ذلك يتعرض للمأثور من احاديث أهل البيتD معتمدا على تفسير القمي والعياشي وغيرهم من كتب الحديث المعروفه لكنه لا يتحرّى الصحه في النقل, ويتخلّى بنفسه لمجرد ذكر مصدر الحديث.
وهو الأمر الذي تحسب مؤاخذة عليه, حيث في بعض الاحيان نراه ذكر الحديث, ويكأن ظاهر الاعتماد عليه مما يوجب إغراء الجاهل, فيظنه تفسير قطعي للآية الكريمه, وفيه من الإسرائيليات والروايات الضعاف الشيئ الكثير.
واما تفسير البرهان للبحراني ففي تفسيره هذا اعتمد كتبا لا اعتبار بها مثل التفسير المنسوب الى الامام العسكريA الذي هو من صنع ابي يعقوب يوسف بن محمد بن زياد, وابي الحسن على بن محمد بن سيار, الاستراباديين.
ولم يعلم أي وجه عن انتسابه الى الامام الحسن العسكريA والتفسير المنسوب الى علي بن ابراهيم بن هاشم القمي هو من صنع ابي الفضل العباس بن محمد العلوي, ونسب التفسير الى القمي من غير وجه وجيه.
واما كـتاب (الاحتجاج) الذي نسب الى الطبرسي ولم يعرف لحد اليوم ومثلهِ كتاب (سليم بن قيس الهلالي), المدسوس فيه, وغيرها من كتب لا اعتبار فيها, فضلا عن ضعف الاسناد او الارسال في اكثر الاحاديث التي ينقلها من هذه الكتب.
واخيراً تفسير الحويزي لعـبـد عـلي بن جمعة العروسي الحويزي انـه جمع ما عثر عليه من احاديث معزوة الى ائمة اهل البيتD مما يرتبط بالذكر الحكيم, تفسيرا او تاويلا, او استشهادا او تاييدا وفي الاغلب لا مساس ذاتيا للحديث مع الاية في صـلب مفهومها او دلالتها.
بل تعرض لها بالعرض لغرض الاستشهاد, ونحوها, هذا فضلا عن ضعف الاسانيد او ارسالها الا القليل المنقول من المجامع الحديثية المعتبرة.
وهو لا يستوعب جمع آي القرآن, كما انه لا ياتي الى ذكر النص القرآني, سوى سرد للروايات تباعا, بحسب ترتيب الايات والسور ولا يتعرض لاي نقد للروايات ولاعلاج معارضاتها بما نقل اخبار مشتملة على الوهن من شان الائمة ويسترسل في نقل الاسرائيليات والـموضوعات.
كما في قصة هاروت وماروت, وان الزهرة كانت امراة فمسخت, وان الملكين زنيا بها ونحو ذلك من الاساطير الاسرائيلية والاكاذيب الفاضحة[18], والله العالم.

[1] - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - الصفحة 452.
[2] - وسائل الشيعه ج27ص179باب عدم جواز استنباط الاحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها من الائمة D.
[3] - سورة ال عمران الاية 7.
[4] - وسائل الشيعه ج27 ص179.
[5] - وسائل شيعه ج27 ص203.
[6] - البرهان في تفسير القرآن هاشم البحراني ج1ص42 باب في النهي عن تفسير القرآن بالرأي، والنهي عن الجدال فيه.
[7] - البرهان في تفسير القرآن ج1ص42 هاشم البحراني.
[8] - وسائل الشيعة ج27ص182.
[9]  -  سلسلة بحار الانوار ج89 ص78.
[10] - وسائل الشيعة ج27ص35 الحر العامليH.
[11] - مجمع البيان ج1ص39 الطبرسيH.
[12] - المناهج التفسيريّة في علوم القرآن ص24 جعفرالسبحانيK.
[13] - سورة فاطر الاية 32.
[14] - البيان في تفسير القرآن ص265 الامام الخوئيH.
[15] - مرأة العقول ج2ص 435 المجلسيH.
[16] - معجم رجال الحديث للخوئيH ج13ص157 ترجمة علي بن محمد بن سيار.
[17] - كما في المناهج التفسيريّة في علوم القرآن ص154-157 الشيخ جعفر السبحانيK.
[18] - محمد هادي معرفة كتاب التفسير والمفسرون ج2 ص781-786.