الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 التفسير الموضوعي من جميع جوانبهِ


ق1 التفسير الموضوعي من جميع جوانبهِ
التفسير الموضوعي : هذا النوع من التفسير تجده يتناول موضوعً واحد من القرآن، يبدأ المفسر فيه  من خلال اختيار الآيات المتعلقة بالموضوع ويبدأ بشرحها ومن ثم يفصل الاقوال فيها.
مثل ترتيب كتب ( أحاكم القرآن ) التي جمع مؤلفيها آيات قرانية متصلة بالأحكام الموجودة في القران وهي كثيرة فمنها للجصاص ولأبن العربي.
مثل ترتيب كتب ( مجاز القرآن ) وهي عديدة أهمها للشريف الرضيH والعز بن عبد السلام, وكتاب (الإنسان في القرآن) لعباس محمود العقاد.
فهو من أنواع التفسير الذي جرى سير العلماء قديما وحديثا عليه هو التفسير الموضوعي, وسنتطرق بإيجاز في معناه وخصائصه وتعريفه هو:
التفسير الموضوعي هو إفراد الآيات القرآنية التي تعالج موضوع واحد وهدف واحد، من خلال ضم بعضها إلى البعض الاخر، مهما تتنوع ألفاظها، أو تعددت مواطنها (مع مراعاة المتقدم والمتأخر) من الايات والسور، مع الاستعانة بأسباب النزول، والسنة النبوية عن طريق كلام اهل بيت الرحمة D وأقوال الصحابة من المنصوص عليهم.
واما الخصائص والمميزات للتفسير الموضوعي لأنه تفسير للقرآن بالقرآن وعظمته من خلال الوقوف على المواضيع المتنوعة والتعرف على تشريعاته المتعددة. والروحانية والهداية الربانية من خلال تدرج المواضيع المختلفة.
وكذلك معرفة طريق التخلق من خلال تطبيق أخلاق القرآن والانتفاع به من حيث ارتفاع درجة الإيمان. مع التدرج من خلال التمكين من فهم القرآن الكريم فهم عميق.
ومع تجميع آيات القران المتناثرة فيه ذات الموضوع والهدف الواحد في مصب ومكان واحد ومن ثم دراستها وبعدها تحصل الثمرة وهو من خلال بحث منهجية إزالة ما يوهم التعارض بين آيات القرآن وتوجيه بما يلائم موضوع الموضوعية.
الف : طريقة البحث في التفسير الموضوعي: ان مهارة الوحدة الموضوعية والتعريف بها فهي عبارة عن تجزئة سور القرآن كل على حسب الوحدة الموضوعية للآيات أي المعنى الواحد.
وأصل هذه المهارة يعود إلى القراء عند الكلام عن الوقف والابتداء، والذي من قواعده، الفصل بين الجنة والنار، وقصة وأخرى، وصفتين متضادتين إلى غير ذلك مما هو معلوم لدى اهل الاختصاص.
واما ما ذكر من الحديث عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ جِبْرِيلA قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، قَالَ مِيكَائِيلُA: اسْتَزِدْهُ؟ فَاسْتَزَادَهُ، قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ؟ قَالَ مِيكَائِيلُA: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ.
فهذا الحديث يثبت القراءة على سبعة احرف والحق عند الفرقة الناجية وهي القراءة على حرف واحد كما روي عن ائمة اهل البيتD.
ومن أهميتها إبراز الأهداف الرئيسة للآيات, ومساعدة الباحث على تدبر الآيات, وتساعدة على حفظ الأيات, وعدم الخلط فيما بين المعاني, والتهيئة الانتقالية بين كل مقطع, وتنمية ملكة الاستدلال القرآني, ومعرفة ما يحسن الوقف والقطع عليه.
وهذه المهارة تنمي حس التدبر، والتأمل ، والتفكير ، والحفظ واستخراج الأيات التي تدل على موضوع الباحث أو استنباطه أو استدلاله, ومن الأمثلة عليه:
مثلاً نذكر الوحدة الموضوعية الدالة على سورة النبأ من دلائل قدرة الله كما في قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً إلى...وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً). وصور من أهوال يوم القيامة كما في قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً إلى...وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً).
ومن ثم (جزاء الطاغين) كما في قوله تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً...). وجزاء المتقين كما في قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً...) ومن ثم الشفاعة لله وحده كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً...).
ونأتي بمثال اخر في الوحدة الموضوعية الدالة على سورة النازعات وهي: أهوال النفخ في الصور كما قوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ...) ومن ثم تفرد الله بعلم الساعة كما في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا...).
ومن الجميل والحسن تحسين الصوت أثناء الأداء واستدعاء النص القرآني، واستحضار المعنى وتقويم ما يقرأ من حيث صحة الاستدلال ، أو المزيد من الشواهد في ذلك المعنى إن كان موجودا, لهذا النوع من التفسير طريقان:
الطريق الاول :- الوحدة المتكاملة: تجد نظر الباحث إلى السورة القرآنية الواحدة من أولها إلى آخرها على أنها وحدة متكاملة الفكرة والمنهج والموضوع[1].
ومناهج تفسير القرآن وحاجتنا للتفسير الموضوعي في القرآن الكريم هو المحدد لعقيدة أمة الإسلام ومنهجها، ومصدر التشريع الأول لها، ومن هنا تأتي أهمية فقه معانيه وتدبرها والتنقيب عن أسراره.
ثم بعدها العمل بما فيه لكي تتحقق مرضاة الله سبحانه وسعادتها وبما أن الناس غير متساوين في فهم ألفاظه وعباراته وتدبر معانيه فإنه يلزم وجود تفاسير القرآن للمساعدة في تدبر معانيه.
وكما عرفت ان التفسير لغة هو إظهار المعنى وكشف المراد عن اللفظ, واصطلاحا هو علم يُفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمدJ مع بيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه لغرض الوصول إلى مقاصد المشرع من نصوص القرآن.
فهو أوائل علوم القرآن نشأةً إذ ظهر مند عصر الرسولJ ففهموا الكتاب بسليقتهم العربية إلا ما أشكل فيسألون عنه النبيJ كما عن عبدالله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[2].
شق ذلك على الناس فقالوا: (يارسول الله وأينا لا يظلم نفسه). قالJ: (إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم).
فالتفسير وأسانيده من المهمات التي ينبغي أن يعتنى بها، ويتبصروا فيها، ويعرفون الصحيح منها والضعيف، ولا يجهلوا بها كما في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[3].
وتتعدد أنواع تفاسير القرآن على وفق مدخل التفسير والهدف منه والقائم عليه، وتتعدد أيضا مناهج التقسيم وفقا لمعيار التقسيم[4].
الطريق الثاني :- جمع ايات لموضوع واحد: تجد نظر الباحث إلى آيات القرآن المتنوعة في القرآن كله، من خلال جمع تلك الآيات ذات الموضوع الواحد والهدف المشترك في موضوع واحد، ومن ثم يقوم بدراستها.
مع مراعات الترتيب بحسب أسباب النزول لكي يعرف المتقدم منها من المتأخر مستعينا في كل ذلك بالسنة الصحيحة وفهم السابقين منها. مع الإحاطة بجوانب الموضوع كله.
كما في آية الكرسي من سورة البقرة قال الله تعالى: ( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
فهي سيّدة آي كتاب الله بدأت الآية بالتوحيد ونفي الشرك وهذا المطلب الأول للعقيدة عن طريق إخبار الله. فقد اخبر عن الذات الإلهية وتلاحظ أن كل جملة في هذه آية الكرسي تصح أن تكون خبراً للمبتدأ لفظ الجلالة (الله) وذلك لأن كل جملة فيها ضمير يعود إليه تعالى:
( الله لا تأخذه سنة ولا نوم، الله له ما في السموات وما في الأرض، الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، الله يعلم مابين أيديهم وما خلفهم، الله لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء، الله وسع كرسيّه السموات والأرض، الله لا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم).
عبارة قول الله تعالى : ( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ )
كلمة (الحيّ) معرّفة وكلمة (القيّوم) معرّفة. والحيّ هو الكامل الاتصاف بالحياة ولم يقل (حيّ) فقط لأنها تفيد أنه من جملة الأحياء.
فالتعريف بـ(ال) تعتبر دلالة على الكمال والقصر لأنه ما سواه يصيبه الموت. والتعريف يمكن ان يأتي بالكمال والقصر، فهو تعالى له الكمال في الحياة وقصراً كل من عداه يجوز عليه الموت وكل ما عداه يجوز عليه الموت والله الذي يفيض على خلقه بالحياة، فالله تعالى هو الحيّ لا حيّ سواه على الحقيقة لآن من سواه يجوز عليه الموت.
واما كلمة (القيّوم) هي من صيغ المبالغة (على وزن فيعال وفيعول من صيغ المبالغة وليست من الأوزان المشهورة) اذاً صيغة المبالغة من القيام ومن معانيها هو القائم في تدبير أمر خلقه في إنشائهم وتدبيرهم وحده.
ومن معانيها هو القائم على كل شيء، ومن معانيها هو الذي لا ينام ولا ينعس لأن عكسه لا يكون قيّوماً ومن معانيها هو القائم بذاته وهو القيّوم ورد بصيغة التعريف لأنه حصراً لا قيّوم سواه على الأرض.
عبارة قول الله تعالى : ( لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ )
السِنة هي لحظة النعاس او العفوة الذي تتقدم النوم ولذا وردت في ترتيب الآية قبل النوم وهو ما يعرف بتقديم السبق، فالله تعالى لا يأخذه نعاس أو ما يتقدم النوم ما يعرف بالفتور أو النوم، المتعارف عليه يأتي النعاس ثم ينام المخلوق.
ولم يقل الله تعالى لا (تأخذه سنِة ونوم) أو (سنِة أو نوم) ففي عبارة قوله (سنة ولا نوم) ينفيهما على حد سواء اجتمعا أو افترقا ولكن لو قال الله تعالى (سِنة ونوم) فهو ينفي الجمع ولا ينفي الإفراد فقد تأخذه سِنة دون النوم أو يأخذه النوم دون السِنة.
عبارة قول الله تعالى : ( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )
ان دلالة لفظ (ما) فهو ما يفيد ذوات غير العاقل وصفات العقلاء، فلمّاذا قال عبارة (له ما) جمع العقلاء وغيرهم واما لو قال لفظ (من) لخصّ العقلاء. ولفظة (ما) تعتبر أشمل وعلى سبيل الإحاطة.
واما العبارة كما قوله تعالى: (ما في السموات وما في الأرض) فأحدهما قصد الإحاطة والشمول، والاخر فقد قدّم الجار والمجرور على المبتدأ كما في عبارة (له ما في السموات) إفادة القصر من أن ذلك له حصراً لا شريك له في الملك كما في عبارة (ما في السموات والأرض ملكه حصراُ قصراً فنفى الشرك).
وورد ترتيب عبارة (له ما في السموات وما في الأرض) بعد عبارة (الحيّ القيّوم) وهو له دلالة خاصة: يدلّ على أنه هو وحده القيوم على ملكه الذي لا يشاركه فيه أحد غيره, وتلاحظ فرق بين من يقوم على ملكه ومن يقوم على ملك غيره.
فالأخير (ملك غيره) قد يغفل عن ملك ما كلف به وأما الذي يقوم على ملكه فلا يغفل ولا ينام ولا تأخذه سنة ولا نوم فتعالى عما يصفون. فهو الذي له كمال القيومية. وفي قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض) افادت التخصيص فهو لا يترك شيئاً في السموات والأرض إلا هو قائم عليه سبحانه وتعالى.
عبارة قول الله تعالى : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )
تلاحظ هنا دلالة واضحة على تبيان ملكوت الله وكبريائه وأن لا احد يملك أن يتكلم إلا بإذنه ولا يتقدم إلا بإذنه فهي مصداقاً لقوله تعالى: (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا).
وهذا القطع من الآية والمقطع الذي قبله (له ما في السموات وما في الأرض) دال على ملكه وحكمه في الدنيا والآخرة لأنه حينما قال (له ما في السموات وما في الأرض) شمل ما في الدنيا.
واما في عبارة قوله (لمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) قصد الآخرة فدل كلامه سبحانه بالعبارة على ملكوته في الدنيا والآخرة وتلاحظ انه قد أخرجه مخرج الإستفهام الإنكاري لأنه أقوى من النفي.
فدلّ هذا من أنه حيّ قيّوم كيف؟ لأن الذي يَستشفع عنده هو (حيّ) والذي لا يستطيع أي أحد أن يتقدم إلا بإذنه يجعله (قائم) بأمر خلقه وجميعها تؤكد المعنى من أنه (الحيّ القيّوم).
واما عبارة (من ذا) ففيها نحوين كما ذكر أهل النحو, وأحدهما ان تكون كلمة واحدة بمعنى (من) استفهامية ولكن عبارة (من ذا) أقوى من لفظة (من) لزيادة مبناها وهو كما (يقال في النحو: زيادة المبنى زيادة في المعنى)، فقد تقول (من حضر)، وتقول (من ذا حضر).
فلما هذا الاختلاف في تعبير قصة النبي إبراهيمA في سورة الصافات حينما قال: (ماذا تعبدون) واما في سورة الشعراء قال: (ما تعبدون).
ففي العبارة الأولى استعمل لفظة (ماذا) لانها أقوى والسبب لأن إبراهيمA لم يكن ينتظر جواب من قومه فلذلك وردت الآية بعدها بقوله تعالى: (فما ظنكم برب العالمين).
وأما في سورة الشعراء فالسياق هو سياق حوار فجاء الرد كما في عبارة قوله تعالى: (قالوا نعبد أصناماً). إذاً عبارة (من ذا) ولفظة (ماذا) أقوى من لفظة (من) ولفظة (ما).
وعبارة (من ذا) قد تكون متكونة من كلمتين وهي لفظة (من) مع اسم الإشارة - ذا- (من هذا) كما قيل: (من ذا الواقف) من الواقف ومن هذا الواقف. فعبارة (من ذا الذي) تأتي بالمعنيان وهو عبارة معنى (من الذي) وعبارة معنى (من هذا الذي) وذلك باعتبار لفظة (ذا) اسم إشارة فجمع المعنيين معاً.
كما في سورة الملك قوله تعالى: (أمّن هذا الذي هو جند لكم) فكلمة (هذا) مكونة من حرف (هـ) وهو للتنبيه والتوكيد ولفظة (ذا) وهو اسم الإشارة ومثلهِ كذلك كلمة (هؤلاء) فهي عبارة عن حرف (هـ) ولفظة (أولاء).
فالهاء هنا تفيد التنبيه والتوكيد فإن كان الأمر لا يدعو إليها لا يأتي بها فرجع للاية ونستعرض سياق الآيات في سورة الملك في مقابل آية الكرسي, فالآيات في سورة الملك هي في مقام التحدّي ويعتبر أشد وأقوى من سياق آية الكرسي.
لأن الآية في سورة الملك هي في معرض خطاب الكافرين أما آية الكرسي فهي في سياق خطاب المؤمنين ومقامها في الشفاعة والشفيع هو طالب حاجة راجي ربه قضاءها والطالب عالم أن الأمر ليس بيده وإنما بيد من هو أعلى منه وهو الله تعالى.
وأما آية سورة الملك هي في مقام الندّ والتحدي وليس في مقام شفاعة ولهذا جاء بـ(هـ) التنبيه لغرض الإستخفاف بالشخص الذي ينصر بدون الرحمن وهذا ليس مقام آية الكرسي.
والحدث الآخر أن التعبير في آية الكرسي يكتسب معنيان وهما قوة الإستفهام والإشارة ولكن بينما آية الملك دلت على الإشارة فقط ولو قال من الذي لذهبت قوة الإشارة. فلا يوجد أي تعبير آخر أقوى من عبارة (من ذا) وهو لكسب المعنيين قوة الاستفهام والإشارة معاً أي بمعنى (من الذي يشفع ومن هذا الذي يشفع).
عبارة قول الله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )
فالله تعالى يعلم ما أمامهم في المستقبل وما وراءهم والمقصود هي الإحاطة بعلمه بأمورهم الماضية والمستقبلية ويعلم أحوال الشافع الذي يشفع ودافعه ولما طلب الشفاعة وكذلك يعلم المشفوع له فهل يستحق استجابة الطلب هذا عام فهذه الدلالة الأولية من ظاهر العبارة.
ولكن في سورة مريم قوله تعالى: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) فما الغاية او الحكمة من أنها لم تأتي على هذا الأسلوب في آية الكرسي.
تلاحظ ان في سورة مريم سياق الآيات عن الملك (ولهم رزقهم فيها، تلك الجنة التي نورث من عبادنا، رب السموات والأرض...) فالذي يرزق هو الذي يورّث والنتيجة هو مالك.
وقوله في عبارة (رب السموات) فهو مالكهم أما في آية الكرسي فسياق الكلام عن العلم كما في عبارة (يعلم ما بين أيدينا) وبعد هذه الجملة يأتي قوله (ولا يحيطون بعلمه إلا بما شاء) أي بمعنى أن سياق الكلام في العلم, لهذا تلاحظ كان الأنسب أن تأتي عبارة (يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا) فهذه العبارة هي كما سبق توطئة لما سيأتي بعدها.
عبارة قول الله تعالى : ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء )
تلاحظ هنا القول ما هي فائدة لفظة (ما) فهي تحتمل معنيان في اللغة احدهما احتمال أن تكون مصدرية أي بمعنى (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بمشيئته) والاخر احتمال أن تكون اسم موصول أي بمعنى (إلا بالذي شاء) فهنا جمع المعنيان.
أي بمعنى لا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته وبالذي هو يشاؤه أي بالعلم الذي يريده هو وبالمقدار الذي يريده هو. وهذا المقدار الذي يشاؤه نوعاً وقدراً, فمن سواه لا يعلم شيئاً إلا إذا ما أراده الله بمشيئته وبما أراده وبالقدر الذي يشاؤه الله تعالى.
والبشر لا يعلمون البديهيات ولا أنفسهم ولا علّموا أنفسهم، فالله الذي شاء أن يعلّم الناس أنفسهم ووجودهم والبديهيات التي هي الأساس في كل علم. من سواه ما كان ليعلم أي شيئ لولا أن أراد الله تماماً كما في سورة طه قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) المقصود بذاته في المعنى.
فلو تلاحظ هنا لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في اية سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي.
في اية سورة طه وردت الآية تعقيباً على عبادة بني إسرائيل للعجل وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله تعالى لا يحاط به، بني اسرائيل عبدوا إلهاً وأحاطوا به علما فناسب أن لا يقول العلم وإنما قال (ولا يحيطون به علما) أما في مورد آية الكرسي فالسياق جاء في العلم لهذا جاء في عبارة قوله تعالى (لا يحيطون بشيء من علمه).
عبارة قول الله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )
هذا اوضح واصدق دليل على أنه من ملكه كما في عبارة (السموات والأرض من ملكه) وتجد قبل هذه الجملة قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض) فدلّ على أن الذي في السموات والارض هو ملكه كذلك لأن المالك قد يملك الشيء لكن لا يملك ما فيه وقد يحصل العكس.
في البداية بدأ بقوله ( له ما في السموات وما في الأرض) أي أن ما فيهما ملك لله ولم يذكر أن السموات والأرض ملكه وهنا ذكر أن السموات والأرض وما فيهما هي ملكه.
كما إن الكرسي وسع السموات والأرض كما جاء في الحديث القدسي (السموات والأرض كحلقة في فلاة في العرش، والكرسي كحلقة في فلاة في العرش). فما هي الغاية او الحكمة من استخدام صيغة الماضي في فعل (وسع)؟.
الغاية هي أن صيغة الفعل الماضي تدلّ على أنه وسعهما فعلاً فلو قال (يسع) لكان فقط إخبار عن مقدار السعة فعندما تقول عبارة (تسع داري ألف شخص).
فليس بالضرورة من أن يكون في داخلها ألف شخص ولكن عندما نقول عبارة (وسعت داري ألف شخص) فهذا حصل فعلاً وكلمة (تسع) هي تعني إخبار ليس بالضرورة حصل، لكن كلمة (وسع) بمعنى حصل فعلاً وهو أمر حاصل فعلاً.
عبارة قول الله تعالى : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )
أي بمعنى لا يثقله ولا يجهده وجاء بلفظة (لا) لغرض الدلالة على الإطلاق لا تدل على الزمن المطلق وإن كان أكثر النحاة يجعلونها للمستقبل ولكن الأرجح من أنها تفيد الإطلاق مثل (لا يمكن أن يحصل).
واما (العليّ) فهو من العلو والقهر والتسلط والغلبة والملك والسلطان وكذلك العلو عن النظير والمثيل. والعظيم من العظمة وقد دخل عليها وعرّفهما (أل التعريف) لأنه لا علليّ ولا عظيم على الحقيقة سوى الله فهو العليّ العظيم حصراً.
فهذين الوصفين ذكرت مرتين في ملك السموات والأرض بآية الكرسي من سورة البقرة، وفي سورة الشورى قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) وهنا الأمرين في ملك السموات والأرض دلّ على العلو والعظمة حصراً لله تعالى.
وتلاحظ في آية الكرسي من أنها ذكرت في بدايتها صفتين من صفات الله تعالى وهما (الحيّ القيّوم) وانتهت بصفتين وهما (العليّ العظيم) اذاً كل حمل جاء في ضمن الآية دل على أنه الحيّ القيّوم والعليّ العظيم سبحانه وتعالى تقدست صفاته وهكذا كما يلي:-
الذي لا إله إلا هو ؛ هو الحي القيوم, والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو حيّ وقيّوم, والذي له ما في السموات وما في الأرض أي المالك, والذي يدبر أمر ملكه هو الحيّ القيوم والذي لا يشفع عنده هو الحي القيوم ولا يشفع إلا بإذنه.
والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحاط بشيء من علمه هو الحيّ القيّوم القيّم على الآخرين,والذي وسع كرسيه السموات والأرض هو الحيّ القيّوم, والذي لا يؤده حفظهما هو الحيّ القيّوم لأن الذي يحفظ هو الحي القيوم وهو العلي العظيم والحي القيوم هو العلي العظيم.
والذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي له ما في السموات والأرض والذي لا يشفع عنده إلا بإذنه والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والذي لا يحاط بعلمه إلا بما شاء هو العليّ العظيم فكل عبارة في آية الكرسي تدلّ على أنه الحيّ القيّوم والعلي العظيم.
واخيراً تلاحظ الخطوط التعبيرية في آية الكرسي أنها تذكر من كل الأشياء زوج يعني اثنين اثنين، بدأها بصفتين من صفاته تعالى (الحي القيوم) ومن ثم ذكر اثنين من (سنة ونوم) وكرّر لفظ (لا) مرتين (لا تأخذه سنة ولا نوم).
وملكيته ذكرها اثنين (السموات والأرض) وكرر لفظ (ما) مرتين وذكر اثنين من العلوم في (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) واثنين مما وسعه الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض) والآية ختمها باثنين من صفاته وهما (العليّ العظيم).
وجاء اسمين من أسماء الله الحسنى مرتين كما في سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) واخرى في سورة (آل عمران) في الآية الثانية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم).
واما (العلي العظيم) فقد جاءت في القرآن مرتين كما في سورة البقرة واخرى (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) في سورة الشورى في الآية الرابعة.
باء : الاعمال التفسيرية للمفسر: نلخص ونأتي باختصار الاعمال التفسيرية التي يمارسها المفسر بالتالي: تفسير الالفاظ القرآنية الغريبة فهي مثلاَ قوله تعالى: «وجعلوا القرآن عضين» وقوله تعالى: «كاسا دهاقا» وقوله تعالى: «جاءت الصاخة».
فتفسير العبارة في المفردات: «عضين – دهاقا - الصاخة» مع فهم معناها في اللغة هي وسيلة لغرض فهم معنى الاية واكتشاف مضمونها.
واما تفسير معنى الاية المفردة فهو يعتبر الاعداد الثاني من التفسير والقادر على اعطاء المعنى المحدود ضمن حدود الاية.
ويعتبر التفسير الموضوعي هو المنهاج الذي تقوم على اساس دراسة الايات ذات الصلة في ضمن موضوع معين جميعها، من باب الوحدة الموضوعية، لكي يكمل بعضها البعض الاخر.
ومن باب المثال عندما يرادفهم مسألة المال، او الحكم في الكتاب، او قضية الطلاق، او مسألة حقوق المراة، او ما هو متعلق بالتوحيد، فتقوم الدراسة على اساس شامل لتجميع ايات القران ذات الصلة بالموضوع ومن ثم دراستها كوحدة موضوعية واحدة متكاملة.
والغرض منه هي الخروج باحكام الكتاب ومفاهيمه التي تعطينا صورة واضحة وكاملة عن ذلك الهدف او الموضوع, لغرض الوصول الى الرؤية القرآنية، والنظرية الاسلامية المتكاملة فيه.
جيم : تفسير ايات القرآن بالقرآن: فكما ان السنة المحمدية تفسر القرآن الكريم، فإن الكتاب يفسر بعضه البعض، مع اللجوء لبعض ايات القران في فهم وتفسير آيات قرانية اخرى.
فهذا هو المنهج العلمي الصحيح والسليم، وقد وضع الامام عليA هذا المنهج كما في قولهA: «القرآن ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض»[5].
ولديك اقرب مثال في تفسير ايات القرآن بايات القرآن هو تفسير الامام علي A لقوله تعالى: «وحمله وفصاله ثلاثون شهرا».
فقد فسرها الامام عليA بجمعها مع اية اخرى وهي قوله تعالى: «والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين ».
فاستخرج من القرآن الكريم من الاية الاولى والاية الثانية ان اقل مدة للحمل عند النساء هي ستة اشهر[6].
ويعتبر الرجوع الى بعض الآيات الكريمة من القرآن المجيد لغرض تفسير آيات اخرى منه هي قاعدة اساسية من مبادئ صيانة المعاني القرآنية، وحمايتها من التحريف، وخصوصا في مجال العقيدة والافكار.
فايات القران المتكلمة عن صفات الباري عز وجل وافعاله وعلاقة فعل البشر بفعل الله تعالى كما في ايات الهدى والضلال يفسر بعضها البعض كما في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
تعتبر هي الاساس في تفسير الايات التي حاول بعضهم الاستفادة منها في مسألة التشبيه والتجسيم كما في قوله تعالى: (يد اللّه فوق ايديهم) وقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى).
فمن دلالة العبارة في الاية الكريمة: (ليس كمثله شيء) تفهم ان المعنى من (يد اللّه) والمعنى من (الاستواء) ليس هو معنى تجسيدي، فاللّه تعالى منزه عن مشابهة الخلق.
ومن خلال الاعتماد على الايات المباركة في قوله تعالى: (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا)[7] وقوله تعالى: (وهديناه النجدين).
وكذلك قوله تعالى: ( لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)[8] وقوله تعالى: ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان اللّه سريع الحساب)[9].
واخيراً قولهِ تعالى: ( ان تكفروا فان اللّه غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر اخرى..الخ)[10].
فمن خلال الاعتماد على واحدة او اكثر من هذه الايات المباركة تستطيع ان تفهم معنى قوله تعالى: (فان اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء)[11].
وامثالها من الايات الكريمة التي فسرها بعضهم تفسير خاطيء، ففسرت بجعل ومن ثم اسناد الاضلال الى اللّه سبحانه تعالى عما يصفون، على شكل جبري وغيره.
او فسرت صورة الجبر نافية لارادة الانسان واختياره لفعله وارادته، وهذا متناقض مع عدله سبحانه وتعالى، فهذه الايات وكثير مثلها توصف البشر من انه حر مختار، وهو يجازى بما كسبت يداه واخياره، واللّه تعالى لا يرضى لعباده الكفر.
لهذا فسرت (أؤلت) آيات الهدى والضلال في طريق التاويل السليم لكي يتم التناسق مع الايات الاخرى ذات العلاقة بالموضوع ومثل التفسير كما في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم..الخ).
فسرت بالاية الكريمة وهي قوله تعالى: ( ومن يطع اللّه والرسول فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا)[12].
فالاية الكريمة الثانية تبين المعنى المقصود من خلال قوله تعالى: (صراط الذين انعمت عليهم).
كما ذكر السيوطي هذا المسار بقوله: ( من اراد تفسير الكتاب العزيز طلبه اولا من القرآن، فان اعياه ذلك طلبه من السنة، فانها شارحة للقرآن وموضحة له)[13].

[1]- محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري, موسوعة لسان العرب, ج 4 صفحة 89 دار صادر بيروت لبنان.
[2]- سورة الانعام الاية 82.
[3]- سورة النحل الاية 44.
[4]- راجع : الدكتور مجدي قرقر كتاب مناهج تفسير القرآن وحاجتنا للتفسير الموضوعي.
[5]-  نهج البلاغة : ص 192 د . صبحي الصالح .
[6]- راجع: كتاب القرآن في مدرسة اهل البيت السيد هاشم الموسوي.
[7]- سورة الانسان  الاية 3.
[8]- سورة البقرة الاية 286.
[9]- سورة غافر الاية 17.
[10]- سورة الزمر الاية 7.
[11]- سورة فاطر الاية 8.
[12]- سورة النساء الاية 69.
[13]- الاتقان ، تحقيق محمد ابو الفضل : 2/175 . المكتبة العصرية بيروت.