الأربعاء، 12 أبريل 2017

عوامل التأثير السياسي في التفسير


عوامل التأثير السياسي في التفسير
عوامل التأثير السياسي : قبل التأمل عند التفسير وأهميته في القرآن, لابد أن تعلم ان علم التفسير يعتبر من أهم العلوم الإسلامية على ثلاثة أشياء شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى وكما هي:-
1 - موضوع علم التفسير أي بمعنى القرآن الكريم نفسه.
2 - هدف علم التفسير هي فهم وتوضيح مفاهيم ومقاصد القرآن.
3 - منهج التفسير وهي كيفية كشف معاني ومقاصد الآيات.
فيكتسب التفسير أهميته من أهمية القرآن الذي هو موضوع التفسير ومن جهة ثانية ان استخدام مناهج التفسير بالنسبة الى القرآن بلغ من الأهمية مبلغ عظيم لانه اساس العلوم.
بحيث اعتبر استخدام بعض المناهج ممنوعة وحرام شرعا وأكدت الاحاديث على اهمية الامر بحيث اذا قام شخص ما بتفسير القرآن بطريقة خاطئة كـ(التفسير بالرأي) فانه يعتبر مخطئا وان حصل على النتائج الصحيحة.    
الف : اسلوب المفسرين : تـنقسم تفاسير القرآن الكريم من جهة المنهج إلى (تفسير القرآن بالقرآن - تفسير القرآن بالرواية - تفسير القرآن بالعقل- وتفسير القرآن بالاجتهاد).
وأما من ناحية الاتجاه والمسلك فتجد هناك (التفسير الكلامي - التفسير العرفاني - التفسير الإجتماعي - التفسير الأدبي - التفسير الفقهي - التفسير العلمي) وغيرها.
وكذلك التقسيم بلحاظ الأسلوب والطريقة تنوع التفاسير إلى ( ترتيبي – موضوعي – ارتباطي).
إن العلماء كما بينوا في التفسير شرائط, فكذلك بينوا في المفسر شرائط، لا يحل التعاطي لها لمن عري عنها، أو هو فيها ضالع، وهي أن يعرف تقريباً خمسة عشر من العلوم على وجه (اتقان القران وعلوم الرحمن) وهي:-
1 – اللغة. 2 – النحو. 3 – التصريف. 4 – الإشتقاق.
5 – المعاني. 6 – البيان. 7 – البديع. 8 – القراءة.
9 - أصول الدين. 10 - أصول الفقه.
11- أسباب النزول والقصص. 12 - الناسخ والمنسوخ.
13 – الفقه. 14 - الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم.
15 - علم الموهبة وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم.
فإذا كان الشخص العالم جامع لهذه العلوم، مع ملاحظة رسوخ القدم فيها، وفضل التحقيق، فصلح من أن يكون مفسراً.
فلربما يغلب عليه الجهة (من العلوم) التي هو إليها أميل، وبها أعرق، فينحو في البحث نحوها، ويطنب في أمرها إطنابا، يكاد يجعل بحثه مقصورا عليها.
وأما ما ذكر من النهي عن التفسير بالرأي[1] فقد جعله في (كشف الظنون) في أنواع خمسة وهي كما يلي:-
أولها : التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير. وثانيها: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وثالثها: التفسير المقرر للمذاهب الفاسدة، بأن يجعل التفسير تابعا للمذهب، فيرده إليه بأي طريق كان، وإن كان ضعيفا. ورابعها: التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل. وخامسها: التفسير بالإستحسان والهوى المنهي عنه.
وقد قسم ابن عباس E وجوه التفسير إلى أربعة أقسام وهي: تفسير لا يعذر أحد بجهالته. وتفسير تعرفه العرب بكلامها. وتفسير يعلمه العلماء. وتفسير لا يعلمه إلا الله.
فأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم به الكافة من الشرائع التي في الكتاب، وجل دلائل التوحيد. وأما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة، وموضوع كلامهم. وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه، وفروع الأحكام.
فمع العودة إلى ذاكرتك تلاحظ أنه لا محيص عن التسليم من أن الشيعة هم المؤسّسين لعلم فقه القرآن كعلم مستقل، وإن كان هناك رأي مخالف غير مبني على اساس علمي يعتقدونه ويصرّ عليه البعض.
ومن جملة هؤلاء السيوطي وهو أن اهل السنة هم رواد هذا العلم، وفي طليعتهم رئيس المذهب محمد بن إدريس الشافعي. صحيح لقد ترك الشافعي أثر في ذكر آيات الأحكام، وهو ما عرف بأسم «أحكام القرآن»، وأيضاً باسم «أحكام القرآن للبيهقي».
وذلك لأن أحمد بن حسين البيهقي المتوفى(458هـ) قد نظمه ورواه، وعليه يمكن ان تقول من إن الشافعي من رواد علم فقه القرآن فيما بين اهل السنة فقط.
مع غض النظر عن ما جرى في بداية النهضة العلمية كانت حركة الفقه القرآني، إضافة إلى غيرها من علوم المعرفة للقرآن، على درجة لايستهان بها من الرقي.
وعلى مرور الزمن ترك المفسرين الفقهاء ولعلماء المفسرين من الشيعة الامامية ما يقرب من مئة أثر ثمين، أضافوه لتراث بحوث القرآن[2].
وقد ذكر الشيخ آقا بزرگ الطهرانيu في موسوعة «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» اكثر من ثلاثين أثراً للمؤلّفين من الشيعة[3] الامامية.
وقد أعتبر أيضاً السيد شهاب الدين المرعشيH تسعة وعشرون أثراً لعلماء الشيعة الامامية، في مقدمته على «مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام»[4].
وقد ذكر الدكتور عباس ترجمان في مقدمة كتاب «فقه القرآن» والشيخ محمد يزدي اربعة واربعين أثراً[5]. وقام محمد علي هاشم زاده من إعداد فهرس جامع لكتب آيات الأحكام، عبر مراحل تأريخية.
وذكر فيه تعريفاً للآثار الشيعية باختصار[6] وبالطبع فإن التداخل يعتري اغلب الآثار التي تم التعريف بها في هذه المصنّفات.
باء : نظرة التاريخ السياسية : أن جميع المسلمين لم يكونوا يعرفوا الانقسام الحاد، من حيث كان يوجد تداخل كبير فيما بين التيارات المختلفة من محبي أهل البيتD.
فمن الزيدية والإمامية والمعتزلة وأهل الحديث، من العلويين والعباسيين وغيرهم، بصورة صعب جداً فيها إطلاق وصف شيعي أو سني على أي شخص من عامة الناس كما ذكر في خلاف التاريخ والسياسة[7] لاحمد الكاتب قال:
فلم يكن الخلاف (السني - الشيعي) هو الخلاف الوحيد في تاريخنا الاسلامي وواقعنا المعاصر، فقد كانت ولا تزال هنالك خلافات مريرة داخل كل طائفة من الشيعة واهل السنة.
بالاضافة الى الخلافات القومية والقبلية والطبقية والحزبية التي تفجرت عبر التاريخ وتتفجر هنا وهناك باستمرار عابرة بعض الحواجز النفسية والمسائل البسيطة.
وفي القرن الخامس من الهجرة المباركة وبالرغم من استمرار الصراع والتنافس فيما بين مذاهب اهل السنة نفسها الى أمد طويل بقي الحنابلة أو أهل الحديث يشككون بسنية الأحناف والأشاعرة والماتريدية الى يومنا هذا، ولا يعترفون بهم الا من خلال معنى عام على أساس بعض المقاييس.
وبعد أن كان (الشيعة) يمثلون أنصار ومحبي وأتباع وجيش وجماهير الامام علي بن ابي طالبA في أيام حكومته، من حيث كانوا يشكلون الغالبية من المسلمين، تقلص مفهوم هذا الاسم مع الزمن الى دوائر أضيق فأضيق.
والنتيجة اعتبر (شيعي) كل من يقول بأفضلية الامام عليA على غيره من الصحابة، أو حتى من يقول بحقه الالهي في الخلافة، كما اعتبر شيعيا (أو رافضيا) من ينتقد معاوية بن أبي سفيان أو عثمان بن عفان أو أحداً من الصحابة.
وهكذا خرج الكثير من (أهل السنة) من دائرة (السنة) لكي يدخلوا في دائرة (الشيعة) بالرغم من اختلاط الدائرتين لدى أكثر الناس وخاصة شيوخ أهل الحديث الذين كانوا يجمعون بين التسنن والتشيع في كثير من النقاط المشتركة.
ويكاد اسم الشيعة يطلق اليوم على كل من يقول بالامامة الالهية لأهل البيتD من الإثني عشرية والاسماعيلية، وربما شمل الزيدية كذلك الذين يقولون بانحصار الامامة في سلالة الامام علي والحسن والحسينD.
لكن بينما يطلق أسم اهل السنة على من يقول بشرعية انتخاب أبي بكر على أساس الشورى والبيعة العامة من الناس.
فلم يكن هذا الخلاف النظري التاريخي لكي يشكل قاسم مفترق فيما بين المسلمين، لولا انذاك وجود بيئة مناسبة ونسبة عالية من الجهل والتعصب والطمع والاستبداد والتفكك الاجتماعي والانحطاط الخلقي والديني.
مع انعدام المؤسسات الدستورية والأجواء المناسبة المنتشرة التي تنظم عملية الصراع على السلطة بشكل سلمي وتحول دون انفجار مشكلة.
ولربما كانت الفتنة الكبرى التي تفجرت فيما بين الجيل الأول من المسلمين، (جيل الصحابة)، تشكل دليل واضح على وجود تلك البيئة المساعدة على اشتعال الخلاف، التي حدثت قبل نشوء الطوائف ومن ثم التقسيم الى السنة والشيعة.
فالخلاف الطائفي  الشيعي - السني، ان كان يحمل في نشأته أي معنى، فجماهير المسلمين من الطائفتين لا يدركون اليوم له أي معنى أو مضمون، وآن له ان يدفن في مقابر التاريخ.
فلا يوجد أي أحد ملزم بتبني كل الآراء التي كتبها الرجال السابقين بالجملة في مختلف الأبواب العقدية والفقهية والتاريخية، وانما هو حر بانتقاء ما يجتهد فيه، وطبع نسخة خاصة به، قد لا تكون متطابقة مع أي نسخة أخرى.
لان أي انسان المسلم يلتزم بالعقيدة الاسلامية الواردة في القرآن، وفيما عدا ذلك فان كل شيء مظنون واجتهادي وخاص ومختلف فيه، ولذلك لا يجوز تكوين صورة كلية عن الطوائف والمذاهب وتطبيقها على أي أنسان.
وانما يجب التعرف على آراء كل فرد بصورة ذاتية. خاصة لان المجتمعات تتطور وتتغير فلا تبقى على حال واحدة, كما في وحدة الدين تبدأ بالعقائد المتفق عليها كأساس مثل التوحيد والنبوة والمعاد فقد حددها الله تعالى في بداية القرآن الكريم في أول سورة البقرة حيث يقول:
(ألم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون* أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون).
واذا استثنينا موضوع التكفير، وتكفيرهم لمرتكب الكبيرة، فان أول خلاف عقدي جدي عصف بأمة الاسلام، كان يدور حول القدر أو الجبر والتفويض، وهل الانسان مسير؟ أم مخير؟. فمن المعروف أن هذا الخلاف نتج فيما بين المسلمين قبل تبلور الفرق الاسلامية كطوائف.
ثم حدث الخلاف الأكبر الذي أدى الى نشوء فرقة (أهل السنة) وولادتها على يدي الامام أحمد بن حنبل، وهو الخلاف الذي دار مع الامام ابي حنيفة الذي كان يقول بالرأي في مواجهة الأحاديث المنسوبة الى النبيo[8].
وبالرغم من تنازل الأشاعرة عن كثير من آرائهم (الاعتزالية) لصالح أهل الحديث، فان الحنابلة، ظلوا يعتبرونهم من أهل البدعة، ولم يقبلوا بهم في دائرة أهل السنة، الا على مضض في مقابل الشيعة[9].
( أ ) - مسائل خلافية بينهما : مثل تفسير معاني الامامة كما في الأيام الأولى لنشوء المذاهب، لم يكن موضوع الخلافة يعتبر أصل من أصول الدين، لأن القرآن لم يتحدث عنه بالتفصيل[10].
وهو ما استثار العقل السني لاعتبار أفضلية الخلفاء وتسلسلهم في الفضل، جزءا من الأمور الاعتقادية، بالرغم من اعتراف اهل السنة بعدم وجود نص صريح على الخلافة وترك الأمر وهم اعتبروه شورى بين المسلمين[11].
وكما قيل حول القران ان استعمال كلمة المصحف في عهد رسول اللهo بلسانه ولسان معاصريه يوضح لنا بجلاء ما ذهب اليه كبار علماء الشيعة بشأن جمع القرآن في زمن النبيo.
والكثير من الروايات التي وردت كلمة المصحف أو المصاحف، واستعملت في زمان حياة رسول اللهo وكلها تدل بصراحة أن القرآن جمع في حياته المباركة.
لأن المصحف يعني المجموعة المدونة فيما بين الدفتين وان الرواية التي تتحدث عن النقاش الذي دار في زمن أبي بكر بشأن البحث عن اسم للقرآن في زمانه وتذكر أن كلمة المصحف أخذت من اللغة الحبشية[12].
فمن الضروري أن نذكر ملخص ما بينه السيد ابو القاسم الخوئيu في هذا الصدد، إذ قال: علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات، وهي طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي تدل على التحريف بعنوانه، وأجيب عن هذه الروايات بأن الظاهر من بعضها تفسير التحريف باختلاف القراء، والمراد بالتحريف في بقية الروايات حمل الآيات على غير معانيها.
الطائفة الثانية: الروايات التي دلت على أن بعض الآيات قد ذكرت فيها أسماء الأئمة D وهي كثيرة.
أما الجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة ان بعض التنزيل فيها من قبيل التفسير وليس من القرآن نفسه، فلا بد من حمل هذه الروايات على ان ذكر أسماء الأئمة D في التنزيل من هذا القبيل.
واذا لم يتم الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسنة والأدلة النافية للتحريف.
الطائفة الثالثة: هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف بالزيادة والنقصان، وان الأمة بعد النبي o قد غيرت هذه الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى.
الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات – بعد الغض عما في سندها من الضعف – انها مخالفة للكتاب والسنة، ولإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن، وان مجموع ما في الدفتين كله من القرآن.
وممن ادعى الاجماع الشيخ المفيدu والشيخ الطوسيu والشيخ البهائيu وغيرهم من أعاظم علماء الشيعة.
الطائفة الرابعة: هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن من حيث النقيصة فقط.
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة أنه لا بد من حملها على معنى الزيادة في مصحف أمير المؤمنين o من أنها كانت تفسيراً بعنوان التأويل وما يؤول اليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد.
وان لم يمكن الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها، لانها مخالفة للكتاب والسنة.
وهذه الروايات ضعيفة السند عند الشيعة، وان جملة منها قد نقلت من كتاب (التنزيل والتحريف) أو (القراءات) لأحمد بن محمد السياري الذي اتفق علماء الرجال من الشيعة على فساد مذهبه وانه ضعيف الحديث مجفو الرواية وكثير المراسيل، ويقول بالتناسخ.
وأخذ المحدث النوري عنه كثيرا وأدرجه في كتاب (فصل الخطاب) فلهذا لا يعتد علماء الشيعة على ما في هذا الكتاب (من تحريف كتاب رب الأرباب).
وحرموا طبع هذا الكتاب وكأنهم عدوه من جملة كتب الظلال مضافا الى ذلك كله، عندنا عشرات من الكتب التي دونها علماء الشيعة الامامية في نفي التحريف أو رد من قال به[13].
ولا اعتقد دعوى قول الشيعة بتحريف القرآن، تستحق التوقف عندها، بعد نفي الشيعة عبر التاريخ لها، واصرارهم على القول بسلامة القرآن وحفظه من قبل الله تعالى.
( ب ) - مصادر تشريع مشتركة : الاول :  هو القرآن الكريم فتلاحظ إن عامة اهل السنة والشيعة يكاد يكونون متفقين تماماً على حجية كتاب الله، فأنه يعتبر المصدر الأول والأقوى عند الطرفين الذي تعرض عليه الأدلة الأخرى ويضرب بعرض الجدار كل ما خالفه منها وهي جهة اتفاق اسلوب مفسري القران.
وتلاحظ انه يعتبر الكلام حول حجية القرآن من أهم مباحث علم الأصول عند الشيعة الامامية، وخصوصاً بحث ظواهر الألفاظ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمبين والمفهوم والمنطوق، والناسخ والمنسوخ وغيره.   
ومما مضى من الزمن كان بعض الأخباريين يشكك في حجية العمل بظواهر الكتاب، فلا يجيز للاخرين التعامل المباشر معه وفهمه الا من خلال روايات أهل البيتD وتفسيرهم له.
ولكن تجديد بالمدرسة الأصولية في القرن الخامس الهجري على يدي المشايخ الثلاثة (المفيدu والمرتضىu والطوسيu) وسيادة هذا المسلك في القرون الأخيرة ادى لتراجع ملحوظ للأخباريين.
الثاني : السنّة النبوية : وأما هذا المصدر (السنة) ، فلا تلحظ حولها أي خلاف فيما بين المسلمين بشكل مبدئي، وذلك من حيث أتفق الشيعة واهل السنة على ضرورة الأخذ بما ثبت عن رسول اللهo.
ولكن تلاحظ الخلاف دار حول سبل الطرق لأخذ اهل السنة، من الصحابة أو من أئمة أهل البيتD وهل أن أحاديث المعصومينD ناقلة للسنة؟ أم جزء من السنة وهذا مما تجده بشكل واضح في اسلوب مفسري القران.
فمن المتعارف أن أهل السنة كانوا يختلفون فيما بينهم الى فريقين هما (أهل الرأي) بزعامة الامام أبي حنيفة و(أهل الحديث) بزعامة الامام أحمد بن حنبل.
وكانوا يختلفون حول إطار العمل بـ(السنة) هل انها تعني السنة العملية المتواترة القطعية فقط؟ أم تشمل السنة القولية، وأخبار الآحاد، أو الأخبار الضعيفة المشكوك فيها.
واذا ما راجعنا كتب الحديث لاهل السنة فانك تلاحظ بينها اختلاف كبير في كمية الأحاديث التي تضمها بين عدة مئات أو عدة آلاف، أو عشرات بل مئات الألوف من الأحاديث وهذا مما تجده في اسلوب مفسري القران.
ولكن الشيعة الامامية لم يكونوا يعتقدون بعدالة جميع الصحابة بصورة مطلقة، بل يميزون فيما بين العادل والفاسق والمؤمن والمنافق.
كما في الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبA في جواب سائل سأله عن أحاديث البدع، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقالA:
إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً...ولقد كُذِّبَ على رسول اللهo على عهده، حتى قام خطيباً، فقالo: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار...
وأمر النبيo ونهيه يعتبر ناسخ ومنسوخ، مثل الكتاب عام وخاص، ومحكم ومتشابه، وكان يكون من كلامهJ له وجهان: كلام خاص، وكلام عام، مثل القرآن يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به وما عنى به رسول اللهo[14].
فسنة أئمة أهل البيتD أبتداَ من النبيo حتى الامام جعفر الصادقA الى الامام المهديA هم العترة أو هم أحد الثقلين اللذين أمر بهما رسول اللهo باتباعهما الى جانب القرآن الكريم، كما في الحديث النبوي: اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي.
الثالث : الإجماع : تلاحظ انه من المعروف أن الإجماع يشكل لدى أهل السنة مصدر مهم ويعتبر من مصادر التشريع الى جانب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مع الاختلاف في مفهوم الاجماع.
فيما اذا كان يعني اجماع المسلمين أو إجماع الصحابة أو الفقهاء، في زمن واحد من الازمان، وذلك بناء على الحديث النبوي الذي يقول: (لا تجتمع أمتي على خطأ).
والشيعة لا يشكل عندهم الاجماع وخاصة الامامية مصدر معتبر أو يعتبرونه حجة شرعية الا فقط بحسب الضوابط التي لديهم وهذا ما تلمس له جنبة أثر في أسلوب مفسري القران.
واما عندهم الاجماع في مقابل نص الهي فتلاحظ هنا الشيعة رفضوا المبدأ كما في رفضهم لإجماع الصحابة انذاك حول اختيار أبي بكر خليفة من بعد رسول اللهo في مقابل وجود النص على الامام عليA.
والاجماع في نظرية اللطف التي التزم بها السيد المرتضىu في القرن الخامس الهجري كانت تعني الضرورة. فتلاحظ الكثير من علماء الشيعة اعزهم الله قد احتجوا بالاجماع من أجل اثبات بعض الأقوال والآراء المختلف فيها، ولكنهم فعلوا ذلك اعتمادا على القواعد والأصول.
الرابع : الدليل العقلي : والمقصود منه هي الأصول العملية العقلية كما في مثل أصل البراءة والاستصحاب والاحتياط والتخيير.
وتلاحظ هذه أصول مشتركة فيما بين اهل السنة والشيعة لكي يعمل بها في منطقة الفراغ أو فقدان الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة.
وتجدها تغطي مساحة واسعة من جميع المجالات الحديثة سواء السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية.
واعتماد الشيعة الامامية على الكتاب والسنة والعقل والاجتهاد بعد الغيبة الكبرى، فهو يشكل أرضية مناسبة لمحاولات التقريب بين المذاهب في الأصول والفروع[15] وله تداخل واسع ووفير فيما بين اسلوب مفسري القران خصوصاً بينهم.
( ج ) - مسائل خلافية فقهية : تلاحظ ان معظم الخلافات الفقهية فيما بين الشيعة واهل السنة هي خلافات جزئية بسيطة كانت موجودة حتى بين الصحابة والتابعين، أو حتى بين أبناء المدرسة الفقهية الواحدة.
فلاحظ باب الاجتهاد عند الشيعة وتعدد المجتهدين وكثرتهم في كل زمان، فهم يعيشون اختلاف كبير في ضمن الكثير من المسائل الفقهية، ويعتبرون ذلك شكل طبيعي وهي نتيجة إيمانهم بحرية الاجتهاد وحق الاختلاف مع الغير.
ويعتبر من أهم الاختلافات فيما بين الشيعة واهل السنة في المجال الفقهي، هي كيفية تقسيم ما يبقى من التركة بعد الفروض للورثة.
وكذلك الخلاف حول الكفاءة في الزواج، من حيث اعتبر الحنفية والشافعية والحنابلة فيها الاسلام والحرية والنسب والحرفة.
وأما الشيعة فيكتفون بشرط الكفاءة في الدين (الاسلام) مستدلين كما في قوله تعالى: (ان اكرمكم عند الله أتقاكم). والمالكية الذين يذهبون نفس المذهب.
وتلاحظ يشترط أهل السنة الشهود في عقد الزواج، بينما تقول الشيعة الامامية بأستحبابه، على العكس من الطلاق، من حيث تشترط الشيعة حضور الشاهدين وجوباً، اعتماداً على قول الله تعالى: (واشهدوا ذوي عدل منكم).
بينما يرى فقهاء أهل السنة أن الآية الكريمة تفيد الندب لا الوجوب. ويختلفون في الطلاق بالثلاث الذي يعتبره اهل السنة ثلاث طلقات بائنة، يجب على المرأة اذا أرادت العودة لزوجها أن تنكح زوجاً غيره.
بينما يعتبر الفقه الشيعي الجعفري الطلاق بالثلاث طلقة واحدة. وربما كان مستند اهل السنة في ذلك الاجماع أو تقليد الصحابة والشيخين بالذات.
وكذلك يختلف الشيعة واهل السنة حول الأذان والإقامة، حيث يضيف الشيعة اليوم عبارة (أشهد ان علياً ولي الله، أشهد أن علياً وأولاده المعصومين حجج الله) بعد الشهادتين.
ويقولون بأستحباب ذكر (الشهادة الثالثة) لا على أنها جزء من الأذان أو الإقامة الشرعية، وكذلك يضيف الشيعة الامامية الى الأذان والإقامة عبارة (حي على خير العمل) وهي موجودة في عهد النبيo وان الخليفة الثاني أسقطها من الأذان.
وتلاحظ هناك مسائل جزئية تفصيلة في عدد من الأمور مثل الوضوء والصلاة والخمس والزكاة، ولكن موضوع (المتعة) أو الزواج المؤقت بقي يشكل أكبر خلاف فقهي فيما بين اهل السنة والشيعة الامامية عبر التاريخ.
وهذا مما سبق له مدخلية كبيرة وواسعة في اسلوب مفسري القران وتلحظه حينما تفتح اي أثر وصل لنا عبر الازمان ونقله لنا التاريخ.
 ( د ) - خلافات التاريخ والسياسة : شكلت مسألة الموقف من الصحابة، المادة الخصبة للجدل والخلاف فيما بين الشيعة واهل السنة عبر مرور التاريخ.
بالرغم من أنها مشكلة أعمق من النزاع فيما بين الطائفتين، إذ أن الموقف من الصحابة قضية منهجية قائمة بحد ذاتها, وترجع الى مسألة القيم والأخلاق والمثل العليا الواردة في كتاب الله الكريم.
ومدى تطابقها مع واصلنا من حياة الصحابة، أي بمعنى الى مسألة النظرية والتطبيق، وقد تناولها المسلمين من اهل السنة والشيعة ولا يزال المفكرين من كلتا الطائفتين يتناولونها بشكل قشري بعيداً عن الخلاف الطائفي وانطلاقاً من قراءة التاريخ من خلال صورة محايدة.
ومع أنها قضية تاريخية عادية وبسيطة ولكنها وصلت بعض الأحيان الى مستوى العقيدة و(المثل العليا) التي تفصل فيما بين الناس فتُدخل هذا في الدين أو تخرجه من الملة لكي تلقيه في النار.
في الوقت الذي لم تكن هذه المسألة تحتل أهمية كبيرة عند الصحابة أنفسهم وفي ايام عصرهم. فضلاً عن أن تشكل جزء مهم من العقيدة الاسلامية.
وتلاحظ علماء اهل السنة والشيعة رفضوا الموقف السلبي تجاه الخلفاء فالمأمول منهم جعل مذهب الشيعة الخامس[16], ولكن حصل العكس. فتحول أهل السنة، وأخذوا يسفهون الرأي[17].
واما القضية السياسية فتلاحظ ان هناك خلاف في النظرية السياسية الدستورية مع تضاؤل وضعف الأهمية العملية لهذا الخلاف اليوم فقد كانت بالواقع الخارجي للأمة الاسلامية واحدة ولم يكن هناك طوائف.
وكانت الشورى فرضية دستورية للمسلمين كواقع حال فرض عليهم في حينه ولم تكن تلك النظريات الوراثية المختلفة عندما انهار نظام الشورى في العصيان الكبير الذي ارتدى لباس الاسلام عصف بالمسلمين من خلال النظام الوراثي الأموي ومن بعده العباسي.
فمن البديهي من أن يولد ردة فعل عند اصحاب الحق المتمثل ببني هاشم الذين اعتبروا أنفسهم أولى من الأمويين من خلال النصوص لوراثة الرسول الأعظمo فتولدت أحقية أهل البيتD بالسلطة كما في الكتاب والسنة.
وما أن سيطر العباسيين على السلطة حتى اتخذوا نفس نهج الامويين فظلموا أبناء عمهم العلويين الذين قالوا بأحقيتهم من العباسيين، مما دفعهم للثورة عليهم العديد من المرات طوال القرنين الثاني والثالث.
ومثلا تجربة العباسي القادر بالله (381- 422) الذي ألتزم بمنهج بـ(الحالة السياسية السنية) فتلاحظ انه كان يخوض معركة وجود مع الفاطميين الذين هددوا عاصمة سلطته بغداد (سنة 401هـ).
وبالرغم من تبني (أهل السنة) عبر التاريخ للفكر الواقعي بالاعتراف بأية سلطة قوية تسيطر على أمور البلاد. ومع سقوط الدولة العباسية على يد المغول في أواسط القرن السابع، سقط المرتكز السياسي أو قطب الرحى لأهل السنة، ولم يُجدِ كثيرا تبني الحكام المماليك في مصر لمن بقى العباسيين وجعلهم (خلفاء) صوريين.
فنجح أئمة الحنفية من إقناع الأتراك بتبني مذهبهم وهو ما مهد لنشوء السلطة العثمانية التركية وأستمدت دستورها من افكار بن تيمية الحراني التي سيطرت على الشام ومصر والحجاز في القرن العاشر وهو مما اثر بشكل كبير على اسلوب مفسري القران.
ومع قيام السلطة (السلفية) الجديدة في تركيا، نشأ من دستور بن تيمية دولة (وهابية) بعدها تعمل على تأجيج الخلافات القديمة والميتة فكانت الدولتان أبعد ما تكونان عن روح الشورى ولكنهما كانتا ترفعان بيارق الولاء والتسنن[18].
فأي قراءة خاطفة لتاريخ المسلمين السياسي، تؤكد لك هيمنة الفكر الديكتاتوري على مذاهب الاسلام، وعدم وجود رحابة كافية تسمح بالتعددية وقبول الآخر أو الاعتراف به مثل الشيعة اوغيرها وهذا مما انعكس على اسلوب مفسري القران.
 وخاصة في ظل انتشار واشتهار الحديث عندهم ركزوا على الرواية التي تقول ستفترق أمتي على اثنتين وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والبقية في النار لكن وجدوا ان اهل البيتD هم الفرقة الناجية فتأمل.
فبعد انقراض الامويين والعباسيين وغيرهم وقيام أنظمة جديدة وضع المسلمين من كل المذاهب أمام ثوب لبسه الاسلام جديد يختلف عما كانوا عليه في القرن الاول والثاني وأعتقد معهم القرن الثالث والرابع.
وهذا اللباس هي دستور أفكار بن تيمية, وهذا يحتم علينا قراءة كل طائفة أو مذهب، كل يوم، وعدم الاعتماد على قراءة السلف لهم في القرون الأولى, وهكذا يصح ان تقول ان اسلوب مفسري القران يتغير بين زمن قرن وآخر.

[1]- تفسير مجمع البيان للطبرسي u ج1 ص22.
[2]- الدكتور الشيخ محمد فاكر ميبدي ترجمة: الشيخ علي قازان فقه القرآن عند الشيعة دراسة تاريخية مقارنة اعلام الحكمة جامعة المصطفى العالمية.
[3]- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 40.
[4]- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 8 ـ 13.
[5]- محمد يزدي، فقه القرآن، المقدمة، قم المقدسة، مؤسسة إسماعيليان، 1374.
[6]- فصلنامه  پژوهش هاي  قرآني  (ويژه قرآن وفقه)  دفتر تبليغات إسلامي،  العدد3/1374هجري شمسي.
[7]- انظر : خلاف التاريخ والسياسة تاليف احمد الكاتب بريطانيا.
[8]- راجع: اللالكائي،  شرح اصول اعتقاد أهل السنة، فقرة رقم:450 والأشعري، الإبانة عن اصول الديانة، ص42–43 وكذلك: السنة- للامام الخلال،  ج5 ص 127.
[9]- يقول الدكتور محمد بن سعيد القحطاني (محقق كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل): إن أهل الحديث والسنة المحضة، لا يدخل في مصطلحهم (أهل السنة) الا من يثبت الصفات لله تعالى، ويقول: ان القرآن غير مخلوق، وان الله يرى في الآخرة ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة. لهذا دأب كثير من المصنفين في العصور الأولى على تسمية كتبهم بالسنة، أو شرح السنة، أو أصول السنة، حتى يخرج بذلك الطوائف المبتدعة التي تخالفنا في الأمور التي ذكرها. (ص57 مجلد1).
[10]- وقد قيل: هي مبادرة فريق من الشيعة عُرف بالإمامية، أو الرافضة، الى القول في القرن الثاني الهجري بموضوع النص من النبيo على الامام عليA بالخلافة، وانحصار الحق بها في البيت العلوي الحسيني، والاستدلال عليها بتأويلات معينة لبعض آيات القرآن، أو الاستعانة بأحاديث عامة أو ضعيفة... كل ذلك رفع موضوع الامامة الى مصاف العقيدة، وجعل الموضوع جزءاً ملحقا بالنبوة وامتدادا لها. أقول: هذا الكلام مردود بمن راجع مصنفات السنة والشيعة ستخرج بنتيجة ان رسول اللهo قد نص بالفعل على خلافة الامام عليA من بعده فراجع. ولا ترمي الكلام بدون علم.
[11]-  وفي هذا المجال يروي البربهاري عن طعمة بن عمرو وسفيان بن عيينة أنهما قالا: من وقف عند عثمان وعليA فهو شيعي، لا يعدّل، ولا يكلم، ولا يجالس. ومن قدم علياA على عثمان فهو رافضي، فقد رفض آثار اصحاب رسول اللهo ومن قدم الثلاثة على جماعتهم، وترحم على الباقين، وكف عن زللهم فهو على  طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب. (الإمام البربهاري، شرح السنة،  ص49). ويقول الخلال: أخبرني محمد بن هارون ان اسحاق بن ابراهيم حدثهم قال: سألت ابا عبد الله (أحمد بن حنبل) عمن قدم علياA على عثمان فقال: هذا رجل سوء. (الخلال أبو بكر، السنة، ج2 ص382).
[12]- الندوة العلمية الدولية حول التشيع عبر التاريخ وفي الوقت الحاضر، ص 206.
[13]- المصدر السابق، ص 208.
[14]- راجع : كلمات الإمام الحسينA تاليف الشيخ الشريفي.
[15]- المصدر السابق، ص 365.
[16]- ولكن تجد مفتي اسطنبول الشيخ عبد الله صدر فتوى تدعوا لمحاربة: الروافض المرتدين في إيران - العراق- ودفع الأفغان سنة 1722م.
[17]- لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث للوردي ج1، ص133 عن كتاب الحجج القطعية لاتفاق الفرق الاسلامية للسويدي، المطبوع في القاهرة سنة1324 ، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين.
[18]-  في المقابل شهدت الساحة الشيعية من خلال (المرجعية الدينية) التي اختلفت عن المرجعية السنية، من أنها لم تقتصر على بيان الأحكام الشرعية على وفق رؤيتهم بل اكتسبت مسحة روحية وثوب سياسي بأطار شريعة اهل البيتD. وأما المسحة الروحية فقد اكتسبتها من أن الفقهاء المجتهدين نواب عامون للامام الغائب المنتظر (محمد بن الحسن العسكري)A وهو رفع المكانه الروحية في أذهان الناس الى درجة عالية وكبيرة جدا.