الأربعاء، 12 أبريل 2017

الإعجاز البياني في صور التمثيل


الإعجاز البياني في صور التمثيل
يعتبر بيان علم القراءة وعلم التفسير والعلاقة والارتباط فيما بينهما، من خلال دراسة منهجية حول طبيعة العلاقة التي تربط بين العلمين ومنهجيّته، ومقدّماته، فتتطرح امامك العديد من الخيارات فمنها:
هل هذه العلوم منفكة ومنفصلة او مستقلّة عن بعضها بصورة تامّة، وأنّ العلاقة التي تربطهما علاقة تباين أم ماذا. فإن أردنا مطابقة هذه العلوم مع بعضها البعض، فهل ستكون عملية هذه المطابقة تامّة أو ناقصة. وإن كانت ناقصة، فاين نقاط الالتقاء والاختلاف.
فعلى ضوء المناهج والأسس والاتجاهات العديدة الخاصّة بالتفسير، كيف ستكون العلاقة بين علم القراءة وهذه التفريعات والتشعّبات الداخلية للتفسير في حالة المطابقة.
ونأخذ إطلالة بسيطة على أنماط العلاقة التي رسمها الباحثون في ضمن معرض الغوض في الخيارات، فأنقسموا الباحثين في علوم القرآن إلى محورين وهما:
المحور الاول : اتخذ بعض الباحثين في القرآن إلى علم القراءة[1] وذلك من خلال وصفه من مقدّمات علم التفسير، ولكن لا يدخل في ضمن سياق دائرته، أعتبروا هذه العلاقة هي (التباين).
المحور الثاني :  اتخذ البعض الآخر الباحثين في القران للعلاقة بينهما وذلك من اجل اعتبارها علاقة تداخل[2]، وذلك من خلال وضع علم القراءة في ضمن سياق التفسير.
وهذا المحور وإن اتّفق في رؤيته بخصوص النصف الأول، أي ان علاقة التفسير بالقراءة، ولكن تلاحظه ينقسم على نفسه فيما تعلّق بالنصف الثاني، وهي تحديد علقة علم القراءة بالتفسير، سواءً على الأساس او المناهج او الاتجاهات.
وذلك حسب مرجعية كلّ منهم، من حيث أعتماد بعضهم على العقل كمرجعيّةً، ولكن البعض الآخر ينادي بالنقل. ومن أجل الوقوف على عوامل هذا الخلاف، نستعرض الآراء بحسب العوامل وهي كما يلي:-
العامل الأول وهو علم القراءة ضمن دائرة التفسير ويعتقد هؤلاء الاعلام من أنّ الحلقة التي تربط العلمين فيما بعضيهما هي مثل علاقة الجزء بالكل، وذلك من حيث يعتبرون ان علم القراءة أحد العلوم المتفرّعة عن التفسير.
تلاحظ انه في ضمن تعريفه للتفسير، ذكر أبو حيان التوحيدي (745هـ) كيفية أداء لفظ ايات القرآن ونطقها، وذلك لانه وضّح في ختام تعريفه أنّ المراد منها تبيين القراءة الصحيحة للآيات الكريمة[3].
وكذلك يعتقد جولدتسيهر (1921م)، أنّ المرحلة الأولى المتقدّمة من التفسير التي كانت تستند على أساس صلب ومحكم، تمثّلت في الإقامة المحضة للنصّ القرآني، والمراد بإقامة النصّ القراءات، ولا شيء غيره[4].
وهذا العامل يصوّر طبيعة العلاقة فيما بين علم القراءة وعلم التفسير من أنّها علاقة الجزء بالكلّ، ولكن هل جميعهم متّفقين على الإجابة. جوابه : كلا :
وذلك من حيث يكتنف وجهات النظر السائدة خلاف متفاوت حول التحديد لمعنى أبعاد العلاقة بين علم القراءة والمناهج والأسس[5] فتلاحظ ان الاتّجاهات التفسيرية كما لدى بعضهم يقيمه على أساس النقل، فيما يشيده البعض الآخر على أساس العقل.
واما : علم القراءة ومبدأ النقل وهو مثل القرآن بالقرآن وقد تناولوا[6] التفسير في عصر الرسولn والصحابة، وهو عصرَ التفسير الأول، ورأيهم أنّ الصحابة في هذا العصر كانوا يستندون لأربعة مصادر:
أوّلها القرآن الكريم، وكان منهجهم تفسير القرآن بالقرآن، ثم أشاروا ضمن هذا السياق لأنماط متعدّدة لهذا المنهج، من جملتها حمل بعض القراءات على الآية، أو القراءة المشهورة.
وقيل : إنّ القراءة المشروحة هي نوع من أنواع تفسير القرآن بالقرآن، ويعزو ذلك لوجود كلمات أكثر في القراءة تبيّن معنى سياق الآية[7].
واما القرآن بالسنّة كما في الخبر المتواتر فقد سلّم الكثير ممّن يؤمنون بتواتر القراءات[8] من وجود مثل هذه العلاقة، لكنّ شرط الفصل بين القرآن والقراءات يحصل في اعتبارهما حقيقتين مستقلّتين[9], والخبر الواحد فيعتقد السيد الخوئيH، أنّ بعض القراءات منقولةٌ من خلال الخبر الواحد كما في تفسير البيان فقد اشتهر لدى الشيعة الامامية عدم تواتر القراءات، والقراءات منقولة بالخبر الواحد.
وتجد كذلك يقول به جماعة من أهل السنّة، وأمّا أدلة السيد الخوئيH على عدم التواتر كما يلي احدهما: استقراء أحوال الرواة. واما الاخر: الطرق التي أخذ عنها الرواة قراءاتهم. واما الثالث: نقل كل قارئ القراءة الشخصية. واما الرابع: احتجاج كل قارئ على صحّة قراءته. واما الخامس: هو إنكار عدد من العلماء لبعض القراءات.
واما علم القراءة ومبدأ العقل وهي (المعارف الإنسانية) فقد قالوا: لا يمكنك أن تسلّم بالتأويلات الكثيرة التي طرحها القرّاء، فمن المؤكّد أنّ جمهرة التأويلات تلك من إفرازات اجتهادات القرّاء التي بلغت حدّ الإفراط أو المبالغة، فتجاوزت بذلك الحدود المتعارفة للاجتهاد والاستنباط… ولا شكّ أنّ تدوين المصحف دون تنقيطٍ أو تشكيل، كان السبب وراء ظهور هذا العدد من القراءات[10].
واما العامل الثاني فهو علم القراءة خارج نطاق التفسير ولكن تجد هناك ثمّة باحثين[11] في علوم القرآن[12] يشددون على استقلالية القراءة عن علم التفسير.
ومنهم الشهيد الصدر الاولH، وذلك لانه يقول يجب أن لا ننظر إلى البحوث المطروحة تحت عنوان التفسير الموضوعي وتتناول أموراً لا تمتّ باي صلة إلى العنوان من قبيل أسباب النزول أو القراءات. فيجب أن لا ننظر لها بهذا المسمّى، أي التفسير الموضوعي أو التوحيدي بالمعنى الذي نقصد.
وطرحوا نظريته القائلة من أنّ «علم التفسير يضمّ بين دفّتيه جميع المباحث المتّصلة بالقرآن الكريم باعتباره كلام الله تعالى، وهو غير معني بالمباحث التي تتناول رسم الخطّ أو أداء الكلمات»[13].
ولكن بعضهم يرى أنّ مباحث العلوم القرآنية وخصوصا مبحث القراءات هو في أساسه مجموعة من الأدوات التي يستعين بها المفسّر في عمله، وليس التفسير نفسه فقط، فدور مباحث علوم القرآن في التفسيرسواء الموضوعي منه والترتيبي فهي شبيهٌ إلى حدّ بعيد بدور المنطق في الفلسفة وعلم الأصول في الفقه، فعلوم القرآن علومٌ آلية، وليس منها علم التفسير[14].
ويعتبر السبب الرئيسي من وراء تمايز الآراء السابقة مع اختلافها بهذا الموضوع ذلك يرجع لمنطلقات وفرضيات كلّ واحد منهم، فهي عبارة عن الفصل فيما بين القرآن والقراءة والقراءات بشكل عام.
والاخر الفصل فيما بين القرآن والقراءات السبع[15]. مع تواترها واعتبار القراءة هي جزء لا يتجزأ من مختصات نصّ القرآن[16] وكذلك الفصل فيما بين القرآن والتفسير[17] مع امتلاك رؤية خاصة حول سلامة الكتاب من التحريف.
اذاً : القرآن منزّه من التحريف بأقسامه الثلاثة وهي: (الزيادة - النقصان - التغيير)، وهذا القول يترتّب عليه أن يكون للقرآن نزولٌ واحد ونصّ محدّد، وهذا بدوره مما يعني أنّ القراءة هي أداءٌ لألفاظ وعبارات معيّنة ومحدّدة فقط، ولا شيء غيره، وعندها ستعلم من البديهي ألاّ تكون لعلم القراءة أيّة علاقة بالتفسير الذي معناه شرح المعاني.
حينما نسلّم برأي مدرسة شتالت[18] حول علقة الجزء بالكلّ التي مفادها ان الكل لا يساوي مجموع الأجزاء، وتحليل كل جزء على جهة مع وضع الأجزاء إلى جانب بعضها البعض لا يعطينا تصور عن الكلّ؛ لأنّ ذلك الكلّ يمثّل طريقة ارتباط الأجزاء ببعضها البعض، وهو مما لم تتّضح كيفية هذا الارتباط، فلا يمكن فهم طبيعة الأجزاء[19].
فحينما نطبق فرضية هذه النظرية على ايات القران والحديث عن الكلّ إلى مجموعة العلوم القرآنية وما يتفرّع عنها، ومن ثم علاقة هذه المتفرّعات ببعضها وبهذا الكلّ (نقصد متفرّعات علم القراءة وعلم التفسير ومناهجهما) فبلا شكّ سنقترب من توضيح أبعاد المسألة ومن ثم حلها.
وذلك لأنّ كلاهما من تفريعات علوم القرآن، أي بمعنى أنّه في الوقت الذي يشتركان فيه بمسألة الارتباط المباشر في القرآن وموضوعه، يتخصّص كل منهم بجانب مختص مغاير للآخر، ولهذا تلاحظ نّه من جهة، تلحّ الضرورة على نقد القائلين بالفصل الكامل بين هذين العلمين، ومن جهة ثانية يجب التنويه إلى خطأ القائلين بتداخلهم بالكامل.
أي بعبارة أخرى، إنّ كلا الفريقين نظر لجهة واحدة من الموضوع، وسبقه الإحاطة ببقية الزوايا، فخرجت آراء كل منهما مجتزأة ومبتورة غير مجتمعة، هذا وإن دلّ فإنّما دلّ على أنّ أيّاً من الطرفين لم يهتدي للتصنيف الصحيح الذي يأخذ بعين الاعتبار المعايير والمواصفات المطلوبة.
واما الكلمات المفتاحية مع تبيين خطأ استعمال اللفظ الواحد في ضمن معاني متعددة ذلك من خلال وقفة معمّقة للكلمة المركّبة بعبارة «قراءة القرآن»، ومن ثم النظر إليها بشكل مجتزأ لفظة كلمة «قراءة» ولفظة كلمة «قرآن» أو بشكل مركّب كما هي عليه, تلاحظ انك تخرج بانطباعات ومعاني متعدّدة تختلف عن بعضها البعض.
ومن ذلك تلاحظ تعمدهم وغرضهم هو إيهام السامع وإرباكه من خلال استخدام المشترك اللفظي، ومن أجل رفع هذا الإيهام، ومن ثم الوقوف على معنى مشترك، بعدها نصل إلى الحل المثالي، اصبح من الضروري اتّباع المراحل التالية وهي:
المرحلة الأولى هي تحديد مدى سعة عبارات القرآن وتبيين التمايز فيما بين القرآن والقراءة, ونقصد هنا بالقراءة هي تلاوة القرآن، ولكن ما لم تتحدّد الجمل والكلمات، لن تأخذ المعنى أو الصفة القرآنية لها.
وذلك لأنّ قراءة أي معنى تجده يتحدّد بحدود الفاظ عبارة النصّ المتاح أمامك، وأمّا في حالة عدم تحديد إطار تلك القراءة  (سواء قرآنيةً وغيرها) فيظهر إلتباس واضح فيها؛ وسبب ذلك لأنّه ليس كلّ قراءة تعتبر هي قرآن، أي بمعنى أنّ لفظة قرآن أخصّ من القراءة, فما هو الحل حينها.
انت تلاحظ حينما تنظر لطرفي المسألة بالقرآن من أتجاهين مختلفين يحملان عدة معاني واعتبارات غير محدّدة، فكيف لك أن توحّد رؤيتهما من جهة منظار قراءة القرآن، لكي تحدّد (على ضوءه) علاقة تلك القراءة بالعلوم الأخرى.
اما المرحلة الثانية هي تحديد وجهة نظر الخلاف فيما بين القرّاء واستنباط آراء أهل القراءة, فلا تجد أدنى شكّ أنّ من ينظر أو الذين ينظرون لجميع القراءات أو البعض منها على أنّها هي القرآن.
هذا مع اعتبار الاستفادة من بعضها البعض على نحوٌ من تفسير القرآن بالقرآن، وسوف ينطلقون من الفرضية القائلة من أنّ القرآن ليس (ضروري) هو نصّ توقيفي وألفاظه ثابتة غير قابلة لاي تغيير.
فهم لا يؤمنون بالنزول الواحد لايات القرآن؛ لتجد من هنا، انهم يعتقدون من أنّ للنصّ الواحد العديد من الأوجه المختلفة، وكذلك قراءات متعدّدة ومتباينة، فمن جميعها ينظرون لها على أنّها قراءات للكتاب.
فهذه الفكرة بنفسها هي التي حملت البعض منهم على ضرورة تحديد نطاق تعريف القراءة ضمن إطار الألفاظ التي يُختلف أصلاً في قراءتها، ولكن في المقابل تجد هناك من وضع القراءات ضمن مساحة التفسير، أو أخرجها عن هذه المساحة، فقصرها فقط في إطارها الخاصّ بها وهي (التلاوة).
فهؤلاء جميعهم يلتقون عند فرضية مشتركة بينهم، وهي وجود وجه واحد للقرآن ضمن عبارات محدودة توقيفية، لم يطرأ عليها أيّ نقص أو زيادة أو تغيير، وعليه لا ينبغي أن تتباين قراءة القرآن.
ولكنّ الفئة الأخيرة منهم تقول أنّه لا ينبغي الخلط بين مسألة قراءة نصّ القران ومسألة المعنى وتغيّره. فعلى ضوء قولهم هذا إنّ من بين القراءات الموجودة، ثمّة قراءة واحدة فقط أصلية، وهي قراءة الوحي القرآنية، واما بقية القراءات الأخرى فهي تتوزّع بين وحيانية غير قرآنية أي بمعنى اجتهاد النبيn.
 أو لا غير قراءة الوحي السابقة فمن الطبيعي أن لا ينظر لهذه القراءات بوصفها قرآن، أو قراءةً له، ولاحظ ان الاستناد إليها في تفسير الآيات ليس مندرج في ضمن مناهج تفسير القرآن بالقرآن؛ ولهذا ترى بعضهم يقول بالتعميم والشمولية في تعريفه للقراءة، من حيث يعرّفها هي: «القراءة هي العلم بكيفية أداء كلمات القرآن ونطقها»[20].
وتجد أنّ كلا الطرفين متأثّر بفرضيات سابقة، فإن صحّت كانت النتائج صحيحة، وإن سقمت طبيعي كانت سقيمة، ولكن مما يثير التعجب أن تشاهد من يتبنّى فرضيات أحد الطرفين لكن تراه يعرض لنتائج الطرف الآخر، كما هو فعل الذهبي ومن سار على نهجه كأحمد إسماعيل نوفل[21].
فالذهبي حينما يتناول موضوع القرآن تراه يُدرج القراءات في ضمن مساحة تفسير القرآن لا القرآن نفسه، ومع هذا يضعها إلى جانب أنواع تفسير القرآن بالقرآن، وهذه خطوة تنبأ عن خطأ كبير.
وللتوضيح بعبارة اخرى، فهو ينظر للقراءات بوصفها على انها حيانية غير قرآنية، ولكنّه عند ممارسة تصنيف علوم القرآن يعتبرها وحيانيةً قرآنية.
والوقوف من دون تكرار مثل هذه الأخطاء، يجب تبنّي إحدى الفرضيتين وذلك لاعتبارها الأصحّ، تنتقل للأخرى؛ وتصحيحمها مستنداً إلى الأولى.
فتجد ان ثمّة دلائل عقلية ونقلية[22] عديدة تعلمك من أنّ القرآن نصّ توقيفي ووجه واحد، وعليه يلزمك أن تتبنّى هذا الرأي وتبني عليه، وهو أمر سهل وبسيط.
وهو من جهة ثلاثة أرباع القرآن، وذلك من حيث اختلاف القراءات معدوم، وهو ما أصطلح عليه بالقراءات المتّفق عليها من قبل القرّاء.
وأمّا من جهة الربع الآخر للقران الذي تعدّدت القراءات فيه واختلفت، أو ما سمّي بالآيات المختلف فيها، فحلها هي اعتماد فكرة عدم تغيّر المعنى ومن ثم الاستناد إلى النقطة المشتركة فيما بين القراءات في حالة اختلافه.
ويعتبر هذا الحل[23] من القضايا المهمّة لهذا النوع من الآيات؛ وذلك لأنّ الذي يؤمن بوحدة النصّ والوجه القرآني الواحد، لا يمكنه أن يقبل فكرة زيادة الألفاظ أو نقصانها أو تغيّرها؛ لأنّ أي واحد من هذه الاحتمالات ينتهي لنتيجة واحدة، وهي تغيّر المعنى، أي بمعنى القول بالتحريف.
واما تقسيم القراءات إلى حقيقية وواقعية فهو بلا شكّ أنّ تبنّي فكرة نصّ القرآن الواحد مع سلامته من التحريف في العوامل التي ذكرناها مع وجوب عدم تغيّر المعنى، فهذا بدوره سيضطرك[24] لاختزال الكثير من مباحثه، وإخراجها من مساحة علم القراءة بمعناه الحقيقي وبما أن يكون عليه فمن هنا يمكنك تعريف القراءة كعلم على محورين وهما:-
أحدهما ان القراءةُ هي أداء ألفاظ معيّنة ومحدّدة وموحّدة تشكّل في دائرة مجموعها القرآن وهو ضمن إطار محكم من المفاهيم الواضحة.
والاخر ان القراءة هي اختلاف القرّاء.
ونصطلح على القراءة في المحور الأول بمعنى القراءة الحقيقية أو حقيقة القراءة، والقراءة في المحور الثاني بالقراءة الواقعية.
واما الربط فيما بين القراءة الحقيقية ومقدّمات التفسير من جانب، ومن جانب اخر بين القراءة الواقعية والتفسير وأساس مناهجه واتّجاهاته
ونرجع لما ذكرنا فيما مضى هل ترتبط القراءة الحقيقية بالتفسير أو لا. الجواب كلا. وذلك لان القراءة الحقيقية غير مرتبطة بالتفسير ومناهجه، بل تعتبر مقدّمةً له، فهي من العلوم الآلية التي تخدم أغراض التفسير.
أما بالنسبة للقراءة الواقعية، فأنت أمام خيارين، إمّا أن تطرح القراءات الواقعية التي مفادها تغيّر المعنى، ومن ثم نرفضها جملةً وتفاصيلاً، أو أن نقبلها على علاّتها بالرغم من تعارضها مع القراءة الحقيقية واحتوائها على معنى التحريف.
ولكن لا يبدو أيّ من ايهما (الخيارين) هو المعقول, فلا يبقى أمامنا سوى أن تحيل الجزء المعني بتغيّر المعنى إلى علم التفسير، وأن نضع القراءات الواقعية التي تناولت المعنى وتغيّره في ضمن زمرة هذا العلم.
وتلاحظ ان القراءة الواقعية (النقصان - الزيادة - التغيير) الذي يؤدّي لتغيّر المعنى - باستثناء تعدّد اللهجات - فيجب النظر إليها من خلال وصفها تفسيراً؛ وذلك لكي لا تضيع المعارف الإسلامية، وعليه تنضوي القراءات الواقعية تحت دراسات التفسير.
وكما تعلم انه يوجد تفسير صحيح وسقيم، وعوامل الصحّة والسقم هذه تلعب دوراً مهمّاً في معاني التفسير، فكذلك نفس الحال مع المصدر الجديد للتفسير، ونقصد به هو (القراءة الواقعية)؛ وذلك من حيث تؤثر العوامل والمعايير عليها وتحدّد المسار.
فمثلاً من العوامل التي تؤثر في صحّة التفسير، هو الانسجام العام أو الجزئي مع المعنى القرآني، وتسمى هذه هي (القراءة الحقيقية)؛ فلهذا، تتحدّد صحّة التفسير بمقدار تطابق (القراءة الواقعية) مع (القراءة الحقيقيّة)، وتجد العكس بالعكس.
واما تحديد علاقة القراءة الواقعية بأسس التفسير ومناهجه واتجاهاته كما في حالة المطابقة الكلية والجزئية، فتكون هذه القراءة –الواقعية- على محورين احدهما: مستندة والاخر: غير مستندة.
فأما إذا كانت من المحور الاول: (مستندة) فهي ترتبط القراءة الواقعية بمجال المعارف الإلهية والسنّة. وأمّا إذا كانت من المحور الثاني: (غير مستندة)، فترتبط القراءة الواقعية بمجال المعارف الإنسانية واجتهادات القارئ.
ولكنّ نعرف الشيء المؤكّد أنّه يجب عدم ربطها بمناهج تفسير القرآن بالقرآن والسنّة المتواترة؛ وذلك لأنّ القراءة مستقلّةٌ عن القرآن، فهي من صنيع أخبار الآحاد.
ومن باب المثال حينما ترى سياق (الآية76) من سورة الرحمن عبارة قوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) فهو نصّ أصلي لأي دليل في كل موضع كان، فتكون القراءة أو القراءات الأخرى مثل هذه الاية[25].
فإمّا هي مسندة إلى رسول اللهn أو غير مسندة، فإن كانت مسندة اتّخذت مسار حكم التفسير بالمأثور، وهذا يعتبر عادة بالخبر الواحد، وإلاّ فهي كانت من اجتهاد القارئ، فلا تخرج عن عاملين وهما العامل الأول: أن تحوز على شروط الصحة؛ فتصبح اجتهاداً صحيحاً، وإلاّ فالعامل الثاني:، هي التفسير بالرأي، وهذا مذموم.
وتماشياً مع الموضوع فمنهم من ذكر وجوه اختلاف القراءات من أمثال ابن قتيبة والفخر الرازي وابن الجزري، إلى استقصاء القراءات، وقصروا وجوه اختلافها في حالات الزيادة، فقرأ البعض منهم عبارة الآية الكريمة (وما عملت أيديهم)[26] وعبارة قوله: (وما عملته أيديهم).
ويعتبرون هذه القراءة هي ما نزل به الوحي القرآني من منظار الذين يؤمنون بتواتر القراءات ووحيها، فتحقّق لهم تفسير القرآن بالقرآن، وأمّا الذين يؤمنون بالنصّ الواحد ووجوب عدم تغيير المعنى، فلا يرون في العبارة الاخرى التي تحتوي على الضمير قرآناً، بالرغم من الشبه الكبير الذي تحمله للآية القرآنية، وعلى هذا قراءتها هي قراءة للتفسير لا للقرآن، وتجري نفس الحالة بالنسبة للكلمات.
واما الاخرى هو الاختلاف في النقصان، كما في عبارة الآية: (إنّ الله هو الغنيّ الحميد)[27]، التي قُرِأت كذلك في عبارة قوله: (إنّ الله الغنيّ الحميد).
والاخرى ان الاختلاف في الزيادة والنقصان بآن واحد، كما في عبارة قوله: (وطلحٍ منضود)[28]، التي قُرِأت بعبارة قوله: (طلع منضود)، أو عبارة قوله: (تكون الجبال كالعهن المنفوش)[29] عبارة قوله: (العهن المنفوش).
والاخرى هو الاختلاف في التغيير الموضعي، كما في عبارة قوله: (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف)[30]، وعبارة قوله: (فأذاقها الله لباس الخوف والجوع).
والقراءات التي تناولت الاختلافات[31] كما في الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم، الترقيق والقصر والإمالة والفتح والتحقيق، التسهيل والإبدال والنقل وغيرها، لا تندرج ضمن دائرة التفسير؛ وذلك لعدم تسبّبها في الاختلافات الأساسية ورئيسية في اللفظ والمعنى.
وعليه يمكن تشييد تعاريف المختصّين في قراءة القرآن على ضوء ما قيل، فمثلاً الزركشي تراه يعرّف علم القراءة قال الاختلاف المنقول عن القرّاء حول بعض ألفاظ وعبارات الوحي، أي اختلاف متعلّق بحروف وكلمات القرآن وتشكيلها، مثل التخفيف والتشديد وغيرها[32].
ولكن التعريف الصحيح للقراءة الحقيقية تراه يقع على النقيض من ذلك تماماً، فهو العلم على كيفية أداء الفاظ كلمات القرآن ونطقها في حالة عدم وجود الاختلاف بشأنها، سواء كانت زيادة أو نقصان أو تغيير.
ومن خلال الاستناد لهذه الرؤية، فيمكن كشف الافتراءات الموجّهة ضدّ الشيعة عبر التاريخ، فمنها على سبيل المثال ما أختصّ في سياق عبارة الآية الكريمة قوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[33].
وهو كما ذكر الآلوسي في تفسيره روح المعاني[34] قال: وهل تحتاج الشيعة إلى تغيير القراءة للاستدلال على ولاية عليA، ومعنى ذلك كلام أئمّة الشيعة الامامية حول لفظة كلمة «فانصَب» التي قُرِأت بلفظ «فانصِب»، بينما يعتبر هذا الرأي تفسيراً فحسب.
فالقراءة المشهورة هي لفظ «فانصَب» تدلّ على ذلك، لأنّه يقول استناداً إلى أحد المصاديق: عندما تفرغ من أمر الرسالة الخطير، ينتظرك أمر خطير آخر، وهي (الولاية).
ان اختلاف الآراء في دراسة البحوث القرآنية حول العلاقة بين علم القراءة وعلم التفسير ومتعلّقاته هو اختلافٌ شكلي ظاهري؛ فدراستهما ضمن إطار أوسع، مع تحديد المساحة بدقة لمعاني الكلمات القرآنية، والقراءة، والتفسير، بصورة عامة وجزئية، تجده يساهم في رفع التناقض المذكور.
وتلاحظ انهم قد قسّموا القراءة إلى قراءة حقيقية، ومعناه ما يجب أن يكون قراءة واقعية، أي بمعنى ما هو كائن؛ فالقراءة الحقيقية غير مقارنة للتفسير ومتعلّقاته، وتعتبر هي علم آلي وجزء من مقدّمات التفسير.
ولكن القراءة الواقعيّة تعتبر مقارنة للتفسير ومتعلّقاته، ومرتبطة بأسسه واتّجاهاته، وامتياز تلك القرائتين يساعد على تقديم التعريف الصحيح، وكذلك نفس الكلام يجري في رفع بعض الشبهات والافتراءات.

[1]- من هذا المحور هم: الشهيد الثانيH، والشهيد الصدرالاولH، والسيد محمد باقر الحكيمH، وجليليH وغيرهم.
[2]- ومن هذا المحور هم: أبو حيان الأندلسي، وجولدتسيهر، ومحمد حسين الذهبي، وأحمد إسماعيل نوفل، والسيد الخوئيH، والأبياري وغيرهم.
[3]- راجع : أبو حيان الأندلسي (475هـ)، في التفسير المحيط 1: 13، 14؛ والسيوطي في الإتقان في علوم القرآن 2: 1191؛ والآلوسي في روح المعاني 1: 4؛ والزرقاني، في مناهل العرفان 2: 4؛ والذهبي في التفسير والمفسّرون 1: 14.
[4]- ولمراجعة المزيد حول المؤيّدين لهذا العامل راجع: الذهبي في التفسير والمفسّرون 1:41؛ ونوفل، مجاهد في المفسّر والتفسير: 36.
[5]- في كتاب مقدمة معالم التنزيل، صنّف البغوي (516هـ) مناهج التفسير إلى عقلية ونقلية، وشاع هذا النمط من التصنيف انذاك، (العقل والنقل)، وقيل: أنّ تطبيق النقل في المعارف الإلهية يتفرّع إلى القرآن بالقرآن والقرآن بالحديث والخبر (المأثور).
أمّا تطبيق العقل في المعارف الإنسانية، فيتفرّع إلى استدلالي بأنواعه: الأصولي والكلامي والفلسفي والذوقي العرفاني والأدبي والعلمي التجريبي والإنساني؛ (جعفر السبحانيK، المناهج التفسيرية في علوم القرآن).
[6]- هو : محمد حسين الذهبي في التفسير والمفسّرون 1: 36.
[7]- هو : أحمد إسماعيل نوفل . وراجع : مجاهد في المفسّر والتفسير : 264، وتفسير مجاهد: 683، وعلي حسن عبد القادر، في نظرات في تاريخ الفقه: 163؛ وسيرة ابن هشام ج1ص231.
[8]- كما هو الإمام الخوئيHفي البيان: 123، والسبكي يقول بتواتر القراءات العشر. وأبو سعيد الفرج بن اللب مفتي الأندلس راجع الزرقاني في مناهل العرفان من ص433-428.
ولكن المشهور عند الشيعة الامامية عدم تواترها، والشهيد الأولH كان يعتقد بتواتر القراءات العشر، ونقل محمد جواد العامليH عن جامع المقاصد للمحقق الكركيH تواتر القراءات السبع بإجماع علماء الشيعة في روضات الجنات: 263 (الفضلي، عبد الهاديH ص90-92).
وذكر العلامة الحلّيH في منتهى الوصول، وتحرير الأحكام وتذكرة الفقهاء، والشهيد الأولH في ذكرى الشيعة والموجز الحاوي وكشف الالتباس، بتواتر القراءات.
[9]- هو راي بدر الدين محمد الزركشي (794هـ) من ان القرآن والقراءات حقيقتان متباينتان. راجع: البرهان في علوم القرآن 1: 318؛ والسيوطي في الإتقان، النوع 22 ـ 27، ج1:138؛ والامام الخوئيH في تفسير البيان: ص160.
وتجد من مؤيّدي هذا الراي القسطلاني كما عن الفضليH: 86 ومنهم الإمام الخوئيHفي تفسير البيان: ص160؛ وكذكل صبحي الصالح في مباحث في علوم القرآن، وإبراهيم الأبياري في الموسوعة القرآنية، ج1.
[10]- هو : الأبياري، الموسوعة القرآنية 1: 80، نقلاً عن عبد الهادي الفضليH.
[11]- ذكر الشهيد الثانيH (966هـ) في كتابه: (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد)، كيفية تحصيل علوم القرآن مثل علم التجويد والقراءة وغيرها.
ثمّ يقولH: بعد فراغي من تحصيل هذه العلوم، شرعت بتفسير كتاب الله، فكانت تلك العلوم بمثابة مقدّمة لهذا العلم.
راجع الشيخ الطبرسيH في مجمع البيان 1: 92، وعسكر حقوقي، التحقيق في تفسير أبي الفتوح، المقدمة: 40؛ والفضليH في تاريخ القراءات: 167، ويرى أنّ علم القراءة والتجويد شكّل نقطة اشتراك رئيسة لدى بحث بعض الموضوعات.
والخلاصة : أنّه حيثما طرح علم التجويد تمّ الاستناد إلى علم القراءة.
[12]- ذكر السيوطي (911هـ) القراءات واحدةً من العلوم التي يمكن أن تكون مقدّمةً للتفسير.
[13]- راجع : السيد محمد باقر الحكيمH، كتاب: علوم القرآن ص72، مطبعة الاتحاد؛ وراجع: عميد زنجاني، في كتاب أسس ومناهج تفسير القرآن ص144.
[14]- هداية جليلي، ميتدولوجيا التفاسير الموضوعية القرآنية ص90-92.
[15]- تفسير البيان: 162 الفضليH، تاريخ القراءات: 109.
[16]- عميد زنجاني ص144.
[17]- السيد الخوئيH تفسير البيان 225 العلامة العسكريH مجلّة الحديث، العدد 20:21.
[18]-  راجع : علم النفس التربوي ص342  وكتاب المهارات التعليمية ص22 .
[19]- تلاحظ في نفس الموضوع : فيلسين شاله، في معرفة مناهج العلوم ص124، تجد نظرية جول لاشليه: وهي القول بتقدّم الكلّ على وجود الأجزاء.
[20]- ابن الجزري، منجد المقرئين: 3، عن الفضلي، عبد الهاديH، تاريخ القراءات: 79.
[21]- كما في التفسير والمفسّرون للذهبي 1: 40؛ والمفسّر والتفسير لمجاهد 364.
[22]- القرآن واحد ونزل على حرف واحد، ولكنّ الاختلاف يأتي من قبل الرواة، الفيض الكاشاني، الوافي 5: 272؛ ونوري، فصل الخطاب: 188.
[23]- والحل هو : عدم تغيّر المعنى والحيلولة دون تغيّره .
[24]- توضيح : عند تعاطيك مع مصطلح علم القراءة أي بمعناه الواقعي (بما هو كائن).
[25]- الفضلي، تاريخ القراءات: 118.
[26]- سورة يس الاية 35 .
[27]- سورة لقمان الاية 26.
[28]- سورة الواقعة الاية 29 .
[29]- سورة القارعة الاية 5 .
[30]- سورة النحل الاية 112.
[31]- من المتأخرين الذين أشاروا لها هم: طه حسين وعلي الجندي ومحمد صالح السمك ومحمد أبو الفضل إبراهيم، واما من المتقدمين الضحاك وابن عباس.
[32]- الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1: 38. تعاريف ابن الجزري، منجد المقرئين: 3.
[33]- النيشابوري الوسيط: 468، الفيض، الصافي 5: 344، الكنابادي، بيان السعادة 4: 263.
[34]- الشيرازي، الأمثل 20: 275؛ ومغنية، محمد جواد، الكاشف 7: 582، الكنابادي، بيان السعادة 4: 263؛ والفيض، تفسير الصافي 5: 344، نقلاً عن الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل؛ والطالقاني، محمود، قبس من القرآن 4: 151؛ والنيشابوري، الوسيط: 468؛ والطبرسي، مجمع الجوامع 5: 507.