مراحل تطور تأثير إعجاز
البيان
وهنا
في مقامنا نقصد البيان هل الإعجاز في القرآن متعلق ببيانه وبلاغته فقط أو متعلق
بتأثيره على قلوب سامعيهم أو متعلق بوفاء حاجة البشر أو متعلق بمزماره أو متعلق
بتشريعاته او متعلق بأخبار الغيب او متعلق بمسائل علمية سبقت كل تطور علمي
وتكنولوجي او بجميع ما سبق او ماذا بالتحديد.
تلاحظ
إن اكثرهم ذهبوا إلى أن إعجاز القرآن يكمن في بيانه وفصاحته وأنه ما نزل إلا على
قوم قد برعوا في هذا الأمر وتحداهم فيه[1].
ولكن
غيرهم اليوم جاءوا يقولون كيف يصلح الكتاب لهذا الزمان الذي ازدهرت فيه العلوم
وتطورت فيه شتى الفنون مثل الطب والهندسة والفلك وأسرار البيولوجيا والذرة وغيرها.
بما
إننا اليوم في إثناء حاجة ماسة إلى تفسير عصري للقرآن يواكب هذه التطورات المذهلة
في شتى انواع الفنون ولكن بما أن الساحة العلمية تكاد تكون شبه خالية[2]
من هذه التفاسير الحديثة والثقافات المتحضرة.
فعلى
قولهم إذا القرآن لا يصلح لهذا العصر بالتالي ليس أهلاً للتحدي والإعجاز كما يدعي
البعض أنه صالح لكل زمان ومكان ومعجزة في كل وقت وحين، هذه وجهة نظرهم على حد
زعمهم.
فالكتاب
والعلم لا يتناقضان أبداً بل يتحدان بل ايات القرآن تدعوا للعلم والاخير يوصل إلى
الإيمان بالقرآن والتصديق بكل ما جاء به.
وكأنهم
يقصدون أن إعجاز القرآن وتحديه كان في الماضي فقط لقوم قد اندثرت أخبارهم ومحيت
آثارهم وما عاد منهم إلا النذر اليسير ومما لاشك فيه أن التحدي بايات القرآن
الكريم.
كان
ذلك لكل إنسان على هذه الارض عربي كان أو أعجمي وذلك لعموم عبارة قوله تعالى:
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيرًا)[3].
وقد
تسأل نفسك كيف تتحدى ايات القرآن أجناساً لا تتحدث اللغة العربية ولا تعرف عنها أي
شيء.
ويمكن
الأجابة بجواب ضعيف مضمونه أن وجوه الإعجاز في القرآن كثيرة وإن كان هؤلاء جاهلين
باللغة العربية فهم عاجزين عن باقي الوجوه مثل إخبار المغيبات أو وفاؤه بحاجات
البشرية أو الإعجاز العلمي أو غير ذلك.
واما
وجه الضعف في هذا الجواب هو على فرض لو سلمنا بصحة ذلك فنكون قد أسقطنا الإعجاز
البياني للقرآني كعنصر بياني من محاور التحدي وهذا مرفوض.
ولكن
يمكن الجواب من أن ايات القرآن الكريم إذا كان قد تحدى العرب وهم أهل البلاغة
والفصاحة والبيان وقد عجزوا عن الإتيان بمثله فبديهي غيرهم من أهل الأجناس الأخرى
ومن جاءوا بعد العصر الأول أشد عجزاً.
فمن
هنا الرد على الذين يحاولون ان ينقصوا من قدر إعجاز البيان في العصر الحديث وذلك
بحجة أن أذواق الناس قد ضعفت عن تذوق بلاغة ايات القرآن الكريم.
ومن
هذا تستطيع القول من أن إعجاز البيان ملازم له في كل وقت وحين منذ أن نزل به الوحي
الأمينA
على قلب رسولنا الكريم محمدn
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فأن
تأثيره على القلوب مثلاً كوجه إعجازي ملازم للقرآن على الدوام مهما اختلفت العصور
ومهما اختلفت ظروف الناس وأحوالهم وطبائعهم فتأثيره على جميع القلوب ثابت لا
يتغير.
واما
وفاؤه بحاجات جميع البشر فهذا باتفاق أهل السنة والشيعة أن القرآن لم يترك شيئا من
أمر دين الناس ودنياهم من مصلحة وخير لهم إلا وقد حدثهم عنه إجمالا أو تفصيلا وإما
تصريحاً أو تلميحاً فإذا كان الناس لا يدركون ذلك فالعيب فينا نحن الناس وليس
بالقرآن كما في عبارة قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
وقد
يقول قائل : كيف نثبت الإعجاز التشريعي للقرآن وقد نزل على قوم لاعلاقة لهم
بالتشريع وغيره.
جوابه
من أنه لا يلزم من عدم إدراك الاشياء والإحساس بها معناه عدم وجوده فمثلاً قديما
كان الناس لا يدركون ولا يشعرون بالجاذبية الأرضية بينما هي الحقيقة موجودة كانت
وما زالت وستبقى إذاَ ايات القرآن الكريم تحدّت:-
تحدّت
العرب في بيانه وكانوا أهل البيان.
تحدّت
أهل هذا الزمان بسبقه العلمي وهم أهل العلم والتقدم.
تحدّت
أهل التشريع في كل مكان وزمان وكانوا ومازالوا موجودين في العصور والأمصار
المختلفة.
إذاً
نستخلص من هذا كله أن حقيقة أعجاز البيان في القرآن وهي تحدي الكتاب للثقلين جميعا
فلا يتوقف ولا يقتصر على عصر بعينه وإعجازه لازم له بلزوم وجوده على مدى العصور
والدهور.
كل
على حسب ظروفه واحواله وحضارته, ومن خلال المتابعة يمكن ان نستطيع التمييِز فيما بين مراحل
نشأة تأثير إعجاز البيان وتطوره وهي كما يلي:-
( 1 ) :- نشأة إعجاز البيان التأثيري: وتلاحظ انه تتصل ظهور هذا العنصر
الإعجازي لايات القرآن الكريم من خلال نزوله بنفسه كاتصال مباشر وذلك لما يلي:
( أ ) :- أمر الله سبحانه بالحرص على
إسماع المشركين اياتهِ، لكي تكون عوناً على دعوتهم للإسلام كما في عبارة قوله
تعالى:
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
مَأْمَنَهُ)[4].
فلولا أن سماعه حجة على المقابل لم
يقف أمره على سماعه، ولا يكون حجة إلا وهو معجزة والمعجزة لابدّ لها من أثر فيمن
تعجزه، إما تصديقاً أو تكذيباً.
( ب ) :- ما جاء في مصنفات السير
والتفسير وأغلب الكتب التي تناولت مسألة الإعجاز عن تبني النبيn بيان القرآن التأثيري.
وهي تعتبر وسيلة أساسية من طرق الدعوة للإسلام
وظهور أثرها الفعال في كل من استعملت معه إما قبولاً واعتناقاً للإسلام، أو نفوراً
وإعراضاً عنه، أو إقراراً بإعجاز القرآن في حاله.
( ج ) :- إن إعجاز البيان التأثيري في هذه
المرحلة يعتبر هو النشأة الاولى ـ
يتمثل في الممارسة والسلوك العملي
للإعجاز نفسه، من دون تأليفه أو وضع قواعد أو أصول له، وإنما دلت الشواهد الكثيرة
على ممارسته في حياة المسلمين[5].
( 2 ) :- التأصيل
العلمي :
ونقصد فيها ممن تحدثوا عن إعجاز البيان التأثيري من القدامى[6], ومن تأثيره البياني لم يبقى بيت من
بيوت الأنصار إلا وتجد فيه قرآن, وقد روي عن البعض منهم أنه قال: (فتحت المدينة
بالقرآن)[7].
وتجد مثلهِ التاثير حينما سمعته الجن
فلم تتمالك كما في عبارة قوله تعالى: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا *
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ) [8] واشرف مصداق لما وصفناه في أمر بيان
القرآن في عبارة قوله تعالى:
( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ
عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[9]، وعبارة قوله تعالى: (اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)[10].
وغيرها من آي ذوات عدد منه، وذلك لمن
ألقى السمع وهو شهيد، وهو يعتبر من عظيم آياته، ودلائل معجزاته من اللفظ والمعنى[11]وغيره.
والتدليل على عجزهم أمام بيان القرآن،
وذلك من خلال أقوالهم كما في حديث الوليد بن المغيرة قوله عن القرآن: (والله إن
لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق[12]، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين
من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل)[13].
وتجد مثلهِ حديث عتبة بن ربيعة قوله
عن القرآن قال: (إني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، وما هو بالشعر، ولا
بالسحر، ولا بالكهانة) [14].
والاخر حديث إسلام أبي ذكر وأخيه
أنيس، وقوله عن القرآن كلاماً قريباً من هذا. وهذه تدلل على حال العرب العاجزة
أمام القرآن لكي تدلك على انه إعجاز البيان من ناحيتين وهما:
أحدهما : إن كل مَن تحدث عن إعجاز
البيان من السابقين أو اللاحقين وأشار إلى هذا التوجه كالمرتضى u والطوسي u والطبرسي u أو غير واضحة مثل الباقلاني إلا وتجدهم قد
استشهدوا بها لدلالتها على مدى أثر بيان القرآن في نفس من سمعه أو قرأه.
والاخر : في عبارة قوله تعالى:
(وجعلوا لله شركاء الجن...) : لا يخفى أن لتقدم لفظة كلمة (الشركاء) لها حسن وروعة
وله مأخذ في القلوب. فإذا أخرت لفظة كلمة (شركاء) فقلت في عبارة: (وجعلوا الجن
شركاء لله) فلا تجد شيئاَ.
واما في عبارة قوله تعالى: (ولتجدنهم
أحرص الناس على حياة) حينما تراجع نفسك، وأذكيت حسك، تجد لهذا التنكير بقوله
عبارة: (على حياة) ولم يدخل لفظة (الـ) التعريفية لكي يقل عبارة (على الحياة).
وتلاحظ انه قد جعل عبد القاهر الجرجاني
(ت 473هـ) وجه الإعجاز القرآني في نظمه، ومن ثم جعل النظم علة وأعتبره من أهم علل
التأثير في نص القرآن عند سامعه وقارئه، يقول الجرجاني:
ومَن هذا الذي يرضى من نفسه أن يزعم
أن البرهان الذي بان لهم ـ أي للعرب ـ والأمر الذي بهرهم، والهيبة التي ملأت
صدورهم، والروعة التي دخلت عليهم فأزعجتهم حتى قالوا:
(إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن
أعلاه لمثمر) إنما كان لشيء راعهم من موقع حركاته، ومن ترتيبه وبيان سكناته، أو
الفواصل في أواخر آياته؟ من أين تليق هذه الصفة وهذا التشبيه بذلك؟
أم ترى أن ابن مسعود، حينما قال في
صفة القرآن: (لا يتفه ولا يتشان)، وقال: إذا وقعت في (ال. حم) وقعت في روضات دمثات
أتأنق فيهن. وقد قال ذلك من أجل أوزان الكلمات، ومن أجل الفواصل في أخريات الآيات.
واما ابن قيم[15] (ت751هـ) فرأيه في إعجاز البيان
التأثيري فقد شرح مسألة تأثير البيان فقال إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك
عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور مَن يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه
إليه.
فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله، كما
في عبارة قوله تعالى: (اِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ
أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[16].
وذلك لأن من تمام التأثير لما كان
موقوفاً على مؤثر مقتض ومحل قابل وشرط لحصول الأثر مع انتفاء المانع الذي يمنع منه
تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه، وأدله على المراد.
فعبارة قوله تعالى : ( إن في ذلك
لذكرى ) تعتبر هي إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا، وهذا هو المؤثر في
بيان القران.
وعبارة قوله تعالى : ( من كان له قلب
) فهذا هو المحل القابل، والمقصود به هنا هو القلب الحي الذي يعقل عن الله، كما في
عبارة قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر مَن كان حياً). أي بمعنى حي
القلب.
وعبارة قوله تعالى : ( أو ألقى السمع
وهو شهيد ) أي بمعنى وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه، لما يقال له، وهذا شرط التأثير
في أي كلام.
وعبارة قوله: (وهو شهيد) أي بمعنى
شاهد القلب، حاضراً غير غائب كما جاء عن ابن قتيبة من انه قال:-
استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم،
ليس بغافل ولا ساه، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته
عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله.
فحينما يحصل المؤثر، وهي ايات القرآن،
والمحل القابل لها وهو القلب الحي، وحضور الشرط وهو الإصغاء، مع (انتفاء المانع)[17]، حصل الأثر، وهو الانتفاع بالذكر.
فإن قيل : إذا كان التأثير يحصل
بمجموع هذه الأشياء، فما وجه دخول أداة لفظة (أو) في عبارة قوله تعالى: (أو ألقى
السمع)، والموضع موضع لفظة حرف (واو) الجمع، لا موضع لفظة (أو) التي هي لأحد
الشيئين؟.
جوابه : خرج الكلام من خلال لفظة
بـ(أو) وذلك لاعتبار حال المخاطب المدعو، فتلاحظ من الناس مَن يكون حي القلب
واعيه، صاحب فطرة، فحينما يفكر بقلبه ويجول بفكره.
تلاحظ انه قد دله قلبه وعقله على صحة
جميع ما جاء في القرآن، وأنه من الحق، وشهد له قلبه بما أخبر الكتاب، فكان ورود
ايات القرآن على قلبه نوراً له على نور فطرته، وهذا الوصف هم الذين قالت فيهم ايات
القرآن: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ
رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ)[18].
وتجد ان منهم قالوا[19] إن كلمات القرآن التي كانت على فم
الناس، كان لها رحلة إلى الملأ الأعلى من الأرض إلى السماء من أفواه الناس إلى
عالم الروح، والحق والنور، وهناك في هذا العالم ـ عالم الروح والحق والنور ـ عاشت
تلك الكلمات دهراً طويلاً بين ملائكة، وولدان، وحور.
واما رأي السكاكي هو أن الإعجاز يدرك،
ولا يمكن وصفه، مثل استقامة الوزن، يدرك ولا يمكن وصفه، وكذلك مثله الملاحة. وكما
يدرك طيب النغم العارض للصوت، ولا يدرك تحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة.
وتلاحظ ان إعجاز البيان التأثيري
للقرآن الكريم له مزايا دون غيره، وقد أمتاز عن باقي العناصر الإعجازية من أنه
وكما يلي:-
أ ـ تجد معجزته قائمة في كل حين (زمان
ومكان).
ب ـ تجد أنها تسع لجميع الناس دون
استثناء (العالم والجاهل).
ج ـ تجد أنها تسعهم في جميع لغاتهم،
(عربي وأعجمي).
وتلاحظ انه قد أنحصر إعجاز الكتاب، في
ثلاثة محاور وبرز أحدهما اعجاز البيان وهو: (الإعجاز النفسي والإعجاز العلمي
والإعجاز البياني)[20]. ويمكنك أستخدام المحورين له من أن
نحصر إعجاز البيان النفسي التأثيري في عدة عناصر وهي كما يلي:-
1 ـ مكانة إعجاز البيان التأثيري.
2 ـ تأثير ايات الكتاب في المؤمن
والكافر.
3 ـ من وسائل بيان التأثير: تقديم
الدليل على كل شبهة - تنوع الحديث- تصريف الأمثال، قهر برودة الإلف، تعرية النفس،
التغلب على مشاعر الملل.
4 ـ موانع التأثر بايات القرآن.
ويمكن
ان تلاحظ في الكتاب حقيقة مفردة، وهذه الحقيقة تظهر في لباس ألف ثوب، وتتوزع تحت
عناوين شتى، مثل تذوق السكر في الطعام والفواكه، ويعتبر هذا تكرار مقصود، وإن لم
تزداد به الحقيقة العلمية في مفهومها.
( 3 ) :- القول بالصرفة : تجد ان هناك رؤية أن عارض مواهبهم
البيانية وعاق قدرتهم البلاغية، وسلبهم القدرة على المعارضة بالرغم من تعلق
إرادتهم بها وتوجه همتهم إليها.
و يُعزى هذا الرأي الأخير وهذه الشبهة
إلى أبي إسحاق الإسفراييني[21] من أهل السنة والنظام[22] من المعتزلة[23] من أنهم ناقشوا هذا الرأي ثم اعطوا
رأيهم.
ومعارضة العرب للقرآن الكريم لم تأت
من ناحية إعجازه البلاغي في زعمهم،
بل أتت من ناحية
عدم اهتمام العرب بهذه المعارضة ولو أنهم أرادوها لنالوها.
ثم وردت من ناحية عجزهم عنها؛ ولكن
بسبب خارجي، وهو وجود مانع منعهم منها قهرا ، ذلك المانع هو حماية الله تعالى لهذا
الكتاب وحفظه إياه من معارضة المعارضين.
ويمكن
الرد بما يأتي : وهو احدهما أن هذا الكلام غير دقيق فقد أثبت التاريخ بما لا يدع
مجالا للشك من أنهم حاولوا الإتيان بشيء مثل القرآن ومن هؤلاء، كذاب بني حنيفة
(مسيلمة)[24].
واما
الاخر فينقضه الواقع التاريخي، والدليل هو ما تواترت به الأنباء من أن بواعث
المعارضة قد وجدت سبيلها إلى نفوسهم ونالت منالها من عزائمهم واستقرت.
فأنطلقوا
وهبوا هبة رجل واحد يحاولون القضاء على دعوة القرآن الكريم بمختلف الوسائل وبذلوا
في ذلك كل رخيص وغالي ، فلم يتركوا طريق إلا وقد سلكوه، ولم يتركوا بابا إلا طرقوه
.
واما
الثالث فينقضه ما سجله التاريخ وأثبته التواتر من دعوى معارضة كانت قائمة موفرة
ودوافعها كانت ماثلة متآخذة، وذلك لأدلة كثيرة منها أن كتاب الله تحداهم - ومازال
- غير مرة أن يأتوا ولو بمثل أقصر سورة منه.
إن
العرب الذين تحداهم كتاب الله كانوا مضرب المثل في التعصب والحمية والأنفة وإباء
الضيم، فكيف لا يحركهم هذا التحدي والاستفزاز.
أن
القرآن الكريم أقام حرب شرسة وشعواء على أعز شيء لديهم وهي عقائدهم المتغلغلة فيهم
وتقاليدهم المتمكنة منهم فأي شيء يلهب مشاعرهم ويحرك هممهم للمنازلة والمساجلة
أكثر من هذا.
وهو كما ذكر في البيان في تفسير
القران[25] قالوا إن الكلام البليغ - وإن عجز
البشر عن الاتيان بمثله - لا يكون معجزا، فإن معرفة بلاغته تختص ببعض البشر دون
بعض، والمعجز لا بد وأن يعرف إعجازه جميع أفراد البشر، لان كل فرد منهم مكلف
بتصديق نبوة صاحب ذلك المعجز.
وهذه شبهة تشبه ما تقدمها في ضعف
الحجة، وتفكك القياس. فإن المعجز لا يشترط فيه أن يدرك إعجازه كل البشر، ولو
اشترطنا ذلك لم يسلم لنا معجز أصلا، فإن إدراكه يختص بجماعة خاصة، ويثبت لغيرهم
بالنقل المتواتر.
وتعلم ان امتياز القرآن عن غيره من
المعجزات، من أن التواتر قد ينقطع في مرور الزمان. وأما القرآن فهو معجزة باقية
أبدية.
فإن القدرة على الاتيان بمثل كلمة من
كلمات القرآن، بل على الاتيان بمثل جملة من جمله لا تقتضي القدرة على الاتيان
بمثله، أو سورة من سوره، فالقدرة على المادة لا تستلزم القدرة على التركيب.
ولهذا لا يصح لك أن تقول إن كل فرد من
الأفراد قادر على بناء القصور والصروح الضخمة، لانه قادر على وضع آجرة في البناء.
أو إن كل عربي قادر على الخطب والقصائد، لانه قادر على أن يتكلم بكل كلمة من
كلماتها ومفرادتها. وكأنها دعت (النظام) وغيره إلى القول أن إعجاز القرآن
بـ(الصرفة)[26]. وهذا القول في غاية الضعف.
واما في تفسير الميزان[27] قال ذلك يظهر فساد ما قيل إن جهة
إعجاز القرآن إنما هي البلاغة والفصاحة في هذا النظم المخصوص لأنه لو كان جهة
الإعجاز غير ذلك لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاق.
لأن البلاغة ثلاث طبقات فأعلى طبقاتها
معجز وأدناها وأوسطها ممكن فالتحدي في الآية وقع في الطبقة العليا، فولو كان وجه
الإعجاز الصرفة لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الإعجاز.
واما في علوم القران[28] قال الصرفة في الإعجاز القرآني لعلّ
هذه الشبهة أو الوهم هو الذي أدّى بجماعة من متكلمي المسلمين - كالنظام ومدرسته -
الى ان يفسروا ظاهرة الاعجاز القرآني بانَّها نحو من الصرفة.
وذلك من حيث انه يمكن ان يكون قد
وجدوا - نتيجة الانطلاق من هذا الوهم - انَّ القدرة على الاتيان بمثل الكتاب
الكريم متوفرة ولكن عدم توفر أشخاص يأتون بمثل القرآن كانت نتيجة لتدخل اِلهي
مباشر (صرفهم) عن المعارضة والمباراة.
ولكن يعتبر هذا التفسير لظاهرة
الاعجاز توهم واضح اذا كانوا يريدون من توفر القدرة عند بعض الناس وجودها فعلاً
لديهم ولكن اللّه صرف اذهانهم عن ممارستها وذلك لاسباب منها:
لان محاولة المعارضة هذه وقعت من بعض
الناس وانتهت بهم الى الفشل والخيبة كما تحدثت بذلك الكثير من الروايات التاريخية
وقد دلت عليه بعض الوقائع في العصور القريبة.
والاخر لان صرف الاذهان يفترض من بعد
نزول القرآن ومن اجل التأكد من اعجازه ليس عندنا الا مقارنة القرآن بالنصوص
العربية السابقة على وجوده وملاحظة مدى الامتيازات المتوفرة فيه.
إلا اذا كان يريد القائلون بالصرفة ان
اللّه سبحانه وتعالى له القدرة على ان يهب انساناً ما قدرة على الاتيان بمثل
القرآن ولكنه لم يفعل.
فمعنى هذا انه لا يعني انّ القرآن ليس
بمعجزة لانّ الهدف الرئيسي من المعجزة دلالتها على ارتباط صاحبها باللّه وما دامت
القدرة عليها مرتهنة بالتدخل الإلهي فلابد ان تكون لها هذه الدلالة.
فتلاحظ عنصر التحدي في هذه المعجزة
يكون موجوداً ما دامت ليس تحته قدرة الانسان الاعتيادي بالفعل. وهذا الشيء ممكن
ادعاءه في كل معجزات الأنبياء أو المعجزات التي يمكن ان تتصورها.
واما العنصر الاساسي الذي يستند اليه
اعجاز القرآن هو عدم قدرة العرب على معارضته بالرغم من تحدي القرآن لهم مرة واخرى.
وهنا سؤال يطرح نفسه بقوة وهو هل
العرب حقيقة لم يكونوا قادرين على معارضة القران؟ أو لا أنّ هناك اسباب خارجية هي
التي منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة؟.
والجواب عن هذا السؤال يحمل العديد من
العوامل المعينة التي منعتهم من تحقيق هذه المعارضة ونذكر البعض منها وهي:-
انّ من العرب الذين عاصروا دعوة
الاسلام أو تأخروا عنها بزمن قليل لم يعارضوا القرآن خوفاً على انفسهم وأموالهم من
المعارضة بسبب سيطرة المسلمين الدينية على الحكم انذاك.
وتلاحظ من خلال مجريات الاحداث انذاك
ان محاربتهم انحسرت في كل من يعادي الاسلام او يظهر الخلاف معه. وبلا شك انّ
معارضة القرآن تعتبر في نظر الحكم من أبرز أنحاء العداء والمخالفة.
وحينما انتهت السلطة الى الامويين
الذين لم يكونوا مهتمين بالحفاظ على دين الاسلام والالتزام به وهو الامر الذي كان
يفسح المجال لمن يريد ان يعارض كتاب الله ان يظهر معارضته انذاك.
فقد كان الكتاب في ذلك الوقت قد أصبح
أمر معروف في حياة الامة ومألوف لديها بأسلوبه وطريقة عرضه وبسبب رشاقة ألفاظه
ومتانة معانيه فانصرف الناس عن مجرد التفكير لمعارضته لانه أصبح من المرتكزات
الموروثة عندهم.
ويمكنك مناقشة ذلك بعدة نقاط وهي كما
يلي:-
منها ان تحدي القرآن للمشركين ومنذ
بداية دعوة الاسلام وخصوصاً في الفترة التي كان الاسلام فيها ضعيفاً في مقابل قوة
المشركين. وبالرغم من كل ذلك لم يستطع أي احد من بلغاء العرب ان يعلن بهذه
المعارضة.
ومنها كذلك ان سيطرة المسلمين في
اواخر عصر رسول اللهn وبداية عصر الخلفاء الذي جاءوا الى الحكم من
بعده لم تكن تعني منع الكفار من اظهار كفرهم.
فتلاحظ ان الاسلام قد أقر جماعات على
ديانتهم كما حدث ذلك لاهل الكتاب حيث كانوا يعيشون في ظل الدولة الاسلامية في
طمأنينة ورفاهية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
ومنها افتراض الخوف من المعارضة
العلنية نتيجة للسيطرة الاسلامية انما يمنع من اظهار المعارضة للكتاب واعلانها.
ولكن المعارضة السرية فمن الممكن ان
تتم ضمن الحدود الخاصة للمعارضين من اصحاب هذه الديانات من دون ان تكون لها نتائج
مضادة ولو كان من الممكن في مثل ايات القرآن لامكن لهؤلاء ان يعارضوه ثم بعدها
ينتظروا الفرصة لاظهار المعارضة.
خصوصاً اذا لاحظت ان اهل الكتاب
لازالوا الى اليوم يحتفظون بمجموعة من النصوص الدينية ويتداولونها مع أنها متعارضة
مع ايات القرآن.
منها عادة ان الكلام مهما بلغ من رتبة
عالية في البلاغة ومتانة بالاسلوب وقوته فهو يصبح كلاماً عادياً اذا تكرر سماعه
ولذلك تسمع القصيدة البليغة تصبح عادية عندما تكرر القاؤها عدة مرات بحيث قد تبدو
قصيدة غيرها واقل منها بلاغة لانها ابلغ منها بسبب عدم تكرارها.
[1]- كما في حقيقة الإعجاز في القرآن الكريم تأليف : الدكتور : حامد
محمد عثمان جامعة الطائف.
[2]- باستثناء بعض تفاسير الشيعة الامامية الحديثة, فهي غنية بطرح
علمي رصين.
[3]- سورة الاسراء الاية 88.
[4]- سورة التوبة الاية 6.
[5]- أشارت التفاسير التالية للاعجاز البيان في القران فمن مصادر
الشيعة هي:
أ-
تفسير الإمام العسكريA منسوب اِلى الإمام الحسنA(ت260هـ).
ب-
تفسير العيّاشي محمد
بن مسعود العيّاشي السمرقندي u (علماء القرن الثالث).
ت-
تفسير فرات الكوفي u (من علماء القرن الثالث).
ث-
تفسيرعلي بن إبراهيم
القمي u (من علماء القرن الثالث والرابع).
ج-
تفسير نور الثقلين
عبدعلي الحويزيu (علماء القرن الحادي عشر).
ح-
البرهان في تفسير القرآن
السيد هاشم البحرانيu
(ت1107هـ). وبعد قرنين من الزمان ـ وفي أوائل القرن الثالث الهجري ـ أشار الجاحظ
(ت 255) في كتابه (البيان والتبيين) ـ من خلال حديثه عن الإعجاز البلاغي للقرآن ـ
إشارات خاطفة للإعجاز البيان التأثيري، وكذلك فعل الرماني في منتصف القرن الرابع
ت386.
[6]- مثل العياشي u والكوفي u والبحراني u وغيرهم من الشيعة الامامية وكذلك الخطابي والجرجاني وابن القيم
وغيرهم.
[7]- نشأة الإعجاز التأثيري للقرآن وتطوره تأليف الدكتور محمد عطا
أحمد يوسف.
[8]- سورة الجن الاية 1و2.
[9]- سورة الحشر الاية 21.
[10]- سورة الزمر الاية 23.
[11]- وقد ذكر الدكتور محمد بركات تأثر عبد القاهر بسلفه الخطابي في
نظرته لإعجاز القرآن حيث قال: (مما تميز به الخطابي: أنه أبرز وجهاً للإعجاز، وهو
الأثر النفسي، وأصبح هذا الرأي أساساً من أسس نظرية عبدا لقاهر في النظم في كتبه
وكتب بعض المعاصرين في الأدب...).
وذكر
الدكتور عبد الكريم الخطيب عندما تعرض لموقف عبد القاهر من قضية الإعجاز فقال
عنه: (إن عبد القاهر لم يتحدث عن الإعجاز
حديثاً مباشراً، وإنما جعل وجه الإعجاز عنده يقوم على الذوق الوجداني).
وعبد
القاهر الجرجاني(ت 473هـ) يعتمد على ذوقه الوجداني في حديثه عن إعجاز القرآن،
وموقفه من البلاغيين، وهي أنهم انشغلوا باللفظ والمعنى، حتى وصلوا في التقسيم
والتبويب إلى درجة من التعقيد لا تطاق، ولم يستثن منهم سوى عبدالقاهر، لأنه تذوق
النص القرآني، وتفاعل وتأثر به تاثير واضح.
[12]- العذق (بالفتح ): النخلة يشبهه بالنخلة التي ثبت اصلها وقوي وطاب
فرعها اذا جنى. قال ابن هشام: ويقال لغدق: الغدق: الماء الكثير, ومنه يقال: غيدق
الرجل: اذا كثر بصاقه وكان احد اجداد النبيn يسمى الغيدق, لكثرة عطائه. (روايات المدرسين).
[13]- في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب ج7 ص323.
[14]- تفسير القرآن العظيم تاليف: تلميذ بن تيمية وهو أبو الفداء
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (700 -774هــ) تحقيق: سامي بن محمد سلامة
نشز: دار طيبة للنشر والتوزيع. وانظر السيرة النبوية لابن هشام 1/293.
[15]- راجع : ابن قيم الجوزية كتاب : الفوائد.
[16]- سورة ق الاية 37.
[17]- وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيء
آخر. مثل التمني والتظني وحديث النفس وطول الامل وغيرها كثير.
[18]- سورة 34 سبأ الآية 6.
[19]- هو : الدكتور عبد الكريم الخطيب ورأيه في الإعجاز.
[20]- الشيخ محمد الغزالي السقا (ت 1416هـ ) كتاب : نظرات في القرآن.
[21]- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران أبو إسحق عالم بالفقه
والأصول وكان يلقب بركن الدين نشأ في اسفرايين ورحل إلي خراسان والعراق وله كتاب
(الجامع) في أصول الدين في خمس مجلدات ومناظرات مع المعتزلة مات في نيسابور ودفن
في أسفرايين. انظر : وفيات الأعيان 1/4, وشذرات الذهب 3 /209 وطبقات السبكي3/111 ,
الأعلام1/61 لخير الدين الزر يكلي.
[22]- إبراهيم بن سيار أحد أئمة المعتزلة ت231هـ الأعلام للزريكلي جزء
8/34.
[23]- ونسبوا الى السيد المرتضى 359-406هـ من أنه ناقش هذا الرأي ثم
اعطى رأيه فيه.
[24]- قال مسيلمة : (والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، فالخابزات
خبزًا، والثاردات ثَرْدًا، واللاقمات لَقْمًا) ونحوها من هذه الحماقات التي تشبه
دعواه الكاذبة.
[25]- كتاب : البيان في تفسير
القران تأليف : زعيم الحوزة العلمية
الشريفة السيد ابو القاسم الخوئيu ج1 ص83 – 84.
[26]- الصَّرْفُ في الدَّراهِمِ: الفَضْلُ والزَيَادَةُ، ومنه
الصَّيْرَفِيُّ والصَرّافُ. ولهدا صَرْفٌ على ذاك: أي فَضْلٌ. وصَرْف الدَّهْرِ:
حَدَثُه. وصَرْفُ الكلمةِ: إجْراؤها بالتَنْوين.
وقيل:
تَزْيِيْنُها بالزِّيادَةِ فيها. وفي الحديث في قَوْلِه: (صَرْفٌ ولا عَدْلٌ)
التَّطَوُّعُ، والعَدْلُ: الفَرِيْضَةُ.
وقيل:
الصرْفُ التَوْبَةُ. وأنْ تَصْرِفَ إنساناً عن وَجْهٍ تُرِيْدُه إلى مَصْرفٍ
غَيْرِ ذلك. ومنه الصرْفَةُ والحِيْلَةُ، من قَوْلهم: إنه لَيَتَصرَّفُ أي
يَحْتَالُ. ومنه: (فما تَسْتَطِيْعُونَ صَرْفاً ولا نَصْراً).
وقيل:
هو الوَزْنُ ها هُنا. والتَّصْرِيفُ: اشْتِقاقُ الكلامِ بَعْضِه من بَعْضٍ.
وتَصْرِيْفُ الرِّيَاحِ والسُّيُوْلِ والخُيُوْلِ: إجْرَاؤها من وَجْهٍ إلى
وَجْهٍ.( المحيط في اللغة: إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني،
المشهور بالصاحب بن عباد -المتوفى: 385هـ/ ج 2/ 219).
(والصرفة)
وصرف الشيء صرفا : رده عن وجهه والمال أنفقه والنقد بمثله بدله: المعجم الوجيز
ص363 طبعة وزارة التربية والتعليم., والمعجم الوسيط ص 513 طبعة مجمع اللغة العربية
بالقاهرة مصر.