الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 التفسير الفقهي تفاصيله وعوامله ومصادره والمذاهب الفقهية


ق1 التفسير الفقهي تفاصيله وعوامله ومصادره
التفسير الفقهي : وهو الذي يهتم في موضوع الأحكام الفقهية ويعطيها عناية خاصة، مثل كتاب القرطبي وكتاب الخطيب الشربيني.
وقيل ان التفسير الفقهى داخل فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية وهو الشائع على هذا عند ظهور أئمة المذاهب - الأربعة وغيرها - وفيه دخلت حوادث كثيرة للمسلمين لم يسبق لمن تقدمهم من الحكم عليها.
لأنها لم تكن على عهدهم، فأخذ كل من تبنى مذهب ينظر إلى هذه الحوادث تحت ضوء القرآن والسُّنَّة، وغيرهما من منظاره الخاص المحكوم بتبليغات السلطة وقد اخذها من مصادر التشريع، ثم يحكم عليها برايه.
ويطلق الحكم الذى فى ذهنه، ويعتقد أنه هو الحق الذى يقوم على الأدلة وبراهينه الخاصة به، وكانوا يتفقون فيما يحكمون به أحياناً، وأحياناً يختلفون حسبما يتجه لكل منهم من الأدلة.
ولكنهم مع كثرة اختلافهم فى اغلب الأحكام والسبب في ظهور بادرة التعصب المذهبي، بل كانوا جميعاً ينشدون الحق ويعلمون انه مع عليA وبدليل حديث رسول اللهJ ويطلبون الحكم الصحيح ويعلمون انه مع عليA.
وعزيز على الواحد منهم أن يرجع إلى رأى مخالفه إن ظهر له أن الحق فى جانبه، فهذا هو الشافعى يقول. إذا صح الحديث فهو رأيى.
محور أحدهما : النظرة المذهبية للروايات: في البداية ولغرض التوضيح نأتي بمثال عليه حينما سجل لنا التفسير الفقهي المذهبي الكثير من التعليلات والنظرات المذهبية وكيفية تعامل فقهاء المذاهب مع الاحاديث.
وكيف كان تعامل علماء اهل السنة الحاملين شعار مدرسة الصحابة مع نصوص الأحكام، فتلاحظ أن التفسير الاجتهادي خرج عن المألوف ووضع فكرة الاجتهاد بين أقوال أهل العلم ومناقشتها ومقارنة وترجيح الأوفق بالنص والأقرب إليه[1].
وذكر في التفسير والمفسرون[2] ان التفسير الفقهى من عهد النبوة إلى مبدأ قيام المذاهب الفقهية حينما كان المسلمين على عهد رسول اللهo يفهمون ما تحمله معاني هذه الآيات من الأحكام الفقهية وذلك بمقتضى سليقتهم العربية.
ولكن أستجدَّت للصحابة من بعد رحيل النبيo حوادث تتطلب من المسلمين من أن يحكموا عليها حكم شرعي صحيح على وفق المشرع.
فكانوا في البداية أول شيء يفزعون إليه لغرض استنباط هذه الأحكام الشرعية هو القرآن الكريم، لقاعدة (حسبنا كتاب الله) فينظرون فى آياته، ويعرضونها على عقولهم وقلوبهم.
ومن ثم يجتهدوا ويعملوا برأيهم الخاص على ضوء القواعد الكلية لايات الكتاب وسُّنَّة الشيخين ثم بعدها يخرجوا بحكم فيما يحتاجون إلى المحكوم عليه.
ولكن تلاحظ أن الصحابة كانوا مرة يتفقون جميعاً على هذا الحكم المستنبَط، ومرة اخرى يختلفون فى فهم آية القران.
كما في الخلاف الذى وقع فيما بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والامام علىّ ابن أبى طالبA فى عِدَّة الحامل المتوفى عنها زوجها.
فالخليفة الثاني حكم من أن عِدَّتها وضع الحمل، ولكن الامام عليA حكم من أن عِدَّتها هي أبعد الأجلين اي وضع الحمل، او مضى أربعة أشهر وعشرة أيام.
والسبب في هذا الخلاف هو تعارض نصَّين عامين فى القرآن، فإن الله تعالى جعل عِدَّة المطلَّقة الحامل وضع الحمل، وجعل عِدَّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً بدون تفصيل.
فذهب الامام عليA إلى العمل بالآيتين معاً، وأن كل آية منهما مخصصة لعموم الأخرى، ولكن ذهب عمر بن الحطاب إلى أن آية الطلاق مخصصة لآية الوفاة، وقد تأيّد رأى عمر.
كما جاء أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية مات عنها زوجها، فوضعت الحمل بعد خمسة وعشرين يوماً من موته، فأحلَّها رسول الله o للأزواج.
وايضاً مثل الخلاف الذى وقع بين ابن عباس وزيد بن ثابت فى تقسيم ميراث مَن مات عن زوج وأبوين، فابن عباس أفتى بأن للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب الباقى تعصيباً، وتمسكاً بظاهر قول الله تعالى فى الآية: (فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ)[3].
واما زيد بن ثابت ومعه باقي الصحابة أفتوا من أن للزوجة ثلث الباقى بعد فرض الزوج، نظراً لأن الأب والأُم ذكر وأُنثى ورثا بجهة واحدة، فللذكر مثل حظ الأُنثيين.
محور ثانيهما : فقه القرآن بوابة التاريخ المقارن : العلماء بينوا في التفاسير ان له شروط، وبينوا في المفسر أيضا له شروط، لا يحل التعاطي لمن اعترى عنها، أو هو فيها ضالع كما قال الدكتور الشيخ محمد فاكر ميبدي من خلال ترجمة الشيخ علي قازان[4] من أن هناك عدة سبل للتعرف على القرآن في مجال التفسير.
أحدهما هو تفسير آيات الأحكام، وهو فقه القرآن وبمعنى آخر، الذي بذل لأجله الفقهاء المفسرين الجهد الجهيد، وأتعبوا له أنفسهم، لكي يتمكنوا من نقل المعارف إلى المجتمع القرآني.
وهو من بعد تفسير هذا القسم العظيم الشأن من القرآن، وذلك باعتباره أحد أهم أبعاد الكتاب الإلهي التي تم التعرف عليها، أي بمعنى ما له صلة بالأحكام العملية والحقوق (القوانين) الإسلامية.
وبيانه يتم إذا بحثنا وعلمنا تاريخ ومكان نشأة هذا العلم، ومن الذي أسَّسه؟ وإلى أي مدى ساهم علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية في هذه الحركة العلمية.
وكما عرفت انه قُسِّمت المناهج التفسيريّة تقسيمات متعدِّدة من جهات مختلفة، ونختار التقسيم المشهور وذلك من خلال ما يلي: (صحيح ومعتبر - باطل وغير معتمد - تفسير القرآن بالقرآن - التفسير بالرأي - التفسير الروائي على أساس السنّة).
ويمكنك ان تعرف بعض طرق التفسير الإشاري والعلمي وهي:
العلمي (العلوم التجريبية) - العقلي (الاجتهادي) - الإشاري (العرفان) - الكامل (جميع الطرق المتقدّمة)
وما هو المنهج الكامل في التفسير فالمقصود بذلك هو النهج الّذي يستفيد من جميع هذه الطرق (المناهج المذكورة سابقاً غير التفسير بالرأي، وبعض طرق التفسير الإشاري والعلمي) لكي يتبيّن مقصود الآيات بصورة كاملة من جميع الجوانب.
فإنّ التفسير الصحيح هو الّذي يستفيد من جميع هذه المناهج السابقة في مكانها المناسب, وقد لا يحصل استخدام لبعض المناهج في بعض الآيات.
فمثلاً قد لا يوجد حديث في تفسير بعض الآيات أو لا توجد إشارة علميّة (العلوم التجريبية) في بعض الآيات، فإذاً النهج الكامل المستخدَم في مورد تلك المجموعة من الآيات هو الّذي يمكن أن يستفيد قدر الإمكان، من المناهج المتعدِّدة، وعدد المناهج المستخدَمة مرتبط بالآية وإمكانية الاستفادة من المناهج الصحيحة في هذا المجال.
فالتفسير بالرأي لا يعتبر تفسير صحيح وفي الحقيقة لا يعتبر تفسيراً للقرآن (بيانه في بحث التفسير بالرأي), فذكره هنا بين أنواع المناهج التفسيريّة هو من أجل رَدِّه مع التنبيه على خطره.
أي إنّنا إن تعرّضنا للمناهج التفسيريّة بصورة عامّة (أعمّ من كونها صحيحة أو خاطئة)، فحينئذٍ سيدخل التفسير بالرأي في نطاقها، وسوف نقوم بدراسة وبحث كلّ من هذه المناهج وأقسامها الفرعية وكيفية اعتبارها.
أولاً : هويّة فقه القرآن ومنزلته : هنا من المناسب أن نأخذ أشارة بسيطة قبل الدخول في الموضوع، وذلك عبر التعرض لماهية فقه القرآن ومكانته، فنقول:
إن الماهية العلمية لفقه ايات الكتاب هي تفسير آيات الأحكام، لهذا فإن ما ذكر فيه من التقسيم والتفاسير مع تنويع البحث هي عناصر قائمة في بحثنا هذا كذلك.
فعندما ترغب في تقسيم التفاسير تلاحظ ان هناك ثلاثة عناصر، وهي: المنهاج (المصادر)؛ والاتجاه (الفكري)؛ والأسلوب (النوع او الطريقة). وهذه العناصر تؤدي دور تـنويع تفاسير القرآن من نواحي متعددةٍ[5].
وذكر البعض من الباحثين في علوم القرآن بذكر عوامل أخرى مؤثرة، ولكن من دون التصريح بكيفية عملها التنويعي، وهنا لا يسعنا ذكرها[6].
والمهم هي أن التقسيم الناشئ من العناصر الثلاثة المذكورة سابقاً في تفسير آيات الأحكام يستلزم إدراجه كـ(منهاج) وظيفي تحت التفسير الاجتهادي، حتى وإن استفيد في بعض الأحيان من طريقة تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالحديث.
وأما عند ملاحظة التفسير الفقهي؛ من خلال الأسلوب فتراه من جهة تفسير موضوعي، ومن جهة ثانية تفسير ترتيبي.
والسبب لأن آيات القرآن تـنقسم من حيث المحتوى والموضوع إلى آيات المعارف والعقائد من جهة، ومن جهة اخرى آيات التهذيب والأخلاق، ومن جهة ثالثة آيات العلوم والفنون، ومن جهة رابعة آيات التاريخ والقصص، ومن جهة اخيرة آيات الأحكام؛ وفقه القرآن.
وتتكفّل بالجهة الأخير؛ على الرغم من أن الآيات الفقهية ـ كموضوع ـ متصفة بالعموم، كذلك من كون الآيات القرانية تتعلق بعناوين أكثر تحديداً، من ذلك.
مثل الصلاة، ومثل الحج، ومثل الجهاد، وغيرها، فيكون كلّ واحد من هذه موضوع خاص، ولكنه يمكن تفسير هذه المجموعة من الآيات تبعاً لترتيبها، وتسلسل السور القرآنية لها.
وهذا ما صنعه أغلب علماء أهل السنة الحاملين راية (مدرسة الصحابة) وأطلقوا عليه أسم «أحكام القرآن» أو اسم «آيات الأحكام».
وتلاحظ انه من الممكن أن تجعل ترتيبه على أساس ترتيب الأبحاث الفقهية؛ وهذا ما اختاره علماء الشيعة الامامية اعزهم الله، وأطلق الكثير من الافاضل على هذه الآثار اسم «فقه القرآن»[7]؛ وعليه يصبح تفسير آيات الأحكام من جهة هذه الحيثية هو أحد نماذج التفسير الموضوعي.
ومع هذا حينما تنظر إلى تفسير آيات الأحكام من جهة انه مبين للأحكام الفقهية سوف يتبين لك أنه جزء من علم الفقه، ولكنه ليس من باب الفقه المحض.
واما إذا لاحظته من جهة انه مبين للآيات القرآن فهو محسوب على علم التفسير، ولكن هذا ليس مطلقاً؛ ولذا يمكنك ان تقول:
إن آيات الأحكام في القران مجمع بين العلمين، ويحتاج إلى مباني وأصول كلا العلمين لغرض الخوض فيه.
ثانياً : انطلاقة تفسير آيات الأحكام: بلا شك تاريخ موضوع آيات الأحكام ترجع إلى زمن رسول الله o وإلى نزول أول آية فقهية من ايات القرآن؛ لأنه مع نزول الآية الأولى، التي يستلزم العمل من خلال مفادها.
فكان الناس في ذلك الزمن جاهلين بالكم والكيف المطلوب، وكانوا يرجعون إلى رسول اللهo فيسألونه عن كيفية العمل بهذه الآية، كما في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[8].
فهذه تحددّ وظيفة رسول‘ اللهo لكي يعطي الجواب اللازم بحسب المورد، بما يناسب الموضوع، ويرشدهم، ولهذا يجب في الواقع أن تقول:
إن تفسير آيات الأحكام في القران يرجع إلى الحقبة النبوية؛ لأن بيان رسول اللهo بخصوص هذه المجموعة من الآيات ليس سوى تقسيم للآيات الفقهية كما هي في دراسة أساليب التفسير التربوي.
من حيث حازت الأبحاث التربوية أهمية قصوى في عالمنا اليوم، كون هذه الأبحاث لها المساس بمسائل المجتمع بصورة مباشرة من خلال الحفاظ عليه من الوقوع في الانحرافات؛ سواءً على الفرد أو الجماعة، فمن شأنه أن يحلّ الكثير من المسائل ذات الصلة، وخصوصاً إذا كان مستوحاة من تعاليم القرآن الكريم الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[9].
ويمكننا القول إن أهم رسالة للكتاب هي هداية الإنسان إلى الكمال وتحصيل السعادة الابدية اللائقة به، من أن تنبثق بالمرحلة الاولى جميع استعداداته في الابعاد الفردية والاجتماعية والفطرية والروحية والعقلية والمعنوية.
بعدها الأخذ بيده نحو تحصيل السعادة الخالصة والأبدية كما في قوله تعالى: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى‏ صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)[10]، فإخراج الافراد من الظلمات إلى النور التي هي عين هدايتهم وسوقهم من الجهل والنقص الى الكمال والنور والطهارة، هو بحد ذاته عمل تربوي[11].
فعبارة قوله تعالى: (صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) هي بدل من (إِلَى النُّورِ)[12] أي بمعنى إنّ الإنسان يخرج الظلمات بالاستعانة بتربية رسول اللهJ تحت ظل القرآن الكريم، ويدخل في صراط ربّه، الذي تكفّل صاحبه بإيصال الإنسان إلى الكمال والسعادة.
وهو الربّ الحميد الذي بيديه جميع أنواع الكمالات المحمودة، ولهذا قال إنّه حميد، واعتبر أنّ صراطه عزّ وجلّ هو الدور الرئيسي في التربية والإيصال إلى الكمال والسعادة، وأمّا الرسولJ والكتاب هما مقدّمتان تمهّدان للإنسان الدخول إلى هذا الصراط.
كما في قوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)[13]، وكا في قوله تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[14].
وأكد الكتاب في المجال التربوي على نظرية الاختيار ودورها في التربية، وهذا ما يمكن استفادته من قوله تعالى: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)[15] وقوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[16].
كما أنّ هناك أساليب أخرى يمكن معرفتها من خلال تتبّع الآيات، وهي أكثر من أن تحصى، فمنها:  الأسلوب العقلي والإقناعي في الخطاب القرآني، كما في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)[17].
تظافرت ايات القرآن والحديث في حث المسلمين على ارتياد معالي الأمور والتسابق في الخيرات وتحذيرهم من سقوط الهمة وتنوّعت؛ فمن أساليب القرآن الكريم في ذلك كما يلي:
ثناء الباري عز وجل على أصحاب الهمم العالية وفي مقدمتهم النبيJ والمعصومن من أهل بيتهD كما في قوله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[18].
وكما قال تعالى في مدح النبيJ ومن معه من أصحاب الهمم العالية وذوي الدوافع العالية من خلال الثبات أمام الأعداء وبنفس الوقت يمتلكون صفة الرحمة واللين مع اخوانهم المؤمنين كما في قوله تعالى:
(مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[19].
وكما في قول الله تعالى في مدح أهل بيتهD لما يمتلكونه من همم عالية وفائقة لا يمتلكها غيرهم من الناس بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[20].
وكذلك المؤمنين امرهم بالهمّة العالية والتنافس في الخيرات، كما في قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)[21]. وكذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[22].
وفي المقابل ذم ساقطي الهمة وصورهم بأبشع صورة كما جاء في قول الله سبحانه كما في قصة النبي موسىA مع قومه بقوله تعالى:
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ)[23].
وواصف حال اليهود الذين علموا فلم يعملوا كما في قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)[24].
وفي نفس الوقت امتدح النبي يعقوب كما في قوله تعالى: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[25].
وكذلك ذمّ المنافقين المتخلفين عن الجهاد في سبيل الله لسقوط همّتهم؛ كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)[26].
فالقرآن الكريم ليس كتاب قصص فقط بل هوعبرة واعتبار، وآياته المباركة تجري ما جرت العصور والدهور، كما عن الإمام الباقرA أنه قال: «ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجرى أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها (و) هم منها من خير أو شر...»[27].
وكذلك عن الفضيل بن يسار قال: «سألت أبا جعفرA عن هذه الرواية (ما في القرآن آية الا ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف الا وله حد ولكل حد مطلع) ما يعنى بقوله لها ظهر وبطن؟ قالA: ظهره وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجرى كما يجرى الشمس والقمر، كلما جاء منه شيء وقع قال الله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ) (نحن نعلمه)» [28] .
ويترتّب على هذا الكلام قاعدة (الجري) واستخدامها في بعض الآيات، لكونها مستنبطة من أحاديث ائمة أهل البيتD كما في الرواية السابقة[29]. لهذا، من الأحسن توضيح المقصود من هذه القاعدة واستعمالاتها بشكل مختصر.
فالمقصود من هذه القاعدة هي العناية بإمكان الوصول إلى ما خفي من المعاني، أو ما خفي من مصاديق المعاني، بل هوالتوجه إلى المعاني الظاهرة الحاصلة من الألفاظ المفردة‏ وتراكيبها. ومن ثم بيان شرعيه بعض التأويلات ورفض بعضها[30].
واما من الامثلة على استعمالات قاعده الجرى والانطباق[31] في بيان المصاديق للألفاظ العامة‏ فقد يستخدم في آيات القرآن لفظ عام ثم عليك ان تبين مصاديقه خلال الأحاديث كما في قوله تعالى:
( إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)[32] ففي حديث عن الإمام محمد الباقرA قال: «الأبرار نحن هم، والفجار هم عدونا»[33].
فتجد لفظة الأبرار ولفظة الفجار جمع محلّى بالألف واللام، ويمكن أن يكون شامل لجميع أبرار وفجار الأمم السابقة، ومن ضمنهم أمة الإسلام، ولكن الحديث خص أهل البيتD بالأبرار وهم المصداق الوحيد.
وأن أهل البيتD هم اوضح مصداق على هذه الآية كما أن أعداءهم هم المصداق الأوضح لكلمة (الفجار) في هذه الآية، ولكن مصاديق الآية وتفسيرها لا ينحصر بهؤلاء الأفراد.
وتشخيص المصاديق ورد في أحاديث أهل ‏البيتD التفسيرية بشكل مستفيض، وهنا القصة شبية الحال كما في قوله تعالى: (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)[34]، فهي قد عينت الإمام في كل زمان وعصر[35] وهذه القصة ضمن مصداق قوله تعالى: (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[36] أي بمعنى: كونوا مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من أهل البيت[37]D.
وبيان مصاديق الألفاظ المطلقة (تعريف الألفاظ بدخول أدوات العموم مثل: كل، وجميع، وكافة، والجمع المحلى بالألف واللام، وغيرهم)، وأما الألفاظ المطلقة فتعرف من خلال عدم وجود الضد، بالإضافة إلى إجراء مقدمات الحكمة[38].
ومصاديق الألفاظ المطلقة تقسم إلى قسمين احدهما تعيين المصاديق الفردية‏, فبعض المفردات وجمل القرآن المطلقة، لا يوجد فيها أي قيد لتعيين أي مصداق خاص، ولكنه بواسطه الروايات يمكنك تشخيص المورد أو تعيين المصداق كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)[39].
وكذلك جاء عن ابن عباس أنه قال: «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا، منافقو قريش، والَّذِينَ آمَنُوا على بن أبى طالبA وأصحابه»[40].
ونأتي بمثال آخر كما في قوله تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)[41] كما عن الإمام محمد الباقرA أنه قال: «فنحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون»[42].
وفي رواية آخرى عن الإمام جعفر الصادقA حينما سأله رجل من أهل (هيت) فقال: جعلت فداك، قول الله تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[43] فقالA: «نحن الذين نعلم وعدونا الذين لا يعلمون وأولو الألباب شيعتنا»[44].
ففي ضمن هذه الأمثلة كانت عبارة للآيات مطلقة، ويمكن في الآية الأولى السابقة أن تكون العبارة شاملة لجميع المؤمنين والمجرمين، واما في الآية الثانية يمكن من أن تكون شامله لكل العالمين وغير العالمين.
ولكن الاحاديث الواردة بينت بعض المصاديق، وليس معنى ذلك انه قصر التفسير والمصاديق على ما ذكره الحديث، ومن هنا بُيّن في روايات الآية الثانية مصاديق مختلفة.
فمن المؤكد أن هكذا نماذج وموارد عادةً ما تكون عديدة أو كثيرة في احاديث التفسير لأهل البيتD، كما هو الحال في الاحاديث المبينة لمصاديق قول الله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[45]، فبعضها شمل اليهود والنصارى[46] والبعض الاخر صرح أنهم النواب والذين لا يعرفون إمام زمانهم[47].
واما  تعيين المصاديق بلحاظ الأفعال والحالات فإن بعض آيات القرآن بينت بشكل مطلق في عصر نزول خاص ولها مصاديق خاصة على أساس العرف والعادات التي كانت موجودة انذاك، ولكن بمرور الزمن ومن خلال تغيير الظروف والعادات والأساليب في المجتمعات اقتضت تلك الآيات ـ بمقتضيات زمانهاـ مصاديق جديدة، ومن ثم تجري الآيات في ضمن تلك المصاديق.
وقد وصل ببعض العلماء الإصرار عليه حتى اعتبره قاعدة مستقلة تحت عنوان (القرآن يجري في إرشاداته مع الزمان والأحوال، في أحكامه الراجعة إلى العرف والعوائد) فأعتبرها قاعدة جليلة القدر ذات فائدة كبيرة[48], ولكن واضح جداً أنها جزء من قاعدة الجري.
ونأتي بمثال كما في قوله تعالى: (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)[49]، فالإحسان إلى الوالدين مفهوم لم يتبين خصوصياته لا في القول ولا الفعل، وفي كل عصر له مصاديق وحالات وأفعال هي جديدة.
كما في صدر الإسلام يعتبر توفير المؤونة من غذاء ولباس، مع الكلام الطيب هي من مصاديق الإحسان، ولكن في عصرنا الحاضر هذا يمكن أن تلحظ مصاديق جديدة من خلال تأمين الطعام والمسكن وإرضائهم حتى ولو الاتصال بالكلام من مكان بعيد وكلها مقولة لمصاديق الإحسان.
وهكذا نفس الحال في مفاهيم أخرى مثل مفهوم (المعروف)[50] المأمور به في باب (الأمر بالمعروف)، وفي التعامل مع الآخرين، وفي إجراء الحكم الشرعي، ومفهوم صلة الرحم[51].
والذي له في كل زمان وعصر أفعال وأقوال وحالات متجدّدة تكون من مصاديق لصلة الرحم، وكذلك الحال في مصاديق أخرى مثل مفهوم (الإسراف)[52], ومفهوم (اللباس)[53]، ومفهوم القوة والاستعداد العسكري كما في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ...)[54] ومفهوم (القسط والعدل)[55]،  ومفهوم (التجارة)[56].
فهذه المفاهيم السابقة التي تكون مصاديقها العرفية والشرعية والعقلية في كل عصر وزمان مقصودة ومرادة، ومصداقاً للآية.
فكتاب الله له ساحات فهم وبطون وكتاب عبرة ودليله الروايات الكثيرة عند اهل السنة والشيعة[57]، فالقرآن له مستويات ودرجات في الظهور والعلم وكلٌ يستقي منه بقدر كمية إنائه. وانسجامهِ مع الفطرة كما في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[58].
فلابد من أن يكون التفسير منسجم مع الفطرة وغير خارج عنها، لأن الفطرة من خلقه تعالى وموهبة وهبها للإنسان لكي تكون له نوراً في طريقه. فمن غير الممكن أن تتعارض تعاليم القرآن الذي هو كتاب الله ومن هبات الله سبحانه للإنسان وما أعظمها من هبة، يهدي الإنسان إلى صراطه المستقيم ويرسم له طريق الرقي والنجاح.
1 ـ  في عصر النبوة : وهو كما ذكره ان الذهبي قال: إن الأصحاب كانوا كلما واجهتهم مشكلة في فهم القرآن يراجعون النبي‘o، ويحصلون على الجواب؛ لأن بيان القرآن كان وظيفته‘o.
ومن ثم يذكر الذهبي عدة نماذج من تفسير النبي‘o، ومن جملتها أنه‘ فسر الآية:( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)[59] حيث قال‘: «ألا وإن القوة الرمي»[60].
لاحظ هنا أن هذا البيان الصادر عن رسول اللهo قد فسر القوة بالرمي. وهذا تفسير لآية الجهاد، وهو إبراز لمصداق حكم فقهي.
وتجد هناك بالطبع ما يوافق هذا المضمون في مصادر المجامع الروائية والتفسيرية الشيعية حيث نقل الشيخ الكلينيu عن عبد الله بن المغيرة، قال:
قال رسول الله‘o في قول الله عز وجل: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ) قال: الرمي[61]؛ وإن كان العياشي ينقل عن الإمام الصادقA في تفسير الآية أنه قال: «سيف وترس»[62].
ويقول الشيخ معرفت في كتابه: كان رسول الله‘o هو المرجع الأول لفهم غوامض الآيات -ومنها آيات الأحكام- وحل مشاكلها، مدة حياته الكريمة؛ إذ كان عليه البيان كما كان عليه البلاغo.
وتصدى رسول اللهo لتفصيل ما أجمل في القرآن إجمالاً، وبيان ما أبهم منه؛ إما بياناً في أحاديثه الشريفة وسيرته الكريمة العطرة.
أو تفصيلاً جاء خلال تشريعاته من فرائض وسنن وأحكام وآداب، كانت سنته‘o وهي قولاً وعملاً وتقريراً كلهاً بياناً وتفسيراً لمجملات الكتاب العزيز، وحل مبهماته في التشريع والتسنين.
فقد كان قول النبيo: « صلّوا كما رأيتموني أصلي..» شرحاً وبياناً لما جاء في القرآن من قوله تعالى:
( أقيموا الصلاة..)[63] وكذلك قوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً)[64] وكذا قوله‘o: « خذوا عني مناسككم » بيان وتفسير لقوله تعالى: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ…)[65].
وتلاحظ احتمال وارد وقوي من أن أول الأشياء التي احتاجها الناس في ايام النزول وبما يتعلق بتفسير آيات القرآن هو تفسير آيات الأحكام، وإن لم تأخذ هذا العنوان.
وإذا ما سلمنا أن الأوامر التي أمر بها القرآن كانت من أجل التطبيق، وهو الصحيح، فمن الطبيعي أن يبين للناس ما هو تكليفهم في الأول مرة؛ فسورة المزمل ـ التي تعتبر من أوائل السور نزولاً (الثالثة) ـ تجد فيها ستة مواضيع فقهية:
من قراءة القرآن بالمقدار المستطاع، السفر، الجهاد، إقامة الصلاة، أداء الزكاة، والقرض، كما في قوله تعالى:-
( فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)[66].
وسواء نزلت هذه الأوامر مرفقة من خلال آيات أخرى من سورة المزمل أم كان هناك فاصل زمني لمدة سنة أو ثمانية أشهر أو ستة أشهر بينهما وبين نزول الآيات الأولى من السورة، حتى وإن نزلت في المدينة وبعد الهجرة[67].
فقد كانت كلها بحاجة إلى شرح رسول اللهo؛ لكي يبين من أن هذه القراءة واجبة أو مستحبة؟ وهل الميسور محدّد ومعيّن أولاً؟ وهل القراءة المقصودة مستقلة أو في ضمن الصلاة؟ وما حكم المريض والمسافر؟
وما هي الظروف التي تجعل الجهاد واجباً، ومتى لا يكون؟ وما هي كمية وكيفية الصلاة؟ وما الأمور التي تتعلق بها الزكاة، وكم تبلغ؟ وهل المطلوب إعطاء القرض مهما كانت الظروف؟
وتجد غيرها من عشرات، بل المئات من الأسئلة، التي كان سيُسألها رسول اللهo، التي كان لا بد من أن يشرحها، وهما ما حصل.
2 ـ  في عصر الإمامة : هذه الحركة العلمية استمت بعد انتهاء زمن رسول اللهo، وذلك في عهد الأئمةD، وتم تبيين المسائل الفقهية الجزئية والكلية، حتى بلغ الأمر أن بُيِّنت أكثر المسائل بشكل تفصيلي، استـناداً للقرآن الكريم.
وناتي بمثال وهو من النماذج التي يشار إليها في هذا المجال المسألة المعروفة في الوضوء، مسح الرأس والقدم خاصة، حيث العبارة المعروفة: «لمكان الباء».
كما عن زرارة أنه قال لأبي جعفرA: « ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك، فقالA: يازرارة، قاله رسول الله‘o، ونزل به الكتاب من الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قال:
(فاغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) فوصل بين الكلام، فقال: (وامسحوا برؤوسكم) فعرفنا حين قال:
(برؤوسكم) أن المسح ببعض الرأس؛ لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله‘o للناس، فضيّعوه»[68].

[1]- نيل المرام شرح ايات الاحكام ج1 ص5.
[2]- التفسير والمفسرون الدكتور محمد حسين الذهبى ج4 ص359.
[3]- من سورة النساء الاية 11.
[4]- راجع : دراسة تاريخية مقارنة اعلام الحكمة فقه القرآن عند الشيعة جامعة المصطفى العالمية الدكتور الشيخ محمد فاكر ميبدي ترجمة: الشيخ علي قازان.
[5]- لاحظ انه تنقسم تفاسير ايات القرآن من جهة المنهاج (المصادر) إلى: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالنص؛ وتفسير القرآن بالعقل؛ وتفسير القرآن بالاجتهاد.
أما من ناحية الاتجاه (الفكري) الى: التفسير الكلامي؛ والتفسير العرفاني؛ والتفسير الإجتماعي؛ والتفسير الأدبي؛ والتفسير الفقهي؛ والتفسير العلمي؛ وغيرها.
أما من ناحية الأسلوب (النوع اوالطريق) إلى: ترتيبي؛ وموضوعي؛ وارتباطي. (راجع المقدمة في هذا الكتاب).
[6]- مكاتب تفسيرى «المناهج التفسيرية» 1: 13 إلى 20، قم: پژوهشكده حوزه ودانشگاه، تهران، سمت، 1381 هـ ش.
[7]- يمكنك جمع الاصطلاحين من أن يقال: إن اصطلاح آيات الأحكام تلحظ هوية القرآن لهذا العلم، وأما اصطلاحا «فقه القرآن» ينظر إلى شرح وتفسير هذه الآيات.
[8]- سورة النحل الاية 44.
[9]- سورة فصلت الاية 42 .
[10]- سورة ابراهيم الاية 1 .
[11]- راجع : دراسة في أساليب التفسير التربوي تاليف: السيد حكمت أسد الموسوي.
[12]- الجدول في إعراب القرآن، 13: 153.
[13]- سورة ابراهيم الاية 2.
[14]- سورة البقرة الاية 275.
[15]- سورة الكهف الاية 29.
[16]- سورة الانسان الاية 3.
[17]- سورة ال عمران الاية 118.
[18]- سورة الاحقاف الاية 35.
[19]- سورة الفتح الاية 29.
[20]- سورة الاحزاب الاية 33.
[21]- سورة البقرة الاية 148.
[22]- سورة العنكبوت الاية 69.
[23]- سورة البقرة الاية 60.
[24]- سورة الانعام الاية 91.
[25]- سورة يوسف الاية 68.
[26]- سورة التوبة الاية 93.
[27]- تفسير العياشي ج1 ص10
[28]- كتاب تفسير العياشي الجزء الاول الصفحة 11.
[29]- الميزان، ج 1، ص 41- 42.
[30]- قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر الميبدي، ص 300.
[31]- أصول وقواعد التفسير، عنه: مباني التفسير التربوي: ص71، محمد فاكر الميبدي، مجلة قرآن وعلم 3، ص135-183.
[32]- سورة الانفطار الاية 13و14.
[33]- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4 ص 436.
[34]- سورة الرعد الاية 7 .
[35]- الكافي، الكليني، ج 3، ص 191.
[36]- سورة التوبة الاية 119.
[37]- شواهد التنزيل، الحسكاني، ج 1، ص 259- 262.
[38]- راجع كتب أصول الفقه مثل الكفاية وحلقات الشهيد الصدر وأصول المظفر، وغيرها.
[39]- سورة المطففين الاية 29.
[40]- شواهد التنزيل، الحسكاني، ج 2 ص 327- 329.
[41]- سورة الزمر الاية 9 .
[42]- الكافي، الكليني، ج 8، ص 204- 205.
[43]- سورة الزمر الاية 9 .
[44]- محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات، ص 75.
[45]- سورة الفاتحة الاية 7 .
[46]- البرهان، المحدث البحراني، ج 1 ص 47.
[47]- نور الثقلين، الحويزي، ج 1 ص 24- 25.
[48]- القواعد الحسان لتفسير القرآن، عبد الرحمن بن ناصر السعدى (ت 1326 هـ . ق)، ص 79.
[49]- سورة البقرة الاية 83 وسورة النساء الاية 39، وسورة الأنعام الاية151، ويشابهها في سورة الاحقاف الاية 15.
[50]- كما في سورة النساء الاية19وسورة البقرة الاية 178 و180 و228 و229 و231 و232 و233 و234 وسورة آل عمران الاية104 و110 و114 وغيرها.
[51]- سورة البقرة الاية 27 وسورة الرعد الاية 25 وغيرها.
[52]- سورة الاعراف الاية 31.
[53]- سورة الاعراف الاية 26.
[54]- سورة الانفال الاية 60.
[55]- سورة المائدة الاية 8.
[56]- سورة النساء الاية 29.
[57]- اصول الكافي ج1 ص374.
[58]- سورة الروم الاية 30.
[59]- سورة الانفال الاية 60.
[60]- محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 1: 33 مكتبة وهبة، ط 7 القاهرة 1421هـ.
[61]- راجع : محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5:49، دار الكتب الإسلامية، طهران، (1365هـ . ش)؛ والحر العاملي، في وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة،11: 427 و9: 252، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1409هـ؛ وحسين النوري، في مستدرك الوسائل 1: 392، قم المقدسة ، مؤسسة آل البيت، 1408هـ.
[62]- وسائل الشيعة 11: 427.
[63]- سورة البقرةالاية 43.
[64]- سورة النساء الاية 103.
[65]- سورة ال عمران الاية 97.
[66]- سورة المزمل الاية 20.
[67]- محمد حسين الطباطبائيu، الميزان في تفسير القرآن 20: 74، دون تاريخ.
[68]- وسائل الشيعة 3: 265.