الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 انواع تفسير الشيعة


ق1 انواع تفسير الشيعة
حينما بدأ علم التفسير منذ عهد صدر الإسلام، ومصدره الوحي الإلهي الّذي عرّف رسول اللهJ مفسِّرٍ للقرآن[1]، وكانJ يعتمد على القرآن نفسه في التفسير، ومن هنا انطلقت طريقة تفسير القرآن بالقرآن.
وقد تصدّى أهل البيتD وعدد من الصحابة المخلصين لتفسير القرآن على ضوء منهج رسول اللهJ مع الاستفادة من المنهج الروائي، أي الاستناد إلى الروايات الصادرة عنهJ في تفسير آيات القرآن.
وتصدّى النبيّJ لتفصيل ما أُجمل في الكتاب، وبيان ما أُبهم منه إمّا بياناً في أحاديثه الشريفة وسيرته العطرة، أو تفصيلاً جاء في جُلّ تشريعاته من فرائض وسنن وأحكام وآداب وغيرها.
فكلُّ ما ورد في الشريعة من فروع أحكام العبادات والسنن والفرائض، وأحكام المعاملات، والأنظمة والسياسات، كلّ ذلك تفصيل لما أُجمل في القرآن الكريم من تشريع وتكليف وغيرها.
ولكن هناك من تورّط بتفسير وتأويل القرآن طبقاً لميوله ومن دون رعاية الضوابط والقرائن، ومن هذا نشأ التفسير بالرأي. ولكن تصدّت الأحاديث الصادرة عن رسول اللهJ وأهل البيتD لهذا النوع من التفسير وحاربته بشدّة، كما عن رسول اللهJ عن الله تعالى: (ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي)[2].
ثمّ بعدها ظهرت في القرن الثاني الهجري وما بعده مناهج وأساليب أُخرى فيما بين المسلمين بشكل تدريجي، نتيجة ترجمة آثار وكتب الحضارتين اليونانية والفارسية ونفوذ أفكارهم وعلومهم.
وتكوّنت هذه الاتجاهات التفسيريّة الكلاميّة بسبب ظهور المباحث الكلاميّة والفلسفيّة، فكانت كلّ فرقة من فرق المسلمين مثل الأشاعرة والمعتزلة وغيرها تفسّر القرآن طبقاً لآرائها وعقائدها.
وفي القرن الثالث وما بعده، بدأت تظهر أساليب جديدة في التفسير على يد العرفاء والمتصوّفة. مما أدّى إلى تطوّر المنهج الإشاري في التفسير[3].
وأمّا المحدّثين من السنّة والشيعة اكتفوا بنقل الروايات مُحدِثين بذلك المنهج والاتجاه الروائي في التفسير والذي ظهر في المرحلة الأولى (القرن الثالث والرابع الهجري) على شكل تفاسير مثل:
تفسير العيّاشيّ، وتفسير القمّيّ، وتفسير الطبري، وفي المرحلة الثانية (من القرن العاشر حتّى الحادي عشر) تفسير الدرّ المنثور، وتفسير البرهان، وتفسير نور الثقلين.
وبعد المرحلة الأولى من ظهور التفاسير الروائية بدأت تظهر التفاسير الفقهيّة من خلال أسلوب موضوعي وعلى شكل تفسير آيات الأحكام.
وبعد أن أخذت البعض من التفاسير شكلها الطبيعي مثل أحكام القرآن للجصّاص الحنفي (ت370هـ) وأحكام القرآن المنسوب إلى الشافعي (ت204هـ) استمر تدوين هذا النوع من التفاسير فيما بعد مثل أحكام القرآن للراوندي (ت573هـ).
ثمّ بعدها ظهرت في القرن الخامس والسادس الهجري التفاسير الجامعة الاجتهادية مثل: تفسير التبيان، وتفسير مجمع البيان؛ وذلك من خلال الاستفادة من العقل والاجتهاد مع مراعاة جوانب متعدّدة في التفسير.
ولا تزال الى اليوم هذه الطريقة متداولة وقد بادر بعض الفلاسفة إلى كتابة التفسير, كما ظهرت وتطوّرت في القرن الأخير أساليب ومناهج جديدة في التفسير مثل طريقة التفسير العلمي والاتجاه الاجتماعي.
المحور الاول : اتجاهات التفسير لدى الامامية : قبل الدخول فيه عليك ان تعرف ان الفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي من وجهة نظر في نقاط وهي:
1 -  مصطلح التفسير بالمأثور مصطلح حادث، والمصطلحات يجب أن يدقق فيها أثناء وضعها وفهمها، وعندما يدخل الخلل في وضع المصطلح أو فهمه يحدث الاضطراب في الفهم والتطبيق.
2 -  من خلال ظاهر اللفظ ان التفسير بالمأثور ما أثر عن النبيJ والائمةD وعن الصحابة والتابعين وعن تابعيهم ممن عُرفوا بالتفسير، ولهم آراء مستقلة.
بلا شك أن ما جاء عن الرسولJ إن صح سنده إليه والحديث عن التفسير بالمأثور. لا يتعدى إلى جعله قسيماً للتفسير بالرأي.
3 -  التفسير بالرأي هو أن يفسر المفسر القرآن برأيه، بناء على قواعد وضعها لنفسه وقد يكون التفسير بالمأثور هو الرأي، وينسب إلى من فسره، سواء كان من الصحابة أو من التابعين، أو من بعدهم.
ولكن تلاحظ ان المتتبع للكتب والمؤلفات يلاحظ بشكل ملفت للنظر أن اهتمام الشيعة الإمامية بتفسير القرآن[4] مضى على اتجاهين وهما ما يلي:-
أولاً : اتجاه التفسير بالأثر والرواية : تلاحظ كأنهم كانوا يجتنبون عن تفسير القرآن تفسير تحليلي احترازي من وصمة التفسير بالرأي التي جاءت بعض الأحاديث في لعنه[5]، ومنها:
1-        تفسير علي بن ابراهيم القميH.
2-        تفسير محمد بن مسعود العياشيH.
3-        تفسير البرهان.
4-        تفسير نور الثقلين.
5-        تفسير كنز الدقائق.
ويمكنك تقسيم الاتجاهات التفسيريّة إلى أقسام فرعية على أساس الاعتقادات، والأفكار، والاتجاهات العصريّة، وطريقة الترتيب، والذوق والتخصّص العلمي للمفسِّرين، وبيانه كما يلي:-
1-               المذاهب التفسيريّة : قد فسَّرَ أصحاب المذاهب الإسلامية آيات القرآن الكريم على أساس العقائد الّتي يؤمنون بها فلربّما يختار المفسِّر في تفسيره أحد المذاهب، أو يتّخذ له طريقة خاصّة.
فمن باب المثال اعتنى مفسِّري الشيعة طبقاً لإرشادات أئمّتهم بظاهر وباطن القرآن والآيات المتعلّقة بأهل البيتD، كما راعوا عصمة الأنبياء في تفسيرهم لآيات القرآن وغيرها.
فمن هنا نشأ أسلوب خاصّ بالتفسير, كما ألتجأت الفرقة الإسماعيلية إلى التفسير الباطني والرمزي، أمّا الخوارج فلهم أسلوبهم الخاصّ بهم في التفسير, وعليه فقد اتخذ كلّ منهم مذهب خاص في التفسير، ويمكنك أن تلحق تفاسير الصوفية بالمذاهب التفسيريّة كذلك.
2-               المدارس التفسيريّة (الاتجاهات الكلاميّة) : وهي أقدمَ من بعض أصحاب المدارس الكلاميّة مثل المعتزلة والأشاعرة في تفسير القرآن على أساس ميولهم الفكريّ، فمثلاً كتب الزمخشري تفسيره الكشّاف بإسلوب كلامي.
3-               الألوان التفسيريّة : لقد ذهب المفسِّرين الّذين لهم تخصُّص أو اهتمام بعلم من العلوم إلى كتابة تفاسيرهم على أساس ذلك التخصُّص أو الاهتمام؛ تجدهم أكثروا من طرح المباحث الّتي تخصّصوا فيها.
ومن هنا تلاحظ انه ظهرت اتجاهات وألوان تفسيريّة عديدة فمنها: اللون الأدبي، الفقهي، الاجتماعي، العرفاني، الأخلاقي، التاريخي وغيرها.
4-               الاتجاهات العصريّة في التفسير :قد يذهب البعض من المفسِّرين إلى أحد الاتجاهات في التفسير نتيجة للظروف المحيطة به ونتيجة لعامل الاحتياج والضرورة، فلربّما تكون المسائل المعنويّة والتربويّة والأخلاقيّة من أهمّ المسائل في عصر المفسِّر.
فتراه يتوجّه إلى الآيات الأخلاقيّة والمعنويّة في تفسيره بصورة أكثر من غيرها (كما الحال في تفسير في ظلال القرآن وغيره).
ولكن ربّما تكون عناية المفسِّر بالأُمور الجهاديّة والسياسيّة ومناهضة الاستبداد فتحدو به هذه العناية على التركيز على الآيات المتعلِّقة بهذا الموضوع أكثر من غيره.
ويمكن ان يكون هَمُّ المفسِّر هو الوحدة الإسلامية والتقريب فيما بين المذاهب الاسلامية، فيأخذ تفسيره مثل هذا الطابع.
واما اختلاف أسلوب الكتابة عند المفسِّرين؛ فهي تتفاوت على أساس الذوق ومراعاة حال المخاطَب, فقد يكون التفسير ترتيبيّاً؛ أي تفسير القرآن من خلال آية آية من أوّله إلى آخره، كما هو حال تفسير (الميزان، والأمثل، ومجمع البيان) وغيرها.
أو قد يكون موضوعي يختار المفسِّر أحد المواضيع ويجمع كلّ ما يتعلّق به في جميع الآيات والسور ثمّ يخرج بنتيجة معيّنة مثل (تفسير نفحات القرآن، للشيخ مكارم الشيرازي؛ ومنشور جاويد للشيخ السبحاني وغيره).
ولربَما يُكتَب التفسير من خلال صورة مختصرة أو متوسطة أو مفصّلة؛ أي من حيث الحجم والكميّة كما هو الحال في التفاسير مثل: (الأصفى، والمصفّى، والصافي) للفيض الكاشاني.
ومثلهِ كذلك التفاسير مثل: (الوجيز، والجوهر الثمين، وصفوة التفاسير) لسيد عبد الله شبّر، ومثلهِ كذلك التفاسير الثلاثة للطبرسي وهي: (جوامع الجامع، ومجمع البيان، والكافي الشافي)، فالأوّل مختصر والثاني متوسّط والثالث مفصّل.
ولربَما يأتي التفسير على شكل متن وشرح فتكون الآية متناً والتفسير شرحاً للآية، وقد يختلط التفسير بالآيات بصورة مزجيّة مثل تفسير (شُبَّر) و(نفحات الرحمن) للنهاوندي.
ولكن في بعض الأحيان يكون التفسير شامل لجميع آيات القرآن مثل (مجمع البيان)، وأُخرى ناقصاً ومُشتملاً على سورة واحدة أو عدد من السور، أو حتّى مجموعة من السور مثل تفسير (أحكام القرآن) للراوندي الّذي يشتمل على الآيات الفقهية فقط وتفسير (آلاء الرحمن) للبلاغي وهو تفسير ناقصٌ.
ثانياً : اتجاه التفسير العلمي التحليلي : هذا التفسير ونظم إليه ما جاء عن رسول اللهo وأئمة اهل البيت الأطهارD ولعلك تسأل ماهو الباعث الى ظهور هذا الشكل من التفسير جوابهً هو الإحساس بالحاجة إليه.
ونظراً للتطور الفكري المستمر الحاصل، فتصبح حاجة الناس الى معاني ومفاهيم جديدة متناسبة مع متطلبات الوضع الثقافي الجديد، كل ذلك بسبب احتكاكهم بالامم الاخرى من جهة.
وتلاحظ بروز ضرورات اجتماعية وفكرية جديدة على مدى العصور حتى عصرنا الحاضر التي كان لها الأثر الفاعل في تنمية الذوق العام من جهة اخرى.
ولعله أول من خاض في هذا المضمار هو العالم الجليل السيد الشريف الرضيu فألف كتابه القيم (حقائق التأويل) في عشرين جزءاً.
ثم أخوه العالم الجليل الشريف علم الهدى في أماليه وسماه بـ(الغرر والدرر) في جزئين رائعين.
ثم من بعدهما جاء العالم الجليل الشيخ الطوسيH فألف التفسير الرائع (التبيان)، ثم من بعد ذلك اصبح منهج متبع وشائع في كتب التفسير.
وبالإضافة الى ذلك، فإن هذا التطور والتقدم الفكري والثقافي الحاصل عند المسلمين كان له الأثر البالغ الذي دعا علماء الشيعة الإمامية الى إضافة مناهج جديدة الى تفاسيرهم، فأدخلوا فيها مثل:
القراءات، والإعراب، وشرح المفردات، وأسباب النزول، وتفصيل القصص، وبيان الأحكام، ورد مطاعن المبطلين، والاستدلال للمذهب، وغيرها من العلوم.
المحور الثاني : اسماء وتأريخ أعلام مفسري الشيعة: نعطر افواهنا بذكر بعض الأعلام من المفسرين الشيعة الإمامية، وهم ممن ذاع في الأمصار صيته وشاع عند المسلمين اسمه العطر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وإلا سنحتاج الى مجلدات ضخمة لهم فنأتي بنماذج مشرفة منهم وهي كما يلي:-
منهم : (سعيد بن جبير) التابعي الشهيد للتشيع، قتله الحجاج الثقفي  سنة95هـ، وقصته معروفة، ذكر تفسيره ابن النديم في (الفهرست) والشيخ آقا بزرك الطهراني في (الذريعة).
منهم : (عطية بن سعيد -أوسعد- العوفي الجدلي الكوفي)، عده البرقي والشيخ من أصحاب الامام الباقرA له تفسير في خمسة أجزاء، ينقل عنه أبان بن تغلب وزياد بن المنذر كما ذكره النجاشي في ترجمتهما، توفي عام111ه‍ـ.
وللقران امثالاَ كما قال صاحب كتاب مفاهيم القرآن[6] من التأليف حول أمثال القرآن وأقسامه وقصصه كما جاء في ايات القرآن تقريباً ستين مثال.
والمعروف ان المثل بطبعه يقرب البعيد، ويصبّ المعقول في قالب المحسوس، وقد أفرد غير واحد من اجلاء الشيعة الامامية أمثال القرآن بالبحث والتأليف.
فلاحظ هذا المؤرخ ابن النديم يعرف أبا علي بن أحمد بن الجنيد (المتوفي381هجري) من أنّه قريب العهد، من أكابر الشيعة.
ثمّ بعدها يذكر كتبه ويقول في موضع ثاني عند تسمية الكتب الموَلّفة في معان شتّى من القرآن الكريم ما لفظه: «وكتاب الاَمثال لابن الجنيد»[7].
فما دام العالم ابن الجنيد قام وهو من قدماء علماء الشيعة الامامية بهذا المجهود، فقد قام الشيخ أحمد بن عبد اللّه التبريزي النجفي (المتوفّى عام1327هجري) بجمع الاَمثال القرآنية وتفاسيرها وما يتعلّق بها وبعد ذلك اطلق اسم على الكتاب وسماه «روضة الاَمثال» وطبع (سنة1325هـ)[8].
ولاحظ تضافر التأليف حول عنوان (أمثال القرآن) في العصر الحاضر كما قام به من أكابر الشيعة باللغتين العربية والفارسية، وطبع الاَكثر باسم أمثال القرآن[9].
وكذلك لاحظ ورد في القرآن الكريم قرابة أربعين قسماً حلف فيه سبحانه بالشمس والقمر والليل والنهار إلى غيرها من عظائم الموجودات، المليئة بالاَسرار البديعة.
وما هذا إلاّ لكي يتدبّر الاِنسان فيها ويقف على ما فيها من العجائب والغرائب، حتى أنّ الله سبحانه وتعالى حلف في سورة الشمس أحد عشر مرّة بأشياء مثل الشمس والقمر والليل والنهار والسماء والاَرض والنفس، ثمّ بعدها رتّب عليها جواباً.
وقال الله في الاية: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها) تلاحظ بحث المفسرين عن هذه الاَقسام ولكنهم تركوا البحث عن أمر مهم، وهو ما هي الصلة بين المقسم به وجوابه.
حتى أنّ ابن القيّم الجوزية (المتوفّى751هـ) أفرد كتاباً في أقسام القرآن، ومن ثم طبع باسم أقسام القرآن، ولكنّه بحث عن المقسم به في جميع آيات القران، ولكنه أهمل البحث عن الصلة بينه وبين جوابه في شتّى الآيات.
صحيح لقد قام الفاضل الشهيد أبو القاسم الرزاقي[10]H من تأليف كتاب حول أقسام القرآن، وسدّ هذا الفراغ الموجود في التفاسير، وتلاحظه أغرق نزعاً في التحقيق، وطبع حديثاً.
وإنّ قصص القرآن من المواضيع المهمّة التي تحتاج إلى دراسات فنية، وفيها من العبر ما لا يعد ويحصى، وأفرد غير واحد من أصحابنا قصص القرآن قديماً وحديثاً[11] بالتأليف، وأخيرهم ما ألّفه الدكتور محمود البستاني، فبحث عن قصص القرآن بحسب تسلسلها في السور الكريمة، وطبع عام (1408هـ).
ومن معارف ايات القرآن واحتجاجاته فهي تشكّل قسم هامّ من مفاهيمه، وخصوصاً فيما يرجع إلى المبدأ والمعاد.
وقد جاء أكثر ما يرجع إلى المعارف الغيبية في السور المكيّة حيث كان رسول اللهo يحتج على المشركين، كما ورد فيما يرجع إلى الكتب والشرائع السماوية وديانات اليهود والنصارى في السور الطوال حيث نزلت في أوائل الهجرة المباركة.
فقام الكثير من العلماء بتأليف كتباً ورسائل حول معارف القرآن أخيرها -لا آخرها- معارف القرآن للشيخ محمد تقي المصباح، طرح فيه الآيات المتعلّقة بمعرفة العالم والملائكة والجنّ والشيطان، نقل الترجمة إلى العربية عبد المنعم الخاقاني، وطبع في بيروت.
كما أنّ الحوارات والاحتجاجات في ايات القرآن لها أساليبها ومعطياتها، فقام بالاحتجاج على الملحدين والمشركين وعلى أهل الكتاب، كما في كتاب الحوار في القرآن للسيد محمد حسين فضل اللّه العاملي، طبع في بيروت.
1 - كتب حول أسباب النزول : تجد انه من أسباب نزول الاية والتعرّف عليها تسلّط الضوء على مفاد الآية ومفهومها وهذا غير خفي على من له إلمام ومعرفة بالتفاسير، كما قام غير واحد من علماء الشيعة الامامية بالتأليف حوله، نعطر ذكرهم بنموذجين وهم:-
الكتاب الاول : أسباب النزول للشيخ قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي، (المتوفّى عام573هـ)، وهذاالكتاب من مصادر بحار الاَنوار[12].
الكتاب الثاني : الاَسباب والنزول على مذهب آل الرسولD، للشيخ رشيد الدين محمد بن علي شهر آشوب السروي (المتوفّى عام 588هـ)[13].
فهذه نماذج القيمة من التفسير الموضوعي أتينا بها لكي مطلع القارىَ على جهود علماء الشيعة الامامية في العصور السابقة وعصرنا الحاضر.
وتركنا الكثير من موضوعات القرآن التي أفردت بالتأليف مثل الاَخلاق والسياسة والمسائل العائلية وغيرها من الموضوعات الهامّة التي تناولتها أقلام المحقّقين في عصرنا الحاضر من خلال البحث والتحقيق.
ومن يراجع المكتبات العربية، أو يستعرض فهارس مكتبات العالم يعثر على مجموعة كبيرة من الكتب القيمة التي تبحث عن موضوعات قرآنيّة بحسب التفسير الموضوعي.
والتفسير الموضوعي في عصرنا الحاضر استقطب قسم كبير من اهتمام العلماء كافة نظراً لاَهميّة هذا المنهج من التفسير ومساعدته على ادراك مفاهيم القرآن، والمعارف الاِلهية الدقيقة العميقة.
فالقرآن كما قلنا مسبقاً ذكر هذه المعارف بصورة متفرّقة تبعاً للمناسبات، فلو جمعت هذه المعارف في مكان، ثمّ درس المفهوم القرآني المعيّن على ضوءه كما يرتبط به من الآيات، لاَمكنك الحصول على فكرة متكاملة وحصول صورة شاملة لذلك المفهوم.
فمن الجدير بالذكر أنّ العلاّمة المجلسيH يعتبر هو أوّل من فتح هذا الباب على مصراعيه في جمع موضوعات القرآن والبحث عنها بحثاً قرآنياً.
فما وصل إلينا من السابقين هو تخصيص موضوع خاصّ بالتفسير، وأمّا غوّاص بحار درر الاَحاديث الشيخ محمد باقر المجلسي، (المتوفّى عام 1111هـ)، اتّبع هذا المنهج في جميع أبواب كتابه وموسوعته النادرة العريقة.
فجمع جميع الآيات المربوطة بكلّ موضوع في أوّل الاَبواب وفسّرها تفسيراً سريعاً، فهذه الخطوة وإن كانت قصيرة ولكن لها مقام جليل في عالم التفسير، وقام بذلك مع عدم توفّر معاجم القرآن الرائجة عندهم انذاك.
2 - الشيعة والتفسير الترتيبي: وهو منهج رائج فيما بين المفسّرين وهو في غنىً عن تعريفه لشيوعه. وقد قام المسلمين بهذا النمط من التفسير على اختلاف اتجاهاتهم في تفسير القرآن، وقام علماء الشيعة من أصحاب أمير الموَمنينA وسائر الاَئمّة المعصومينD بهذا النمط من التفسير، وقد أخذوا علوم القرآن وتبيين مفاهيمها عن أئمّتهمD.
فيعتبر أوّل من دوّن أقواله في التفسير هو عبد اللّه بن العباس (المتوفّى سنة68هـ) ويعتبر أوّل من كتب تفسيراً تلميذه سعيد بن جبير (المتوفّى عام 95هـ)[14] كما وصلنا من التاريخ.
واستمرّ الاَمر إلى عصرنا اليوم، بل لم يكتفي الكثير منهم من تأليف تفسير واحد حتى ضمّ إليه تأليف آخر، بل تلاحظ اكثرهم عزّزهما بثالث ورابع وغيرها، واستخرج أسماء هوَلاء المعزّزين شيخ الباحثين الشيخ «آغا بزرگ الطهرانيH» في معجمه[15].
وتلاحظ ان الغالب على التفاسير المدوّنة في القرون الاَولى هو تفسير القرآن بالاَثر، ومن نماذجه عندنا اليوم هو تفسير «فرات بن إبراهيم الكوفيH» الراوي عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفيH (المتوفّى حوالي300هـ).
وكذلك وصلنا المعلّم لاَبي غالب الزرايH (المولود285هـ)، وكذلك تفسير «علي بن إبراهيم القميH»(حياً حتى عام 307هـ). ووصلنا اليوم «تفسير العياشيH» وهو محمد بن مسعود أُستاذ الشيخ الكلينيH (المتوفّى سنة 329هـ).
إلى غيرها من التفاسير الموَلّفة في العصور الاَولى، وتلاحظ انهم كانوا يجتنبون تفسير القرآن تفسيراً فكرياً من باب التحليل العلمي وذلك تحرّزاً من وصمة التفسير بالرأي.
وكان هذا النمط من التفسير سائداً إلى أواخر القرن الرابع بين الشيعة الامامية، حتى شعر العلماء بالحاجة الشديدة والملحة إلى التفسير العلمي والتحليلي، بشرط انضمامه إلى ما روي عن النبيّJ والاَئمّةD.
فنعتقد ان أوّل[16] من فتح هذا الباب من التفسير هو الشريف الرضيH (المتوفّى سنة406هـ) فألّف كتاب «حقائق التأويل»، في عشرين جزءاً.
ثمّ بعدها أخوه الشريف المرتضىH (المتوفّى سنة436هـ) في أماليه المسمّى بـ«الغرر والدرر» ، ثمّ بعدها تلميذه الاَكبر الشيخ الطوسيH موَلف تفسير «التبيان»(المتوفّى سنة460هـ).
إلى أن اصبح هذا المنهج هو الطريق المتّبع الشائع في جميع الاَعصار إلى عصرنا اليوم هذا، ومن هذا الاهتمام قلّت العناية بالمنهج الروائي المحض إلاّ في بعض زمن (القرنين الحادي عشر والثاني عشر).
 ومن ذلك حصل التطوّر الواضح في تفسير القرآن الكريم، ولعلّه عنايتهم بالاَثر مع صيانة تلك الكنوز عن الاندراس حملت المفسّرين في تلك الاَزمان على تفسير القرآن من خلال نمط واحد.
وهذا النمط هو التفسير بالاَثر بلا فرق بين اهل السنّة والشيعة الامامية حتى أنّ أبا جعفر الطبري (المتوفّى310هـ)، وضع تفسيره على غرار ذلك المنهج، وعليك ان تلاحظ انه قلّما يتّفق أن يستكشف أسرار الآيات ويبسط الكلام في ذلك المنهج.
ولكن احتكاك الثقافات مع الضرورات الاجتماعية الملحة فرضت على المفسّرين المنهج العلمي من التفسير لكي يكون ملبّياً لحاجاتهم، فانّ فيض القرآن بحر لا ينزف.
فأدخلوا في التفاسير قراءة القرآن، وإعرابه، وقصصه، وغوامضه، ومشكلاته، ومعانيه، وجهاته، ونزوله، وأخباره، وآثاره، وحدوده، وأحكامه، وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين، والاستدلال على ما يتفرّد به المفسّـر في المذهب الفقهي أو الاعتقادي وغيرها.
وألّف كتاب في أواسط القرن الرابع وهو علي بن عيسى الرماني تفسيره المعروف، وهو بمنهجه العلمي تلاحظه قد تفوّق على التفاسير المتقدّمة عليه.
ونأتي هنا بأسماء أعلام المفسّرين بالاَثر المروي عن رسول اللهJ والآلD، ثمّ ان شاءالله تعالى نبتعهم بسرد الأسماء العطرة للاكثر شهرة من خلال التفسير العلمي، فتجد المنهج الاَوّل أمتد إلى نهاية القرن الرابع.
وتجد المنهج الثاني أبتدأ بطلوع القرن الخامس بحسب ما وصل إلينا من كتبهم اليوم، وبما أنّ أكثر ما أُلّف في الازمان الاَولى غير واصل إلينا، فلا يمكنك القطع في الموضوع.
وتجد ان جميع ما في تلك القرون هي تفاسير روائيّة، معتمدين في ذلك على الحدس وبعض القرائن وكذلك ما ذكره الشيخH في أوّل تفسير التبيان، واللّه الموفق.
3 - أشهر مفسّـرين الرواية والاَثر من الشيعة : قلّما اختلف المؤرِّخين والباحثين في تحديد تاريخ نشوء فرقة من فرق الإسلام كما اختلفوا في تحديد بداية ظهور التشيّع والشيعة. ويرجع اختلاف الآراء وتعدّدها في هذه القضية إلى أسباب عديدة أبرزها:
1- تعدّد الدلالات للفظ كلمة (شيعة)، فتلاحظ خلط البعض من الباحثين فيما بين الدلالة اللغويّة والدلالة التاريخيّة أو الدلالة الاصطلاحيّة لكلمة (شيعة) فهي لغةً تعني القوم والأتباع والأنصار والحزب[17].
كما جاءت كلمة (شيعة) في القرآن كما في قوله تعالى: (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِه وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)[18] وكما في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ)[19].
وفي الآية الكريمة الأولى في سورة القصص جاءت كلمة الشيعة بمعنى القوم، واما في الآية الثانية في سورة الصافات جاءت بمعنى الأتباع.
وأمّا المعنى الاصطلاحيّ لكلمة (شيعة)، فالذي عرفه تاريخ الإسلام، فهو للدلالة على من «شايعوا علياًA وقالوا بإمامته وخلافته، نصاً ووصيةً إمّا جلياً وإمّا خفياً»، كما هو قول الشهرستاني[20] وغيره من الكتَّاب والمؤرِّخين.
وكذلك اختلف الباحثين في تحديد زمن إطلاق التسمية على أنصار الامام علي بن أبي طالبA من جهة، وعلى دلالة تسمية كلنة (شيعة) من جهة أخرى.
2- تعدد اتِّصال عقائد الشيعة بالأحداث التاريخيّة، وهو مما أدَّى إلى اختلاف الباحثين في تحديد أيِّ واحد من هذه الأحداث كان هو الحدث الأهمّ لنشأة التشيّع.
الذي مرّ بعدد من المراحل التاريخيّة حيث كان لكلِّ مرحلةٍ خصائصها الذاتيّة التي ميّزتها عن غيرها من المراحل، فاعتُبِرَت كلّ مرحلة نقطة تحوّلٍ مهمّة في التشيّع[21], فيما اعتبر كلّ مجموعة من الباحثين كلَّ مرحلةٍ من هذه المراحل هي نقطة البداية في نشأة الشيعة.
3- تعدد الإنقسامات في الشيعة وتشعّبها لعددٍ من الفرق نتيجة اختلافهم على تعيين شخص الإمام، منذ استشهاد الإمام الثالث ابي عبدالله الحسين بن عليّD (سنة61هـ) وحتَّى استشهاد الإمام الحادي عشر الحسن العسكريA وغيبة ابنه الإمام الثاني عشر المهدي المنتظرA (سنة260هـ).
وساهم الباحثين بتجسيد الحديث المنسوب إلى النبيJ حول تفرّق الأمّة الإسلاميّة إلى ثلاث وسبعين فرقةٍ بينها فرقة واحدة هي الناجية، في الإكثار من عدد هذه الفرق، كي يصل عدد الفرق الإسلاميّة إلى الرقم المذكور في الحديث[22].
4- اتِّهام شيعة اهل البيتD من قبل خصومهم بالغلوّ والرفض، والتعاطي معهم مثل الحالة الطارئة على الإسلام، وارجاع نشأتهم إلى أصول أجنبيَّة غريبة عن الإسلام، وهو الأمر الذي ضلّل اكثر المؤرِّخين والمستشرقين والكتّاب المتأخّرين فتخبّطوا في تحديد نشأة الشيعة.
5- انعدام توافر مصادر التاريخ الموضوعيّة والدقيقة التي يمكنها أن تعطي صورة يقينيَّة ومحايدة عن نشأة التشيّع وأصول عقائده، بسبب تشكيك كلِّ فريقٍ بصحّة الأحاديث النبويّة والروايات التاريخيّة التي يستند إليها الفريق الآخر[23].
فإذا كان التفسير البياني أو بالأحرى اللغوي يعتبر أمر رائج بعد رحلة رسول اللهo فتجد انه كان التفسير بالرواية والاَثر كذلك رائجاً، ولا يمكن لك أن تحكم بتقدّم إحدى المرحلتين على الاَخرى، وليس من المستبعد من أن يكون كلا النمطين رائجاَ في زمن واحد.
فمفسّري الحديث والاَثر سواء أكان مروي عن رسول اللهo أو عن الأئمّة من أهل البيتD وانت تعلم أنّ أسانيدهم في الحديث ينتهي إلى الرسول الاَعظمo.
سنقتصر في القائمة التالية الذكر بالمشاهير بدون من ألّف تفسير حديثي وبخلافه فكلامنا هذا سيحوجنا الاستقصاء إلى تأليف مجلد خاص بهم. وكما سنذكر من روي منه التفسير بالاَثر، سواء أكان له تأليف أم لا.
وزمن التدوين يعتبر متأخّر عن زمن بزوغ التفسير، وتداوله فيما بين الصحابة والتابعين، ونذكر هنا أسماء الشخصيّات في أربعة قرون خدموا القرآن من طريق الاَثر عن رسول اللهJ والآل وهم كما يلي:-

[1]- كما في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...النحل44).
[2]- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 6.
[3]- راجع بيانه في فصل التفسير الإشاري من هذا الكتاب.
[4]- تفسير جوامع الجوامع ج1 ص6.
[5]- ميزان الحكمة : ج 8 ص 95 – 96.
[6]- راجع : الشيخ جعفر السبحانيK مفاهيم القرآن / ج 10.
[7]- فهرست لابن النديم: 64و219.
[8]- الذريعة للطهرانيH :11/28 برقم 1750.
[9]- (أمثال القرآن) للدكتور إسماعيل، طبعة طهران 1368هـ.ش؛ وكذلك (أمثال القرآن) لعلي أصغر حكمت الشيرازي.
[10]- استشهد u في الحرب المفروضة على إيران الاِسلامية في حادث إسقاط طائرتهم على يد العدوان الصدامي قرب مطار الاَهواز، ومعه لفيف من العلماء والمسوَولين الكبار.
[11]- لاحظ الذريعة إلى تصانيف الشيعة:17/102و107.
[12]- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 2 / 12 برقم 35 و 37.
[13]- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 2 / 12 برقم 35 و 37.
[14]- فهرست ابن النديم : 57.
[15]- الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4/ 233ـ 346.
[16]- على وجه التقريب، لاَنّه لم يصل إلينا ممّن تقدّم عليه، تفسير ذاك الطابع.
[17]- جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر، 1956م، ج8، ص 188 - 189.
[18]- سورة القصص الاية 15.
[19]- سورة الصافات الاية 83.
[20]- محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ط1، بيروت، - دار السرور، 1948 م، ج1، ص146.
[21]- أحمد محمود صبحي، نظريّة الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، بيروت، دار النهضة العربية، 1991، ص 28 و52.
[22]- عبد الله السريحي، حديث افتراق الأمّة، دراسة في السياق والأصول والنتائج، مجلّة الاجتهاد، العدد 19، ربيع 1993، ص - 89 - 94، وص132 - 134.
[23]- نشأة التشيّع وظهور فرق الشيعة هيثم مزاحم مجلة المنهاج العدد:66.