المنافقين في القرآن من جهة
إعجاز البيان في القران الكريم
المنافقين في القرآن : كما ذكر الله سبحانه بسورة البقرة في
عبارة قوله تعالى: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ
وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ
الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ
قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[1].
فهذا نموذج آخر يصَوِّر لنا أحوال
المنافقين مع الكتاب الكريم، ومواقفهم منه بصورة عامة، فقد أخذتهم السماء في ليلة
شديدة المطر، بها ظلمات من السحب الكثيفة المتراكمة، مع رعد يقصف بالآذان.
وتلاحظ تلك صورة البرق وهو يأخذ
بالأبصار، وصواعق يصحبها الهلاك والموت، فلقوْا الهول والشدَّة. وهو معطوف على
المثل السابق كما في عبارة قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ
نَارًا).
واما التقدير في العربية في عبارة:
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا.. أَوْ مَثَلُهُمْ كَصَيِّبٍ
مِنَ السَّمَاءِ..). أي بمعنى : مثلهم كمثل هذا.. أو مثلهم كهذا. فأضمر لفظة
(مَثَلُهُمْ) الثانية بعدَ لفظة (أَوْ) وهي لدلالة لفظة (مَثَلُهُمْ) الأولى
عليها.
وتجده حسَّن هذا الإضمار- هنا- العطف
بلفظة (أَوْ) الفارقة، مع اختلاف الأحوال الممَثَّلة في المثلين. فلو كان العاطف
هو لفظة (الواو) لما حسُن هذا الإضمار؛ لأن لفظة (الواو) تشرك فيما بين المعطوفين
في اللفظ والمعنى، بخلاف لفظة (أَو) التي تشرك بينهما في اللفظ فقط.
وتجد لهذا لا يجوز العطف هنا بلفظة
(الواو) والدليل عليه أنه لم يعطف بلفظة (الواو) في مثل هذه التراكيب، في موضع من
المواضع، فكل ما جاء في الكتاب، ورد معطوفًا بلفظة (أَوْ) كما في عبارة قوله
تعالى:
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ
سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ..)[2].
واما تقديره بعبارة : هو أعمالهم
كسراب.. أو أعمالهم كظلمات.
واما عبارة قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ)
إلى عبارة قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا..)[3].
وتقدير ذلك بعبارة: ألم تر إلى الذي
حاج إبراهيم.. أو ترَ كالذي مرَّ على قرية.
وكذلك عبارة قوله تعالى : (
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا.. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّمَاءِ).
وتقديره : هو مثلهم كمثل الذي استوقد
نارًا أو مثلهم كصيِّب من السماء فهذا دل على أن للمنافقين حالتان وهي:
احدهما حالة مع رسول اللهn والمسلمين.
والاخرى حالة مع الكتاب الكريم. ومن
هذا تعرف أن الغرض من نماذج التمثيل هي نماذج تمثيل حالة مغايرة للحالة التي مُثِّلتْ
في نماذج التمثيل الأول.
وعلى هذا يكون في تمثيل النموذجين هو
لتنوع الأحوال، لا لتنوع الأشخاص. ولهذا تلاحظ عطف الثاني على الأول بلفظ (أَوْ)
الفارقة، التي تؤذن بتساوي المثلين في استقلال كل منهما بوجه الشبه، وبصحة التمثيل
في كل واحد منهما، وبهما معًا، لا بتساويهما بالتمثيل، وهذا بخلاف الواو الجامعة.
ويدلك عليه أنه لو قيل في عبارة :
مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا.. وكصيِّب.. لربما أوهم صحة التشبيه بمجموعهما، لا
في كل واحد منهما، وحينها يعتقد أنهما مثل واحد، لا مثلين.
فإذا كان مثل المنافقين في نماذج
التمثيل الأول قد شبِّه بمثل الذي استوقد نارًا، فإن في هذا التمثيل قد شُبِّه
بصيِّبٍ نزل من السماء ليلاً على قوم في مفازة، تجد فيه ظلمات كثيفة ومتراكمة.
كذلك كانت آيات الكتاب الكريم حينما
تتنزَّل، فتنخلع لها قلوب المنافقين، لمَا يتوقعون فيها من الصواعق، التي تُدَمْدِم
عليهم، وتفضح مكنون صدورهم.
فحينما يتلقّى النبيn وحيًا من ربه ومن ثم أعلنه في أصحابه،
اصطكَّت به أسماع المنافقين، وانخلعت له أفئدتهم هلعًا وفزعًا.
ففي كل لحظة يحْذرون أن تنزل آية تكشف
عن مكائدهم ونواياهم وهذا ما عبَّرت عنه الآية الكريمة في عبارة قوله: (يَحْذَرُ
الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي
قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ)[4].
وفي خوف دائم وفزع شديد من أن يأذن
اللّه بمحاربتهم, لأنهم كانوا يواجَهون في مثل هذه التهديدات القرآنية؛ عبارة قوله
تعالى:
( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا
قَلِيلاً)[5].
وعبارة قوله تعالى : ( يَحْسَبُونَ
كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[6].
وعبارة قوله تعالى : ( وَيَحْلِفُونَ
بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ
يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ
إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)[7].
فهذه الآيات وأمثالها تنزل مثل الرعد
والبرق والصواعق على المنافقين, وتتركهم في خوف وذعر وحيرة وقلق، وتضعهم أمام خطر
الإخراج من المدينة في كل حين.
كما جاء في تفسير الامام العسكري[8]
A قال الامام[9] A: ثم ضرب الله عزوجل مثلا آخر للمنافقين
–فقال-: مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزلنا عليك يا محمدo، مشتملا على بيان توحيدي، وإيضاح حجة نبوتك،
والدليل الباهر القاهر على استحقاق أخيك علي ابن أبي طالبA للموقف الذي وقفته، والمحل الذي أحللته،
والرتبة التي رفعته إليها، والسياسة التي قلدته إياها فهي:
( كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق
) قال: يا محمد كما أن في هذا لمطر هذه الاشياء، ومن ابتلى به خاف، فكذلك هؤلاء في
ردهم لبيعة علي A وخوفهم أن تعثر أنت يا محمدo على نفاقهم كمن هو في مثل هذا المطر والرعد
والبرق، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده.
أو ينزل البرق بالصاعقة[10] عليه، فكذلك هؤلاء يخافون أن تعثر
على كفرهم، فتوجب قتلهم، واستيصالهم (يجعلون أصابعهم في آذانهم[11] من الصواعق حذر الموت).
ولهذا كانوا- كما قال ابن مسعود إذا
حضروا مجلس رسول الله o يجعلون أصابعهم في آذانهم؛ لئلا يسمعوا
القرآن، فضرب الله تعالى لهم هذا المثل.
ونماذج التمثيل- هنا- كما في نماذج
التمثيل الأول مَسُوقٌ في تفصيل صوره وأجزائه مساق وصف قصصي وهو من خصائص أمثلة
القرآن، ثم هو مبني على تشبيه مجموع حالة بمجموع حالة أخرى من دون النظر إلى
مقارنة، أو تشبيه أجزاء الحالين ببعضيهما.
واما رأي المفسرين فهو على القول
الأول، وعليه يكون الصَّيِّب مثلاً للقرآن، وما في الصَّيِّب من الظلمات مثلاً
لمَا في القرآن من ذكر الكفر والنفاق، وما فيه من الرعد مثلاً.
وقد أجمع المفسرين على أن المراد في
عبارة قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ): وعبارة قوله: (أو مَثَلُهُم
كَمَثَلِ صَيِّب) فيقدرون لفظ (مَثل) بعد كاف التشبيه.
ولكن منهم من جعل تقديره من المسلمات،
يقتضيه العطف على السابق. وقد ذهب بعضهم إلى أن تقديره أوْفى في تأدية المعنى،
وأشدُّه ملائمة مع المعطوف عليه وعلى هذا يكون أصل الكلام في عبارة قوله:
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا.) أو عبارة مثلهم كمثل صيِّب من
السماء.
ثم بعدها حذِف لفظة (مَثَلُ) المقدرة
بعد كاف التشبيه[12] طلبَ الإيجاز والاختصار، اكتفاءً
بدلالة ما مضى من الكلام، من إعادة ذكره.
وتلاحظ ان هذا التأويل مخلُّ بمعنى
الكلام ويذهب بما فيه من روعة الإعجاز. وفرق بين من أن يكون تقدير (مَثلٍ) بعد كاف
التشبيه أوْفى بتأدية المعنى، وبين أن يكون مخلاًّ بالمعنى والنظم معًا.
فكيف يحذف لفظ من الكتاب يكون ذكره
أوفى بتأدية المعنى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلمَ لمْ يذكر هذا اللفظ- هنا- كما ذكر
في المثال الأول؟ وهل يصلح ما قاله الطبري من أن يكون جوابًا عن ذلك.
أما ما ذكره الطبري فيصلح من أن يكون
جواب لحذف لفظة (مَثلُهُمْ) عقب لفظة (أَوْ) العاطفة، وأما أن يكون لفظ (مَثَلٍ) مرادًا
بعد الكاف، ثم حذف طَلبَ الإيجاز والاختصار، اكتفاء بذكره في المثل الأول، فليس
كذلك؛ لأنه لا يجوز ذكره- هنا- لا لفظًا، ولا تقديرًا.
فعلى فرضية من أنه مراد في اللفظ، وأن
أصل الكلام في عبارة قوله: (أو مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ صَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ)
فأيُّ اختصار مزعوم هذا الذي يطلب بحذفه، وأيُّ إيجاز هذا.
وستعلم خطأ هذا الجواب، إذا علمت من
الفرق في المعنى بين قولك في عبارة: (مَثلُ هذا كمَثلِ هذا) وقولك في عبارة:
(مَثلُ هذا كهذا).
وبيانه هو أن القول الأول يعتبر تمثيل
فيما بين وجودين علميين ذهنيين؛ كما سبق أن تبيِّن ذلك في المثل الأول.
وأما الاخر فهو تمثيل فيما بين وجود
علمي ذهني، ووجود علمي خارجي. ومن المثل الأول عبارة قوله تعالى: (مَثَلُ
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ..)[13].
ومن المثل الثاني عبارة قوله تعالى :
( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ..)[14].
فعلى القول الأول تحمل عبارة قوله
تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا..) وعلى القول الثاني
تحمل عبارة قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ..) وذلك لأن الغرض من
المثل الأول هو تشبيه مثل المنافقين مع النبيn بمثل جماعة مستوقد النار.
وكلاهما يعتبر معنى موجود في العلم
والذهن. ولغرض الدلالة على هذا المعنى جيء بلفظ المثل في طرف كل من المشبه والمشبه
به.
أما الغرض من المثل الثاني فهو تشبيه
مثل المنافقين مع القرآن الكريم بجماعة نزلوا فلاة ليلاً، فأصابهم مطر شديد.
فالأول موجود في العلم والذهن، واما
الثاني موجود خارج الذهن. ولغرض الدلالة على هذا المعنى، جيء بلفظ المثل في طرف
المشبه، دون المشبه به.
وما يدل على هذا الذي ذكر في المثل
الثاني هو ما روي عن ابن مسعود من قوله: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة
هربا من النبيn إلى المشركين.
فأصابهما هذا المطر، الذي ذكر الله،
وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا أصبحنا فنأتي محمدًاn ونضع أيدينا في يده، فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما،
فضرب الله ما نزل بهما مثلاً للمنافقين.
ولفظة الصَيِّب هي المطر الشديد، الذي
يَصُوب من السماء. أي بمعنى: ينزل منها بسرعة، وهو مثل للكتاب الكريم؛ كما أن الذي
استوقد نارًا- في المثل الأول- مثل لرسول اللهn.
ولكن ذهب البعض منهم إلى أن المراد
بالصيِّب هو السحاب. وهذا أوْلى من حمله على المطر، ويدلك على ذلك: من أن المطر،
لا يكون محل للظلمات والرعد والبرق.
وإنما يكون ذلك محله السحاب؛ ولهذا
قال في عبارة قوله تعالى: ( فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) ولم يقل عبارة:
(مَعَهُ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) وأما من فسر لفظة (فِيهِ) أي بمعنى: (مَعَهُ) فليس بشيء.
وفي لفظة كلمة (الصيِّب) مبالغات من
جهة تركيبه، وبنائه، وتنكيره: وهي أما من جهة تركيبه فالمراد منه مادته الأولى،
والاخرى. أي: بمعنى حروفه، واشتقاقه.
فأما حروفه فإن الصاد من المستعلية،
والياء مشدَّدَة، والباء من الشديدة. وأما اشتقاقه فمن الصَّوْب، وهو نزولٌ له
وقعٌ وتأثير.
وتجد من جهة بنائه. أي: بمعنى صورته،
فإن صيغة: فَيْعِل من الصيغ هي الدالة على الثبوت.
وأما من جهة تنكيره فلأنه أريد به
نوعٌ من المطر الشديد الهائل؛ كما نكِّرت النار في التمثيل الأول. ولهذا كله قد
ناسب تشبيه الكتاب الكريم به.
وعبارة قوله تعالى: (مِنَ السَّمَاءِ)
متعلق بلفظة (كَصَيِّبٍ) وهنا من لابتداء الغاية. واما المراد بالسماء فهي هذه
المظلة، التي تظلنا، وهي- في الأصل- كل ما علاك من سقف وغيره.
كما عن الحسن : من أنها موج مكفوف.
أي: بمعنى ممنوع بقدرة الله تعالى من السيلان. والمراد بها- هنا- الأفق، وتعريفها
للاستغراق، فتفيد من أن الغمام آخذ بالآفاق كلها، فيشعر بقوة المصيبة، مع ما فيه
من تمهيد للظلمات.
ولهذا القصد جاء ذكرها بعد الصيِّب؛
إذ كان يمكن من أن يقال عبارة: كصيِّب فيه ظلمات ورعد وبرق.
وقد قيل : يحتمل من أن يكون ذكرها-
أيضا- للتهويل، وكذلك الإشارة إلى أن ما يؤذيهم جاء من فوق رؤوسهم؛ وذلك أبلغ في
الإيذاء؛ كما تشير إليه عبارة قوله تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ
ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ)[15].
وعبارة قوله تعالى: (فِيهِ ظُلُمَاتٌ
وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) والمراد بالظلمات: هنا ظلمة السحاب، وظلمة التطبيق مع ظلمة
الليل، على أن المراد بالصيِّب بعبارة: السحاب المحمَّل بالمطر. وجيء بلفظَيْ
الرعد والبرق مفردين، خلافًا للظلمات قبلهما، وللصواعق بعدهما.
والسبب في ذلك لأنهما- الأصل- مصدران.
وأصل المصادر أن لا تجمع، حتى وإن كان جمعها جائزًا في العربية، على أنه لو
جُمِعا، دلَّ جمعهما ظاهرًا على تعدد الأنواع، فكلٌّ منهما نوع واحد.
وفي عبارة قوله تعالى: (يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) هي تنبيه على
أن ما صنعوه، من سدِّ الآذان بالأصابع، لا يغني عنهم شيئًا، وقد أحاط بهم الهلاك.
وتجد فيه أيضًا مبالغة في فرط دهشتهم،
وكمال حيرتهم، من عدة عناصر: أحدهما: ان نسبة الجعل إلى الأصابع كلها، وهو منسوب
إلى بعضها؛ وهي الأنامل.
والعنصر الثاني: هو من حيث الإبهام في
الأصابع. ولكن المعهود إدخال السبابة؛ فكأنهم، من فرط دهشتهم، يدخلون أيَّ أصبع
كان، ولا يسلكون المسلك المعهود المتعارف.
والعنصر الثالث: هو في ذكر الجعل موضع
الإدخال؛ فإن جَعْلَ شيءٍ في شيء أدلُّ على إحاطة الثاني بالأول، من إدخاله فيه.
واما الصَّوَاعِقِ فهي جمع: صاعقة.
والظاهر أنها- الأصل- صفة من الصَّعْق؛ ويراد به الصُّراخ، ثم صارت اسمًا لكل هائل
مهلك مسموع، أو مشاهد. والتاء للمبالغة كراوية. أو مصدرًا كالكاذبة والعافية.
وكما يقال : صعقته الصاعقة : إذا
أهلكته بالإحراق، أو شدَّة الصوت. وهي نار لطيفة حديدية. لا تمرّ بشيء إلا وقد أتت
عليه، ولكنها مع حدتها فهي سريعة الخمود. ويحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو
النصف ثم طفئت.
وكذلك يقال : صعقته الصاعقة إذا
أهلكته، فصعق؛ أي مات وهو إما بشدة الصوت أو بالإحراق. ومنه عبارة قوله تعالى: (وَخَرَّ
موسَى صَعِقًا)[16].
وقد قرأ الحسن : عبارة (مِنَ
الصَّوَاقِعِ) وليس بقلب للصواعق، لأنَّ بكلا البنائين سواء في التصرف. وإن
استويا، كان كل واحد بناءً على حياله. ألا تراك تقول بعبارة: صقعه على رأسه، وصقع
الديك، وخطيب مصقع: مجهر بخطبته.
وقد ثبت علمياً من أن الأرض وما عليها
مشحونة كهربائيًا. وعندما تكون هناك سحب مشحونة بشحن كهربائية متناقضة، فإنه قد
تنشأ شرارة كهربائية.
واما الصوت الذي يُنشِئ هذه الشرارة
يُسمَّى: لفظة (رعد). وتتوقف شدة هذا الصوت على حجم السحب وقربها من الأرض. أما
الضوء الذي ينشأ عن حدوث الشرارة فيسمى: (برق).
ويمكن ان تخترق هذه الشرارة الجو
بسرعة هائلة، فتنزل إلى الأرض، فتحرق الأشجار، وغيرها، وتسمى حينها: صاعقة. كما في
عبارة قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِم)[17].
ويتسبب البرق، أو الصواعق البرقية
بالكثير من الأضرار للمباني والتجهيزات الكهربائية. ولهذا تلاحظ أن المباني عادة
ما تُجهَّز بمانعات الصواعق، وهي وسائل لتفريغ الشحنة الكهربائية الضخمة الناتجة
عن البرق.
وهو كما جاء في تفسير القران[18] ان (يجعلون أصابعهم في آذانهم من
الصواعق) في قوة: فيجعل المصابون بالصيب أصابعهم في آذانهم.
وقيل : الجملة لا محل لها من الإعراب،
لأنها جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد[19] وقيل: موضعها الجر، لأنها في محل
الوصف لـ(أصحاب) أو (ذوي) المحذوف.
وقيل : هي في موضع النصب على الحالية
من ضمير (فيه)[20]. والأظهر أن الألف واللام إشارة إلى
الصواعق الخاصة، ولا حاجة إلى تقدير الضمير العائد إلى لفظة (الصيب) فما في لفظة
(البحر): من أن المقدر (من صواعقه)[21] غير صحيح.
ولو كان الممثل كليا والتمثيل كليا،
يكون الألف واللام مفيدا للاستغراق والعموم على الوجه المحرر في محله. قوله تعالى:
(حذر الموت) مفعول لأجله على المشهور.
وقد قيل : فيه نظر، لأن عبارة قوله
تعالى: (من الصواعق) مفعول لأجله[22] ولعل لأجله قال الفراء هو منصوب على
التمييز[23] ويرجع في الحقيقة إلى النكرة، أي
حذرا من الموت.
والذي يظهر : أن الآية لو كانت هكذا:
(يجعلون حذر الموت أصابعهم في آذانهم من الصواعق) لصح المعنى، ويكون سبب الجعل في
الآذان هي الصواعق، وسبب هذا هو خوف الموت والتحرز من الموت، ولا منع من تعقيب
المفعول لأجله بمفعول لأجله أيضا.
وغير خفي : من أن تسمية متعلقات الفعل
وخصوصياته بالأسماء المختلفة، لا يورث أن يكون المفعول لأجله مفعولا واقعا، بل هو
من توابع الفعل، أو من الأسباب المنتهية إلى الفعل، وهو الجعل في هذه الآية، ولا
شبهة في إمكان نقل الأسباب والعلل المختلفة المترتبة بعضها على بعض.
ويحتمل أن يكون مفعول مطلقا لمحذوف أي
(يحذرون حذر الموت) ولا يخفى شناعته.
مسألة نحوية : هي حول الفصل فيما بين
المعطوفين اختلفوا في جواز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، فالأكثر عليه، وعن
أبي علي منعه[24].
ولو كانت عبارة قوله: (ذهب الله
بنورهم) إلى عبارة قوله تعالى: (فهم لا يرجعون) هي جملة مستأنفة وليست في محل جواب
لما.
للزم الفصل فيما بين المعطوف والمعطوف
عليه بالمعترضتين، وقد سبق ذهاب جمع إلى حذف الجواب، وأنها جملة تناسب الشرط ومضى
ما هو الوجه الأقوى، وكيفية التناسب بين الجملتين.
وهنا تظهر لك ألتفاتة لغوية وهي حول
تأنيث وتذكير كلمة (السماء) فقد اختلفوا في تذكير لفظة (السماء) وتأنيثها.
وقد قيل : ربما يذكر[25] وقد أولوا عبارة قوله تعالى: (السماء
منفطر به)[26] إلا أن الأقرب جوازه، وإنما التأنيث
لوجه أشرنا إليه، وعليه يمكن أن يكون عبارة قوله تعالى: (أو كصيب من السماء فيه
ظلمات).
من تلك الموارد، لجواز رجوع الضمير
المذكر إلى السماء، إلا أن الأظهر رجوعه إلى لفظة (صيب).
واما في عبارة قوله تعالى: (وَاللَّهُ
مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ) هي إشارة إلى دورة من دورات المنافقين؛ من حيث انتهى بهم
تردُّدهم، فيما بين الإيمان والكفر، إلى الكفر الغليظ. ولم يُجْدِ عنهم حَذرُهم،
ولا تدبيرهم شيئًا؛ لأن الله تعالى محيطٌ بهم.
أي بمعنى في عبارة: لا يفوتونه أبدًا؛
فهم في قبضته، وتحت قهره ومشيئته. وتجد الجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا من
سد الآذان بالأصابع، لا يغنى عنهم شيئًا؛ فإن القدر لا يدفعه الحذر، والحيل لا ترد
بأس الله تعالى.
واما عبارة قوله تعالى: (مُحِيطٌ
بِالْكَافِرِينَ) ولم يقل عبارة: ( مُحِيطٌ بِهِمْ) أي بمعنى: بالمنافقين؛ لكي
يدخل في عمومه المشركين، والمنافقين، وغيرهم من الذين كفروا من أهل الكتاب.
ولغرض الدلالة على ثبوت هذا المعنى
ولزومه عبَّر عنه الله تعالى بالجملة الاسمية، من دون الفعلية، لما فيها من دلالة
على معنى الثبوت والدوام.
فإحاطة الله سبحانه بهم هي ثابتة،
وعذابه لهم واقع لا محالة، ولا مَدْفَع لهم منه ابداً، لا في الدنيا، ولا في
الآخرة؛ كما في عبارة قال سبحانه وتعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ *
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ
وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)[27].
وعبارة قول الله تعالى: (يَكَادُ
الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) فقد أدخل الفعل كلمة (يَكَادُ) على عبارة جملة
قوله: (الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) لكي يدل بذلك على قرب وقوع الخبر، وأنه
لم يقع.
وتلاحظ انه أسند خطف الأبصار إلى
البرق لِما في الخطف من معنى الأخذ، أو الاختلاس بخفة وبسرعة، هذا بالاضافة إلى
معنى المباغتة والمفاجأة؛ كما يشير إليه قوله تعالى في صفة الشياطين: (إِلَّا مَنْ
خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)[28].
فقد عبَّر عن استراق الشياطين للسمع في عبارة
قوله: (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) ومنه سُمِّيَ الطيرُ خطَّافًا لسرعته؛ ولهذا تلاحظ انه
قد أسند فعل الخطف إلى الطير في عبارة قوله تعالى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ
الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق)[29].
وعلى هذا يحصل معنى عبارة قوله تعالى
(يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): أي بمعنى يأخذها بسرعة؛ وكأنه يختلسها اختلاسًا. فلو
قيل عبارة: يأخذ أبصارهم، لمَا أفاد هذا المعنى، الذي يفيده الخطف[30] الذي يتجدد حدوثه باستمرار؛ كما تدل
عليه صيغة الفعل الحاضر.
فقد عبَّر عن خطف البصر بالعمى الناتج
عن بريق الضوء الشديد. وهذا النوع من العمى ينتج من مصادر ضوء ساطع ومفاجئ مثل:
البرق، والليزر، مع انعكاس الضوء من البنايات الشاهقة العالية الزجاجية.
فإذا عرفت أن البرق يحوي على الضوء
المرئي بالإضافة إلى الأشعة الخطيرة بأنواع متعددة، فإننا ربما ندرك السبب في
عبارة قوله تعالى: (يَكَادُ) أي بمعنى يقارب.
فهذه الكمية الضخمة من الإشعاعات،
التي يطلقها البرق خلال زمن قصير جدًا وتعبر عنها بلفظة (لحظة) فهي ذات تأثير كبير
على العصب البصري، والشبكية، والقرنية، والجسم الزجاجي للعين، وهي عناصر تتعلق
بعملية الإبصار؛ ولذلك ذكر الله عبارة قوله تعالى: (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) ولم
يقل عبارة سبحانه: (يَخْطَفُ عُيُونَهُمْ).
واما عبارة قوله تعالى: (كُلَّمَا
أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) فهي عبارة عن
جملتين شرطيتين: تلاحظ ان الثانية منهما معطوفة على الأولى.
وقد جيء في الثانية بعبارة (أَظْلَمَ
عَلَيْهِمْ) في مقابلة عبارة (أَضَاءَ لَهُمْ) وبلفظة (قَامُوا) في مقابلة لفظة
(مَشَوْا) وقد جيء بلفظة (كُلَّمَا) في تعليق المشي بالإضاءة، وبلفظة (إِذَا) في
تعليق القيام بالإظلام؛ لأن الأولى تفيد التكرار والثانية تفيد التحَقق.
وهذا التمثيل هو لشدة الأمر على
المنافقين من شدته على أصحاب كلمة (الصيب) وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما
يأتون، وما يذرون.
ومعنى إضاءةُ البرق: هو خفقانه
ولمعانه. واما معنى إظلامه: هو اختفاؤه. ومعنى المَشْيُ: هو جنس الحركة المخصوصة.
فإذا اشتد فهو سعي، وإن ازداد فهو عدو.
واما معنى القيام: هو الوقوف والثبات،
ويراد به: لفظة الجمود؛ ومنه قوله عبارة : قام الماء. أي بمعنى: جَمَدَ. واما
المعنى: فهو كلَّما خفق البرق لهم خفقة، أو لمع لمعة، مشوا فيه، أو مشوا في ضوئه.
وإن خفي عنهم، وقفوا جامدين متحيرين،
لا يعلمون أين يذهبون. ولجهلهم لا يدرون أن ذلك هو من لوازم لفظة (الصيِّب) الذي
به حياةُ الأرض والنبات، وحياتُهم هم أنفسهم؛ بل لا يدركون إلا رعد وبرق وظلمة،
ولا شعورَ لهم بما وراءه.
ويمكن لقائل من أن يقول : كيفجاء في
عبارة قوله تعالى: (مَشَوْا فِيهِ) وكلمة المَشْيُ لا تكون في البرق، ولا في ضوئه؛
وإنما تكون في محله، وموضع إشراق الضوء.
جوابه هو أنهم[31] كانوا يتخبطون تخَبْط عَشْواءَ،
ويمشون كلَّ مَمْشى، لا يدرون أين يذهبون؛ وكأنهم يمشون في البرق، أو في ضوئه وكيف
لا يمشون فيه، وهو يخطف أبصارهم باستمرارية دائمة، فلا يدع لهم فرصة من أن يبصروا
أمامهم.
وتعتبر إشارة إلى أن حركتهم، إن لم
تكن معدومة، فهي بطيئة جدًا؛ وذلك لضعف قواهم، ومزيد خوفهم، بالرَغْمَ من حرصهم
الشديد على المشي؛ ولكن كأنهم لا يمشون.
ويدلك عليه تجد في مصحف عبد الله بن
مسعود عبارة: (مَضَوْا فِيهِ) بدل من عبارة: ( مَشَوْا فِيهِ ) فعبَّر عن ذلك
بالمضيَّ، الذي يدل على انعدام الحركة.
وعبارة قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) فقد علق ذهاب سمعهم وأبصارهم على
مشيئته سبحانه، فأفاد من أن الله تعالى، لو شاء، لذهب بأسماعهم وأبصارهم بدون سبب،
أو بآخر وهذا من غير قصيف الرعد، ووميض البرق.
فتلاحظ انه لا يغنيهم ما صنعوه من
سدِّ الآذان وغيره، وقد أحاط بهم الهلاك من كل جانب؛ ولكن اقتضت مشيئته سبحانه من
أن يؤجل هذه العقوبة لأشدَّ منها، وقد كان ذلك في عبارة قوله: (وَعْدَ اللَّهِ لَا
يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[32].
وهذا الوعد هو المشار إليه فيعبارة
قول الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ
نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ
عَذَابٌ مُقِيمٌ)[33].
ولغرض إفادة هذا المعنى[34] أدخلت اللام على جواب لفظة (لَوْ)
الشرطية. فهذه اللام، التي أجمعوا على القول بجواز سقوطها من الكلام؛ لأنها-
لديهم- زيدت للتأكيد.
فهم معذورين في ذلك؛ وذلك لأن أسرار
الكتاب الكريم أكثر، وأعظم من أن تحيط به عقول البشرية؛ ولا عجب من أنهم قالوا
بجواز سقوطها، ألم يعلموا من أنها لو سقطت، لأفاد سقوطها التعجيل بوقوع الجواب،
وهو خلافًا للمراد.
وأما لفظة كلمة (شَاءَ) فهو فعل
منزَّل منزلة اللازم، فلا يجوز أن يُصَرَّح بمفعوله، إلا في الشيء المستغرب. فلا
يُكتفَى فيه من خلال دلالة الجواب عليه؛ بل يصرح به، اعتناء بتعيينه، ودفعًا لذهاب
الوهم إلى غيره، وهذا بناء على استبعاد تعلق الفعل به واستغرابه.
وبمعنى اخر ان بيان ذلك : هو أنك إذا
قلت في عبارة: (لو شئت لبكيت دمًا) فإنه من المحتمل تعليق المشيئة ببكاء الدمع،
على مجرى العادة، وأن ما ذكرته من بكاء الدم واقع بدله من غير القصد إليه.
وذلك كأنك قلت في عبارة : لو شئت أن
أبكي دمعًا، لبكيت دمًا. وتجد ان هذا المعنى محتمل، وإن كان تقييد البكاء في
الجواب بالدم، يدل دلالة ظاهرة على أنه المراد؛ فإذا ذكر المفعول، زال هذا
الاحتمال، وأصبح الكلام نصًّا فيما قصِد به.
ولفظة كلمة (المشيئة) عند أكثرهم مثل
الإرادة سواء. وقد قيل: ان أصل المشيئة هو إيجاد الشيء وإصابته، حتى وإن استعملت
عرفًا في موضع الإرادة.
وذهب البعض منهم إلى أن المشيئة من
الله تعالى هي الإيجاد، ومن الناس هي الإصابة ولكن قيل: ان المشيئة من الله تقتضي
وجود الشيء؛ ولذلك قيل عبارة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
والإرادة منه سبحانه لا تقتضي وجود
المراد، لا محالة. ألا تعلم أنه سبحانه قال عبارة قوله: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[35].
وعبارة قوله
تعالى: (وَمَا
اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ)[36] ومن المعلومٌ أنه قد يحصل العسر،
والتظالم فيما بين الناس؟ ولهذا في العبارة قال تعالى هنا: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ)
ولم يقل في عبارة قوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادَ الله).
وعبارة قوله: (وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ
لَذهَبَ..) قال الفرَّاء: المعنى- الله العالم-: ولو شاء الله لأذهب سمعهم. ومن
شأن العرب أن تقول: أذهبت بصره، بالألف إذا أسقطوا الباء، فإذا أظهروا الباء
أسقطوا الألف من أذهبت.
وقد قرأ بعض القرّاء عبارة قوله
تعالى: ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يُذْهبُ بِالأَبْصَارِ) بضمِّ الياء والباء في
الكلام.
ولكن قرأ البعض منهم عبارة قوله:
(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَينَاءَ تُنْبِتُ بالدُّهْنِ). فترى- والله
العالم- أن الذين ضمُّوا على معنى الألف شبَّهوا دخول حرف الباء وخروجها من هذين
الحرفين كما في قولهم:
خذْ بالخطام، وخُذِ الخطامَ،
وتعلَّقتُ بزيدٍ, وتعلَّقتُ زيدًا. فهو كثير فى الكلام والشعر، ولستُ أستحبُّ ذلك
لقلَّته.
وتلاحظ انه سبق وأن ذكرنا من سبب دخول
هذه الباء في عبارة قوله تعالى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)[37] في المثال الأول، وقد بينا الفرق في
المعنى بين قولنا في عبارة : ذهب بالشيء، وأذهب الشيء، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وعسى ان قائل يقول في عبارة: لمَاذا
أفرد السمع، وجمع البصر في عبارة قوله تعالى: (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)
فما السبب في تقديم الأول على الثاني.
جواب تقديم الأول كالتالي: تلاحظ أن
لفظة كلمة السمع- باللغة- هي إدراك الأصوات المحيطة بنا من بعد سماعها، وآلته
الأذن السامعة، وأن لفظة كلمة البصر هي اسم يطلق على عملية الإبصار، التي يتم فيها
إدراك المرئيات الحسيَّة من بعد النظر إليها، وآلته العين الباصرة.
فمن هنا جاز التعبير بالسمع عن الأذن،
التي هي آلة السماع، كما جاز التعبير بالبصر عن العين، التي هي آلة الإبصار.
واما الاخرى فإن البصر جامع على لفظة:
أبصار، وأن السمع، يجمع على لفظة: أسماع ؛ ولكن تجد انه لم يرد في القرآن الكريم
مجموعًا بخلاف البصر.
إلا فقط في قراءة ابن أبي عبلة في
عبارة قوله تعالى: (لَذَهَبَ بِأسَمْاعِهِمْ) بدلا من عبارة: (لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ). وكذلك قرأ عبارة قوله: (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى
أَسْمَاعِهِمْ)[38] بدلاً من عبارة: (خَتَمَ اللّهُ
عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سْمْعِهِمْ).
وأظهر الأقوال هي في نكتة إفراده
دائمًا، وذلك لأنه مصدر- بأصله- والمصادر لا تجمع. فإذا جعِلت أسماءَ، تجدها
ذَكِّرت، وأفردَت.
وأما المرجَّح فهو الاختصار، مع
التفنن بتوحيد السمع، وجمع البصر، مع إشارة خفيفة إلى أن مدركات السمع هي نوع
واحد.
وهي المسموعات، ومدركات البصر، أنواع
مختلفة؛ وهي المرئيات؛ كما كانت مدركات القلب كذلك ولذا أفرد السمع دائمًا، وجمع
البصر والقلب غالبًا، في بيان القرآن.
الجواب عن سبب تقديم السمع على البصر
وهو الثاني: فقد قيل : إنما قدم عليه؛ وذلك لأنه أهم من البصر، من حيث إنه يُدرَك
بالسمع من الجهات الستة، واما في النور والظلمة، فلا يُدرَك إلا بالبصر؛ إلا فقط
من الجهة المقابلة للبصر، وفي النور من دون الظلمة[39].
ولكن ظاهر هذه المسألة الخلافية هي أن
إدراك البصر أكمل؛ كما جاء الحديث: (ليس المخبر كالمعاين). ولكن السمع، قد يحصل به
من العلم لنا، أكثر ممَّا يحصل بالبصر.
اذاً البصر أقوى وأكمل، واما السمع
أعم وأشمل. فالسمع له صفة العموم والشمول، والبصر له صفة التمام والكمال، وإذا
تقابلت المرتبتان، كان كل واحد منهما هو المفضل، ومفضلا عليه. ومن ذلك ترجَّح أحدهما
على الآخر بما اختصَّ به من صفات.
ولهذا تجدهم يقولون حينما كان إدراك
القلب والسمع من جميع الجوانب، فقد جُعِل المانع فيهما الختم، الذي يمنع من جميع
الجهات.
ولكن لما كان إدراك البصر من الجهة
المقابلة فقط، خُصَّ به المانع بالغشاء، المتوسط فيما بين الرائي، والمرئي.
وهو كما في عبارة قوله تعالى: (خَتَمَ
اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)[40] وعبارة قوله تعالى: (وَخَتَمَ عَلَى
سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)[41].
وقد ذهب البعض منهم للقول من أن السمع
قدِّم في ايات القرآن على البصر؛ وذلك لأنه أشرف منه.
وهو بدليل أن الأذن، التي هي آلة
السمع، أفضل وأرقى عند الله في الخلق من العين، التي تعتبر هي آلة الإبصار؛ وذلك
لأن الأذن لا تنام أبدًا، ولا تتوقف عن العمل أبدًا، على خلاف بقية أعضاء الجسم.
ولا اعرف بماذا يعللون تقديم لفظة
كلمة (الأعمى) على لفظة عبارة (الأصم والبصير) على لفظة (السميع) في عبارة قول
الله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ
وَالسَّمِيعِ)[42].
وعبارة قوله تعالى: ( رَبَّنَا
أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ)[43].
وعبارة قوله تعالى: ( وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ
يَسْمَعُونَ بِهَا)[44].
ثم ماذا تقولون فيما جاء عن رسول اللهn كما في الحديث: (هذان السمع والبصر)[45] فقال سبحانه في عبارة قوله تعالى:
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[46].
فإذا كان السمع قد قدِّم على البصر في
أغلب الآيات، فليس معنى هذا من أن السمع أهم من البصر، ويعتبر أشرف عنده تعالى في
الخلق؛ بل معنى ذلك أن هذا التقديم يعتبر من ناحية الخلق فقط، لا من ناحية
الفائدة.
فأنت تعلم أن الله تعالى خلق السمع
قبل البصر؛ كما أشارت إلى ذلك عبارة قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)[47].
وأما من ناحية الفائدة فالله تعالى لم
يذكر السمع[48] في ايات القرآن مثلما ذكر البصر
فتأمل عبارة قول الله تعالى:
( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي
خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ
أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)[49] وعبارة قوله تعالى: (أَفَمَن يَمْشِي
مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيم)[50].
وإن كان عندكم تفسير لتقديم السمع على
البصر في أغلب الآيات؛ فهو راجع إلى أن حركة اللسان بالكلام هي أعظمُ حركات
الجوارح، ومن أشدُّها تأثيرًا بالخير والشر، والصلاح والفساد.
وأكثرالاحيان مما يكون السياق مقتضيًا
تقديم صفة السميع على صفة البصير؛ من حيث يكون ذكرها فيما بين الصفتين متضمِّنًا
التهديد والوعيد؛ كما جرت عادة ايات القرآن كما في تهديد المخاطبين, ومن ثم
تحذيرهم، بما يذكره من صفات الله تعالى، التي تقتضي الحذر والاستقامة؛ كما عبارة
قوله تعالى:
( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا
النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا * مَنْ
كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)[51].
فقد قدَّم صفة السميع على صفة البصير؛
لأن الأول (السميع) أوقع في باب التهديد والتخويف؛ ولهذا كان أولى من (البصر) في
التقديم.
ولما كان عبارة قوله تعالى: (وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) هي خبرًا قد تضمَّن التخويف
والتهديد والوعيد، فقد قدِّم السميع على البصير؛ كما قِّدم على العليم كما في
عبارة قوله تعالى:
( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[52].
ثم في عبارة قوله تعالى: (إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فقد خصَّ صفته- القدرة- بالذكر من دون غيرها؛
لأنه سبق ان تقدم ذِكرُ فعلٍ مُضَمَّنُه التخويف والتهديد والوعيد؛ وهو الذهاب
بالأسماع والأبصار.
ومن جهة اخرى تلاحظ أن القدرة هي
التمكن من إيجاد الشيء. وقد قيل: هي صفة تقتضي التمكن.
وكذلك قيل : هي قدرة الإنسان تهيء بها
لكي يتمكن من الفعل، وقدرته تعالى هي عبارة عن نفي العجز عنه سبحانه, والقادر هو
الذي، إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل, واما القدير هو الفعَّال لما يشاء على ما
يشاء؛ ولذلك قلَّما يوصف به غيره تعالى والله العالم.
[1]- سورة البقرة الاية 19 – 20.
[2]- سورة النور الاية 39 – 40.
[3]- سورة البقرة الاية 258 – 259.
[4]- سورة التوبة الاية 64.
[5]- سورة الاحزاب الاية 60.
[6]- سورة المنافقون الاية 4.
[7]- سورة التوبة الاية 57.
[8]- تفسير الامام العسكري A ج2 ص133.
[9]- العالم : البحار: 8 ط.
حجر، والبرهان.
[10]- والصاعقة : ب، ط، والبرهان.
[11]- زاد في ( ط ) لئلا يخلع
قلوبهم.
[12]- هذا قول الطبري.
[13]- سورة الجمعة الاية 5.
[14]- سورة يونس الاية 24.
[15]- سورة الحج الاية 19.
[16]- سورة الاعراف الاية 143.
[17]- سورة النساء الاية 153.
[18]- كتاب : تفسير القرآن الكريم تاليف : السيد مصطفى الخمينيu المحقق : مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني u الناشر : مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيu الطبعة: آبان 1376 الطبعة: الاولى ج4 ص172- 174.
[19]- البحر المحيط 1: 86.
[20]- البحر المحيط 1: 86. 2.
[21]- نفس المصدر.
[22]- البحر المحيط 1: 87.
[23]- الجامع لأحكام القرآن 1: 220.
[24]- البحر المحيط 1: 85.
[25]- البحر المحيط 1: 83.
[26]- سورة المزمل الاية (73): 18.
[27]- سورة البروج الاية 17 – 20.
[28]- سورة الصافات الاية 10.
[29]- سورة الحج الاية 31.
[30]- وللتوضيح إذا علمت أن سرعة البرق تبلغ ثلاثمائة ألف كيلو متر في
الثانية الواحدة، وهي سرعة الضوء. وحدث هذا البرق على مسافة عدة كيلو مترات في
الغيوم، فالزمن اللازم لوصول هذا البرق لالشخص، الذي يصيبه أقل من جزء من مئة ألف
جزء من الثانية. أي أقل من(1/100000) من الثانية. وهذه السرعة الهائلة لا يناسبها
من الألفاظ للتعبير عنها سوى لفظ الخطف عبارة قوله: (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ).
[31]- وذلك : لفرط حيرتهم ودهشتهم، وشدَّة الأمر عليهم وفظاعته.
[32]- سورة الروم الاية 6.
[33]- سورة التوبة الاية 68.
[34]- أقصد عبارة : تأخير العقوبة لأشدَّ
منها.
[35]- سورة البقرة الاية 185.
[36]- سورة ال عمران الاية 108.
[37]- سورة البقرة الاية 17.
[38]- سورة البقرة الاية 7.
[39]- وهو ما ذكره أصحاب الشافعي، وحكَوْا هم وغيرهم عن أصحاب أبي
حنيفة أنهم قالوا: البصر أفضل؛ من حيث أن إدراكه أكمل، ونصبوا معهم الخلاف، وذكروا
الحجاج من الطرفين.
[40]- سورة البقرة الاية 7.
[41]- سورة الجاثية الاية 23.
[42]- سورة هود الاية 24.
[43]- سورة السجدة الاية 12.
[44]- سورة الاعراف الاية 179.
[45]- جاء في كتاب الامامة للسيد علي الميلانيK : ( وعن عبدالله بن حنطب : إن النبيn رأى أبابكر وعمر فقال: هذان السمع والبصر) أقول: «هذان السّمع
والبصر» من أيّ شيء؟ قد وضعوا هذا الحديث تارة بلفظ : إنهما السمع والبصر من الدين
أو الاسلام ، وأخرى إنهما السمع والبصر من رسول اللهn... وهو بجميع ألفاظه ساقط عن درجة الاعتبار ، وإليك البيان باختصار:
أخرج الحاكم بسنده عن
حذيفة عن النبيn في حديث: «إنّهما من الدين كالسّمع والبصر» قال الذهبي في تلخيصه:
«هو واه». وروى المقدسي : « إنّ أبابكر وعمر من الاسلام بمنزلة السّمع والبصر» ثم
قال: «من موضوعات الوليد بن الفضل الوضّاع ».
والحديث الذي استدل به
السّعد مرسل لأنّ عبدالله لم يدرك النبيn لكن ابن عبد البر وراه بسنده عن المغيرة بن عبدالرحمن عن المطلب
بن عبدالله بن حنطب عن أبيه عن جدّه .. ثم قال:
« ليس له غير هذا
إسناد ، والمغيرة بن عبدالرحمن هذا هو الحزامي ضعيف، وليس بالمخزومي الفقيه صاحب
الرأي..». وقال أيضاً: «حديث مضطرب الأسناد لا يثبت» وتبعه ابن حجر فقال: «قال أبو
عمر: حديث مضطرب لا يثبت».
[46]- سورة النساء الاية 69.
[47]- سورة المؤمنون الاية 78.
[48]- وعلمياً أثبت علم الأجنة، وعلم تطور الأجناس أن السمع هو الحاسة
الوحيدة، التي يولد بها الطفل مكتملة، في حين أن البصر لا يكتمل خلقه قبل ستة أشهر
من الولادة.
[49]- سورة الانعام الاية 50.
[50]- سورة الملك الاية 22.
[51]- سورة النساء الاية 133 – 134.
[52]- سورة المائدة الاية 76.