الأربعاء، 12 أبريل 2017

إعجاز البيان في سورة الشرح (ألم نشرح)


إعجاز البيان في سورة الشرح (ألم نشرح)
جاء في كلام الله الكريم سورة ألم نشرح كما في قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[1].
ذكروا ان هذه السورة الكريمة نزلت بعد سورة الضحى؛ ولكن بعضهم أحتمل أنها تكملة لها، فتلاحظ فيها ظل العطف الندي، وروح المناجاة للحبيب، بالتزامن مع استحضار مظاهر العناية، من خلال استعراض مواقع الرعاية، لتجد فيها البشرى باليسر والفرج، لكي يوجهك إلى سرِّ اليُسْر وحبل الاتصال الوثيق.
وهو كما ذكر الشيخ الطوسيu في تفسير التبيان قال: روى اصحابنا ان ألم نشرح من الضحى سورة واحدة لتعلق بعضها ببعض ولم يفصلوا بينهما بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).
وأوجبوا قراء تهما في الفرائض في ركعة (الواحدة) وألا يفصل بينهما. ومثله قالوا في سورة (ألم ترك كيف) و (الايلاف) وفى المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله.
فهي توحي من أن هناك ضائقة كانت في الروح الزكية لرسول اللهo لأحد أمور هذه الدعوة التي كلفها الله بها، فهي من العقبات الوعرة في طريقه، ومن الكيد والمكر المضروب حولها[2].
توحي لك من أن صدرهo الشريف كان مثقل بالهموم من هذه الدعوة الثقيلة, فكان يحس العبء فادحًا على كاهله، ويشعر انه كان في حاجة إلى عون ومدد، وزاد, ثم كانت هذه المناجاة وهذا الكلام الودود من المحِبِّ لحبيبهJ.
فتلاحظ ان عبارة الاية الاولى من هذه السورة وهو قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) فهي خطاب لرسول اللهo وقراءة العامة لعبارة قوله (أَلَمْ نَشْرَحْ) هي السكون. ولكن قرأت[3] بفتح الحاء، وخرَّجه ابن عطيَّة وجماعة على أن الأصل:
ألم نشرحَنْ، منخلال نون التوكيد الخفيفة، فأبدل من حرف النون ألفا، ثم بعدها حذفها تخفيفًا. وقال غير واحد: لعل أبا جعفر قد بيَّن الحاء، وأشبعها في مخرجها، فأعتقد السامع أنه قد فتحها.
ولكن قيل[4]: أن لهذه القراءة تخريج أحسن مما ذكِر مسبقاً، وهو أن الفتح على لغة بعض العرب من النصب بلفظ (لَمْ) فقد حكَى اللَّحْيانيُّ في نوادره: أن منهم من ينصب بها، ويجزم بلفظة (لَنْ) عكس بما هو معروف عند الناس وعلى ذلك نضموا قولهم[5] فأنشدت:
في كل ما هَمَّ أمضَى رأيَه قدما * ولم يشاورَ في الأمر الذي فعلا
وخرَّجها البعض منهم على أن الفتح لمجاورة ما بعدها؛ كما في الكسر عند قراءة عبارة قوله: (الْحَمْدِ للّهِ)[6]. بالجر، وهو لا يتأتى في بيت الشعر الذي سبق.
واما ما هو غايته او المقصود او المراد من هذا الشرح فتجد العديد من الأراء وهي منها:-
رأي منها : يقول أن المراد به شقُّ صدره الشريف o كما هي في رواية أن جبريلA أتاه، وشق صدره، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علمًا وإيمانًا، ووضعه في صدره.
وهذا ما روي عن ابن عباسF من قد أنه فسَّره به، وهو ظاهر بشكل واضح ومبين ان هذا من صنيع التِّرْمِذِيِّ؛ إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في ضمن تفسير هذه السورة. وهو ضعيف عندهم.
رأي منها : يقول أن المراد به شرح صدر رسول اللهo الى الإسلام، وهو مرويُّ عن ابن عباس F.
رأي منها : يقول أنه كناية عن الإِنعام على النبيo بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية العطرة من الكمالات، وأيد من خلال إعلامه برضى الله عنه، وبشارته بما سيحصل للدّين، الذّي جاء به من النصر والفتح.
رأي منها : يقول أن مرادهم به هو تنوير صدر رسول اللهo من خلال الحكمة، وتوسيعه بالمعرفة، لكي يتلقى ما يوحى إليه كما في قول الله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ)[7].
وتجد رواية أنهم قالوا: يا رسول الله أينشرح الصدر؟ قالJ: نعم؟  قالوا: وما علامة ذلك؟ قالJ: التجافي عن الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله.
وصدق رسول الإيمان بالله ووعده ووعيده فعلى كل انسان يوجب له الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والاستعداد للموت لما بعده.
كما ذكر الشيخ مكارم الشيرازيK في تفسير الامثل[8] فقال: في هذه الآية يعتبر «شرح الصدر» من نعم الله الكبرى و«ضيق الصدر» من عقاب الله، كما جاء ذكر هذه النعمة في قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك)[9].
ويتضح هذا أكثر عند دراسة الأشخاص، فأنت ترى بعضهم على درجة من سعة الصدر بحيث إِنّهم قادرون على إِستيعاب كل حقيقة مهما كبرت.
وعلى العكس منهم نرى صدر بعضهم من الضيق بحيث لا تكاد تنفذ إِليها أية حقيقة، فأُفق رؤيتهم الفكرية محدود جدّاً ومقتصر على الحياة اليومية، فلو تهيأ لهم الأكل والنوم فكل شيء على ما يرام، وإذا اختل ذلك فقد انهارت حياتهم وانتهى كل شيء.
عند ما نزلت الآية المذكورة أعلاه، سئل رسول اللهo عن معنى شرح الصدر، فقالo: «نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينشرح له صدره وينفسح». فسألوه: ألذلك علامة يعرف بها؟
قالo: «نعم، الإِنابة إِلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإِستعداد للموت قبل نزول الموت»[10] من خلال الإِيمان والعمل الصالح والسعي في سبيل الله.
رأي منها : يقول منهم من فسر كلمة (الشرح) بانفتاح صدر النبيo حتى إنه كان يتسع لكافة المهمات، فلا يقلق، ولا يضجر، ولا يتغير؛ بل هو في حالتيْ البؤس والفرح تجده منشرح الصدر، مشتغل بأداء ما كلف به.
وذكر الشرح في اللغة هي التوسعة، ومعناه: الإراحة من الهموم والغموم. والعرب تسمِّي الغمَّ والهمَّ: ضيقَ صدرٍ؛ كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ)[11].
رأي منها : جاء في بصائر الدرجات[12] أحمد بن محمد عن ابن أبى عمير عن جميل عن الحسن بن راشد عن أبى عبداللهA في قول الله تعالى: (الم نشرح لك صدرك) قالA: بولاية أمير المؤمنينA.
ومثلهِ في تفسير على بن ابراهيمu قال: الم نشرح لك صدرك قال: بعلىA فجعلناه وصيك. قال: حين فتح مكة ودخلت قريش في الاسلام شرح الله صدره وسره ووضعنا عنك وزرك قال:
بعلى الحرب الذى انقض ظهرك اى اثقل ظهرك ورفعنا لك ذكرك قال: تذكر اذا ذكرت، وهو قول الناس أشهد ان لا اله الا الله، وأشهد ان محمدا رسول الله.
واما الأصل في كلمة (الشرح) هي فصل أجزاء اللحم بعضِها عن البعض الاخر ومنه: الشريحة من اللحم، ثم بعدها شاع استعماله في الكشف والبسط، وإيضاح الغامض والخافي من جميع المعاني.
ومنه كما في قولهم : شرَح المُشْكِلَ، أو الغامِضَ من الأمر. أي: فسَّره، وبسطَه , وبعدها أظهر ما خفِي من معانيه.
وكذلك شاع استعماله في رضى النفس وسرورها بعد ضيق ألمَّ بها، وكما قيل: شرح الله صدره بكذا. أي بمعنى سرَّه به. وكذلك منه: شرح الله صدره للإسلام، فانشرح. أي بمعنى:
انبسط في رضًا وارتياح للنور الإلهي، والسكينة الروحية كما في قوله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)[13].
وهو كما قاله الشيخ الطوسيu في الجزء العاشر من تفسير التبيان: لان الانبياءD لا يفعلون شيئا من القبائح لا قبل النبوة ولا بعدها ولا صغيرة ولا كبيرة.
فان ثبت هذا، فمعنى الاية الكريمة هو أن الله تعالى لما بعث نبيه وأوحى اليه وانتشر أمره وظهر حكمه كان ما حصل من كفار قومه وتتبعهم لاصحابه من خلال اذاهم له وتعرضهم إياهم.
فهذا ما كان يغمه ويسؤه ويضيق صدره ويثقل عليه، فازال الله ذلك من أن أعلى كلمته وأظهر دعوته وقهر عدوه, وانجز وعده من خلال النصر على قومه، فكان ذلك اعتباره من اعظم المنن وأجزل النعم.
فان قيل لك ان السورة مكية، وكل ما ذكرتموه هو بعد الهجرة؟.
يقال لك : ليس هناك مانع من أن يكون الله أخبره من أن ذلك سيكون فيما بعد لكي يبشره به ويسليهo عما هو عليه كما جاء من خلال لفظ الماضي وأراد الاستقبال، كما في قوله تعالى: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار)[14].
وكذلك كما قال الله تعالى: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك)[15] ومعنى كلمة (الوزر) هو (الثفل) في اللغة، ومنه اشتق اسم الوزير والسبب لتحمله أثقال الملك. وإنما سميت الذنوب أوزارا لما تحمل فيها من العقاب العظيم.
واما ما موجود من الاستفهام في عبارة قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) هو معناه: إثبات الشرح وإيجابه؛ لأن همزة الاستفهام إذا دخلت على النفي، ردته إلى الإيجاب.
ولهذا أشار (مكي) في إعرابه للآية الكريمة كما بقوله في مشكل إعراب القرآن : (الألف نقلت الكلام من النفي، فردته إيجابًا).
واما الغرض من هذا الاستفهام فهو لغرض التذكير والتنبيه، والمعنى: شرحنا لك صدرك. وإليه قد أشار الزمخشري كما في قوله عند تفسير الآية: استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه؛ فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك، فنبَّه على ذلك، وذكَّر به.
وقد أجمع النحاة والمفسرين على القول من أن هذا الاستفهام هو استفهام تقرير، مثله كما في عبارة قوله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)[16] وعبارة قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[17].
( أ ) :- الخلط بين استفهام التذكير والتنبيه: فتلاحظ انهم يخلطون فيما بين استفهام التذكير والتنبيه، وغيره، وبين استفهام التقرير. ولغرض توضيح الفرق بينهما نقول: إذا قيل في عبارة (أليس زيد مسافرًا) هنا احتمل ذلك معنيان وهما ما يلي:-
المعنى الاول : أن السائل لا يعرف شيئًا عن سفر زيد، فيجاب حينها بلفظ (لا) في النفي. وبلفظ (نعم) في الإيجاب.
المعنى الثاني : هو أن السائل لديه علم بسفر زيد؛ ولكنه يسأل عنه لغرض آخر؛ مثل التذكير، أو التنبيه، أو التعجب، أو الإنكار، أو غيرها من المعاني، التي يخرج إليها لفظ الاستفهام، لكي يجاب حينها بلفظ (بلى).
وعلى التنبيه والتذكير يمكن حمل عبارة قول الله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وكما جاء في قول الشاعر جرير يمدح عبد الملك بن مروان أنشد:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح
فإن قيل لك ألم تعلم بأن زيدًا مسافر؟ أليس زيد بمسافر؟ لم يحتمل ذلك إلا من خلال معنى واحد، وهو أن السائل علم بسفر زيد؛ ولكن غرضه من السؤال هو تقرير المخاطب.
والسبب لأنه جاحد به من بعد أن علمه، فلا يجاب إلا بلفظ (بلى). وعلى هذا يمكن حمل قول الله تعالى: (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا)[18] وقوله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى)[19].
وهذا هو السبب في دخول هذه الباء على خبر المنفي، ليس بشكل ظاهر ملفت للنظر بل يعتبر هو من الأشياء الدقيقة، التي لا يُفْطَنُ إليها في البيان القرآني المعجز لدقَّتها؟.
ومما يمكن حمله على الأول، فيحتمل فيه الاستفهام من أن يكون على حقيقته من طلب الفهم، وأن يكون المقصود منه معنى آخر من المعاني، التي يخرج إليها الاستفهام كما في قول فرعون لعنه الله في عبارة قوله تعالى: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)[20].
فهو احتمال أن يكون استفهام حقيقي من أن يكون لا يعلم أن له ملك مصر، ويحتمل أن يكون عالم بذلك؛ ولكن ذكره على سبيل الافتخار. كما في كلام الله تعالى حكاية عن النبي لوطA كما في قوله تعالى: (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)[21].
أي بمعنى رجل واحد يرشدكم إلى ترك هذا العمل الظالم القبيح، ويمنعكم منه. فهو من المحتمل أن يكون استفهام حقيقي، وكذلك يحتمل أن يكون الغرض منه الإنكار.
وكما عرفت مما سبق يجري في قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).
وهذا يعتبر استفهام يراد به التذكير والتنبيه، لا التقرير. فلو كان المستفهِم بمقامنا غير الله سبحان وتعالى لجاز لك حمله على أصله من طلب الفهم.
وأما حمله على استفهام التقرير فهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لأن حمله معناه أن رسول اللهo كان جاحد لشرح الله تعالى له صدره، ورفعه له ذكره، ووضعه عنه وزره، من بعد أن استقر علم ذلك عنده، وحاشا لنبيناo من أن يكون كذلك واستغفر الله.
فإذا كانوا لا يفرقون فيما بين عبارة قول الله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)[22] وبين عبارة قول الله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى)[23].
فلأن معنى التقرير- لديهم- هو الإثبات، ولا دليل على ذلك من غير سوى أن كلاًّ منهم يجاب بلفظة (بلى) في الإيجاب, والفرق بينهما هو ان:
أن كل تقرير يعتبر إثبات، وليس كل إثبات يعتبر تقرير, وأن هذا التقرير هو غرض من الأغراض، التي يخرج إليها الاستفهام عندما يكون معناه هو الإثبات، وجاء مثله في ذلك وهو التذكير، أو التنبيه، أو التوبيخ، أو الافتخار.
وتلاحظ ان عدم تفريقهم فيما بين الإثبات، والتقرير هو سبب اختلافهم في ماهية المراد من الاستفهام الداخل على النفي، في الكثير من آيات القرآن الكريم؛ فمن الآيات التي اختلفوا فيها كما في قوله تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ)[24].
وهو كما ذكر الزمخشري قال: (أليس: تقرير لثوائهم في جهنم، وحقيقته: أن الهمزة همزة إنكار، دخلت على النفي، فرجع إلى معنى التقرير).
ولكن ذكر أبو السعود وتبعه الألوسي حينما قال: تقرير لثوائهم فيها؛ كقول من قال: (ألستم خير من ركب المطايا). أي: ألا يستوجبون الثواء فيها، وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء على الله تعالى، والتكذيب بالحق الصريح.
أو: إنكار، واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب، مع علمهم بحال الكفرة. أي: ألم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين، حتى اجترءوا هذه الجراءة.
وكون الاستفهام- هنا- للتقرير يتناقض مع كونه للإنكار. والجمهور على أنه للتقرير. والتقرير- باتفاقهم جميعًا- هو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر علمه عنده، ثم جحد به.
فهل كان هؤلاء الكافرين مقرين ومعترفين من أن مستقرَّهم النار. فإذا كان الأمر كذلك، فمراد هذا الاستفهام هو التقرير؛ وإلا فهو متضمِّن لمعنى الوعيد والتحقير، وقد أطلقوا عليه أسم بلفظة (الاكتفاء)[25] ومثَّلوا له كما في قوله تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)[26].
أي بمعنى انه أليست جهنم كافية لهم سجنًا وموئلا لهم، فيها الخزي والهوان، وكل هذا بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[27].
وأما الزمخشري ذهب إلى أن الاستفهام فيه للتقرير. وقد ذكر الزركشي قال: الكلام مع التقرير موجب، وجعل الزمخشري منه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[28]
ولكن قيل: أراد التقرير بما بعد النفي، لا التقرير بالنفي.. والأوْلى من أن يجعل على الإنكار. أي بمعنى: ألم تعلم أيها المنكر للنسخ.
ولكن الفخر الرازي ذهب إلى أن مرادهم بهذا الاستفهام هو: التنبيه. وذهب ابن عطية إلى أن ظاهره الاستفهام المحض. ورده أبو حيان قائلاً: (بل هذا استفهام معناه: التقرير).
وتلاحظ ان أقرب هذه الأقوال هو رأي الرازي حينما قال: أما قوله: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فتنبيه للنبي o وغيره على قدرته تعالى، على تصريف المكلف تحت مشيئته وحكمه وحكمته، وأنه لا دافع لما أراد، ولا مانع لما اختار.
ومما يبعد أن يكون الاستفهام في هذه الآيات، ونحوها للتقرير أنه يجوز حمله في كل منها على حقيقته من طلب الفهم، وذلك لا يجوز في استفهام التقرير.
وبقيت عبارة قول الله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) جاءت في صيغة الجمع، ولم يقل عبارة: (ألم أشرح لك صدرك) بصيغة المفرد.
جوابه إما أن تحمله على لفظة (نون) التعظيم، فتجد المعنى: أن عظمة المنعم هي تدل على عظمة النعمة، فدل هذا على أن ذلك الشرح نعمة، لا تصل العقول إلى كنه جلالتها.
وإما أن يحمل على لفظة نون الجميع، فيكون المعنى: كأنه تعالى يقول عبارة: لم أشرحه وحدي؛ بل أعملت فيه ملائكتي، فكنت ترى الملائكة حواليك، وفيما بين يديك حتى يقوى قلبك، فأديت الرسالة، وأنت قوي القلب، ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك أي جوابًا.
فسبحان الله الذي جعل قوة قلبك جبنًا في داخلهم، وانشراح صدرك ضيقًا في داخلهم.
( ب ) :- ( ألم نشرح صدرك ) بدون ( لَكَ ): كما تعلم في كتاب الله تعالى وردت الاية الكريمة كما في قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وكان من الممكن أن يقال عبارة: (ألم نشرح صدرك) من دون لفظة (لَكَ) ولكن جيء به زيادة بين فعل (الشرح)، ومفعوله وهو لغرض فائدتان وهما كما يلي:-
فائدة أحدهما : هي لغرض سلوك طريقة الإبهام، ثم ياتي بعدها الإيضاح للتشويق؛ فإن الله سبحانه، حينما ذكر فعل: (نَشْرَحْ) عَلم السامع أن ثَمَّ مشروحًا.
فلما قال لفظة: (لَكَ) قويَ الإِبهام، وازداد التشويق. وحينما قال لفظة: (صَدْرَكَ) أوضح ما كان قد عُلِم في ذهن السامع مبهمًا، فتمكن في ذهنه كمال التمكن. كما في قوله تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ) (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
وما نحن فيه يعتبر من الإطناب البليغ كما قال أصحاب البيان: إذا أردت أن تبهم، ثم توضح، فإنك تطنب، وفائدته:
إما : رؤية المعنى في صورتين مختلفتين هي: (الإبهام والإيضاح).
أما : لكي تمكن المعنى في النفس تمكنًا يكون زائدًا، لوقوعه بعد الطلب؛ فإنه أعز من المنساق بدون اي تعب.
أو لكي تكمل لذة العلم به؛ فإن الشيء حينما يعلم من وجهٍ مَّا، تجد النفس قد تشوَّقت لغرض العلم به من باقي وجوهه وتألمت، فإذا حصل العلم من بقية الوجوه الحاصلة، كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه من خلال دفعة واحدة.
ومن باب المثال عليه في قول النبي موسىA كما في قوله تعالى: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[29]. فإن لفظة (اشْرَحْ) تفيد طلب شرح شيء مَّا، وان يكون (صَدْرِي) يفيد تفسيره وبيانه. وكذلك عبارة قوله تعالى: (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)[30].
ومقامنا يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن من خلال تلقى الشدائد. وكذلك جاء في قوله تعالى: (ألم نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ). فإن المقام يقتضي التأكيد؛ لأنه مقام بيان امتنان وتفخيم.
فائدة ثانيهما : تلاحظ أنه في زيادة لفظة (لَكَ) هي تنبيه على أن منافع الرسالة عائدة إلى رسول اللهo كأنه قيل له: إنما شرحنا صدرك لأجلك، لا لأجلنا. وفي حد ذلك يعتبر تكريم للنبيo من أن الله تعالى قد فعل ذلك لأجله.
وتجد مثله في ذلك كما هو قول النبي موسىA قوله: ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[31]. فكأن في ذلك الكلام اعتراف من النبي موسىA من أن منفعة الشرح هي عائدة إليه؛ لأن الله تعالى لا ينتفع لنفسه بإرسال الرسل، ولا يستعين بشرح صدورهم، وهذا على خلاف ملوك الدنيا.
وجاء انه عبارة قول الله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ولم يقل عبارة: (ألم نشرح لك قلبك) مع أنه هو المقصود والمراد هنا، وتجد مثل ذلك كما في قوله تعالى: (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[32].
ولكن كان الظاهر يقتضي السياق أن يقال عبارة: (يوسوس في قلوب الناس) ولكن تلاحظه عدل عنه إلى لفظة (الصدر)؛ لأن كلمة (الصدر) كما وصف معناها ائمة اهل البيتD هي ساحة القلب وبيته.
فمنه تدخل جميع الواردات إليه، لكي تجتمع في الصدر، ثم بعدها تلج في القلب، ويمكن ان نقول هو بمنزلة الدهليز  او النفق الذي يوصلك الى القلب.
ومن ذلك القلب تخرج الأوامر والإرادات إلى حيث ساحة الصدر، ثم تتفرق بعدها على الجنود. ومن عرفه فهم كما في قول الله تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[33].
فتلاحظ ان الشيطان يدخل إلى الفسحة الموجودة وهي ساحة القلب وبيته، فيلقي ما يريد ويختار من إلقاءه الذي مكنه الله منه لينكثه في القلب، فهو موسوس في الصدر.
ولكن قيل أن الصدر هو محل ايات القرآن والعلوم, ومستند دليلهم كما في قوله تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)[34].
ولكن تجد هناك قول اخر وهو : ان القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذي يقصده ذلك الشيطان. فهو يأتي في البداية إلى الصدر، الذي يعتبر هو حصن القلب، فإن وجد مسلك او منفذ نزل فيه هو وجنده، وبث في داخله الهموم والغموم.
فيبدأ تسرب الشعور الى القلب حينها تبدأ علمية ضيق القلب، فلا يجد للطاعة لذة، ولا للإسلام حلاوة ويسأم من الحياة فمثلاً ما ذكروا في واقعة الخوارج فقالوا: يا أمير المؤمنينA مَنْ غرَّهم[35].
قالA : « الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء، غرَّتهم بالأماني، وزيَّنت لهم المعاصي، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون»[36].
وجاء مثلهِ ان السبط الحسن المجتبىA ابن امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالبA قال: (اما إن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك خلقاً بالخلوق)[37].
( ج ) :- ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ): وجاء في الاية الكريمة قول الله تعالى: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)[38] وهذه هي القراءة العامة، ولكن قرأ أنس: لفظة (حططنا) ولفظة (حللنا) بدل من لفظة قوله: (وَضَعْنَا). ولكن جاء ابن مسعود انه قرأ عبارة: (عنك وقرك) بدل من قوله لفظة: (وِزْرَكَ).
ومعنى كلمة (الوضع) في اللغة معناها إلقاء الحمل على الأرض، ويعتبر هذا أعمُّ من معنى كلمة الحطِّ. والوزر قيل للحمل، وهو يقال لثقل الذنب، وفي وضعه عنه o يعتبر كناية عن عصمته من الذنوب، وتطهيره من الأدناس، وعبَّر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك.
وكما قيل وضع الله تعالى عنه عبئه، الذي أثقل ظهره، حتى كاد ان يحطمه من ثقله. فهو قد وضعَه عنه بشرح صدره له، ولكن خف وهان.
ووضعه بتوفيقه وتيسيره للدعوة ومداخل القلوب، وبالوحي، الذي يكشف له عن الحقيقة، ويعينه لغرض التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين ورحمة.
ولفظة قوله تعالى: (وَضَعْنَا) هي معطوفة بالواو على عبارة قوله: (أَلَمْ نَشْرَحْ) وجاز ذلك؛ والسبب لأن الأول في معنى الإثبات، فحمل الثاني على معنى الأول. فلو كان محمولاً على لفظه، لوجب أن يقال عبارة: ونضع عنك وزرك. وكذلك مثله في عبارة قوله تعالى: ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
وآية قول الله تعالى: (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) هي صفة للوزر وكما قال علماء اللغة: ان الأصل فيه: أن الظهر إذا أثقله الحمل، سُمِع له نقيض. أي بمعنى صوت خفيٌّ. ومرادهم من هذا النقْض هو صوت الأضلاع. وهو مثل لما كان يثقل على رسول اللهo من أوزاره.
فإن قال لك قائل[39]: فكيف وصف هذا الوزر بالثقل، وهو مغفور له، غير مطالب به.
جوابه: أن سبيل الأنبياءD معصومين والمعصية عندهم من باب ترك الاولى والصالحين، إذا ما ذكروا ذنوبهم، أن يشتدَّ غمُّهم وبكاؤهم؛ ولهذا وصف ذنوبهم بالثقل.
كما ذكر الطبرسي u قال: « الذي أنقض ظهرك » أي أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت عن الزجاج قال: وهذا مثل معناه أنه لو كان حملا لسمع نقيض ظهره.
وقيل : إن المراد به تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسر له ومن عليه بذلك عن أبي عبيدة وعبد العزيز بن يحيى.
وقيل : معناه وأزلنا عنك همومك التي أثقلتك من أذى الكفار فشبه الهموم بالحمل والعرب تجعل الهم ثقلا عن أبي مسلم.
وقيل : معناه وعصمناك عن احتمال الوزر فإن المقصود من الوضع أن لا يكون عليه ثقل فإذا عصم كان أبلغ في أن لا يكون.
قال المرتضى u : إنما سميت الذنوب بأنها أوزار لأنها تثقل كاسبها وحاملها فكل شيء أثقل الإنسان وغمه وكده جاز أن يسمى وزرا فلا يمتنع أن يكون الوزر في الآية إنما أراد به غمه o.
 بما كان عليه قومه من الشرك وأنه وأصحابه بينهم مقهور مستضعف فلما أعلى الله كلمته وشرح صدره وبسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بمواقع النعمة ليقابله بالشكر.
ويؤيده ما بعده من الآيات فإن اليسر بإزالة الهموم أشبه والعسر بإزالة الشدائد والغموم أشبه.
فإن قيل أن السورة مكية نزلت قبل أن يعلي الله كلمة الإسلام فلا وجه لقولكم.
قلنا أنه سبحانه لما بشره بأن يعلي دينه على الدين كله ويظهره على أعدائه كان بذلك واضعا عنه ثقل غمه بما كان يلحقه من أذى قومه ومبدلا عسره يسرا فإنه يثق بأن وعد الله حق.
ويجوز أيضا أن يكون اللفظ وإن كان ماضيا فالمراد به الاستقبال كقوله: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) ولهذا نظائر كثيرة[40].
واما الاية في قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[41] أن الله تعالى رفع له ذكره في الملأ الأعلى, قبل أن يرفعه له في الأرض، حينما جعل اسمهo مقرونًا باسمه سبحانه وتعالى.
وقد رفع له ذكره في اللوح المحفوظ, حينما قدر الله سبحانه أن تمر القرون, وتكر الأجيال, وملايين الشفاه في كل مكان وزمان، تهتف بهذا الاسم العطر الكريم, مع الصلاة والتسليم عليهo وعلى اله الطيبين الطاهرينD الف سلام.
وكذلك رفع له ذكره، حينما ربطه من خلال هذا المنهج الإلهي الرفيع. فكان لمجردُ الاختيار لهذا الأمر هي رفعة ذكره، التي لم ينلها أحد من قبل، ولا من بعد في هذا الوجود. فليس بعد هذا الرفع رفعٌ، وليس وراء هذه المنزلة منزلة, فإنه المقام العالي، الذي تفرد به نبيناJ من دون سائر العالمين.
كما جاء غي تفسير نور الثفلين[42] في كتاب الاحتجاج للطبرسىu فقد روى عن موسى بن جعفرD عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليD قال: ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعلي A:
هذا ادريس A أعطاه الله عزوجل مكانا عليا ؟ قال له على A: لقد كان كذلك ومحمد o أعطى ما هو أفضل من هذا، ان الله جل ثناؤه قال فيه: (ورفعنا لك ذكرك).
 فكفى بهذا من الله رفعة قال له اليهودى: فقد القى الله على موسىA محبة منه؟ قال له علي A:
لقد كان كذلك وقد أعطى الله محمدا o ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى الله عزوجل عليه محبة منه، فمن هذا الذى يشركه في هذا الاسم اذ تم من الله عزوجل به الشهادة.
فلا تتم الشهادة الا أن يقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول اللهo ينادى على المنار، فلا يرفع صوت بذكر الله عزوجل الا رفع بذكر محمدo معه. وهذا الحديث طويل أخذنا موضع الشاهد منه.
ومثلهِ جاء انه روي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك: (لا أُذكَرُ إلا ذُكِرتَ معي).
وتجد فيه حديث مرفوع، قد أخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله o قال:
أتاني جبريل A فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله تعالى أعلم؟ قال: إذا ذكرتُ، ذكرتَ معي.
فلا يخفى عليك ما في هذا الرفع لذكرهo من لطائف، من بعد ذلك الوضع لأعبائه عنه. فهو الرفع، الذي تهون معه كل مشقة وتعب وعناء، فليس بعد هذا التكريم أي تكريم، وليس بعد هذا العطاء أي عطاء.
( د ) :- ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ): وتلاحظ مع هذا كله، فإن الله تعالى يتلطف مع حبيبه المختار, ويسرِّي عنه, ويؤنسه, ويطمئنه، ويطلعه على ذلك اليسر، الذي لا يفارقه، كما ف قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[43].
ولفظة (العسر): هي المشقة في تحصيل المرغوب، والعمل المقصود. وتعريفه للفظ (العهد). واما اليسر فهو ضد العسر؛ ومعناه سهولة تحصيل المرغوب، وعدم التعب فيه، وتنكيره في الموضعين لغرض التفخيم والتعظيم؛ وكأنه قيل عبارة:
إن مع العسر يسرًا عظيمًا؟ والكلام وَعْدٌ لهo مَسوقٌ للتسلية، والتنفيس. وعبارة قوله تعالى في الحملة الثانية: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) يحتمل وجهين وهما:
احتمال احدهما : من أنه تكرار لعبارة الجملة السابقة، وهو لغرض تأكيد معناها، وتقريره في النفوس، وتمكينه في داخل القلوب، وهو نظير عبارة قولك:
إن مع الفارس رمحًا، إن مع الفارس رمحًا، وهو ظاهر في وحدة الفارس والرمح؛ وذلك للإطناب والمبالغة.
فعلى هذا تكون لفظة (اليسر) فيها عين لفظة (اليسر) في الأولى، والمقصود او المراد منه هو ما تيسر من الفتوح في أيام رسول الله o أو يسر الدنيا مطلقًا.
الاحتمال الاخر : هو أنه ليس بتكرار للوجه الأول؛ بل هو تأسيس، ويكون حاصله من عبارة الجملتين: أن مع كل عسر يسرين عظيمين.
وظاهر الكلام من أن المراد بذينك اليسرين هما يسر دنيوي، والاخر يسر أخروي. كما في الحديث عن ابن مسعود من أنه لما قرأ قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
قال: لن يغلب عسر يسرين. قيل: معناه: أن العسر بين يسرين؛ إما فرج عاجل في الدنيا، وإما ثواب آجل في الآخرة.
ولكن في نفس المعنى ذكر الشيخ الطبرسيu في تفسير التبيان[44] فقال: قال الفراء: إن العرب تقول إذا ذكرت نكرة ثم أعدتها نكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما فالثاني غير الأول فإذا أعدتها معرفة.
 فهي كقولك إذا كسبت الدرهم فأنفق الدرهم فالثاني هو الأول ونحو هذا ما قال الزجاج: أنه ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين.
وقد قال صاحب كتاب النظم في تفسير هذه الآية: إن الله بعث نبيه وهو مقل مخف وكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا له إن كان بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغنى, جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فكره النبي o ذلك وظن أن قومه إنما يكذبوه لفقره فوعده الله سبحانه الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الهم فقال «فإن مع العسر يسرا».
وتأويله معناه لا يحزنك ما يقولون وما أنت فيه من الإقلال فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجز ما وعده فلم يمتJ حتى فتح عليه الحجاز وما والاها من القرى العربية وعامة بلاد اليمن.
فكان النبيJ يعطي المائتين من الإبل ويهب الهبات السنية التي لا يقدر عليها احد ويحتفظ لأهله وعياله قوت سنته ثم ابتدأ فصلا آخر فقال في عبارة قوله تعالى: «إن مع العسر يسرا».
والدليل على ابتدائه تعريه من لفظة (فاء) ولفظة (واو) وهو وعد لجميع المؤمنين لأنه يعني بذلك أن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة.
ولاحظ انه ربما اجتمع له اليسران يجد يسر الدنيا وهو ما ذكر في الآية الأولى ومن ثم يسر في الآخرة وهو ما ذكر في الآية الثانية فقول النبيo لن يغلب عسر يسرين أي يسر الدنيا والآخرة.
فالعسر هو فيما بين يسرين أما فرج الدنيا وأما ثواب الآخرة وهذا الذي ذكره الجرجاني يؤيد ما ذهب إليه السيد المرتضى u من أن القائل إذا قال شيئا ثم كرره فإن الظاهر من تغاير الكلامين تغاير مقتضاهما.
حتى يكون كل واحد منهما مفيدا لما لا يفيده الآخر فيجب مع الإطلاق حمل الثاني على غير مقتضى الأول إلا إذا كان فيما بين المتخاطبين عهد أو دلالة يعلم المخاطب بذلك أن المخاطب قصد في كلامه الثاني الأول فيحمله على ذلك كما أنشد أبو بكر الأنباري قال:
(إذا بلغ العسر مجهوده فثق عند ذاك بيسر سريع ألم تر نحس الشتاء الفظيع).
وولكن قال الكرماني في ( أسرار التكرار في القرآن ): قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) ليس بتكرار.
لأن المعنى: إن مع العسر، الذي أنت فيه من مقاساة الكفار يسرًا في العاجل، وإن مع العسر، الذي أنت فيه من الكفار يسرًا في الآجل. فالعسر واحد واليسر اثنان. وعلى هذا يكون قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) وعدًا آخر مستأنفًا، غير الوعد الأول.
وقد ذكر الألوسي قال: واحتمال الاستئناف هو الراجح، لما علم من فضل التأسيس على التأكيد. كيف؟ وكلام الله تعالى محمول على أبلغ الاحتمالين، وأوفاهما. والمقام- كما تقدم- مقام التسلية والتنفيس.
وكان الظاهر على ما سمعت من المراد باليسر تعريفه؛ إلا أنه أوثر التنكير للتفخيم. وقد يقال: إن فائدته أظهر في التأسيس؛ لأن النكرة المعادة، ظاهرها التغاير، والإشعار بالفرق بين العسر واليسر.
وتلاحظ الفرق فيما بين التأسيس والتكرير: فأن لفظة (التكرير) تكون من خلال إيراد المعنى مُرَدَّدًا بلفظ واحد. ومنه ما يأتي لفائدة، ومنه ما يأتي لغير فائدة تريدها.
فأما الذي يأتي من اللفظ لفائدة فإنه جزء من الإطناب، والغرض منه التأكيد. والتأكيد هو تقرير إرادة معنى الأول، وعدم التجوُّز.
وأما لفظة (التأسيس) فهي تفيد معنى آخر، لم يكن حاصل من قبل، وهو اخير من التأكيد؛ والسبب لأن حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة.
وتجد انه ظاهر المعية كما في قوله تعالى: (مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) يقتضي أن يكون لفظ اليسر مصاحبًا للعسر ومقارنًا له؛ لأن لفظة (مَعَ) ظرف يدل على المصاحبة. ولماذا كان اليسر لا يجتمع مع العسر؛ وذلك لأنهما ضدان.
وجوابه من أن لفظة ( مَعَ )- هنا- مستعملة في غير معناها الحقيقي، لأنها مستعارة لقرب حصول اليسر من بعد حلول العسر، أو ظهور بوادره. ومن خلال ذلك يندفع التعارض فيما بين هذه الآية وبين قول الله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)[45].
ومن ثم إنه بعد إرادة المعية الحقيقية كما أخرج ذلك البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله o جالسًا، وحياله حجر، فقال o:
لو جاء العسر فدخل هذا الحجر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه، فيخرجه فأنزل الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا...). واما لفظ الطبراني قال: وتلا رسول الله o: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا...).
وقد قال الشيخ الطبرسي u في قوله تعالى «فإن مع العسر يسرا» أي مع الفقر سعة كما عن الكلبي.
وقيل معناه أن مع الشدة التي أنت فيها من مزاولة المشركين يسرا ورخاء من أن يظهرك الله عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا أو كرها ثم كرر ذلك.
فقال : « إن مع العسر يسرا » روى عطاء عن ابن عباس قال يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين فلن يغلب عسر يسرين.
وجاء عن الحسن قال خرج النبي o يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول لن يغلب عسر يسرين «فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا».
ثم قال ايضاَ : قال الفراء : إن العرب تقول إذا ذكرت نكرة ثم أعدتها نكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما فالثاني غير الأول فإذا أعدتها معرفة فهي هي كقولك إذا كسبت الدرهم فأنفق الدرهم فالثاني هو الأول.
ونحو هذا ذكره الزجاج قال: أنه ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين وقال صاحب كتاب النظم في تفسير هذه الآية:
إن الله بعث نبيه وهو مقل مخف وكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا له إن كان بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فكره النبي o ذلك.
واعتقد أن قومه إنما يكذبوه لفقره فوعده الله سبحانه الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الهم فقال «فإن مع العسر يسرا».
وتأويل هذا لا يحزنك ما يقولون وما أنت فيه من الإقلال فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجز ما وعده فلم يمتJ حتى فتح عليه الحجاز وما والاها من القرى العربية وعامة بلاد اليمن.
فكانo يعطي المائتين من الإبل ويهب الهبات السنية ويعد لأهله قوت سنته ثم ابتدأ فصلا آخر فقال «إن مع العسر يسرا».
والدليل على ابتدائه تعريه من لفظة (فاء) ولفظة (واو) وهو وعد لجميع المؤمنين لأنه يعني بذلك أن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا.
وهذا ما ذكر في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكر في الآية الثانية فقوله o لن يغلب عسر يسرين أي يسر الدنيا والآخرة.
فالعسر فيما بين اليسرين أما فرج الدنيا وأما ثواب الآخرة وهذا الذي ذكره الجرجاني يؤيد ما ذهب إليه المرتضى u.
 من أن القائل إذا قال شيئا ثم كرره فإن الظاهر من تغاير الكلامين تغاير مقتضاهما لكي يكون كل واحد منهم مفيدا لما لا يفيده الآخر فيجب مع الإطلاق حمل الثاني على غير مقتضى الأول.
إلا إذا كان بين المتخاطبين عهد أو دلالة يعلم المخاطب بذلك أن المخاطب أراد بكلامه الثاني الأول فيحمله على ذلك[46].
( هـ ) :- ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ): ثم من بعدها ياتي التوجيه الكريم من الله تعالى لمواقع التيسير, وأسباب هذا الانشراح, الذي يعتبر هو مستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل، كما في قوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[47].
يقصد إذا فرغت من عبادة كما في تبليغ الوحي فاتعب نفسك في عبادة أخرى، وهو شكرًا لما عددنا عليك من النعم السالفة، ووعدناك من الآلاء الآنفة؛ وكأن الله، لمَّا عدَّد على نبيهo ما ذكر، ووعده بما وعد، وحقق له ما وعد، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة، وأن لا يبقي وقتًا من أوقاته منها؛ ولهذا تلاحظه إذا فرغ من عبادة، أتبعها بأخرى.
ولفظ (الفراغ) لغةً هو خلاف الشُّغل كما يقال فلان قد فرغ من عمله فراغًا، فهو (فارغ) كما في قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ)[48]. ولكن قيل: سنقصد لكم أيها الثقلان.
ومثله جاء في قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً)[49] قيل: خاليًا؛ وكأنما فرغ من لبِّها، لِمَا تداخلها من الخوف.
وقول اخر وهو: فارغًا من ذكره. أي بمعنى أنسيناها ذكره، حتى سكنت، واحتملت أن تلقيه في اليم (البحر- الماء). وقول اخر هو: خاليًا إلا من ذكره؛ لأنه قال: (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)[50].
ومثله ظاهر كما في قوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) فهو يفيد أن النبيo كان في أعمال، لم ينته منها؛ ولكن السياق الموجود لم يذكر لنا شيئًا عن تلك الأعمال، فيكون متعلَّقًا للفعل (فَرَغْتَ).
وعدم ذكره مقتضاه من أنه لازم أعمال، يعلمها رسول اللهo كما أن مساق السورة في تيسير مصاعب الدعوة، وتذليل ما يحف بها من المكاره.
وعلى هذا يحصل المعنى انه إذا أتممت أي عمل من مهام الأعمال، فأقبل على عمل آخر؛ بحيث لا تتوقف لكي تعمر أوقاتك كلها من خلال الأعمال العظيمة.
فمن هنا ذكر رسول الله o عندما رجع من إحدى غزواته قال: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
ومن خلال هذا تبين أن المقصود بالأمر هو لفظة قوله تعالى: (فَانْصَبْ). أما عبارة قوله: (فَإِذَا فَرَغْتَ) فهي تمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعمل آخر وهذا يصب في تقرير الدين ونفع الأمة.
ويعتبر من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال، ومثله قول القائل في عبارة: ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبَتْها أخرى. ولذلك تلاحظ انه قدِّم قوله في لفظة: (فَرَغْتَ) على قوله في لفظة: (فَانْصَبْ).
وقد جيء بلفظة (الفاء) الرابطة؛ لكي تدل على أن ما بعدها واجب الوقوع، بعد وقوع الشرط مباشرة.
وعلى هذا يحصل في عبارة قوله تعالى: فَا(نْصَبْ) أمرًا بإحداث الفعل بشكل فوري، من بعد حدوث الشرط من دون أي تأخير. ثم أمره تعالى من أن يرغب إلى ربه وحده، فجاء في عبارته  قوله: (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).
ومعناه اصرف جميع وجوه الرغبات إلى ربك وحده، لا إلى غيره، ولا تسأل إلا فضله تعالى متوكلاً عليه وحده سبحانه.
واما لفظة قوله تعالى: (فَارْغَبْ) فهي من الرَّغْبَة. وهذه الرَّغبة تعتبر هي السَّعة في الإرادة. كما قال تعالى عن النبي إبراهيمA: (وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً)[51]. أي بمعنى رغبًا في رحمتنا، ورهبًا من عذابنا.
فإن قيل : رغب فيه، وإليه، اقتضي الحرص عليه كما في قوله تعالى: (إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)[52].
وعليه هنا يحمل المعنى في قوله تعالى: (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) تشبيهًا بسير السائر إلى من عنده حاجته؛ كما في قوله تعالى عن النبي إبراهيمA: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)[53].
واما إذا قيل : رغب عنه، يعني اقتضى صرْف الرّغبة عنه، والزهد فيه؛ كما في قوله تعالى: (أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ) وكذلك قوله تعالى: (وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ)[54] وقد قيل: وترغبون عن أن تنكحوهن.
وقدم عبارة قوله تعالى: (إِلَى رَبِّكَ) على عبارة قوله تعالى: (فَارْغَبْ) وهي لإفادة معنى الاختصاص.
أي بمعنى لتكن رغبتك إلى ربك فقط، لا إلى غيره؛ فصفة الرسالة أعظم صفات الخلق، فلا يليق بصاحب الرسالة أن يرغب إلى غير الرب تعالى، الذي وعده كما في سورة الضحى من أن يعطيه، حتى يرضى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[55].
وتلاحظ انه قد حقق له الله هذا الوعد في هذه السورة، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعطاه من خير الدنيا والآخرة ما لم يعطه لأي أحد من قبله، ولا بعده.
فلم تمنع الفاء في عبارة قوله تعالى: (فَارْغَبْ) من تقديم المعمول في عبارة قوله تعالى: (إِلَى رَبِّكَ) ويعتبر هذا خلافًا للمشهور من أقوال النحاة.
ولهذا تلاحظهم يتكلفون، فيقدرون عامل محذوف لقوله في عبارة: فَا(رْغَبْ) فيقولون النحاة: تقدير الكلام: وارغب إلى ربك، فارغب إليه. أو: وارغب إلى ربك، فارغبه.
فأن الذي ألجأهم لهذا التكلف والتأويل والتقدير هو ما اصطلحوا عليه من أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، والذي عليه أهل التحقيق خلاف ذلك والله العالم.

[1]- سورة الشرح الايات 1 – 8.
[2]- زيتوني : رفاه محمد علي - من الاعجاز البياني واللغوي في سورة الم نشرح لك صدرك.
[3]- هو ابو جعفر المنصور.
[4]- كما في البحر المحيط لابي حيان.
[5]- هي عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد.
[6]- سورة الفاتحة الاية 2.
[7]- سورة الزمر الاية 22.
[8]- تفسير الأمثل - الجزء الرابع - ص460- 461.
[9]- سورة الشرح الاية 1.
[10]- مجمع البيان، ج 4، ص 363.
[11]- سورة الحجر الاية 97.
[12]- تفسير نور الثقلين ج5.
[13]- سورة الانعام الاية 125.
[14]- سورة الاعراف آية 43.
[15]- سورة 43 الزخرف آية 77.
[16]- سورة الاعراف الاية 172.
[17]- سورة الزمر الاية 36 .
[18]- سورة الاحقاف الاية 34.
[19]- سورة الاعراف الاية 172.
[20]- سورة الزخرف الاية 51.
[21]- سورة هود الاية 78.
[22]- سورة الشرح الاية 1.
[23]- سورة الاعراف الاية 172.
[24]- سورة العنكبوت الاية 68 وسورة الزمر الاية 32.
[25]- سَماهُ السيوطي في كتاب الاتقان.
[26]- سورة الزمر الاية 60.
[27]- سورة البقرة الاية 106.
[28]- سورة البقرة الاية 106.
[29]- سورة طه الاية 25.
[30]- سورة طه الاية 26.
[31]- سورة طه الاية 25.
[32]- سورة الناس الاية 5.
[33]- سورة ال عمران الاية 154.
[34]- سورة العنكبوت الاية 49.
[35]- كتاب : الإمام عليA سيرة والتاريخ ص 218.
[36]-  الكامل في التاريخ 3 : 223.
[37]- كتاب الامام عليA  ص76.
[38]- سورة الشرح الاية 2 – 3.
[39]- هو قول النحاس.
[40]- تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي u ج10 ص344.
[41]- سورة انشرح الاية 4.
[42]-  تفسير نور الثقلين ج5 ص604 و605.
[43]- سورة الشرح الاية 5 و 6.
[44]-  تفسير مجمع البيان تاليف امين الاسلام أبي على الفضل بن الحسن الطبرسيu طبعة: المجمع العالمي لأهل البيت ج10 ص346.
[45]- سورة الطلاق الاية 7.
[46]- سورة الشرح الاية 7 و 8.
[47]- تفسير مجمع البيان للطبرسي u ج10 ص345.
[48]- سورة الرحمن الاية 31.
[49]- سورة القصص الاية 10.
[50]- سورة القصص الاية 10.
[51]- سورة الانبياء الاية 90.
[52]- سورة التوبة الاية 59.
[53]- سورة الصافات الاية 99.
[54]- سورة النساء الاية 127.
[55]- سورة الضحى الاية 5.