الأربعاء، 12 أبريل 2017

ق1 إعجاز بيان تناسق كلمات القرآن الكريم


ق1 إعجاز بيان تناسق كلمات القرآن الكريم
سبق وان ذكرنا بحث مستقل عن كل ما تعلق بالجملة والكلمة والحروف والرسم القراني ولكن نذكر هنا موضوع الاتساق اللفظي للصوت، الذي تدركه الأذن حتى لو لم تفهم المعنى.
أو تعرف اللغة العربية، تراه ترتب عليه سهولة نطقه باللسان كما في عبارة قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[1].
مع سهولة وتيسير حفظه على ظهر قلب، حتى الطفل ان الصغير يحفظه بشكل يسير كما حفظته الأجيال السابقة. فلا تجد نص بطوله وبهذا التنوع قد سهله ويسره الله تعالى للحفظ مثل هذا الكتاب.
وتلاحظ دلالته من خلال أقصر عبارة فيه تدل على معنى أوسع، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فممن أشهرها آيات القصاص كما في عبارة قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[2] وفي عبارة قوله تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)[3].
ومثلهِ أيضا آيات التشريع، مثل آية الرضاع[4] التي اشتملت على ثلاثة وعشرين حكم، ومثلهِ كذلك آيتا المواريث[5] والتي تضمنت أكثر علم الفرائض.
فتلاحظ البلاغة في حذف بعض المواقف لغرض الدلالة على المعنى من خلال أبلغ عبارة وأكثر تأثير كما بقوله تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)[6].
فقد حذف فيما بين الآيتين تفاصيل كثيرة، أي بمعنى كما في عبارة فألقى النبي موسىA عصاه بيمينه فتلقفت حبال السحرة، فأنبهر السحرة ولم يجدوا ملجأ من التسليم بصدقه فسجدوا.
ألف : تراكيب فكرة بيان ايات القران: تجد ترتيب محكم للألفاظ في ضمن داخل الجملة سواء التقديم او التأخير، وتلاحظ ان الجمل في داخل الآية؛ تؤدي الى أدق تعبير وأعمق تأثير في النفوس.
وتجد ايضا البلاغة المثلى من خلال توظيف الصور البيانية[7]، والأساليب الإنشائية[8] وكذلك المحسنات البديعية[9] بالموضع من دون مبالغة أو افتعال, وبقدر مناسب.
فتلاحظ هذا التناسق العجيب هو خير برهان على استحالة الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قيل عنه في عبارة قوله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)[10].
وكما يبرهن على أن الكتاب لو كان كلام بشر لما شاهدنا فيه مثل هذه التناسقات والتدرجات اللغوية والبيانية، وهو ما أمرنا الله تعالى أن نتدبره كما في عبارة قوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)[11].
ويمكننا شرح فكرة النظام البياني لجميع سور القرآن, فمثلاَ يعلمنا الله تعالى من أن نتوكل عليه فهو يكفي وهو حسبُنا, نستمع إلى هذا الأمر الإلهي كما في عبارة قوله تعالى: (حَسْبِيَ اللَّهُ) فهذا النداء قد تكرر ضمن داخل القرآن في سورتين, ولنبحث عن لفظة كلمة (حَسْبِيَ) في ايات القرآن وهي كما في التالي:-
1ـ جاء في عبارة قوله تعالى : ( فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[12].
2ـ جاء في عبارة قوله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[13].
النتيجة إذاً لفظة كلمة (حَسْبِيَ) تجدها دائماً ترافقها كلمة لفظة الجلالة (اللَّهُ) تعالى, أي بمعنى كما في عبارة قوله: (حَسْبِيَ اللَّهُ) فهل تجد غير الله لكي نلتجئ إليه وندعوَه.
وكما تلاحظ من كلتا الآيتين فيهما أمر آخر وهو التوكل على الله تعالى, ولكي يؤكد لنا من أن التوكل لا يكون إلا على الله وحده. إذاً ارتبط التجاءك إلى الله تعالى من خلال التوكل على الله.
فمن أراد أن يلتجئ إلى الله تعالى فعليه أن يتوكل على الله، فلا فائدة من التجاءٍ لا توكل معه.
وكما أن آية القران الأولى ورد التوكل فيها على لسان رسول اللهn وهذا يعتبر تشريفاً لمقامه ومنزلته العظيمة عند الله تعالى.
ولكن بينما آية القران الثانية ورد التوكل على لسان المؤمنين، وتعتبر في هذا إشارة إلى ضرورة من أن يبدأ الانسان بنفسه ومن ثم الآخرين، ويعتبر هذا أسلوب في التربية.
ولهذا ورد التدرج البياني في الآيتين مبتدئاً برسول اللهn الذي هو المثل الاعلى والنموذج الاسمى وهو قدوة من أراد أن يتوكل على الله، ثم من بعده البشرية كما في عبارة قوله هكذا: ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ - عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ).
واما في التدرج العقائدي لهم فتأمل إحدى مفردات ايات القرآن الكريم مع نظام تكرارها من الجهة البيانية لها والعددية.
ومثلاً نجري بحثاً عن لفظة كلمة (حقَّت) في داخل ايات القرآن فتلاحظ هذه الكلمة قد تكررت خمس مرات في جميع الكتاب ومن أربع سور في ضمن القران الكريم والاولى هي كما في عبارة قوله تعالى: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)[14].
والاخرى كما في عبارة قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[15].
والثالثة في عبارة قوله تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[16].
والرابعة في عبارة قوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[17].
والخامسة في عبارة قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)[18].
وتلاحظ انه دائماً استخدمت لفظة كلمة (حَقَّتْ) في الكتاب لغرض التعبير عن حقيقة واحدة وهي كما في عبارة (أن الذين فسقوا وكفروا... لا يؤمنون... ضالون كافرون أصحاب النار).
وتجد هذه الوحدة اللغوية في جميع القرآن لكي تدلُّ على أن منزل الكتاب واحد لا شريك له. فهذا التناسق البياني هو خير دليل على أن مجموع ايات القرآن هي كتاب لا يمكن تقليده أو الإتيان بمثلهِ ولو بجزء أو حتى ولو سورة منه.
وكما عرفت انه قد وردت لفظة كلمة (حقَّت) في خمس آيات وقد تدرجت فهي كالتالي:-
جاء في آية القران الأولى الحديث عن عبارة قوله: (الذين فسقوا) فهؤلاء في عبارة قوله: (حقّت عليهم كلمة ربك)، وكما تعرف ان أول خطوة على طريق جهنم هي تبدأ بالخروج من خلال لفظة (الفسق) عن أمره سبحانه.
وجاء في آية القران الثانية الحديث في عبارة قوله : عن الذين (لا يؤمنون) وتعتبر هي المرحلة الثانية بعد الفسق أي عدم الإيمان.
وجاء في آية القران الثالثة تحدث الله تعالى في عبارة قوله: عن أؤلئك الذين (حقّ عليهم الضلالة)، فعدم الإيمان يؤدي إلى الضلال والانحراف.
وجاء في آية القران الرابعة الحديث عن لفظة (الكافرين) وهذا بعينه ضلال الانحراف يؤدي للكفر والإشراك بالله تعالى كما وردت عبارة قوله تعالى: (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ).
وجاء في آية القران الخامسة في عبارة قوله تعالى: (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) وقد ختمها الله بنتيجة منطقية كما في الفاظ كلمات الايات وهي: (من يفسُق.. لا يؤمن.. يضلّ.. يكفر.. فمصيره إلى النار) فهي تغني عن الكلام.
ومن تراكيب فكرة بيان ايات القران وهو ما الذي أعجزه أنْ يبذل جهده في المعارضة؟.
وجوابه إن العجز عن التشبع بالمعاني الجديدة التي كان يطرقها القرآن، وهذا بعض المعجزة، والبعض الثاني, إنه العجز عن الوقوف على أسرار البلاغة القرآنية، وطريقة تناول الآيات للمعاني، وهذا البعض الثاني ذهب اليه الكثير فقالوا انه تمام المعجزة.
فهكذا أنبأنا ونقل الينا التاريخ بهذا العجز في عصر القرآن، ولكن لم تنطْوي صفحة التحدي في العصر الذي جاء بعده وأهله بعد على سلائقهم العربية، وتجد فيهم من يود أنْ يتأتى على هذا الدين من أساسه.
وما أيسره عليهم لو دخلوا إليه من باب القرآن بقبول التحدي، ولكن التاريخ سجل لنا تحدي من نوع آخر كما في يوم وفاة الرسول وتلك الاحداث المؤلمة من تنحي عدل القران وهم اهل البيتD عن الخلافة المحمدية وبقي هذا التحدي الى يومنا هذا حتى ظهور صاحب الزمانA من ولد السيدة فاطمة الزهراءB.
ومضت القرون، وورث اللُّغة عن أهلها الوارثون، وكلما تطاول الزمان فيما بين عصر المبعث والعصور التالية له، كان أهلها أشد عجزاً، وأقل طمعاً في هذا المطلب العزيز.
وذلك لانحراف ألسنتهم وفساد سلائقهم، وهي كانت اقوى شهادة على إعجاز القرآن إلى أنْ تطوى صفحة هذا الوجود، ومن ثم يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
وقد ذهبوا من أنَّ عجز القوم راجع إلى نظم القرآن وبلاغته، وشرف معناه ودقته؛ فما ذاك إلاَّ لأنه ليس عندهم وجه آخر لإعجاز القرآن سواه عند التحدي أول عهد العرب به.
ولكن أضيف إلى إعجازه البلاغي من وجوه أخرى مثل الإعجاز الغيبي، والإعجاز العلمي، والإعجاز التشريعي، فإنما كان ذلك عندما اكتمل عقد القرآن، ونظر الباحثون إليه بجملته. فلا ننكرها أنْ تكون من آيات إعجازه؛ وإنما نريد أنْ نؤكد انه:
أحدهما : من أنَّ التحدي بآيات القرآن كان في حدود ما نزل من سوره في بداية دعوة الاسلام.
والأخرى : أنَّ التحدي كان في أدنى مراتبه وبأقصر سورة منه.
والثالثة : أنَّ التحدي تميز بما برع القوم فيه شأن المعجزات.
فما هو العامل الاساسي للإعجاز إذا لم يكن بلاغي، فهو عنصر قائم في أقصر سورة من القرآن، ومناط براعة القوم، وأسبق من غيره تمثلاً فيما نزل.
وقد تضافرت الاحاديث السابقة من شهادات قريش حول القرآن على تأكيد هذا المجال، فهو منبع السحر الذي وصفوا القرآن به، ومهوى أفئدتهم في الاستماع إليه وسبب الإيمان لمن اهتدى به[19].
ويمكنك متابعته كما في العديد من العناصر وأحدهما : من تسجيل انبهارهم بأسلوب ايات القرآن وهي إدانة لكفرهم وتنديداً بمغالاتهم في الكفر مع اعترافهم بهذا الانبهار.
وهو ما حكته الآيات من سورة المدثر التي تحدثت عن قصة الوليد بن المغيرة حينما سمع القرآن من رسول اللهn وانبهر به.
كما جاء في الإتقان[20] انه أخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبيn فقرأ عليه القرآن، فكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إنَّ قومك يريدون أنْ يجمعوا لك مالاً ليعطوكه لئلا تأتي محمداً لتعرض لما قاله، قال:
قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إنَّ لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال:
لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكَّر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره. وتلاحظ انه قد قص الله تعالى علينا خبره في ايات القران[21].
واما الاخر : تسجيل تخبطهم في تفسير سبب بلاغة القرآن ومحاولتهم المستمرة للنيل منه، فمرة: يقولون إنه قول شاعر. ومرة اخرى: يقولون إنه أساطير الأولين. ومرة ثالثة: يزعمون أنَّ رجلاً أعجمياً يوحي به إلى محمدn.
ومرة رابعة: يشبهونه بما يقوله شعراؤهم بالمناسبات ويطلبون منهn أنْ يأتي بالقرآن كله جملة واحدة. ومرة خامسة يطلبون منه أنْ يغيِّر هذا القران ويبدلَّه.
ولكن ايات القرآن تتعقب هذه المحاولات البائسة وتذكرها كما في عبارة قوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)[22].
وعبارة قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ )[23].
وعبارة قوله تعالى : ( أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ )[24].
وعبارة قوله تعالى : ( لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً )[25].
وعبارة قوله تعالى : ( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ )[26].
واما ثالثهما : تلاحظ عبر التاريخ انه سجَّل القرآن هذه المحاولات كلها للطعن في نبوة النبي محمدn وفي كون القرآن وحياً، وقد أشار إليه كما في عبارة قوله تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)[27].
واما رابعهما : حينما باءت محاولاتهم بالفشل المتتابع والإخفاق المستمر ووالمتتالي، ادَّعوا أنهم قادرين على تأليف مثله؛ فأوقعوا أنفسهم في مأزق التحدي واصبحوا امام خيارين.
وهو كما في عبارة قوله تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ)[28].
واما خامسهما : فمن هنا بدأت أزماتهم الحقيقية، فقد نزل جبرائيلA صريحاً في تحديهم بكل وضوح وقوة وتأكيد، وكما ذكرنا التحدي مسبقاً في الآيات التي تقدم ذكرها[29].
وأما سادسهما :  وهي الاخيرة فقد اختلفوا في عبارة (القدر المعجز) من القرآن، وهذا الاختلاف يعتبر اللبنة الأولى في صرح بحوث الإعجاز عبر تطورها التاريخي، والتي امتدت إلى أنْ أصبحت أساساً لما سُمِّيَ فيما بعد بـ(الإعجاز البياني) او أعجاز البيان في القران كما هو عنوان كتابنا.
وأيَّاً ما كان الأمر، فتلاحظ قد بدأت بحوث اللُّغويين والمتكلمين في قضية الإعجاز تتبلور بشكل محدد على قرب نهاية مشارف القرن الثاني الهجري بعد مكيدة الحكام لايقاع بالناس لمآب تهم الحكومات انذاك.
ألا وهي مسألأة (خلق القرآن) التي أثيرت في عهد المأمون بصورة واضحة بتأثير من أحد أتباعهِ وقيل هو عبد المسيح بن إسحاق الكندي وانتقد بعض الشبهات على الإسلام وأثار قضية أنَّ القرآن مخلوق. وما خلفته هذه المكيدة من مآسٍ معروفة لا داعي هنا لإعادة طرحها أو الإشارة إليها.
وبعد ان امتدت فيما تلا ذلك من سنوات، وتمخضت عن ظهور عدة اتجاهات فكرية تمثلت في تبني المعتزلة متمثلين في النَّظَّام (ت200هـ) لفكرة (الصرفة)، ومعناها:
أنَّ إعجاز القرآن كان بصرف الله تعالى للمشركين من أنْ يأتوا بمثله، وبهذا القول ذهب الكثير من المعتزلة بعد ذلك، وقال به بعض المفسرين والعلماء من غير المعتزلة كما ذكرنا في مقدمة الكتاب.
إلاَّ أنَّ الرد على هذه الفكرة ميسور، لأن الإعجاز لو كان بالصرفة فمعناه أنَّ القرآن بذاته غير معجز والإعجاز قائم على قدرة الله - تعالى -. وهذا ما لا تدل عليه آيات التحدي[30].
واختلف العلماء في تعليل عجزهم عن ذلك فذهبت طائفة قليلة إلى تعليله بأنَّ الله تعالى صرفهم عن معارضة القرآن فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي، لكي تقوم الحُجَّة عليهم، وكما نقل عن التفتازاني[31].
ونسبوا هذا القول إلى الأشعري فيما حكاه أبو الفضل عياض في (الشفا)، وإلى النَّظَّام وأبي إسحاق الاسفرائني فيما حكاه عنهم عضد الدين في (المواقف)، وهو قول ابن حزم صرح به في كتاب (الفِصَل)[32]، وقد عزاه صاحب كتاب (المقاصد) في شرحه إلى كثير من المعتزلة.
بـاء : بيان تدرج اللفاظ : ومما سبق لاحظ بيان هذا التدرج اللغوي وفي نهاية المطاف أنتهى بهم المسير الى النار والعياذ بالله كما في عبارات معنى الكلمات الواردة في الايات الكريمة وهي التالي:
جاء في لفظة كلمة ( فسقوا ) : فهي تعتبر بداية رحلة الفسق عن طاعة الله تعالى.
ومن ثم جاء بالبيان في لفظة كلمة ( لا يؤمنون ) : والمعروف ان بعد الفسق يحصل عنده عدم الإيمان بالله تعالى.
ومن ثم جاء بالبيان في لفظة كلمة ( الضلالة ) : ومنعاه الضلال والضياع والانحراف عن جادة الصواب.
ومن ثم جاء بالبيان في لفظة كلمة ( الْعَذَابِ ) : وهنا بدأت رحلة المعاناة والصراع وهي حتمية نتيجة مما سلكه من طريق.
ومن ثم جاء بالبيان في لفظة كلمة ( أَصْحَابُ النَّارِ ) : وهي النتيجة الحتمية المؤلمة لهذه المراحل وهي النار نستجير بالله منها.
ولكن يبقى تدور في الذهن محاورة وهي : ما هي كلمة الله التي شملت هؤلاء الكافرين؟ ولماذا؟: ألا يستطيع الله تعالى أن يهديَ جميع الناس؟.
إنني أتصور أن الضلال والهدى. الكفر والإيمان. الجنة والنار. وكل هذه المفاهيم وغيرها لها
تلاحظ ان في الكون هناك نظام محسوب بدقة, فالله تعالى الذي هذا النظام الدقيق يعلم ما يصنع وهو الذي يسيِّر الكون بما فيه, فهل تعتقد انه يعجز عن هداية أي مخلوق. طبعاً الجواب الله غير عاجز.
إذاً النتيجة هي ان الضلال والهدى. وكذلك الكفر والإيمان. مع الجنة والنار. فكل هذه المفاهيم وغيرها انه قبل أن يخلق هذا الكون اختار الصيغة المناسبة للضلال والهدى، وبمشيئة الله اقتضت أن ينقسم البشر فيما بين مؤمن وكافر، وهو انه لو شاء لهدى الناس جميعاً, ولو شاء لعذبهم جميعاً.
فإن الله يفعل ما يريد هو وليس نحن نفعل ما نريد بمشيئتنا, فتصور حكمة الله تعالى في خلقه ونذكر ثلاثة آيات من الكتاب منحيث تكررت لفظة كلمة (نَشَأْ) لتعرف تدرج البلاغة في هذه الكلمة عبر جميع سور القرآن الكريم وهي كما يلي:-
جاء في الاولى عبارة قوله تعالى : ( إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)[33].
وجاء في الثانية عبارة قوله تعالى : ( أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ)[34].
وجاء في الثالثة عبارة قوله تعالى : ( وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ)[35].
والمعروف من نظام الكلمات لغوياً ان مثل لفظة كلمة (نَشَأْ) فهذه الكلمة خاصة بالله سبحانه وتعالى، لا تأتي إلا وقبلها لفظة (إنْ) وبعدها لفظة تخصُّ الله سبحانه وقدرته ومشيئته لكي يبيِّن لخلقه من أن المشيئة كلها له وحده، وليس لاي مخلوق من الأمر شيء.
تلاحظ انه قد بدأ الله تعالى بالاية الأولى بالكلام عن الهدى فهو قادر على أن ينّزل على المكذبين (معجزة) من السماء فمن خلالها يجبرهم على الخضوع ومن ثم الإيمان, ولكن عدالته اقتضت بأن يعطيَهم حرية الاختيار لكي يلقي الحجة عليهم يوم القيامة.
ثم بعدها جاءت الآية الثانية من خلال التهديد من أن الله قادر على أن يخسف الارض بهم أو يسقط عليهم شيئاً من السماء ولكن رحمتُه وسعت كل شيء لكي تقتضي إمهالهم ليوم لا شك فيه من حيث لا ينفعهم الندم.
ثم بعدها خُتمت الآيات الثلاث السابقة من أن الله لو شاء لأغرقهم جميعاً فلا منقذَ لهم غيره سبحانه وتعالى.
لاحظ التدرج في كلمات هذه الآيات الثلاثة وهي : من السماء في لفظة كلمة (نُنَزِّلْ) وإلى الأرض في لفظة كلمة (نَخْسِفْ) وإلى أعماق البحار في لفظة كلمة (نُغْرِقْهُمْ).
فأنت أمام بيان بلاغي لكل كلمة من كلمات الكتاب لكي تعرف أنواع العذاب من خلال الإحراق بأجسام ملتهبة نازلة من السماء ثم بعدها الخسف في داخل الأرض. ثم الإغراق في اعماق ظلمات البحار.
فمما علمت فكيف لا يسبح كل شيء بحمدهِ تعالى وهو الخالق لكل شيء فإنه الحي الباقي الذي لا يموت فسبِّح بحمده, وأستغفره انه هو التوب الرحيم.
ونأتي الى لفظة كلمة (بِحَمْدِهِ) التي تلاحظها مكررة اربعة مرات في ضمن ثلاثة سور وهي ( الرعد والإسراء والفرقان) من ايات الكتاب المجيد كما في عبارة قوله تعالى:-
الاية الاولى في بيان عبارة قوله تعالى : ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)[36].
الاية الثانية في بيان عبارة قوله تعالى : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)[37].
الاية الثالثة في بيان عبارة قوله تعالى : ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً)[38].
الاية الرابعة في بيان عبارة قوله تعالى : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً)[39].
لاحظ البيان البلاغي في تنظيم كلمات وآيات وسور الكتاب وترتيبها لا يقتصر على دقة الكلمات والعبارات فقط، بل تجد منظومة بلاغية تعمل على تدرج هذه الكلمات من خلال سور القرآن.
وحينما تراجع مثال الايات السابقة تلاحظ الترتيب الآتي:-
في بداية الايات السابقة تلاحظ انه قد عرَّفَنا الله تعالى كيف يسبِّحُ الرعد بحمده والملائكة لأن المخلوقات هذه تمتثل لأمر الله فلا تعصيه ومعصومة عن الخطأ.
وبعد ذلك يذكر في الآية التالية أن كل شيء يسبح بحمده تعالى.
وبعدها تنتقل الى الآية التي بعدها فتجدها تتحدث عن المستقبل الى ان تصل ليوم القيامة فبعد الموت إما إلى الجنة وإما إلى النار.
وبعدها تنتقل الى الاية الاخيرة وهي الرابعة تأتي بالأمر الإلهي كما في عبارة قوله: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)، لكي يعلمنا كيف نسبح ونمجِّد وننزِّه الله تعالى بالتالي نفوز برحمة الله ونعيمه ومغفرته.
ففي الثلاثة آيات الاولى عرفنا أن كل شيء يسبح بحمد الله. والاية الرابعة هي التي أمرتنا بالتسبيح لله تعالى, فتلاحظ ان الكتاب يخبرنا أن كل ما في الوجود يسجد له تعالى خوفاً وطمعاً بمغفرته وتواضعاً وتذللاً لله تعالى, وبالرغم من ذلك أمتنع أغلب الناس الامتثال لأوامر خالقهم ورازقهم ومصورهم.
فتلاحظ لفظة كلمة (يَسجُدُ) قد تكررت في جميع القرآن الى ثلاثة مرات وذلك في ثلاثة اماكن من سور القران الكريم وهي كما يلي:-
الاية الاولى كما في عبارة قوله تعالى : ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)[40].
الاية الثانية كما في عبارة قوله تعالى : ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)[41].
الاية الثالثة كما في عبارة قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[42].
فلاحظ عظمة كتاب الله تعالى تتراءى أمامك في بيان البلاغة تتدرج من حيث المعنى كما في بيانها التالي:-
لقد بدأت آية القران الأولى بتقرير بياني من أن كل من في السماوات والأرض يسجد لله سواءاً طوعاً أو كرهاً, لكي يدلَّنا على أنه جميع الأمور لله تعالى وليس لمخلوقاته.
وتلاحظ في آية القران الثانية تحدث الله تعالى عن الدواب[43] التي نظنها لا تعقل ولا تسمع, ولكنها تسجد لله تعالى والملائكة.
وتلاحظ في آية القران الثالثة من أن كل من في السماوات والأرض يسجد لله كالشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وغيرها.
 وتجد في اية سورة الحج هذه كيف انتقل الله تعالى من صيغة الإثبات إلى صيغة الاستفهام كما في عبارة قوله:
(أَلَمْ تَرَ) أي بمعنى بعد كل ظهور هذه الآيات ألم يأتي الوقت لكي تتيقن أن كل شيء يسجد لله.
فمن خلال الآيات عرف أن لفظة كلمة (يَسْجُدُ) هي كلمة خاصة بالله تعالى وحده لم تُستخدم إلا لغرض التعبير من أن كل شيء يسجد له وحده تعالى, لهذا تجدها بأستمرار مسبوقة باسم لفظ الجلالة (الله).
والسبب هو لكي يؤكد الله أن السجود هو فقط له وحده وليس لأحدٍ شريك له بالسجود, وتلاحظ كيف تتدرج الآيات في تعداد المخلوقات وكما يلي:-
1 ـ آية القران من سورة الرعد وهي الأولى لم تأتي او تتضمن من أنواع المخلوقات أي شيئ.
2 ـ آية القران من سورة النحل وهي الثانية ذكرت الفاظ كلمات: (الدواب ـ الملائكة) أي بمعنى نوعين فقط.
3 ـ آية القران من سورة الحج وهي الثالثة ذكرت الفاظ كلمات: (الشمس ـ القمر ـ النجوم ـ الجبال ـ الشجر..) وهي أنواع عديدة.
وتلاحظ حادثة من مشاهد جهنم تصوره لنا ايات كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، من حيث يقول أصحاب النار في عبارة قوله تعالى: (يا ليتنا)، فما هي أمنيات هؤلاء الكفار.

فماذا تنفع هذه الأماني بالطبع لاشيء، لنعطر افواهنا بهاتين الآيتين من حيث تكررت لفظة كلمة (ليتنا) فلم تأتي هذه الكلمة إلا في آيتين فقط وهما:-
الاية الاولى كما في عبارة سورة الانعام قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَانُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[44].
والاية الثانية كما في عبارة سورة الاحزاب قوله تعالى : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[45].
فأنتبه جيداً لهذا التدرج اللغوي والمنطقي في كلاهما وهو كما يلي:-
احدهما : جاءت الآية الأولى في سورة الانعام وقد بدأت بوقوفهم على النار كما في عبارة قوله تعالى: (إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ)،
ثم ذكر بعدها الآية الثانية من سورة الاحزاب بعد أن دخلوا في النار أصحبَ معنى تُقَلَّب وجوههم فيها كما في عبارة قوله تعالى: (تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).
فهكذا التدرج بدأ من مرحلة الوقوف خارج النار إلى مسيرة الدخول في النار. اعاذنا الله واياكم منها.
واما الاخرى : في الآية الأولى من سورة الانعام بدؤوا بقولهم أول شيء كما في عبارة قوله تعالى: (فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)، أي بمعنى نرجع إلى الدنيا، فيعتبر هذا أول مطالبهم.
ثم بعد ذلك تمنوا هم ألاَّ يكذبوا في آيات الله كما في عبارة قوله تعالى: (وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا).
ثم بعد ذلك تمنوا هم من أن يكونوا من المؤمنين كما في عبارة قوله تعالى: (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي بمعنى نعود إلى الدنيا ومن ثم بعدها التصديق بآيات الله ومن ثم الإيمان.
واما الاخيرة : ولكن في الآية الثانية من سورة الاحزاب عندما دخلوا إلى النار وقُلِّبت وجوهُهم فيها جميعاً، لم يعد لديهم أي أمل بالعودة إلى الدنيا.
وهنا ندموا على ما قدموا وأدركوا مدى أهمية طاعة الله وطاعة رسولهn وأهل بيتهD حينها انتقلوا من مرحلة الإيمان إلى مرحلة طاعة الله ورسولهn.
ولهذا تلاحظ انهم يقولون عندها كما في عبارة قوله تعالى : (يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا).

[1]- سورة القمر الاية 11.
[2]- سورة البقرة الاية 179.
[3]- سورة الاعراف الاية 199.
[4]- سورة البقرة الاية 223.
[5]- سورة النساء الاية 11-12.
-[6]  سورة طه الاية 69-70.
-[7] كما في مثل -  التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز.
-[8]  كما في مثل - الأمر، والنهي، والتعجب، والقصر، والفصل والوصل.
-[9]  كمافي مثل -  السجع، والجناس، والطباق، والمقابلة.
[10]- سورة الاسراء الاية 88.
[11]- سورة النساء الاية 82.
[12]- سورة التوبة الاية 129.
[13]- سورة الزمر الاية 38 / 39 .
[14]- سورة يونس الاية 15 / 33.
[15]- سورة يونس الاية 10 / 96.
[16]- سورة النحل الاية 16 / 36.
[17]- سورة الزمر الاية 39 / 71.
[18]- سورة غافر الاية 40 / 6.
[19]- قال سيد قطب : وإذا تجاوزنا عن النفر القليل الذين كانت شخصية محمدn وحدها هي داعيتهم إلى الإيمان في أول الأمر، كزوجه خديجةB، وصديقه أبي بكر، وابن عمه عليA، ومولاه زيد، وأمثالهم، فإنَّا نجد القرآن كان العامل الحاسم، أو أحد العوامل الحاسمة في إيمان من آمنوا أوائل الدعوة، يوم لم يكن لمحمدn حَول ولا طَول، ويوم لم يكن للإسلام قوة ولا منعة، وقصة إيمان عمر بن الخطاب، وتولي الوليد بن المغيرة نموذجان من قصص كثيرة للإيمان والتولي، وكلتاهما تكشف عن هذا السحر القرآني الذي أخذ العرب منذ اللحظة الأولى، وتبينان في اتجاهين مختلفين عن مدى هذا السحر القرآني الذي يستوي في الإقرار به المؤمنون والكافرون. (التصوير الفني في القرآن، ص11).
[20]-  السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، 2/326. وانظر: تفسير الطبري، 29/98، وانظر: تفسير ابن كثير، 8/267.
[21]- كما في سورة المدثر، الآيات من 11الى 26.
[22]- سورة الفرقان، الآية  5.
[23]- سورة النحل، الآية  103.
[24]- سورة الأنبياء، الآية  5.
[25]- سورة الفرقان، الآية  32.
[26]- سورة يونس، الآية  15.
[27]- سورة الفرقان، الآية  33.
[28]- سورة الأنفال، الآية  31.
[29]- يمكنك مراجعة سياق الآية رقم (13) من سورة هود، والآية رقم (38) من سورة يونس، والآية رقم (23) من سورة البقرة في كتاب الله.
[30]- وقال ابن عاشور: فعجز جميع المتحدين عن الإتيان بمثل القرآن أمر متواتر بتواتر هذه الآيات بينهم وسكوتهم عن المعارضة مع توافر دواعيهم عليها. (تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور 1/103) وأما الجاحظ في (المواقف) قال: فالتعليل لعجز المتحدين به بأنه بلوغ القرآن في درجات البلاغة والفصاحة مبلغاً تعجز قدرة بلغاء العرب عن الإتيان بمثله.
[31]- كما في الموافق للعضد والمقاصد قال: (ولعلها بفتح الصاد وسكون الراء، وهي مرة من الصرف، وصيغ بصيغة المرة للإشارة إلى أنها صرف خاص، فصارت كالعَلَم بالغلبة).
[32]- ابن حزم: الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل، 3 / 7، و2 / 184.
[33]- سورة الشعراء الاية 26 / 4.
[34]- سورة سبأ الاية 9.
[35]- سورة يس الاية 36 / 43.
[36]- سورة الرعد الاية 13.
[37]- سورة الاسراء الاية 44.
[38]- سورة الاسراء الاية 17 / 52.
[39]- سورة الفرقان الاية 25 / 58.
[40]- سورة الرعد الاية 13 / 15.
[41]- سورة النحل الاية 16 / 49.
[42]- سورة الحج الاية 22 / 18.
[43]- وقوله من دابة: معنى (من) ههنا هي التي تبين، تبيين الصفة، كأنه قال ومافي الارض الذي هو دابة تدب على الارض. وقوله (والملائكة): اي وتسجد له الملائكة، وتخضع له بالعبادة، و: (هم) يعني الملائكة، غير مستكبرين، ولاطالبين بذلك التكبر بل مذعنين بالحق متذللين، غير آنفين، من الاذعان به. (تفسير التبيان للشيخ الطوسيH ج6 ص383).
[44]- سورة الانعام الاية 27.
[45]- سورة الاحزاب الاية 33 / 6.