الثلاثاء، 11 أبريل 2017

(عبس وتولي) و(ياأيها النبي) في القرآن الكريم


(عبس وتولي) و(ياأيها النبي) في القرآن الكريم
شبهة عبس وتولي :
جاء في قول الله تعالى: (عبس وتولي *ان جاءه الاعمي)[1] وقد فسر بعضهم ان هذه الاية نزلت بحق الرسول محمد o وانه قطب وجهه واداره عندما جاءه (الضرير) الاعمى.
وانشغل باصحاب الجاه والوجاهة والاغنياء فنزل عتب الله تعالى عبس وتولى انكارا منه تعالى عليه على هذا التصرف فهل هذا الكلام صحيح؟
جوابه ان نسبة هذه الصفة ومن ثم الحاقها بالرسول o تدل على امرين عدم المعرفة بالقرآن الكريم. والاخرى الجهل بمقام النبي o وبالتالي هي ظلم للنبيJ.
حيث تعلم انت ان الله تعالى بين في كلامهِ بالقران الكريم بطلان هذا المدعى في موارد عديدة فمنها :-
منها : ان الله تعالى بين في القران الكريم المعني بعبارة قوله (عبس وتولي) في سورة المدثر[2] بقوله تعالى: [ فاذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على ( الكافرين ) غير يسير * ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع ان ازيد * كلا انه كان لاياتنا عنيدا * سارهقه صعودا * انه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر *ثم نظر * (ثم عبس وبسر * ثم ادبر واستكبر) * فقال ان هذا الا سحر يؤثر * ان هذا الا قول البشر * سأصليه سقر..].
من خلال الاية الكريمة يتضح ان المقصود بالذي عبس وتولى واستكبر وادبر هو رجل اخر غير الرسول o كما في الحديث الوارد عن الامام الصادق A عن هذا الرجل الذي (عبس وتولي ) قال A:
انها نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي o فجاء ابن أم مكتوم (الذي كان اعمى ) فلما رأه تقذر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه فحكى الله تعالى ذلك عنه ثم انكر عليه.
فمن الاية المباركة والحديث السابق نستنتج ان هذا الرجل تابع الى الفكر الاموي المعارض لرسول الله o ودليله قوله تعالى في سورة المدثر (فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير).
منها : ان نفس الايات في سورة (عبس ) تبين ان المقصود ليس رسول الله o بدليل قوله تعالى : ( عبس وتولي * ان جاءه الاعمي * وما يدريك لعله يزكي * او يذكر فتنفعه الذكري * اما من استغني * فانت له تصدي..).
فعبارة قوله تعالى ( وما يدريك لعله يزكي ) معناه وما يدريك لعله ازكى منك فهل يعقل ان يكون هذا الضرير الذي جاءه ازكى من النبي o.
وهل يمكن لله تعالى ان يخاطب رسوله المصطفىo بهذا الخطاب وهو افضل الخلق لديهِ لانه اصطفاه ويقول له بنفس الكلام انه هذا الاعمى قد يكون ازكى منك؟
والامر الاخر في هذه السورة قول الله تعالى ( اما من استغنى فانت له تصدى) فهل تعقل هذا الكلام على نبي اللهo لان معناه انك يامحمد اذا جاءك شخص غني, فأنت تتصدى له وتستقبله وتجامله, وتترك الفقراء ولا تهتم بهم؟.
وهو الذي وصفه الله تعالى بأنه اكثر اهتماما بالفقراء, وهل هذا التصرف يليق ومقامه الرسالي حاش للرسول o ذلك؟
منها : صدور هذا التصرف من الرسول o كما زعم بعضهم لا يتناسب مع دوره الرسالي الذي اخبر به الله سبحانه كما في قوله تعالى[3]: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) فكيف يمكن ان يكون رحمة للعالمين مع مثل هكذا تصرفات.
منها : هل ان صدور مثل هكذا تصرفات مناسبة مع هذه الاخلاق العظيمة والخلق العظيم له o والله عز وجل قد شهد له ويشيد له بتلك الاخلاق التي تخلّق بها كما في قوله تعالى[4]: ( وإنك لعلي خلق عظيم) فهل (عبس وتولي) صفة تتناسب مع هكذا خلق وهو المشهود والموصوف له.
منها : أليس الاعراض عن هذا الشخص (الضرير) الاعمى, معناه طرده, فعندما يتحدث شخص لك ولا تهتم به ولا تجيبه, بل العكس, تعطي له ظهرك وتتركه, اليس هذا معنى او اشارة لطرده.
فكيف يمكن للرسولo, وهو نبي مرسل من الله تعالى, ان يطرده والذي ارسله يقول له في قوله تعالى[5]: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فهل يخالف رسول اللهo امر الذي كلفه بهِ وهو الله تعالى.
منها : صدور مثل هكذا تصرف منه o معناه انه فظ غليظ القلب (وحاشاهJ) ومثل هكذا صفة, من شأنها ابتعاد الناس عنه, ونتيجته بطلان دورهo.
والغرض الذي بعثه الله تعالى من اجله, كما في قوله تعالى[6]: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وانفضاض الناس من حول النبيJ معناه بطلان دوره الرسالي.
وتلاحظ هناك الكثير من الادلة التي لا تدع أي مجال للشك بحسب منهج القرآن من ان الذي عبس وتولى هو ليس نبي الرحمة o بل هو غيره.
( يا أيها النبي ) في القرآن الكريم
جاء لفظ النداء بـ(يا أيها النبي) في القرآن الكريم أربعة عشر مرة ففي سورة الأحزاب وحدها خمس مرات وقد افتتحت السورة به فلا شك أن هذه السورة لها علاقة بالنبي o وأزواجه أمهات المؤمنين وبها خطاب له مباشرة وخطاب من بعد لأتباعه من المؤمنين.
واما قصد سورة الأحزاب فبلا شك أن لكل سورة مقصد يظهر لك والله تعالى العالم بالتأمل والبحث في جزئيات السورة ومقاطعها وقصصها والحاصل ان لهذه السورة لها مقصد شريف وعظيم.
ويجدر بالجميع أن نتأمله وأن نستشعره ونحن نقرأ هذه السورة وهو إظهار مقام النبي o من أذية الناس وأذية المنافقين[7].
هذا المقصد الأظهر الذي هو سمة السورة ولكن قد يدخل ضمن هذا المقصد مقاصد أخرى كما لو استطلعنا السورة لوجدنا أن خصائص النبيo فيها كثيرة ومنها:
منها : نداءات السورة للنبيo (يا أيها النبي) تكررت خمس مرات وافتتحت السورة بندائه J.
منها : قول الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) وهذهِ العبارة لم ترد في غيرها.
منها : قول الله تعالى (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) فلم يرد في غير هذه السورة ذكر ختم النبوة بالنبي J كما في قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ).
فخصّه لله تعالى هنا وقدّمه على سائر الأنبياءD الذين هم أولو العزم وما تقديمه على أولي العزم إلا هو دليل على فضله وخصوصيته.
وأيضاً قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ). فكونه أمر المسلمين بأن يكون النبي o لهم الأسوة فهذا من خصائصه o وفضائله والعناية به.
منها : تطهير آل بيته D كما في قوله تعالى (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
منها : العناية بأزواجه كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) فالعناية بأزواجه ورفع شأنهن وتطهيرهن من العناية بهo.
منها : ذكر ما أحلّ الله لهo من الأزواج كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) وهذا جزء يسير من خصائصه وفضائله وعناية الله تعالى بهo.
منها : قصة تزويجه بزينب B حيث كان النبي o يرغب بذلك وبشره جبريل D بذلك.
منها : ذكر أسمائه J الستة كما في هذه السورة بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا). فهذه الأسماء هي في إظهار شأنه o وفضائله وكذلك بهذه الأسماء، هي صفات له.
منها : قوله تعالى بالاية الكريمة في آخر السورة للإخبار أن الله وملائكته يصلون عليه وأيّ شرف وأيّ مكانة أعظم من هذه المكانة أن الله تعالى يذكره والملائكة ثم يأمر المسلمين بالصلاة عليه؟ (اللهم صل على محمد وال محمد).
منها : في آخر الحديث تأمل أنه جاء في هذه السورة المباركة خمس مواضع ورد فيها الإشارة إلى حمايته من أذية الناس والمنافقين فتأمل الله تعالى: في أول السورة : (وَدَعْ أَذَاهُمْ).
وقوله تعالى : في السورة : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وكذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)  وكذلك قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا).
فهذه الايات الكريمة وردت ضمن السور كلها في حماية النبي o مما أكد أن هذه السورة تركز على هذا المقصد.
لقد جاء نداء المؤمنين بهذه السورة ست مرات بـ(يا أيها الذين آمنوا) فأن الله تعالى حينما عنى بتكميل نبيه o والعناية به وتشريفه وبيان خصائصه بعدها توجه إلى المؤمنين لرفع شأنهم وتوجيههم للكمال البشري من خلال ذكر الصفات التي توصلهم إلى هذا الكمال.
ولذلك خُصّت نساء النبي o هنا لأنهن أهل بيت النبي D فأراد الله تعالى أن يرفع شأنهن ثم أرادته تعالى بعد ذلك أن يرفع شأن المؤمنين بصفات الكمال.
ونأتي بآيات الكتاب التي جاء فيها النداء بـ(يا أيها النبي) في القرآن الكريم بحسب ترتيبها في المصحف وكما في قوله تعالى:
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[8].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)[9].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ)[10].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[11].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)[12].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ)[13].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)[14].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ)[15].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)[16].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)[17].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)[18].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)[19].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)[20].
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[21].


[1] - سورة عبس اية رقم 1 و 2.
[2] - سورة المدثر الاية 8 – 26.
[3]- سورة الانبياء الاية 107.
[4] - سورة القلم الاية 4.
[5] - سورة الانعام الاية 52.
[6] - سور ال عمران الاية 159.
[7]- راجع : التفسير المباشر الدكتور محمد الربيعة.
[8] - سورة الانفال الاية 64.
[9] - سورة سورة الانفال الاية 65.
[10] - سورة الانفال الاية 70.
[11] - سورة التوبة الاية 73.
[12] - سورة الاحزاب الاية 1.
[13] - سورة الأحزاب الاية 28.
[14] - سورة الأحزاب الاية 45.
[15] - سورة الأحزاب الاية 50.
[16] - سورة الأحزاب الاية 59.
[17] - سورة الحجرات الاية 2.
[18] - سورة الممتحنة الاية 12.
[19] - سورة الطلاق الاية 1.
[20] - سورة التحريم الاية 1.
[21] - سورة التحريم 9.