الثلاثاء، 11 أبريل 2017

ما جاء محمد به يكبت الحياة ويجعلها حزينة ص


ما جاء محمد به يكبت الحياة o 
الرسول هو نبي الرحمة جاء o بالقران والإسلام فاحذر أخي المسلم التسميات التي تروج في الكتب عن لإسلام، كأن يقول (مُحمديّ) وتجد ذلك في قواميس اللغة الإنكليزية فهذه تسميات يريدون من ورائها القول: إن الإسلام من صنع محمد.
وكيف لنا كعباد الله أن نقبل بغير الاسم الذي سمَّانا به رب العالمين: ]هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُۙ وَفِى هَـٰذَا ۖ  لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ[[1].
وكما قالوا[2] إن كل قائد أو رئيس جماعة في هذه الدنيا كان له أسراره الخاصة به، التي لا يطلع عليها لا خاصته ولا عامته من الناس، أما نبينا محمدo فهو الوحيد بالعالم الذي لم يكن له أسرار خاصة ولا حياة خاصة.
بل كان أصحابه جميعاً يعلمون كل دقائق حياته، حتى علاقاته مع امهات المؤمنين نسائه قد علمها المسلمين، وأصبحت سيرة حياته عندهم سنَّة يتعبدون بها إلى الله تعالى، فهل في الدنيا خُلُق كخلق رسول اللهJ.
ولاتنسى الشبهات التي يطلقها أعداء الإسلام حول تعدد زوجات الرسولJ واتهامه بأنه كان مغرماً بالنساء.
وانت تلاحظ ان الدعاة يرتقون او يصعدون المنابر ويلقون بالاحاديث عن طوافه على زوجاتهِ كما في صحاح المسلمين مثل البخاري ومسلم فننصحك ان تراجع الصحاح حول ما كتب عن نبيك الشريفJ.
ثم ان المتخصصين من المسلمين يعلم يقيناً كان زواجهo من أمهات المؤمنين بدوافع متعددة؛ مثل تزوُّج الأرامل التي استشهد أزواجهن في الحرب، أو التقرب إلى القبائل بالمصاهرة[3].
وقال العالم الأمريكي أليكسي لوازين: (لقد خلَّف محمدٌ للعالم كتاباً هو سجل البلاغة وآية الأخلاق، والانسجام التام بين تعاليم الإسلام وبين القوانين الطبيعية، ولا يوجد تعارض بين حقيقة علمية وحقيقة قرآنية، وهذا الأمر أتعبنا جداً في ديانتنا هذه، لأنها ليست منسجمة مع حقائق الوجود، وذلك لأن التحريف وصل لها).
وذكر القديس بودلي الأمريكي فقال: ( إن القديس بطرس لو عاد إلى رومة لامتلأ عجباً من الطقوس الدينية الضخمة وملابس الكهوف المزركشة! فلن تُعيد البخورُ، ولا الصورُ، ولا الرقعُ، ولا التماثيلُ، إلى ذهنه أي شيء من تعاليم سيده المسيح. ولكن لو عاد محمد إلى أي مسجد من المساجد المنبثة في العالم ما بين لندن وزنجبار لوجد نفس الشعائر الدينية التي كانت تقام في مسجده المبني من الطوب وجذوع الأشجار في المدينة)[4].
وتجد من علماء النفس الغربيين من هاجم الاديان قال: ( إن الالتزام بالدين يكبت النشاط الحيوي للإنسان، وينكد عليه حياته، نتيجة الشعور بالإثم، ذلك الشعور الذي يستولي على المتدينين بشكل خاص، فيخيل لهم: أن كل ما يصنعونه خطايا لا يطهرها إلا الامتناع عن ملذات الحياة).
ولكن تجد ان هناك بعض الناس يردد الكلام الآتي: (لقد ظلت أوروبا غارقة في الظلام طيلة تمسكها بالدين، فلما نبذت قيود الدين البالية تحررت مشاعرها من الداخل، وانطلقت في عالم العمل والإنتاج)[5].
وهناك يسألون : أتريدون أن تعودوا بنا الى ظلام النفس مرة أخرى إلى هذا الكبت؟ تريدون أن تكبتوا المشاعر، وتنكدوا على الشباب المتدفق؟ أتريدون أن تعودوا إلى (هذا حلال وهذا حرام) بعد أن تحررنا منه؟.
وايضا يقولون : إذا انتشر الاختلاط فيما بين الشباب والفتيات تتهذب طباع كل منهما، وتقوم بينهما بعد ذلك صداقات بريئة.
وأما إذا ضرب بينهما (الشباب والفتيات) بسور من الاحتجاب، فإن نوازعنا الجنسية تلتهب وتغري كلاًّ منهما بصاحبه، ويشيع بعد ذلك الكبت في النفوس؟.
ولا بد ان تسمح لنا من توضيح زيف تلك الادعاءات من تحديد مفهوم (الدين) الذي تحررت أوروبا منه؛ فالصورة التي يعرفها الغربيون عن (الدين والديانات).
هي صورة إيام عصور الظلام حينما كان الرهبان (الكنائس وغيرها) يتحكمون في كل شيء حتى في الملوك أنفسهم، حينما قُتل العلماء في كل مفاصل المجالات والعلوم لأنهم تجرَّؤوا وفكَّروا، فكان نتيجة تفكيرهم حقائق علمية تصطدم مع تعاليم دينهم المحرَّف، حينها انتشرت صكوك الغفران.
تلك هي الحقيقة لـ(صورة الدين) عندهم عندما كانوا يتحدثون عن الدين، لذلك انطلقوا عندما ثاروا عليه، ونحن معهم في هذه الثورة؟.
وأما نحن ماذا لدينا اليوم فقد توقف تقدمنا العلمي عندما أهملنا ديننا، واسألوا التاريخ والسير كيف كان المسلمين عندما تمسَّكوا بدينهم، وكيف أصبح واقعنا الحالي اليوم متخلفاً هزيلاً عندما تخلَّينا عن مبادئ ديننا.
وأما عن قولهم كبت الإسلام النشاط الحيوي؛ فينبغي أن نحدد معنى لفظة (الكبت) أولاً.
فليس معنى الكبت هو الامتناع عن إتيان العمل الغريزي لدى الانسان، ولكن الكبت ينشأ من استقذار الدافع الغريزي، وعدم اعتراف الإنسان في حقيقة نفسه أنه يجوز له أن يخطر في باله هذا الدافع.
فالذي يأتي من البشر هذا العمل، وفي داخل شعوره أنه يرتكب قذارة لا تليق به، فهو شخص يعاني من الكبت حتى ولو (ارتكب) هذا العمل عشرين مرة كل يوم.
اذاً : إن دعوى الاختلاط فيما بين الشباب والفتيات لغرض تهذيب الطباع وإقامة صداقات بريئة بحسب المدعى هي دعوى يعلم زيفها من يطلعها ويدقق فيها.
واما إذا ما أحس أي شاب بالرغبة الجنسية الدافقة فليس في ذلك منكر، ولا يوجد داع لاستقذار هذا الإحساس والنفور منه لانها طبيعة تركيب الناس.
إنما يطلب الإسلام من الشباب أن يضبط هذه الشهوات ويتكم بها لا هي تتحكم به، ومن ثم يعلق تنفيذها إلى الوقت المناسب من خلال الطرق التي يراها الشاب مناسبة له ضمن حدود الاسلام.
إن ما يقال من تنكيد او نكد الدين على أتباعه، ومطاردتهم بشبح الخطيئة في يقظتهم ومنامهم ليل ونهار غير صحيح أبداً، فالله تعالى يفتح باب المغفرة والتوبة قبل أن يذكر العذاب.
والذنب او الخطيئة في الإسلام ليست وحش يطارد الناس، فخطيئة ابونا آدم[6]A هي ليست سيفاً مسلَّطاً على كل البشر بل هي كما قال الله تعالى: ]فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَـٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِۚ[[7].
وأبناء ابو البشر آدمA ليسوا خارجين من رحمة الله حين يذنبون (يخطئون) فالله تعالى يعلم طبيعتهم, ويقول الله تعالى عنهم: ]مَّا يَفْعَلُ ٱللهُ بِعَذَابِكُـمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ  وَكَانَ ٱللهُ شَاكِراً عَلِيماً[[8].
فماذا يستفاد حينما يفعل الله تعالى بتعذيب الناس؟ وهو الذي اوجدهم للدنيا فهو يحب أن يمنحهم الرحمة والمغفرة لا ينتقم منهم.
وتجد الله تعالى قد وضع نظام متكامل لمعالجة المشكلة قبل وقوعها، ولهذا حذرهم ومنعهم لكي يقول لهم الله تعالى: ]وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَىۖ[[9].
أي بمعنى أن للزنى أسباب فلا تقترب من أي طريق يؤدي للوقوع به ولم يقل الله تعالى: (لا تفعلوا الزنى أو لا تقعوا في الزنى)، لأن مبدأ الإسلام في هذه المسائل هي (الوقاية خير من العلاج) فإن أخطأ الإنسان وفعل الزنى فإن الله تعالى يبسط يده بالليل والنهار لكي يتوب على المسيء.
كذلك اكد على احدى المقدمات وهي التنبيه إلى خطورة النظرة الحرام؛ فالنظرة تعتبر رائد الشهوة بل هي بذرة التكوين، وحفظها حفظٌ للفرج، ومن أطلق بَصَره أورد نفسه موارد الهلكة.
وغني عن الكلام هنا انه لا بد من اعتبار كل من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر وبنبوة الرسول الأعظم محمد o هو أخ مسلم بغض النظر عن هويته وقوميته وعرقه.
أو كان الاختلاف معه حول بعض التفاصيل الجزئية، ولا بد للجميع من وضع الأمور في نصابها بعدم تضخيم السلبيات الجزئية، أو توهين المشتركات الأساسية الجامعة للناس، لغرض الانسياق خلف حملات إعلامية مضادة.
ومن أجل تعزيز هذا الموقف لا بد للمسلمين من الاستعانة بالقرآن الكريم والعودة اليه، كما في قوله تعالى: (وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)[10] وفي آية أخرى (..فاتقون)[11].
وفي نفس الوقت لا بد للمسلمين من التحرر من الوقوع في أسر التراث وفتاوى العلماء السابقين حتى لو كانوا رؤساء مذاهب، اذا كانت فتاواهم متطرفة او تكفيرية تتعارض مع روح القرآن الكريم والوحدة الاسلامية.
ولكي نتحرر من ذلك العبء وهو التراث الثقيل الذي يفرض نفسه على العقل المعاصر، لا بد من القيام بحركة نقد قرآنية للأحاديث المنسوبة الى الرسول الأعظمo.
 مع دراسة الظروف السياسية السائدة انذاك التي ساهمت بتكوين المذاهب، والاجتهاد في أمور كثيرة منها العقيدة والفقه والتاريخ.
وبالطبع فان ذلك لا يمكن الا من خلال نبذ التعصب الأعمى والتقليد للآخرين. مع التحرر من أسر وقيد المصطلحات الموروثة كـ(سنة وشيعة) لأنها غير دقيقة ولا معبرة عن الحقيقة، وخاصة عندما يتم إلصاقها بالوراثة على كل مولود يولد في العالم الاسلامي وهو لا يفقه من تلك الأسماء أي شيئ.
لقد نشأت تلك الأسماء والمسميات من خلال ظروف تاريخية معينة، وكانت تحمل دلالاتها الواضحة جداً، ثم تطورت وانتشرت، ودخل في كل طائفة أو مذهب، أشخاص جدد، وجماعات مختلفة مع مرور الزمن.
كما حاولوا طبع المذاهب السابقة بهوياتهم وأفكارهم الخاصة المقيدة بالسلاطين، وطرد أصحاب المذاهب الأصليين من العناوين التي (تنتمي) اليهم، ثم تشعبت هذه المذاهب والطوائف، عبر الزمن لكي ينقلها لنا التاريخ، واحتوى كل واحد منها على مجموعة من تيارات وأحزاب ومذاهب.
حتى أصبحت كل طائفة تضم مجموعات من الطوائف، وربما تقاتل هؤلاء مع اخوانهم، وتحالف فريق منهم مع أعداء الأمس أو اقتربوا من فكرهم، حتى صعب في الواقع اليوم تعريف أي مذهب او التفريق بينه وبين المذاهب الأخرى.
بعثة النبوّة للحياة لا لكبتها
ان ما هو متعارف اليوم من رأي سائد من ان الديانات افيون الشعوب لانها تكبت الحياة فنقول لهم ان هذه الحياة التي انتم فيها هي لواحد ويحق لهذا الواحد الاحد ان يفعل بها مايشاء ويبعث ما يشاء ومنها الانبياء.
كما قال الاستاذ الشيخ جعفر السبحانيK انه من البحوث الكلامية المهمة بحث النبوّة ومن المسلّم به أنّ المعتقد لابدّ أن يدعم بدليل قاطع، فما هي الأدلّة العقلية والنقلية التي يمكن إقامتها لإثبات لزوم بعثة الأنبياء؟
وجوابه لقد أقام المتكلّمين العديد من الأدلّة العقلية لغرض إثبات لزوم بعثة الأنبياء والرسل، ومن بين تلك الأدلّة، دليل «قاعدة اللطف» أو ما عبّروا عنه في بعض الاحيان بـ«مصالح العباد».
واما دلالة قاعدة اللطف على لزوم البعثة قبل الدخول في فيها ينبغي الاشارة إلى نقطة مهمة وهي: انّ اللطف في اصطلاح المتكلّمين يطلق على معنيين احدهما اللطف المُحصِّل. والاخر اللطف المقرِّب.
والقصد من اللطف المحصِّل هو عبارة عن القيام بالمبادئ والمقدّمات التي توقّف عليها غرض الخلقة مع صونها من العبث واللغو.
وأمّا المقصود من اللطف المقرب هو عبارة عن القيام بما يكون محصّل وسبب لتقرّب عباده من الطاعة والامتثال للأوامره تعالى مع الابتعاد عن العصيان والتمرّد عليه بدون أن يتنافى مع أصل الاختيار والحرية في التصميم واتخاذ القرارات.
ويمكن إثبات لزوم بعثة الأنبياء من خلال هذهِ القاعدة (اللطف) على أساس كلا المعنيان وهما (اللطف المحصّل والمقرّب).
أمّا اللطف المحصّل لأنّه من الثابت عند الجميع أنّ الهدف من خلق الإنسان هو معرفته تعالى مع تكامله الروحي والمعنوي.
فمن الطبيعي أنّ الوصول إلى هذا الهدف والغاية وتحصيل هذه الغاية المهمة لا يحصل عليها الإنسان ولا يمكن له ان ينالها إلاّ إذا توفّرت قيادة حكيمة تستطيع أن تأخذ بيد الإنسان في هذا الطريق ألا وهي قيادة الأنبياء والرسلD.
والسبب لأنّ العقل مهما أُوتي من قوة وقدرة على الإدراك فإنّه عاجز عن الاستمرار في هذا الطريق الشائك وبصورة كاملة لوحده، وكذلك نفس الكلام يجري في الفطرة الإنسانية، فهي كالعقل عاجزة عن الاحاطة وتسليط الأضواء على جميع الزوايا الخافية في طريق الحركة والتكامل البشري.
ولكن لاحظ عبارات المتكلّمين تجدها في هذا المجال تنسجم مع قسم واحد من أقسام اللطف وهو «اللطف المقرب».
وخلاصة الكلام انّ العقل يرشد الإنسان بصورة مستقلة إلى سلسلة من تكاليف ووظائف أخلاقية، مثل شكر المنعم، ورعاية العدل في المعاشرة، وأداء الأمانات وغيرها.
فالعقل يرى كلّ ذلك حسناً ويجب الامتثال له، وكذلك يدرك العقل أنّ هناك مجموعة من الصفات والأفعال القبيحة يجب اجتنابها من قبيل كما في كفران النعمة، والظلم وخيانة الأمانة، وغيرها من الأُمور القبيحة والذميمة.
بلا شكّ أنّ من بين أفعال الإنسان تجد سلسلة من الأفعال يستطيع الإنسان القيام بها والاقتراب منها اكثر من خلال مراعاة أوامر وإرشادات عقله بالتالي يصبح موفقاً في هذا المجال، وكذلك يجد سلسلة من الأفعال التي يحكم العقل بوجوب الاجتناب والابتعاد عنها.
ولكن مع ذلك كلّه تجد قدرة العقل محدودة وغير قابلة لإدراك جميع الأُمور الحسنة أو القبيحة، إذ إنّ هناك الكثير جداً من الأُمور التي عجز العقل عن إبداء رأيه بها.
ولكن الخالق اللّه تعالى العالم بكلّ شيء مطلع عليها وعالم بها ويستطيع أن يوصلها للإنسان من خلال طرق آخرى غير طريق العقل، وهذا الطريق هو الذي يسمى «بعث الأنبياء».
وهو ما يصطلح عليه «بقاعدة اللطف» التي ذهب الحكماء إلى وجوبها على اللّه تعالى (بمعنى أنّه مقتضى حكمته ورحمته الإلهية يوجب على اللّه بعث الأنبياء لهم).
وعلى هذا الأساس يصبح بعث الأنبياء من خلال اعتباره مصداق جلي وواضح تفسير معنى «اللطف الإلهي على عباده»  واجباً ولازماً.
وقد بيّن المحقّق الطوسيu هذا المعنى من خلال عبارة مختصرة ومعبّرة حينما قالH: «وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية»[12].
فمنهجية المتكلّمين لإثبات وجوب بعثة الأنبياء تبنى على كون النبوة لطف في التكاليف العقلية وشرط في التكاليف السمعية (الشرعية) وما كان مشتمل على تلك الخصائص والصفات فهو لازم.
وبعبارة اخرى قال المقداد السيوري مثلاً: الثالث: في وجوب بعثته ويدخل فيه بيان غايتها ولنا فيه طريقان. أحدهما: طريقة المتكلّمين وهو انّها مشتملة على اللطف في التكليف العقلي وشرط في التكليف السمعي، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب.
امّا بيان أولى الصغرى فلانّ العبادات متلقاة من النبي ولا شكّ انّ المواظبة عليها باعثة على معرفة المعبود الواجبة عقلاً فيكون لطفاً فيها.
ولانّ الثواب والعقاب لطفان ولا يعلم تفاصيلهما إلاّ من جهته أيضاً، وأمّا بيان ثانيهما فظاهر.
وأمّا الكبرى: فلما تقدّم من وجوب اللطف وكذا التكليف فشرطه لو لم يكن واجباً لجاز الاخلال به فيجوز الاخلال بالمشروط الواجب وهو على الحكيم محال[13].انتهى.
واما الحكماء فلهم كلام في وجوب بعثة الأنبياء فلقد سلكوا طريق آخر لإثبات لزوم بعثة الأنبياء وهي ضرورة حاجة المجتمعات البشرية إلى قانون، والذي هو بدوره سبب لصيانة النظام وحفظ نسل البشر.
وواضح جداً انّ وضع هكذا قانون يستطيع حفظ النظام والنسل البشري وعلى شكل صورة واقعية وعادلة خارج عن قدرة الإنسان، سواء كان فرداً أو جماعة.
والسبب لأنّه ينبغي للمقنن أن يتوفّر على مجموعة من المؤهلات والشرائط العالية، التي لا يمكن توفرها إلاّ لدى المصور المبدع الخالق اللّه سبحانه وتعالى.
فنزعة الإنسان تميل إلى الحياة المدنية وهذا ممّا لا شكّ فيه أنّ الإنسان ميّال للحياة الاجتماعية العامة كذلك ـ وبشهادة التجربة ـ انّه لا يتسنّى للإنسان أن يعيش حياة اجتماعية منسجمة وصحيحة بدون قانون جامع وشامل، ولهذا لابدّ من اصدار قانون تتوفر فيه المزايا التالية منها:
منها : تحديد حقوق ومسؤوليات جميع أفراد المجتمع لأنّه ما لم تحدد وتعيّن وظيفة الفرد ومهامه وحقوقه سوف تحدث حالات من التصادم والتنازع فيما بينهم حتّى لو كان أفراد المجتمع وصلوا إلى درجة عالية من التكامل المعنوي وكانوا كالملائكة.
لأنّ جهل معرفة حدودهم وعدم اطّلاعهم على حقوقهم وواجباتهم سوف يجرهم إلى الصراع والتنازع والتضاد. فاذا لم تتحقّق هذه الأمور من خلال تشريع جامع فإنّه لايمكنهم الوصول إلى حياة اجتماعية هادئة وبعيدة عن الصراع والتصادم.
منها : أن تتوفر في  المقنن شرطين الاول أن يكون المقنن عارف بالإنسان والانسانية معرفة كاملة وأهمّ خطوة في وضع القوانين، هي معرفة المقنّن بالمورد الذي يضع له هذه القوانين.
فحينها لابدّ أن يكون عارف بأسرار ما خلق كجسم الإنسان وروحه ونفسياته، لكي تصبح تشريعاته ناجحة وناجعة في معالجة مشاكل الإنسان، مثله كالطبيب كلّما كانت معلوماته وافرة وكاملة كلّما كان علاجه مفيد وناجح في علاج المرض.
والشرط الثاني أن لا يكون المقنن منتفع بالقانون لأنّه واضح جداً أنّ المقنّن إذا كان ينتفع بالقانون الذي يصدره فإنّه نابع ومنطلق من حبّ الذات والأنانية وسوف يرسم قانونه بصورة تؤمن له منافع شخصية أو منافع للمقربين منه، وحينها سيكون ذلك حجاباً يحجب عقل المقنّن وفكره عن الموضوعية بالتشريع.
منها : وجود ضمان لتنفيذ هذا القانون فهو ليس مجرّد حبر على ورق، بل يلبي أهداف المشرّع عندما تتوفر الضمانة التنفيذية له (القانون). فإذا كان القانون بشري فلا شك انّ الضمانة التنفيذية لم تتحقّق من خلال رجل الامن والقوة القضائية.
حيث تستطيع هاتين المؤسستين من حد مخالفة هذا القانون ظاهراً بشكل محدود وقد يسري الأمر إلى أن ينحرف نفس المدافعين عن هذا القانون (رجل الامن وقوة القضاء) وينخدعون بسبب عوامل  كثيرة لمخالفة القانون ثم التعاون مع المنحرفين عن القانون.
وأمّا إذا كان هذا القانون إلهي فلا شبهة من أنّه سيحظى بقدر من القداسة والاحترام الكبير، ويتوفر على قدر أكبر من الضمانة التنفيذية في ظلّ الإيمان باللّه تعالى واليوم الآخر.
فهكذا قانون شامل وجامع هو وحده يستطيع أن يمنح الرفاه والاستقرار والطمأنينة للفرد والمجتمع، ولا يمكن توفر ذلك إلاّ في القانون الإلهي. لأنّ المقنن البشري بسبب محدودية علمه وقصور معارفه ومدركاته في مجال علم النفس والاجتماع وغيرها.
وعدم قدرة الانسان على معرفة العواطف والإحساسات والمشاعر النفسية بشكل دقيق، يصل إلى طريق مسدود ومن ثمّ يحصل على الفشل والانكسار.
وإن تجاوزنا كلّ ذلك فإنّ الإنسان مهما يسعى للحفاظ على طهارة نفسه ونقاء روحه المعنوية، لكنّه لا يمكن له التخلّص من قبضة القدرة الخفية لحبّ الذات ومصالحه ومصالح قومه ومقربيه، بالنتيجة سوف تسوقه تلك الضغوط والتوجهات الداخلية إلى اتجاه النفعية والمصلحية.
وبغض النظر عنهما فإنّ الضمانة التنفيذية والرقابة الداخلية ضعيفة جدّاً بالقوانين البشرية، والسبب هو عدم قدسيتها، ولذلك تجد يوماً بعد يوم ازدياد عدد محاكم القضاء ومراكز الشرطة وكثرة السجون والسجناء في جميع أنحاء العالم.
اذاً لابدّ من وجود قانون كامل وشامل وهذا لا يتوفر إلاّ في الشرائع السماوية التي تطرح عن طريق الأنبياء، ولذلك ينبغي أن يبعث اللّه تعالى الأنبياء، وهم يحملون تشريعاً متكاملاً يتسنّى من خلاله حفظ النظام وبقاء النوع البشري[14].
فهذه خلاصة الطريقين اللّذين ذكرهم المتكلّمين والحكماء لإثبات لزوم بعثة الأنبياء نقلناهم بشكل مختصر وعبارة ان شاء الله تكون واضحة ووافية.
وهنا من المناسب الاشارة إلى الحديث الذي رواه هشام بن الحكمE عن الإمام الصادق A في خصوص لزوم بعثة الأنبياء وتمت الإشارة فيها لكلا المنهجين المذكورين وهو منهج المتكلّمين ومنهج الحكماء.
قال هشام بن الحكمE: سأل الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه A  فقال: من أين أثبت أنبياءً ورسلاً؟ قال أبو عبد اللّه A :
« إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، ولا يباشرهم ولا يباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه فثبت أنّ له سفراء في خلقه يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه وثبت عند ذلك أنّه له معبّرين.
وهم الأنبياء وصفوته في خلقه حكماء مؤدَّبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى... فلا تخلو أرض اللّه من حجة يكون معه علم يدلّ على صدق مقال الرسولo ووجوب عدالته»[15].انتهى.

[1]- سورة الحج الاية 78.
[2]- كتاب العظماء مئة اولهم o.
[3]- وللمزيد راجع موسوعة اتقان القران وعلوم الرحمن تاليف ساجد شريف عطية الجزء9 والجزء10 والجزء11 بعنوان (رد الشبهات حول القران).
[4]- هذا هو الإسلام - للشيخ متولي الشعراوي ص26-28.
[5]- راجع : همسة في اذن الشباب للاستاذ حسان شمسي باشا.
[6]- هي ليست بخطيئة بل من باب ترك الاولى فهم معصومين عن الخطأ.
[7]- سورة البقرة الاية 37.
[8]- سورة النساء الاية 147.
[9]- سورة الإسراء الاية 32.
[10]- سورة الانبياء الاية 92.
[11]- سورةالمؤمنون الاية 52.
[12]- كتاب كشف المراد:273، طبعة ايران قم المقدسة مصطفوي.
[13]- كتاب اللوامع الإلهية:166ـ 167، طبعة ايران تبريز.
[14]- راجع : الإشارات:1/371; تلخيص المحصل، 363، طبعة ايران طهران; كشف المراد:371، طبعة ايران قم، مصطفوي; اللوامع الإلهية:167، طبعة ايران تبريز; المغني للقاضي عبد الجبار:15/19، طبعة مصر; شرح الأُصول الخمسة:563،طبعة مصر القاهرة.
[15]-  سلسلة بحار الأنوار:11/29ـ 30.