الثلاثاء، 11 أبريل 2017

مناقشة نظرية ( لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن )


مناقشة النظرية ( لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن )
ان الحديث الذي رواه مسلم وغيره وهو (لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه ) أسس لنظرية وقاعدة.
فالناظر للمرة الاولى في هذه النظرية يضع حولها مجموعة أسئلة واشكالات، فالنبي o مبعوث للعالمين، والاسلام هو خاتم الاديان، وظهوره على باقي الاديان أمر لا مفر منه كما في قوله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ )[1].
والقرآن باقِ إلى يوم يبعثون فهو أبدي ولكل الناس، فكيف يترك النبيo معجزته الخالدة معلقة في صدور صحابته وفي العسب واللخاف؟.    
فلابد من إنّ الصحابة راحلين عمّا قريب، وسيأتي الاجيال ترى وترى، فأين ستجد معجزة النبي o لكي تؤمن بها وتعمل بقرآنه؟ هل يبحث الجيل القادم عنه في صدور الصحابة؟
فالصحابة أموات، ولا يمكنك ان تقول أنّه كان في ذهنه الشريف o أن يقوم كل جيل بنقل القرآن عن الجيل الذي سبقه مشافهةً وحفظاً على القلب، إذ لا دليل على هذا الكلام، وهو يؤدي بذلك إلى ضياع القرآن واندراس آياته، وقد ذكروا ان عبدالله بن مسعود ينكر المعوذتين من القرآن[2].
وعلى فرض بقاء أمر القرآن كما هو عليه قولهم من عدم الجمع، لجاء التابعين بعدهم وأنكروا بعض السور، تبعاً لابن مسعود، وهذا الانكار قد يحدث في كل جيل.
وقد يثار خلاف كبير بين العلماء حول سور القرآن، بعد فقدان الذوق الادبي عند الكثير منهم وعدم الادراك الحقيقي لاعجاز القرآن البياني.
وهكذا سيصبح مصير السنّة النبوية التي تبيّن مجمل القرآن الكريم وتخصّص عامه وتقيّد مطلقه، بل أمر السنّة من خلال هذه النظرية أخطر من القرآن، فالنبي o في تصوّرهم لم يكتفِ بعدم كتابة السنة.
بل هو النهي (على رأي البعض) عن تدوينها، وعليهِ فإنّ تخطيط النبيo المستقبلي هو أن تروى السنّة مشافهةً ولا تكتب، ولا يمكن ان تتصوّر هذا على محمدJ.
فإن تصوّرناه (مشافهةً ولا تكتب) في جيل التابعين وتابعي التابعين والجيل الذي يلي بعدهم. فكيف تتصوره الان ؟ عمّن نأخذ السنة ؟ وكم سيبلغ طول سند الحديث.
فهل سيتصل سند الراوي  بالنبي o خلال هذه القرون الاربعة عشر أم لا ؟ كيف سيتم الوثوق بهذا العدد الهائل الكثير من الرواة ؟ وأيُّ كتاب سيتكفّل ببيان أحوال الرواة لكي نعرف صدقهم من كذبهم؟.
وقد يأتي بعدها جيل بعد آخر ثم تتضاعف المسافة بين الاجيال وبين النبي o وحاصله تزداد المشكلة تعقيداً على تعقيدها الاول!
والكل يعرف أنّ كثرة الوضع (الوضاعين) في الحديث النبوي قد فاضت في القرنين الاولين، كما وصف الدارقطني هذه الحالة الرهيبة بقوله : « إنّ الحديث الصحيح في الحديث الكذب كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود »!
ومثلهِ قال حماد بن زيد : « وضعت الزنادقة على رسول اللهo أربعة عشر ألف حديث». وحينما اُخِذُ ابن أبي العوجاء الزنديق لكي يُضرَب عُنقِه قال : «لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال وأحلل الحرام»[3].
ومع ملاحظة هذا الوضع الواضح في القرون الاولى فكيف سيصبح الوضع في القرون اللاحقة والتي ستاتي والنتيجة فإنّ عدم كتابة السنّة يؤدي الى ضياعها وتحريفها مع مرور الزمن، كما هو قول ابن الصلاح:
« ثمّ إنّه زال ذلك الخلاف ـ أي هل تكتب السنة أم لا ـ وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الاعصر الاخيرة»[4].
نعم هذه هي النتيجة لكي يجعلونك تتوهم أنّ النبي محمد o كان قد أخطأ (اعوذ بالله) بتركه كتابة السنّة، وبعد وفاته o أدرك ذلك العلماء والامراء من خطورة هذا النهي فخالفوه وأباحوا كتابتها.
كما كتب الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز إلى عامله في المدينة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم : « أنظر ما كان من حديث رسول اللهo أو سنته فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء»[5].
سبحان الله ؟ عمر بن الخطاب يخاف من ضياع القرآن، فيأمر أبا بكر بجمعه، ويخاف عمر بن عبد العزيز من ضياع السنّة فيأمر بكتابتها، فهل كان العمران أكثر حرص على الاسلام من نبي الرحمة o؟
لقد كان النبي o في حياته يقرأ مستقبل الاسلام لصحابته ويخبرهم كيف يكُذبُ عَليه في حياته وبعدها ستكثر عليه الكذّابة فقالo: «من تعمّد علىّ كذباً فليتبوّأ مقعده من النار»[6] فكيف لا يضع الضمانات - بتدوين سنته الشريفة -  لقطع الطرق على هؤلاء الكذابين كما يقول ابو الحسن الندوي السلفي:
« ثم إنّ الحديث زاخر بالحياة... ولم يزل باعثاً على محاربة الفساد والبدع وحسبة المجتمع، ولم يزل يظهر بتأثيره في كل عصر وبلد من رفع راية الاصلاح والتجديد، وحارب البدع والخرافات والعادات الجاهلية، ودعا إلى الدين الخالص والاسلام الصحيح، لذلك كله كان الحديث من حاجات هذه الامة الاساسية، وكان لابدّ من تقييده وتسجيله ونشره»[7].
فإذا كان الحديث من حاجات الامة الاساسية، ولابدّ من تقييده وتسجيله ونشره، فلما لم يَقُومْ رسول الله o بتقييده وتسجيله كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : « ألا وإني أشهد لسمعت رسول الله o يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الاخرى حتى يصلحها»[8].
فهل يمكن أن يصدق العقل السوي أن رسول الله o يهتم بانقطاع الشسع ويترك سنة الامة بدون تقييد وتسجيل!
فلقد كان الملك حمورابي شخص عادي ولكنه وضع مجموعة قوانين وقبل وفاته كانت مدوّنة حتى اصبحت مرجعاً لما بعده بلا خلاف في صحتها، وحمورابي ليس بنبي وليس مبعوث لقومه ولا لجميع البشر، لكنه اتخذ حيطة للامور اللازمة لكي تحفظ تلك القوانين، فهل كان هذا الملك أكمل وأبعَد نظراً من سيّد الخلق o. لا. والله.
واليوم في عصرنا الحاضر لا تجد دولة إلاّ ولها دستورٌ مدوّنٌ في كتاب، فهل هذه الدول تعتبر أكثر حضارةً وتنظيراً من دولة الاسلام. فهل عرفت بعض الاشكالات التي جاءت على النظرية.
ويمكن الردّ عليك بقولهم : لقد ترك رسول الله o الكتاب والسنة دون جمع والسبب لانه كان يعلم أنهما سيجمعان في المستقبل فتركهما للامة.
وهذه دعوى بلا دليل فقد كان بعض الناس يقرأون في حياة النبيo كما في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ)[9] فأخبرت الاية ان الدين كامل وجاهز لكي ينتشر في أرجاء البلدان والامصار.
وابسط مصداق لهذا الكمال كون الكتاب والسنّة مجموعين لكي ينتشرا في البلاد المفتوحة، فالدين كامل قبل أمر عمر لأبي بكر بجمع القرآن، وقبل ولادة الزهري والبخاري ومالك.
وبالإضافة لهذا ، فإنّ الصحابة - وجميع البشر - مكلَّفين وليسوا مؤلفين، وليس لهم شأن بجمع القران والسنة لانهما من عند الله تعالى وهو الذي أنزلهما وهو الذي تكفل بحفظ كتابه كما في قوله تعالى (إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[10].
ومع كل هذا سنواصل مع أصحاب هذه النظرية ونفترض أنّ رسول الله o ترك الكتاب والسنة بدون جمع، لعلمه أنهما سيجمعان في المستقبل.
فهل هذا الافتراض كافي لاقامة الحجة على الناس ؟ وكيف سيتمُّ التعامل مع الكتاب والسنّة. وكيف سيُعرفون الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام وغيرهما.
ألا تحتاج ايات القرآن إلى بيان صحيح وترجمة لمعانيها. فهل مثل هذا الرأي تجده مناسب مع كمال الدين وإتمام النعمة؟
إنّ رسول الله o عند هؤلاء لم يضع أي برنامج متكامل لكيفية التعامل مع الكتاب والسنة، وهذا ما لا يمكن تصديقه او تعقله. فهو o ذاك الانسان العظيم المسدد ذو النظر الثاقب الذي يرفض أنْ يرى بعين نبوته المستقبل القاتم للامة وتشتتها وتناحرها.
وهوo ذلك الحريص الرحوم الذي وصفه الله تعالى بأروع وصف كما في قوله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤمِنِيْنَ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ)[11].
فكيف تصدّق أنّ رسول الله o بيّن كيفيّة دخولك الحمّام وآدابه الاخرى ولم يشير لك لمفتاح التعامل مع الكتاب والسنة. فعدم وجود برنامج مستقبلي يحفظ الكتاب والسنّة نصّاً ودلالة يعتبر مدعاة لاختلاف الامة وتفرقها كما روى عن عبد الوارث بن سعيد أنّه قال :
« قدمت مكة فألفيت بها أبا حنيفة، فقلت له : ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً ؟ فقال : البيع باطل والشرط باطل. فأتيت ابن أبي ليلى فسألته عن ذلك، فقال : البيع جائز والشرط باطل. فأتيت ابن شبرمة فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز. فقلت في نفسي: سبحان الله!
ثلاثة من فقهاء العراق لا يتفقون على مسألة! فعدت إلى أبي حنيفة فأخبرته بما قال صاحباه فقال : ما أدري ما قالا لك، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله o عن بيع وشرط، فالبيع باطل والشرط باطل.
فعدت إلى ابن أبي ليلى فأخبرته بما قال صاحباه فقال : ما أدري ما قالا لك، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : أمرني رسول الله o أن اشتري بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل.
قال : فعدت إلى ابن شبرمة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني مسعد بن كداح بن محارب بن دثار عن جابر قال: بعث النبي o بعيراً وشرط حملانه إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز»[12].انتهى.
وبغض النظر عن أمر القران والسنة وجمعهما يعرض لنا اشكال اخر وهو: هل أشار رسول الله o إلى الحوادث المستجدة وكيفيّة استنباط أحكامها؟
وربما سيُجيبون عليك أنّ هناك القياس والاستحسان وغيرهما من مصادر التشريع، فالعلماء يرجعون لهذه المصادر لغرض استنباط أحكام المسائل المستحدثة. فيبقى الاشكال في محله. فمن أين اكتسبت هذه المصادر صفة الشرع واصبحت لليوم يعتمد عليها لكي تقارن مع القران والسنة.
فهي لم تاتي على لسان رسول الله o ولم ينزلها الله على نبيه ولم يقس o ولم يستحسن، بل كان يقول الله تعالى له بقوله تعالى ( إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَى)[13].
ولم يكن النبيo يرى لرأيه واجتهاده أي دور في التشريع كما قال تعالى: (إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ)[14].
فرسول اللهo يحكم بما يراه الله تعالى ولم يقل ابداً بما رأيته وبما قسته وبما استحسنته. فالملاحظ من خلال التتبع لهم أنّ مصادر التشريع هذه محلُّ خلاف غيما بين العلماء فمثلاَ تجد:
تجد : الحنفية أفرطوا في الاعتماد على القياس.
تجد : عكسه الحنابلة الذين لم يعتمدوا القياس إلاّ قليل.
تجد : أهل الظاهر أنكرو القياس مطلقاً.
تجد : أنكر الشافعية والمالكية المصالح المرسلة.
تجد : أنكر الشافعي الاستحسان وقد روي انه قال: « من استحسن فقد شرّع»[15].
وتنزلاً على فرض وجود القياس والاستحسان وغيرها من ضمن مصادر التشريع، ألا تحتاج إلى بيان كامل لمعالمها وكيفية تطبيقها عملياً. وقد تقرّر أُصولياً:
أنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة متحقق بموت رسول اللهo ورحل النبيo ولم يبين معالم هذه المصادر ولم يطبّق بعض الموارد عمليّاً.
فنسبة هذه الرؤية السلبية لمستقبل الاسلام إلى نبي اللهo كانت ثغرة نفذ منها بعض الكتاب وطعنوا برسولنا الكريمo والاسلام.
وكما قال إبراهيم فوزي : « كان المجتمع الاسلامي على توالي العصور خالياً من السلطة التشريعية اللازمة التي تشرّع للناس على الدوام حاجاتهم الزمنية المستجدة»[16].
وكذلك قال محمود أبو ريّة : « ولو أنّ النبي o كان قد عني بكتابة الحديث، كما عني بكتابة القرآن، وعني الصحابة من بعده بكتابته، لجاءت أحاديث الرسول o كلها متواترة في لفظها ومعناها.
وليس شيء منها اسمه صحيح، ولا شيء اسمه حسن، ولا شيء اسمه ضعيف، ولا غير ذلك من الاسماء التي اخترعوها، مما لم يكن معروفاً زمن النبي o وصحابته.
وبذلك كان يرتفع الخلاف في حقيقته، وينحط عن كاهل العلماء أعباء البحث عن صحته، ووضع المؤلفات الكثيرة التي صنفت في علوم الحديث والبحث عن أحوال الرواة من حيث العدالة والضبط والجرح والتعديل وغير ذلك.
وكان فقهاء الدين يسيرون على نهج واحد، لا اختلاف بينهم في أصله ولا تباين... إذ تكون أدلتهم كلها متواترة كالقرآن الكريم، فلا يأخذون بما سموه الظن الغالب ، الذي فتح أبواب الخلاف وفرّق صفوف الامة وجعلها مذاهبَ وفرقاً ومما لا يزال أمره بينهم إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم»[17].انتهى.
وكل هذا لانهم تركوا وصي رسول اللهJ كما ذكرته الاية الكريمة في كتابه الكريم بسورة الزخرف في قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون).
فعن[18] (قنوا) بنت رشيد عن أبيها: عن سلمان E عن النبي o في كلام ذكره في علي A فقالo: [ والله يا سلمان لقد حدثني بما أخبرك به قال في - كلام - ذكره: يا عليA قال الله تعالى:
(وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) حتى يسلموا عليك ثم يحيوك بتحية الكرام - الكبرى- ويلقي الله عليك المحبة العظمى ولا يبقى لله ملك ولا رسول ولا نبي ولا مؤمن ولا شجرة ولا شئ مما خلق الرحمان إلا أحبك].
ومثلهِ روي[19] قال:
حدثنا الحسن بن العباس قال: حدثنا الحسين (الحسن) - يعني ابن الحسين - قال: حدثنا عبدالله بن الحسين بن جمال الطائي: عن أبي خالد قال: كنا عند زيد بن علي D فجاء‌ه أبوالخطاب -الخطابي- قال عبدالله: هو الخطاب - ! يكلمه فقال له زيد: اتق الله فاني قدمت عليكم وشيعتكم يتهافتون في المباهاة، -فان- رسول o جدنا والمؤمن المهاجر معه أبونا، وزوجته خديجةB بنت خويلد جدتنا، وبنته فاطمة الزهراءB أمنا.
فمن أهله إلا من نزل بمثل الذي نزلنا، فالله بيننا وبين من غلا فينا ووضعنا على غير حدنا وقال فينا مالا نقول في أنفسنا، المعصومون منا خمسة رسول الله وعلي والحسن والحسين وفاطمة D....لان الله تعالى قال:
(يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)[20] أفترون ان رجالنا ليس مثل نساء‌نا إلا أنا أهل البيت ليس يخلو أن يكون فينا مامور على الكتاب والسنة لان الله تعالى قال: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون).
فاذا ضل الناس لم يكن الهادى –المهدى- إلا منا، علمنا علما جهله من هو دوننا، ما نعناه في علمنا ولم يضرنا ما فارقنا فيه غيرنا مما لم يبلغه علمنا، كانت الجماعة أحب إلي –علي- من الفرقة ثم الجماعة –من- بعد الفرقة على السيف إلا أن أمة محمد o جالت جولة.انتهى.
وكذلك روي[21] قال :
حدثنا أبو القاسم العلوي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال حدثنا الفضل بن يوسف القصباني قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن ظهير قال: حدثنا أبي عن السدي عن أبي مالك: عن ابن عباس E في قوله تعالى: (فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون) قال: بعلي بن أبي طالبA.
وكذلك روي[22] قال :
عن فرات الكوفي قال: عن ربيعة بن ناجذ قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب A يقول: فيّ نزلت هذه الآية: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون).
ومثلهِ عن فرات الكوفي[23] قال :
عن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالبA قال: عن جدهA: قال: جئت إلى النبي o وهو في ملا من قريش فنظر إلي ثم قالJ:
يا علي إنما مثلك في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا وأبغضه قوم فأفرطوا. فضحك الملا الذين عنده وقالوا: انظروا كيف يشبه ابن عمه بعيسى بن مريم. قال: فنزل الوحي: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون).
وكذلك روي[24] قال :
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب A قال: قال رسول الله o: يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم إن اليهود أبغضوه حتى بهتوه وإن النصارى أحبوه حتى جعلوه إلها. ويهلك فيك رجلان:
محب ومفرط – مطري- ومبغض -مفتري-  قال المنافقون ما قالوا ما رفع بضبع ابن عمه جعله مثلا لعيسى بن مريم A وكيف يكون هذا! وضجوا ما قالوا. فأنزل الله -تعالى هذه الآية-: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال: -أي- يضجون. وفي قراء‌ة أبي-بن كعب- يضجون.
وكذلك روي انه حدثنا عبيد بن كثير قال[25] :
حدثنا يحيى بن الحسن عن أبي عبدالرحمان (عبدالله بن عبدالملك) المسعودي عن الحارث بن حضيرة عن أبي صادق: عن ربيعة بن ناجذ قال: سمعت عليا A يقول: إني جالس عند رسول الله o إذ قالJ:
يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم D إن اليهود أبغضوه حتى بهتوه وبهتوا أمه وإن النصارى أحبوه حبا –حتى- جعلوه إلها وإنه يهلك فيك - رجلان محب مفرط ومبغض مفتر يقول- فيك ما ليس فيك. فبلغ ذلك ناسا من قريش فضجوا وقالوا: جعل له مثل عيسى بن مريم كيف يكون ذلك! –فنزل-: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون.
ومثله كذلك[26] ما روي عن الحسين بن سعيد ومحمد بن عيسى بن زكريا قالا: حدثنا يحيى عن الصباح المزني عن عمرو بن عمير عن أبيه قال: بعث رسول الله o علياA إلى شعب فأعظم فيه الفناء فلما أن جاء قالo:
يا علي قد بلغني نباؤك والذي صنعت وأنا عنك راض. قال: فبكى عليA قال فقال رسول الله o: ما يبكيك يا علي أفرح أم حزن؟ قال: بل فرح ومالي لا أفرح يا رسول الله وأنت عني راض. قال النبي o:
أما وان الله وملائكته وجبرئيل وميكائيلD عنك راضون، أما والله لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصاري في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك قولا لا تمر بملا منهم قلوا أو كثروا إلا قاموا إليك يأخذون التراب من تحت قدميك يلتمسون في ذلك البركة. قال. فقال قريش: ما رضي حتى جعله مثلا لابن مريم!. فأنزل الله –تعالى-: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون.
وحدثنا علي بن محمد بن هند (مخلد) الجعفي قال: حدثني أحمد بن سليمان الفرقساني – لفرقاني - قال لنا ابن المبارك الصوري!
لم قال النبي o لابي ذر ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر؟ ألم يكن النبي o - أصدق-؟ قال: بلى. قال: فما القصة يا أبا عبدالله في ذلك قال: كان النبي o في نفر من قريش إذ قالJ:
يطلع عليكم من هذا الفج رجل يشبه عيسى (بعيسى) بن مريم فاستشرفت – فاستشرق - قريش للموضع فلم يطلع أحد وقام النبيo لبعض حاجته إذ طلع من ذلك الفج علي بن إبي طالب A فلما رأوه قالوا: الارتداد وعبادة الاوثان أيسر علينا مما يشبه ابن عمه بنبي.
فقال أبوذرF: يا رسول اللهo إنهم قالوا: كذا وكذا فقالوا بأجمعهم: كذب، وحلفوا على ذلك، فوجد –فوجل- رسول الله o على أبي ذرE فما برح حتى نزل عليه الوحي: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون. (وقالوا: ء‌آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون، إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) فقال رسول اللهo:
ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرE. (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون).
وذكروا[27]: عن جعفر عن أبيهD قال: ينادي مناد يوم القيامة: أين المحبون لعليA؟ فيقومون من كل فج عميق فيقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المحبون لعلي الخالصون له حبا. قال: (فيقال لهم): فتشركون في حبه أحدا من الناس؟ فيقولون: لا.فيقال لهم: (أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون).
وكذلك ذكروا[28]: حدثنا الحسين بن سعيد قال: حدثنا علي بن السخت قال: حدثنا الحسن بن الحسين بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن السعيد ! الانمالطي عن عبدالله بن الحسين عن أبيه عن جده: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب A قال: قال رسول الله o:
يا علي كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، يا علي انه إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: اين محبو علي ومن يحبه؟ أين المتحابون في الله؟ أين المتباذلون في الله؟ أين المؤثرون على – في - أنفسهم؟ اين الذين جفت ألسنتهم من العطش؟ أين الذين يصلون بالليالي - في الليل - والناس نيام؟ أين الذين يبكون من خشية الله (لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) أين رفقاء النبي محمدo امنوا وقروا عينا (أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون).
وكذلك ذكروا[29]: حدثني الحسين بن سعيد قال: حدثنا عبدالله بن وضاح اللؤلؤي قال: حدثنا إسماعيل بن أبان عن عمرو بن (شمر عن) جابر: عن أبي جعفرD: قال:
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من السماء: أين علي بن أبي طالبA؟ قال: فأقوم فيقال لي: أنت علي؟ فأقول: أنا ابن عم النبي o ووصيه ووارثه. فيقال لي: صدقت أدخل الجنة فقد غفر الله لك ولشيعتك وقد آمنك الله وآمنهم معك من الفزع الاكبر (أدخلوا الجنة) (آمنين) (لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون).
وعن أبي حمزة الثماليE[30]: عن علي بن الحسينD قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد (لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) فاذا قالها لم يبق أحد إلا رفع رأسه فاذا قال: (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) لم يبق أحد إلا طأطأ رأسه إلا المسلمين المحبين. قال: ثم ينادي:
هذه فاطمةB بنت محمدo تمر بكم هي ومن معها إلى الجنة ثم يرسل الله لها -إليها- ملكا فيقول: يا فاطمة سلي حاجتك فتقول: يا رب حاجتي أن تغفر - لي- لمن نصر ولدي.
وحدثنا علي بن محمد الهيرى[31] (الزهري) قال: حدثني يونس - يعني ابن علي القطان - قال: حدثنا أبوجعفر (حفص) الاعشى عن أبي حمزة: عن علي بن الحسين D قال:
إذا كان يوم القيامة نادى مناد: (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) قال: إذا قالها لم يبق أحد إلا رفع رأسه فاذا قال: (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) (لم يبق أحد إلا طأطأ راسه إلا المسلمين)المحبين.
قال: (ثم) ينادي مناد: هذه فاطمةB بنت محمدo تمر بكم هي ومن معها إلى الجنة (ثم يرسل فطأطؤا ! رؤوسكم فلا يبقى أحد إلا طأطأ رأسه حتى تمر فاطمة ومن معها إلى الجنة). ثم يرسل الله إليها ملكا فيقول: يا فاطمة سلي – سليني - حاجتك. فتقول: يا رب حاجتي أن تغفر – لي - لمن نصر ولدي.
أفبعد اخبار الاحاديث التي تثبت مكانتهم وابعدوهم عن مكانتهم التي خصصها لهم الله تعالى على لسان نبي الرحمةo في الدنيا وتلجأون الى (استحسان او قياس او رأي) مالكم كيف تحكمون.



[1]- سورة الفتح الاية 28.
[2]- كما في كتاب فتح الباري  8 / 604 وصحّح ابن حجر ذلك.
[3]-  لسان الميزان  4/431 .
[4]-  مقدمة ابن الصلاح  302 .
[5]-  تدريب الراوي  1/40 .
[6]-  راجع : صحيح البخاري كتاب العلم ، باب إثم من كذب على النبي o.
[7]-  مع رجال الفكر والدعوة  78 .
[8]-  راجع : صحيح مسلم  كتاب اللباس ، باب استحباب لبس النعل في اليمنى أولاً.
[9]- سورة المائدة : 3 .
[10]- سورة الحجر : 9 .
[11]- سورة التوبة الاية 128.
[12]-  « التنبيه على الاسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين » للبطليوسي115/117.
[13]-  سورة النجم : 4 .
[14]- سورة النساء : 105 .
[15]- في جميع كتب الاصول : مبحث الاستحسان.
[16]- « تدوين السنّة » 15 .
[17]-  أضواء على السنّة المحمدية  218.
[18]- في المصدر السابق تقدم في ح 6 من سورة فاطر وح 5 من سورة الفرقان ما يشبه هذا الحديث سندا ومتنا فلاحظ والراوي جعفر هو ابن احمد بن محمد بن يوسف الاودي. في ب: عن أمه قنوا. و(قنوا بنت رشيد) ذكرها المامقاني في التنقيح واستفاد من رواية ذكرها في ترجمتها وثاقتها وجلالتها.
وأما الراوي عنها فلم يتبين من هو وفي لسان الميزان: عبدالرحمان بن جندب روى عن كميل بن زيادE وروى عنه أبوحمزة الثماليE مجهول. وذكره الشيخ في أصحاب عليA وفي الكافي روى عن أبيه.
[19]- أبو خالد الواسطي عمرو بن خالد روى عن زيد له كتاب كبير رواه عنه نصر بن مزاحم وكان من رؤساء الزيدية وفي معجم رجال الحديث: والمتحصل ان الرجل ثقة.
[20]- سورة الاحزاب الاية 30.
[21]- ورواه عنه الحاكم الحسكاني في الشواهد وقال: ورواه جماعة عن الحكم. ثم رواه بسنده إلى مطين عن رزيق عن الحكم، ورواه السيد هاشم البحراني في غاية المرام في الباب 89 ح3 نقلا عن فضائل السمعاني:
وأورده المجلسيH في البحار مع روايات أخر مشابهة ج36ص23.
[22]- أخرجه الحافظ أبو نعيم عن شيخه أبي الشيخ عن يحيى بن عبدالله بن سالم عن جده عن يحيى وعن أبي الشيخ عن ابراهيم بن محمد الرازي عن ابن ابي الثلج عن الحسن بن حماد..في أنزلت. وأخرجه ابن عساكر والحسكاني باسانيد فلاحظ شواهد التنزيل وتاريخ دمشق وما بهامشهما من تعاليق.
في أ: أبوالحسن يعنى عبدالواحد. ر: ابى الحسن يعنى عبدالواحد. ر: الحسن بن يحيى بن يحيى بن يعلى. أ: الحسين بن يحيى بن أبي يعلى. ب: الحسين بن يحيى بن يعلى. وربيعة بن ناجذ الكوفي له ترجمة في التهذيب وفيه ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي: تابعي ثقة.
[23]- وأخرجه الحسكاني بسنده إلى يوسف بن موسى وبسند آخر إلى عباد بن يعقوب عن عيسى بن عبدالله وأخرجه ابن حبان في المجروحين في ترجمة عيسى، وأخرجه الصدوق في معاني الاخبار بسنده إلى عيسى وأشار الطبرسي إليه بألفاظ متقاربة والمعنى واحد.
يوسف بن موسى القطان ابو يعقوب الكوفي الرازي وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم توفي سنة 253هـ. وكان في النسخة: يوسف بن موسى بن عيسى بن عبدالله. عيسى بن عبدالله أبوبكر العلوي العمري ضعفه بعض بسبب حديثه.
[24]- وأخرجه البزاز بسنده عن محمد بن كثير وباختصار وأخرجه عبدالله وأبو يعلى كما ذكره الهيثمي وابن بطريق في العمدة وانظر البحار ج 35 الباب العاشر وأخرجه ابن عساكر والحسكاني في تاريخ دمشق ح 747 وتواليه وشواهد التنزيل كل منهما بأسانيد عديدة إلى الحارث وأغلب الاسانيد تنتهي إلى الحكم بن عبدالملك عن الحارث. ومحمد بن كثير ابو اسحاق الكوفي ضعفه بعض لاحاديثه وقال ابن معين: شيعي لم يكن بن بأس. التهذيب. وفي شواهد التنزيل: هكذا قرأها أبي وجعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن عليA.
[25]- وأخرجه الحسكاني في شواهد التنزيل بسندين إلى محمد بن الجنيد عن الحجاج الضبي عن المسعودي ثم أضاف: ورواه عن الحارث صباح بن يحيى ورواه يحيى بن الحسن عن المسعودي عن الحارث (إشارة إلى مثل سند فرات أو إليه بالذات). والمسعودي له ترجمة في لسان الميزان وقد ضعفه بعض بسبب روايته حديثا تأباه أذواقهم. وفي (ر) ذكر الكاتب السند إلى قوله (سمعت عليا) فكتب (هذا الحديث) ولم يذكر المتن كما فعله في الكثير من الموارد.
[26]- بين شيخي المصنف ويحيى ينبغي أن تكون واسطة ويحيى إما هو ابن يعلى كما تقدم أو ابن سالم الفراء وفي ن: يحيى بن الصباح. وربما يكون في الاصل بالقلب أي: حدثنا الصباح بن يحيى وعليه فقد سقطت واسطتين بين شيخي المصنف والصباح من السند. وعمرو أو عمر كما في ب لم يتبين لنا من هو. فأعظم فيه الفناء كذا في (ر) وفي ب: البناء. وفي أ: الينا فربما يكون الصواب: النبأ كما في (خ) أو البلاء كما هو شائع استعماله.أما وإن الله.كذا في أ. وفي أ (خ ل): انا والله. وفي ر: أنا وان الله. وفي ب: قال ام والله إن الله وملائكته.
[27]- الثوري : لعله تصحيف عن النوفلي الثقة.
[28]- علي بن السخت ( ر: السخب ) الخزاز وقع ذكره في اسناد كامل الزيارات روى عن حفص المزني وعنه الحسين بن سعيد.  أما تالييه فلم يتبين لي ترجمتهما، وأما عبدالله بن الحسين فاثنان بهذا الاسم إذا لم يكن مصحفا عن عبدالله بن الحسن المعروف. ر: رفقاء بنبي محمد. ب: الذين آمنوا وقروا.
[29]- عبدالله بن وضاح اللؤلؤي لم نتأكد من ترجمته وأما إسماعيل بن أبان فربما يكون الصواب في اسمه إسماعيل ( بن مهران عن يحيى ) بن أبان.
[30]- ب: يعني ابن السراج. أ (خ ل): أبوجعفر. أ: سليني. ر: سلني.  وأبوحفص هو الاعشى عمرو بن خالد.
[31]- يونس بن علي القطان أبوعبدالله عده الشيخ الطوسي في رجاله فيمن لم يرو عنهم وقال: روى عنه حميد بن زياد كتاب أبي حمزة وغيره من الاصول. وقال العلامة عنه: قريب الامر.  وهذه الرواية لم ترد في ر.  وكان فيه سقط.