بسم الله الرحمن الرحيم
اختلاف عصمة النبي بين المسلمين
السنة والشيعةo
نعتقد إجمالاً بأنّ النبي محمد
والائمة الاطهار عالمون بما علّمهم اللّه تعالى تفضّلاً عليهم وتكرّماً لهم
وإجابةً لما يحتاجون ويحتاج الناس إليه، ولهم الولاية التكوينية إجمالاً، وهم
فاعلون بإذن اللّه التكويني فيما هو صلاح عندهم، واللّه هو الخالق الرازق المحيي
المميت.
ويتضح الفرق بين رؤية اهل السنة
والشيعة لمقام الأنبياءD وما يترتب على كل قول من القولين من النتائج
والآثار.
فالشيعة التي تحمل راية مدرسة
الإمامية مثلاً ترى المعصوم هو اطهر الخلق ولا يمكن أن يكون فيه أدنى شوب جاهلية
بخلاف ما عند المدارس الأخرى.
وأهل السنة يحملون راية مدرسة الصحابة
يعتبرون الأنبياءD يخطأون
بأقوالهم وبأفكارهم وبأفعالهم وهم في الجاهلية قبل بعثتهِ. فالنبي يخطأ في فهم
الشريعة ويخطأ في شرحه لها ويخطأ في ممارسته بالتطبيق.
فمن كان كذلك لا يمكن الاعتماد عليه
وإعطائه صفة الحجية. بل يكون شأنه مثل شأن غيره من الناس. اذاً فما هو السبب في
اختلاف المسلمين في هذا الموضوع الخطير والحساس؟.
نعتقد أن هناك تأثير من خلال دور فاعل
وقوي لحركة النفاق إذ أن الذي أدى إلى اختلاف المسلمين وقلب الحقائق مع تشويهها
انقسم لثلاثة أقسام وهي:
القسم الأول : المكائد والتآمر الذي استهدف الدين
لأجل الحفاظ على بعض المصالح السياسية والمصالح الشخصية والفئوية وغيرها.
القسم الثاني : مكائد وتآمر ناشئة من أجل الحفاظ
على بعض المكاسب السياسية التي حصلوا عليها خلال فترة خلافة الاول والثاني والثالث
ووقفت بوجه الرابع بقوة وكذلك لأجل توجيه حركة المجتمع نحو أوضاع معينة مفروضة
عليهم.
القسم الثالث : مكائد وتآمر ناشئة عن دوافع ذاتية
ومصالح شخصية بحته لدرجة تحويل مسار الاسلام نحو واقع جديد.
فنأخذ مثلاَ معنى القسم الأول من
المكائد والتآمر تجد له نماذج كثيرة جداَ يمكنك أن تكشفها بمطالعة ادنى ما هو
متوفر لديك من التراث الديني.
ومن الأمثلة عليهِ ما استهدفه
المتآمرون من خلال إعطاء صورة وثنية عن الله سبحانه. فيوصف مرةً أن الله يتشكل
بصور متعددة كما في صحيح البخاري الذي قال إن الله يظهر بصورة التي يعرفونها
فيقولون أنت ربنا.
ومرةً أخرى تشبيهه بشاب أمرد ومرةً
ثالثة الحديث عن أعضاء جسده ومرةً رابعة عن مكان جلوسه فيه وعن كيفية الجلوس إلى
غيره مما يمكن الرجوع إليه في مصادره المفصلة.
وكذلك من أمثلتها تلاحظ تشويه صورة
الأنبياء وتصويرهم بما لا يتناسب مع دورهم الرسالي وهو مما يقلل من مقاماتهم
ومكانتهم في نفوس المسلمين وبالتالي يؤدي الى ضعف ارتباط الناس بهم ويقلص حالة
الاقتداء بسيرتهم العطرة.
وبالتالي فتح الباب للجميع أمام
البدائل المقرضة التي تريد أن تمكن مصالحهم العامة والخاصة. فهذه النماذج التي لا
يمكن أن نعقل أسبابها سوى إنها سياسية بحته وأهداف ملتوية تريد النيل من الدين
برمته.
وهذهِ تعتبر القواعد الاساسية لبناء
مبدأ التشويه لمكانة الأنبياءD ولهذا تلاحظ الاكثر من المسلمين ينفون عصمة
الأنبياء بشكل مثير للريبة مثلاَ نفي عصمة الأنبياءD عن الصغائر وهي:
كما يقول ابن تيمية أثناء حديثه عن
عصمة الأنبياء: وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من
الإقرار عليها، فلا يصدر عنهم ما يضرهم[1].
ومثلهِ لاحظ قول القاضي عياض اليحصبي
المالكي في الشفا: وأما الصغائر فجوزها جماعة من السلف وغيرهم على الأنبياء
، وهو مذهب أبي جعفر الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين[3].
ولاحظ كذلك قول ابن تيمية: الناس لهم
في جواز وقوع الذنب من الأنبياء قولان، فالسلف والأكثرون يقولون بجواز ذلك
، وإنْ كانوا معصومين عن الإقرار عليه ، وكثير من الناس منع ذلك بالكلية[4].
ثم قال ابن تيمية: واتفق علماء
المسلمين على أنه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين في عصمة الأنبياء
والذين قالوا:
إنه يجوز عليهم الصغائر والخطأ
ولا يقرون على ذلك لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين ، فإنّ هؤلاء يقولون:
إنهم معصومون من الإقرار على ذلك ،
ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية
والأشعرية، أهل الحديث والتفسير والصوفية، الذين ليسوا كفاراً باتفاق المسلمين، بل
أئمة هؤلاء يقولون بذلك[5].
ومثلهِ قول النووي: واختلفوا في وقوع
غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف
إلى جواز وقوعها منهم[6].
وقال أيضاً : والأنبياء قبل النبوة
معصومون من الكفر، واختلفوا في العصمة من المعاصي، وأما بعد النبوة فمعصومون من
الكفر، ومن كل ما يخل بالتبليغ، وما يزري المروة، ومن الكبائر، واختلفوا في
الصغائر، وجوزها الأكثرون ، ومنعها المحققون، وقطعوا بالعصمة منها[7].
أ :- نفي عصمة الأنبياء عن الخطأ : فلو سأل سائل ان العصمة ذاتيّة أم فيض
من اللّه تعالى يقال لك العصمة عند الإمامية هي أن يبلغ النبيJ أو الإمام D حدّاً من العلم واليقين بحيث لدرجة لا تنقدح
في داخل نفسه إرادة المعصية مع كونه قادراً عليها، وهو أمر ممكن وواقع.
فكثيراً من الناس معصوم من بعض
القبائح التي لا تليق بهم ككشف العورة بالطريق، فإنّ الشخص الشريف معصوم عن هذا
الفعل القبيح، أي بمعنى أنّه لا ينقدح في نفسه الداعي لفعل ذلك مع كونه قادراً عليه.
ومن المحال كون العصمة جبرية منافية
لاختيار المعصوم، وإلا لكان تكليف المعصوم بأمره بالطاعة ونهيه عن المعصية باطل
لكونه تكليف بغير المقدور مع أنّ كون المعصومينD مكلّفين وهو أمر ثابت بالضرورة ويؤكّده ظاهر
القرآن كما في قوله تعالى: «لَئن أشرَكتَ لَيَحبَطنَّ عَمَلُكَ».
وكما ذكر الزركشي في البحر المحيط
قال: وقال الماوردي والروياني في كتاب القضاء: اختلف أصحابنا في عصمة الأنبياء D من الخطأ في الاجتهاد على وجهين: أحدهما:
أنهم معصومون، وهو مقتضى الوجه القائل
بأنهم لا يجتهدون إلا عن دليل ونص والثاني:
المنع ، لكنهم لا يقررهم الله عليه
ليزول الارتياب به، وإنْ جاز أنْ يكون من غيرهم من العلماء مقراً عليه، وهو مقتضى
الوجه القائل بأنه يجوز أنْ يجتهد بالرأي من غير استدلال بنص وقالا:
قال ابن أبي هريرة : نبينا o معصوم في الإجتهاد من الخطأ دون غيره من
الأنبياء D لأنه لا نبي بعده يستدرك بخلاف غيره من
الأنبياءD[8].
ومثلهِ جاء الشوكاني في إرشاد الفحول
قال: وهكذا وقع الإجماع على عصمتهم بعد النبوة من تعمد الكذب في الأحكام الشرعية
لدلالة المعجزة على صدقهم، وأما الكذب غلطاً فمنعه الجمهور وجوزه القاضي أبو بكر[9].
فمثلاَ عصمة نبي الله يوسف A يقول بعض المؤلّفين إنّ قوله تعالى:
«وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ»[10]
معناه:
« أنّ يوسفA تحرّك بغريزته وبما هو بشر اندفاعاً من
شهوته الجنسية نحو العمل بعد الإغراء عليه، إلا أنّه لمّا رأى برهان ربّه امتنع عن
المعصية».
فبهذا المقدار (وجود الداعي للمعصية)
ولا دليل على عدمه بالنسبة للمعصوم بل المنافي للعصمة هو المعصية الخارجية.
جوابه ان المراد بالعصمة هي أنّ
الأنبياء والأئمة D بلغوا من العلم واليقين والمقامات لدرجة لا
تنقدح في نفوسهم الداعي للمعصية او الدواعي للمعصية فضلاً من فعلها، وهو لا يتنافى
مع قدرة الإنسان على المعصية.
وكما تعرف أنّ الإنسان العادي (لديه
عصمة ذاتية) يعني معصوم عن بعض الأفعال القبيحة مثل أكل القاذورات[11] مع
قدرته عليها، لكن لشدّة قبحها بنظره لا ينقدح في نفسه داعي فعلها فضلاً عن القيام
بها.
وأعطى اللّه تعالى الأنبياء والأئمة D هذه الخصوصية لعلمه جلّ وعلا بأنّهم يمتازون
عن باقي البشر بشدّة طاعتهم لله تعالى بغض النظر عن هذه الخصوصية، وهو لا ينافي
قدرتهم على المعصية كما ذكرنا مسبقاَ.
وأمّا الآية الكريمة التي استدلّوا
بها للاشكال قوله تعالى: «وَلَقَد هَمَّتْ به وَهَمَّ بهَا لَولا أنْ رَآى
بُرهَانَ رَبِّه» فهي عكس المطلوب أدلّ؛ لأنّ كلمة (لولا) تعتبر دال على امتناع
همّه بالمعصية لرؤية برهان ربّه.
وهذه من عقيدة الشيعة الامامية
مستفادة من الآيات والأخبار، خصوصاً من آية التطهير الواردة في عصمة أهل البيتD. وكلّ قول مخالف لما ذكر فهو مخالف لثوابت
مذهب أهل البيتD.
وكذلك مثلاَ لعصمة النبيJ في التبليغ في مقولة من قال في عصمة
الأنبياء ما يلي، وما هو حكم الشارع المقدّس في عقيدته؟ قال:
إنّ من الممكن من الناحية التجريدية
أن يخطئ النبيJ في تبليغ آية أو ينساها، في وقت معيّن،
ليصحّح ذلك ويصوّبه بعد ذلك، لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة...
ثمّ قال معترضاً على العلاّمة
الطباطبائيu في كلامه عن عصمة النبيo في تبليغ رسالته التي: لا تتمّ إلا مع عصمته
عن المعصية وصونه عن المخالفة[12]
قال: « ولكن قد ينطلق الفعل ـ من الإنسان ـ على أساس الواقع العملي الذي قد يتحرّك
فيه من خلال أوضاعه الشخصية الخاضعة لبعض النزوات الطارئة بفعل الضغوط الداخلية أو
الخارجية، الحسية والمعنوية. فيتراجع عنها لمصلحة المبدأ الذي كان قد بيّنه للناس
من موقع الوحي ونحوه، تماماً كما هي الحالة الجارية في سلوك المصلحين والرساليين ـ
حتّى الأتقياء منهم ـ في انحراف خطواتهم العملية عن الخطّ الرسالي..»انتهى.
جوابه : بحسب كلامهِ إذا أمكن خطأ
رسول اللهo في تبليغ آية أو نسيانها دخل احتمال الخطأ
والنسيان في تصحيحه بعد ذلك أيضاً، وهو مستلزم لبطلان النبوّة؛ والسبب لأنّ
النبوّة تستلزم العصمة كما دلّ عليه قوله تعالى: «وَمَا يَنطقُ عَن الهَوَى إن
هُوَ إلا وَحي يُوحَى».
وأمّا الشقّ الثاني من كلامهِ فهو
باطل ؛ لأنّ مقتضى عصمة النبيo أن لا يتصدّى ولا يسعى لأيّ عمل كان إلا إذا
كان مطابق للوظيفة الشرعية.
فلا يصدر منهo أيّ أمر أو أيّ نهي إلا إذا كان مطابق للوحي
كما هو مستفاد من الآية الكريمة بقوله تعالى: «وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعضَ
الأقاويل لأخَذنَا منهُ باليَمين ثُمَّ لَقَطَعنَا منهُ الوَتينَ» فهذه المقالة
مخالفة لعقيدة الشيعة.
وأما عصمة غير الأنبياء والأوصياءD فهل يصحّ القول في غير الأنبياء والأئمةD أنّه معصوم.
جوابه : ان العصمة التي ذكرها اللّه
تعالى بآية التطهير مختصّة بالنبيo وفاطمة B والأئمة D المعبّر عنهم بأربعة عشر معصوماً، واما في
باقي الناس من المنتسبين إلى النبي محمدo أو الأئمة الأطهارD لا تتحقّق هذه العصمة المنصوصة.
ولكن يمكن لها (عصمة غير المنصوص
عليهم) من أن تكون بمرتبة أقلّ من تلك الدرجة (العصمة) لكي يتميزون بها عن باقي
الأتقياء والصلحاء، كما هو الأمر في أبي الفضل العبّاسA والسيدة زينبB اولاد الامام علي بن ابي طالبA والسيدة فاطمة المعصومةB بنت الامام الكاظمA وغيرهم ممّن وردت في حقّهم مقامهم وأحاديث
عن المعصومينD.
حيث انّ صبر السيدة زينب (الكبرى) بنت
عليD وتحمّلها وموقفها العظيم وخطبها التي وصفتها
الروايات كأنّهاB تنطق عن لسان ابيهاA وغير ذلك من الأمور المشهورة المتواترة.
تصل الى درجة يحصل لك الاطمئنان
ببلوغهم درجة كبرى من درجات الطهارة التي امتازوا بها مثل السيدة زينب كبرىB على النساء.
ونفس الأمر إذا تأمّلت في شخصية أبي
الفضل العبّاسA بن علي بن ابي طالبD وفداءه لأخيه الحسين A بن عليA وما تحمّل من المصائب في سبيل الدّين وتشييد
مذهب التشيّع مما هو معروف بين عامّة المسلمين.
ب :- ما ينافي العصمة
اجتهاد النبي o: ان الحديث عن آية: «قَالَ رَبِّ اغفرْ
لي وَلأخي» ربّما تلاحظ في هذا المجال أسلوب القرآن في الكلام عن حياة الأنبياء،
ونقاط ضعفهم يؤكّد القول بأنّ الرسالية لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري من حيث
الخطأ في تقدير الأمور.
فمنّ الخطأ في تقدير الأمور مع
الاعتقاد بالصحّة ليس موجب للمعصية لكي يكون مورد لطلب الغفران مع أنّ الآية
المباركة صرّحت بطلب الغفران مما دلّ على أنّ موردها أمر لا ربط له بالخطأ في
تقدير الأمور.
بل المراد بالآية الكريمة هو صدور بعض
الأمور التي لا تتناسب مع مقام النبيA مثل فرار النبي يونسA من قومه، وإن لم تكن مخالفة لنهي صادر من
اللّه تعالى فيكون صدورها موجب لغرض طلب الغفران من اللّه تعالى من باب (حسنات
الأبرار سيّئات المقرّبين).
وأمّا ما ذكروا فهو فاسد؛ لأنّنا لو
جوّزنا على النبيّA الخطأ في تقدير الأمور لم يحصل الوثوق
بأوامره ونواهيه؛ لقبولنا جواز خطئه في إصدار الأمر عن اللّه تعالى مع عدم صدوره
واقعاً، كما ذكر السبكي في الإبهاج فقال:
اختلفوا في أنّ الرسول o هل كان يجوز له الإجتهاد فيما لا نص فيه،
فذهب الشافعي وأكثر الأصحاب وأحمد والقاضيان أبو يوسف وعبد الجبار وأبو الحسين إلى
جوازه، ثم منهم من قال بوقوعه وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب، ومنهم من أنكر
وقوعه، وتوقف فيه جمهور المحققين، وذهب أبو علي وابنه أبو هاشم إلى أنه لم يكن
متعبداً، وشذ قوم فقالوا بامتناعه عقلاً.. الخ[13].
ومثلهِ لاحظ كلام الآمدي قال : (اختلفوا
في أن النبي o هل كان متعبدا بالإجتهاد فيما لا نص فيه؟
فقال أحمد بن حنبل والقاضي أنه كان متعبدا به، وقال أبو علي الجبائي وابن أبوها شم
أنه لم يكن متعبدا به، وجوز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع، وبه قال بعض أصحاب
الشافعي...)[14].
ولاحظ قول محمد بن نظام الدين
الأنصاري في شرح مسلّم الثبوت حيث قال:
( هل كان يجوز له عليه وعلى آله
وأصحابه الصلاة والسلام الإجتهاد في الأحكام وهو في حقه القياس فقط لا معرفة
المنصوصات لأن المراد من النصوص واضحة عنده عليه وآله الصلاة والسلام...).
إلى أن قال : ( فمنعه الأشاعرة
التابعون للشيخ أبي الحسن الأشعري، وأكثر المعتزلة شرعا أو عقلا...) ثم قال:
(وجوزه الأكثر، وإذا جاز فهل كان متعبد به، فالأكثر قالوا نعم، لكن عند الحنفية
كان متعبدا بعد إنتظار الوحي إلى خوف فوت الحادثة لأن اليقين لا يترك عند إمكانه)[15].
وكذلك لاحظ قول الفخر الرازي في
المحصول : ( قال الشافعي: يجوز أنْ يكون في أحكام الرسولo ما صدر عن الإجتهاد، وهو قول أبي يوسف...)[16].
وكذلك لاحظ قول ابن قدامة المقدسي
الحنبلي المتوفى سنة (620هـ) حينما قال: ( ويجوز أنْ يكون النبي o متعبداً بالإجتهاد فيما لا نص فيه)[17].
وهذا ناتج من استظهار المعاني
القرآنية من مظاهر الألفاظ، بحسب معاني الكلمات، والمعاني البلاغية، بدون الرجوع
إلى النصوص الصحيحة من السنّة المطهّرة.
فلا يكفي الكتاب في استظهار الأحكام
والعقائد، بدون الرجوع إلى القرائن الموجودة في الاحاديث المعتبرة المأثورة عن اهل
البيتD وكما أنّ القرآن قرينة ظاهرة لكذب بعض
الأحاديث المنسوبة للنبيJ المنافية للكتاب، المباينة للظواهر.
ج :- ما ينافي العصمة خطأ
النبي o : من المعروف ان نبي الله محمد بن
عبداللهJ معصوم من الخطأ قبل البعثة وبعد البعثة فهو
نبي ومكلف بالرسالة منذ اللحظة التي ولد فيها ولكن تلحظ ان أبو إسحاق الشيرازي
الشافعي المتوفى سنة (476هـ) قال بشأن اجتهاد الرسول الأكرم o:
وقد كان الخطأ جائزا عليه ، إلا أنه
لا يقر عليه ، ومن أصحابنا من قال: ما كان يجوز عليه الخطأ ، وهذا خطأ لقوله تعالى
: ) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ([18] فدل على أنه أخطأ ، ولأنه من جاز علي
السهو والنسيان جاز عليه الخطأ كغيره[19].
وكذلك لاحظ قول ابن تيمية الحراني:
وتنازع الناس هل في سنته ما يقوله باجتهاده ، وإذا اجتهد هل يجوز عليه الخطأ لكن
لا يقر عليه ، وأكثر الفقهاء يقولون بالأمرين ، ولم يقل أحد إنّ هؤلاء سابون له ،
وإلا فيكون أكثر لأصحاب مالك والشافعي وأحمد يسبون الرسولo[20].
وكذلك قول ابن قدامة المقدسي أثناء
كلامه عن اجتهاد الأنبياءD حينما قال: ( يجوز وقوع الخطأ منهم ، لكن لا
يقرون عليه ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى ، وإذا تصور وقوع الصغائر منهم ، فكيف يمتنع
وجود خطأ لا مأثم فيه ، صاحبه مأجور...)[21].
وكذلك لاحظ قول الزركشي في البحر
المحيط :
[ إذا جوزنا له الإجتهاد فالمختار أنه
لا يتطرق له الخطأ إلى اجتهاده ... إلى أنْ قال : وقيل يجوز بشرط أنْ لا يقر عليه
، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق في اللمع ، وحكاه ابن برهان عن أكثر أصحابنا ،
والخطابي في أعلام الحديث عن أكثر العلماء ، وجعله عذراً لعمر في الكتاب الذي أراد
النبي o أنْ يكتبه وارتضاه الرافعي في العدد في
الكلام عن سكنى المعتدة عن الوفاة ، وكذا ابن حزم في الإحكام..][22].
أنّ العقائد مسألة عقليّة، يجب أن يصل
المكلّف إليها مباشرة، فيعرف برهانها ويذعن لها، لا أن يأخذها تقليداً فالأصول
الاعتقادية على قسمان:
منها ما يجب البناء وعقد القلب عليه،
والتسليم والانقياد له، مثل أحوال ما بعد الموت من مسألة القبر والحساب والكتاب
والصراط والميزان، والجنّة والنار وغيرها فإنّه لا يجب عليك تحصيل المعرفة
بخصوصيات الأمور المذكورة، بل الواجب عليك إنّما هو البناء وعقد القلب على ما هو
عليه الواقع من جهة إخبار النبيJ أو الوصيA بها.
والقسم الاخر منها ما يجب معرفته
عقلاً أو شرعاً مثل معرفة اللّه سبحانه وتعالى، ومعرفة أنبيائه وأوصيائه، وأنّهم
أئمة معصومين، وأحكام الشرع عندهم، وتأويل القرآن وتفسيره لديهم، وأمّا سائر
الخصوصيات الواردة فيكفي التصديق بها.
فلا يجوز إنكار ما جاء في علمهم،
وسائر شؤونهمD حتّى إذا لم يكن في البين حديث صحيح، فضلاً
عن وجود الرواية الصحيحة فمن الاحاديث التي تمس العقيدة هو حديث (الغرانيق) سنذكر
المصححون لحديث الغرانيق والقابلين بمضمونه وهو ينفي العصمة تماماَ وهم كما يلي:
1- الحافظ جلال الدين السيوطي .
2- الحافظ ابن حجر العسقلاني .
3-
ابن تيمية واعتبره من أدل الأدلة على صدق النبيo.
4- أبو الحسن علي بن خلف بن بطال
البكري القرطبي المالكي المتوفى سنة 449هـجري.
5 - محمد بن كعب القرضي .
6- محمد بن قيس .
7- أبو العالية .
8- سعيد بن جبير .
9- نسبوا ذلك إلى عبد الله بن عباس.
10- الضحاك .
11- عبد الرحمن بن الحارث .
12- الشيخ إبراهيم الكوراني المدني .
13- الحافظ عبد المؤمن الدمياطي .
14- الحافظ ابن الأثير.
15- أبو محمد عبد الله بن مسلم بن
قتيبة الدينوري.
16- أبو الحسن علي بن محمد الماوردي
الشافعي.
17- أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الكافي
السبكي.
18- عبد الرحمن السهيلي .
19- هبة الله بن سلامة بن نصر المقري
.
20- مرعي بن يوسف الكرمي.
21- عز الدين بن عبد السلام .
22- أبو يحي محمد بن ضمادح التجيبي.
23- أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.
وأما كلمات ونصوص العلماء والمفسرين
ذوي الفن والاختصاص الدالة على مضمون الحديث فهي منها:
منها : تفسير الجلالين : فيه )إلا إذا تمنى( قرأ )ألقى الشيطان في أمنيته( قرائته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل
إليهم ، وقد قرأ النبيo في سورة النجم بمجلس من قريش بعد:
) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة
الأخرى بإلقاء الشيطان على لسانه من غير
علمهo به: (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى) ففرحوا
بذلك ، ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك ، فحزن ، فسليّ بهذه
الآية[23].
منها : العز بن عبد السلام : وهو عز الدين
عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة (660هـ) في تفسير
القرآن قال:
[..) تمنى ( حدث نفسه فألقى الشيطان في نفسه أو قرأ
فألقى الشيطان في قراءته ، لما نزلت النجم قرأها الرسول o إلى قوله: )ومناة الثالثة الأخرى( ألقى الشيطان على لسانه : (تلك الغرانيق
العلى ، وإنّ شفاعتهن لترتجى).
ثم ختم السورة ، وسجد ، وسجد معه
المسلمون والمشركون ورضي بذلك كفار قريش ، فأمكر جبريلA ما قرأه وشق ذلك على الرسولo فنزلت ، وألقاه الشيطان على لسانه ساعياً أو
كان ناعساً ، فقرأه في نعاسه ، أو تلاه بعض المنافقين عن إغواء الشيطان فتخيل لهم
أنه من تلاوة الرسولo أو عنى بقوله : (الغرانيق العلى) الملائكة ،
و(وأنّ شفاعتهن لترتجى)...][24].
منها : ابن ضمادح التجيبي : وهو أبو يحي محمد
بن ضمادح التجيبي المتوفى سنة (419هـ) في كتابه مختصر من تفسير الإمام الطبري حيث
قال:
[.. ) إلا إذا تمنى( يعني
بالتمني: التلاوة والقراءة ، وقال ابن عباس: تمنى : تحدث )ألقى الشيطان في أمنيته( في حديثه )فينسخ الله) يبطل الله )ثم يحكم الله آياته( يخلها من باطل الشيطان الذي ألقى على لسان
نبيهo وذلك لما نزلت الآية:
) أفرأيتم اللات والعزى( قرأها رسول الله o وذلك أنه لما نزلت الآية: )أفرأيتم اللات والعزى( قرأها رسول اللهo فقال: (تلك الغرانيق العلى ، ,أنّ شفاعتهن
لترتجى).
فسجد النبي o والمسلمون ، وسجد من حضر من المشركين معه ، فاشتد على رسول
الله o هذا ، فأنزل الله هذه الآية][25].
منها : البغوي في تفسيره : ونسبته ذلك إلى
الأكثر كما في الحديث أخرجه الطبري وذكره البغوي ، سئل ابن تيمية عن أصح التفاسير
فقال:
( أما التفاسير التي بين أيدي الناس
فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري ، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة ،
وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي)[26].
وسئل عن بعض التفاسير فقال: (... وأما
التفاسير الثلاثة المسؤول عنها، فأسلمها من البدع والأحاديث الضعيفة البغوي ، لكنه
مختصر تفسير الثعلبي ، وحـذف منه الأحاديث الموضـوعة ، والبدع التي فيـه ، وحذف
أشياء غير ذلك)[27].
ولاحظ كذلك قول ابن قيم الجوزية :
الحسين بن مسعود البغوي : محي السنة الذي أجمعت الأمة على تلقي تفسيره بالقبول،
وقراءته على رؤوس الأشهاد من غير نكير[28].
منها : تاج الدين السبكي : وهو أبو نصر
عبد الوهاب بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة (771هـ) جاء في طبقات الشافعية
الكبرى فقال:
[ولا ينبغي أنْ يتوهم الولي الخلاص عن
خداع إبليس مادام في هذه الحياة ، بل لا ينجو عن الأنبياءD ، حتى أجري على لسانهo:
(تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن
لترتجى) لكن النبيo لا يقرّر على الخطأ كما قال تعالى : (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم
الله آياته) الآية][29].
منها : ابن تيمية وابن قيم الجوزي : تقدم
كلام ابن تيمية في قبول تفسير الطبري وتفسير البغوي وخلوهما من البدع وكذلك كلام
ابن قيم في تلقي الأمة تفسير البغوي بالقبول.
1- قال ابن تيمية الحراني في الجواب
الصحيح: ...وإنما تنازعوا هل يجوز أن يقع من الغلط ما يستدركه ويبينه فلا ينافي
مقصود الرسالة كما نقل من ذكر تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتها لترتجى هذا فيه
قولان للناس منهم من يمنع ذلك أيضا وطعن في وقوع ذلك.
ومن هؤلاء من قال إنهم سمعوا ما لم
يقله فكان الخطأ في سمعهم والشيطان ألقى في سمعهم ومن جوز ذلك قال إذا حصل البيان
ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور.
وكان ذلك دليلا على صدقه وأمانته وديانته
وأنه غير متبع هواه ولا مصر على غير الحق كفعل طالب الرياسة المصر على خطئه وإذا
كان نسخ ما جزم بأن الله أنزله لا محذور فيه فنسخ مثل هذا أولى أن لا يكون فيه
محذور.
وقد استدل بن تيمية على ذلك بقوله : (
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ
الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان
فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد)[30].
2- اعتبار ابن تيمية الحراني القائل
بالنفي من المتأخرين وأنّ قول السلف قبلهُ هو صحة حديث الغرانيق والقبول بمضمونه
كما هو كلامهِ في مجموع الفتاوى فقال:
والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا
فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله : ( تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن
لترتجى ) وقالوا إن هذا لم يثبت.
ومن علم انه ثبت قال هذا ألقاه
الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول ، ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا وقالوا في قوله
: (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) هو حديث النفس.
وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف
فقالوا هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه والقرآن يدل عليه بقوله: (وما
أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله
ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة
للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين
أوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهادى الذين
امنوا إلى صراط مستقيم.
فقالوا الآثار في تفسير هذه الآية
معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث والقرآن يوافق ذلك فإن نسخ الله لما يلقى
الشيطان وإحكامه آياته إنما يكون لرفع ما وقع في آياته وتمييز الحق من الباطل لكي
لا تختلط آياته غيرها وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية
قلوبهم.
إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه
جميع الناس لا باطنا في النفس والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ من جنس
الفتنة التي تحصل بالنوع الأخر من النسخ.
وهذا النوع أدل على صدق رسول اللهo وبعده عن الهوى من ذلك النوع فانه إذا كان
يأمر بأمر ثم بعدها يأمر بخلافه وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك فإذا قال عن
نفسه أن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ وان ذلك المرفوع الذي نسخه الله
ليس كذلك.
كان أدل على اعتماده للصدق وقوله الحق
، وهذا كما قالت عائشة لو كان محمدo كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية ( وتخفى
في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق إن تخشاه).
ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل
يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ فبيان الرسولo أن الله احكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان
هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب.
3- قال ابن تيمية : وتنازعوا هل يجوز
أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له بحيث لا يقره على الخطأ كما
نقل أنه ألقى على لسانه o تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ثم
إن الله تعالى نسخ ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته.
فمنهم من لم يجوز ذلك ومنهم من جوزه
إذ لا محذور فيه فإن الله تعالى ينسخ ما يلقى الشيطان ويحكم الله آياته والله عليم
حكيم ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن
الظالمين لفي شقاق بعيد[32].
ومن ثم لاحظ دفاع الامام ابن حجر
العسقلاني عن حديث الغرانيق حيث قال:
وتجرأ أبو بكر بن العربي كعادته ،
فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها ، وهو إطلاق مردود عليه ،
وكذا قول عياض:
هذا الحديث لم يخرّجه أهل الصحة، ولا
رواه ثقة بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده وكذا
قوله:
ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين
والمفسرين لم يسندها منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة
واهية.
قال: وقد بين البزار أنه لا يُعرف من
طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في أصله، وأما
الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لشدة ضعفه.
وقال ابن حجر : ثم رده من طريق النظر
بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم، قال: ولم ينقل ذلك.
وقال ابن حجر : ( وجميع ذلك لا يتمشى
على القواعد ، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلاً، وقد
ذكرت ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل،
وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض)[33].
ونقول إن حقيقة ما يدعون إليه ،
ويعملون على نشره ، لا يعدو عن أن يكون مجرد شعارات فارغة، أو تحكمات باطلة، لا
تستند إلى دليل، ولا تعتمد على برهان.
بل بعضها خالف صريح القرآن ، وما هو
المقطوع به من سنة النبيJ وسيرته، والصحيح الثابت من الصحابة
والتابعين، فضلا عن مخالفته لصريح حكم العقل، ومقتضيات الفطرة والجبلة الإنسانية.
وظهروا علينا بتلك النظريات السخيفة ،
والاستدلالات الضعيفة ، ثم تبع ذلك رمي رسول اللهJ بالشرك, لماذا هذا الخلط فالشرع والدين
منسجم تماما مع مقتضيات الفطرة ومتطلباتها، ويعتبر نفسه مسؤول عن المحافظة عليها،
وتنمية قدراتها الذاتية، مع حفظ التوازنات الضرورية في روافدها وذلك من أجل ضمان
سلامة الانسان وسعادته، وتقدمه المطرد في مدارج المجد والكمال المنشودين بعيداً عن
التشكيك.
د :- العصمة جبرية أم
اختيارية : كما
ردّوا على الشيخ المفيدH في قوله باختيارية العصمة لكي ينصروا
مقولتهم من كون العصمة جبرية[34] فهذا
الاعتراض مشتمل على ثلاثة أمور وهي:
الأمر الأول ما ارتبط بحقيقة العصمة
وهو أنّ العصمة عند الإمامية هي أن يبلغ الإمامA أو رسول اللهJ حدّاً من العلم واليقين بحيث لا تنقدح في
نفسه إرادة المعصية مع كونه قادراً على فعلها.
وهو أمر ممكن وواقع فكثير من الناس
معصوم من بعض القبائح التي لا تليق به، مثل كشف عورته في الطريق، فإنّ الشخص
الشريف معصوم عن هذا الفعل القبيح، بمعنى أنّه لا ينقدح في نفسه داعي لفعله مع
كونه قادراً عليه.
والأمر الثاني المتعلّق باختيارية
العصمة فمن المحال كون العصمة جبرية منافية لاختيار المعصوم، وإلا لاصبح تكليف
المعصوم بأمره بالطاعة ونهيه عن المعصية باطل وذلك كونه تكليف بغير المقدور، مع
أنّ كون المعصومينD مكلّفين خو أمر ثابت بالضرورة، ويؤكّده ظاهر
القرآن الكريم كما في قوله تعالى: «لَئن أشرَكتَ لَيَحبطَنَّ عَمَلُكَ» ونحوها.
مضافاً إلى أنّ النبيJ لو كان مجبوراً على الطاعة لم يكن صالحاً
لأن يقتدى به، وهو مخالف لضرورة الدّين والمذهب كما هو المستفاد من قوله تعالى:
«لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُول اللّه أسوَة حَسَنَة » وكذلك قول الإمام عليA: «ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به
ويتضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه...الخ» الحديث.
والأمر الثالث المتعلّق بآيات القرآن
المنافية للعصمة فأنّ كلّ آية قرآن قامت القرينة العقلية على خلاف ظاهرها، فظهورها
الوضعي إلى ما تقتضيه القرينة كما في سيرة العقلاء لهذه المقاما.
فكلّ كلام يصدر من أيّ ملتفت حكيم لا يحدّد
ظاهره منفصل عن الأحكام العقلية الضرورية والقرائن الارتكازية والمناسبات العرفية
فكيف بكلام الحكيم سبحانه وتعالى.
فما ورد في كلمات علمائنا الأبرار في
توضيح آيات القرآن كما صنعه السيد المرتضى علم الهدىH في كتابه «تنزيه الأنبياء» ليس منافياً
للبلاغة بل هو منسجم تماماً مع باب الاستعارة والكناية، فالتعبير بذلك من باب أنّ
حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.
هـ :- نتائج نسبة الخطأ
للرسول o : من يراجع أحاديث أهل السنة الذين
رفعوا راية مدرسة الصحابة يلاحظ ان النبي محمدo في نظر الكثيرين أو الأغلب من علماء اهل
السنة الذين راية مدرسة الخلفاء كشخصية لا يمكن الاعتماد عليها دائما على أقواله
وأفعاله لماذا والسبب لان:
1 - لان النبي محمدo من خلال احاديث الصحاح يرتكب المعاصي
والذنوب وتصدر منه التصرفات لا تليق بمقام القدوة فأنه يشتم ويلعن ويضرب بدون سبب
ومقتضى ويخطأ في حق من تسميهم ويسب من لا يستحق ويضرب من لا يستحق ويلعن من لا
يستحق.
2 – لان النبي محمدJ من خلال الاحاديث يخطأ بالتبليغ وإن كان لا
يقر عند الخطأ بالتبليغ ولا يمكن التمييز بين الحق والباطل فكيف أعرف ما وصل لنا
هو حال الخطأ أو حال الصحة.
3 – لان النبي محمدJ من خلال الاحاديث ليس كل ما يقوله من عند
الله وليس كل ما يقوم به من عند الله تعالى بل فيه ما يصدر عن اجتهاد وإذا اجتهد
فهو قد يخطأ في اجتهاده.
4 – لان النبي محمدJ من خلال الاحاديث غير معصوم عن سيطرة
الشيطان عليه وتأثيره سواء من تأثير السحر أو من تأثير الأفكار كقصة الغرانيق ومن
ثم إلقاء الشيطان عليه بعض الآيات كما أقر على ذلك الإمام والمفتي ابن باز وغيره.
وكيف لنا ان نعرف أن هذا من تأثير
الشيطان وعموم الرسالة عليه أم هو من تأثيره. فالنتيجة أحاديثه بنظرهم تنقسم لناحيتين
:-
الناحية الاولى : ما كان من الله ومن
الوحي.
الناحية الثانية : ما كان من اجتهاده
وفهمه الخاص به وهذهِ الناحية لا أختلاف فيها.
وكثيرا عما أرسل إليهم لأنه معرّض
(تحت التاثير) في إرادته الخاصة وإجهاده بالخطأ ولهذا أتضح بحسب رأيهم أن النبي
محمدo ليس بالضرورة هو حجة بالنسبة لهم.
ولهذا نشأة في أوساطهم ظاهرة الاجتهاد
في مقابل النص إذ أنهم لما قاموا بذلك الإجتهاد في مقابل النصوص الواردة أقدموا
على انه:
أولاً : على التقليل من أهميته o والطعن في عصمته ومكانته.
ثانياً : لماذا نحتاج للأنبياء. ما هو
الهدف من بعثة الأنبياء.
ولكن نحتاج الانبياء ذلك كلهِ في ايات
القرآن الكريم من خلال عدة آيات نازلة كما في قوله تعالى: (يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب)[35].
وأما نتائج الاهداف من تلك الاحاديث الهادفة من بعثة الانبياء فهي كما يلي:-
1- فهم الإنسان مع تكوين رؤية متكاملة
بعيدة عن جميع شوائب الجاهلية والضياع وفهم دقيق وواضح لكل أبعاد الحياة.
2- تزكية وتطهير نفوس المجتمع
الإنساني كما في قوله تعالى: (ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل
لفي ظلال مبين).
3- تحقيق هذه الاهداف لا يمكن حصوله
إلا من خلال المراتب العالية من القرب له تعالى مع التجرد المطلق عن جميع المؤثرات
الشيطانية والابتعاد عن جميع آثار الجاهلية.
لكي تقول في زيارة المعصومينD (أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة
والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية الأولى ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها واشهد انك
الإمام البر التقي الزكي الهادي المهدي).
فما دام لم يكن المبلغ لرسالات الله
تعالى والمسئول عن تغيير الواقع البشري متصف بهذه المواصفات بأعلى المستويات فان
لم يكن مؤهلا للقيام بهذا الدور وهو (ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) فكيف له ان
يقوم بالدور الالهي.
[1] - كتاب منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج1 ص 472 طبعة مكتبة ابن
تيمية القاهرة الطبعة الثانية سنة1409هـ - 1989م.
[14] - الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص165. وراجع أيضا : شرح مختصر الروضة لابن سعيد الطوفي الحنبلي
ج3 ص594 .
[16] - المحصول في علم أصول الفقه للفخر الرازي ج2 ص 489 طبعة دار
الكتب العلمية بيروت لبنان سنة 1408هـ- 1988م .
[17] - روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة المقدسي ص 322 طبعة دار
الكتاب العربي بيروت لبنان سنة 401هـ1981م.
[19] - كتاب اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي ص134 طبعة دار
الكتب العلمية بيروت لبنان سنة 1405هـ1985م
[26] - التفسير
الكبير لابن تيمية ج2 ص254 طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان وكذلك: دقائق
التفسير ج1 ص117 طبعة مؤسسة علوم القرآن دمشق لبنان.
[29] - طبقات الشافعية الكبرى ج6 ص 282 طبعة دار إحياء الكتب العربية
القاهرة مصر ترجمة أبي حامد الغزالي.
[32] - ابن تيمية - كتاب :
منهاج السنة النبوية ج1 ص 471 ط. مكتبة ابن تيمية القاهرة سنة1409هـ - 1989م.
[33] - فتح الباري ج8 ص561 ، تفسير آية 52 من سورة الحج ، وقد حقق
أصلها ابن باز طبعة دار الكتب العلمية بيروت لبنان سنة 1410هـ- 1989م .
[34] - وهو قولهم « اسلوب الحديث عن اختيارية العصمة مع الالتزام
بأنّها ناشئة من فعل اللّه التكويني بنبيّه أو وليّه لا يمثّل إلا مفهوم ينطلق من
الجمع في الدليل بين وجوب العصمة ولزوم الاختيار، لا من دراسة عميقة لنوعية الصورة
الواقعية لغرض الجمع بين الأمرين».
ثمّ قالوا
: « نستاءل ما المانع من اختيار اللّه بعض عباده لكي يكونوا معصومين باعتبار حاجة
الناس لهم في ذلك، وما المشكلة في ذلك انطلاقاً من مصلحة العباد وإذا كان هناك
إشكال من ناحية استحقاقهم الثواب على أعمالهم إذا لم تكن اختيارية لهم، فجوابه:
أنّ الثواب إذا كان على نحو التفضّل لجعل الحقّ للإنسان به على الطاعة لا
بالاستحقاق الذاتي فلما لا يكون التفضّل بشكل مباشر إذ لا قبح بالثواب على ما يكون
بالاختيار بل القبح بالعقاب على غير المقدور».
ثمّ قالوا
: «الدراسات التفسيرية الحديثة وغيرها بدأت على تأويل الآيات الظاهرة في وقوع
الذنوب من الأنبياء، بما لا يتنافى مع العصمة، والسؤال الذي يفرض نفسه عن السبب
الذي جعل اسلوب القرآن في الحديث عن الأنبياء يوحي بهذا الجوّ المضادّ للفكرة،
وكيف يتحرّك التأويل مع المستوى البلاغي للآية، لأنّ المشكلة بكثير من أساليب
التأويل التي تنطلق من حمل اللفظ على خلاف ظاهره أنّه قد يصل إلى الدرجة التي يفقد
فيها الكلام بلاغته الأمر الذي يتنافى مع إعجاز القرآن».