قوة
شخصية محمد بن عبدالله الغريبة العجيبة ص قسم2
رابعاً : سيرته العملية
الملتزمة o : ومعنى ذلك إلتزامه بمقررات رسالته
التي دعى إليها, والعمل على وفق مبادئها وتطبيق مفاهيمها في واقع التعامل والسلوك.
لكي ترى الأمة صورة الرسالة الجديدة قد تمثلت في صورة رسولهاJ الداعي إلى الإيمان بها, وتشتمل السيرة
العملية على مصاديق فمنها:
أ – أخلاقه الرسالية : فقد استلهم رسول
الله o من رسالته جل صفاته وخصاله وقيمه الأخلاقية.
لذلك لم يتحدث القرآن عن صفاته الجسدية كطول القامة أو قصرها, أو لون العين, أو
لون الشعر, لأنّ ايات القرآن ليست صحيفة من الصحف الإعلامية والدعائية لكي تهتم
بالمظاهر, بل هو كتاب تربية وتغيير.
لذلك يتحدث القران عن عمق تلك
الشخصيّة الرسالية, وعن عمق روحها وصفاتها وخصالها وأخلاقها كما في قوله تعالى:
(وإنـك لعلى خلق عظيم)[1]. وقوله
تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[2].
وقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ)[3].
ويعتبر هذا إيحاء لنا عندما نتناول
حياة الأنبياء والعظماء, والقادة في منهاجنا التربوي والتغييري, من أن لا نشغل
أنفسنا في صفاتهم الجسديّة, ولا في خصوصيّاتهم وعلاقاتهم العائلية, إلا بما يشمل ويتصل
بحركة الرّسالة وحركة الناس معهم في المنهاج.
ب – الصبر على الأذى : فكلما كانت
الغاية والهدف أثمن, كان الطريق الذي يوصل إليها أعقد, ويحتاج إلى صبر أطول, لذلك
لما كان هدف النبيo أن يؤسس إنسانية ويبني مجتمع إنساني متكامل.
فلا يكون المجتمع إنساني ما لم يتصف بصفات
مثل الحلم والأناة والصبر وسعة الصدر وغيرها, لذلك لم يجمّد إنسانيته بالتعامل مع
الواقع بصبر وأناة, فكانت إنسانية النبيJ تتحرك كالشمس فوق كل بر وفاجر, وفوق كل محسن
ومسيء لهJ.
ففي وقت ما كان السيد المسيح عيسى بن
مريمD يقول: (كن كالشمس تطلع على البر والفاجر)[4] وكان
رسول الله o يواجه الصور من الأذى والألم وغيرها.
الذي يكيله للنبيJ جهلة قريش ومشركوها, فكان يواجهم بشعاره
الإنساني المعروف بقولهJ (اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون), فإنه
ينطلق بهذه المناجاة إلى الله تعالى من منطلقين:
1- من منطلق رحمته ورأفتهJ بالأمّة, فالنبيJ يحب أن يرى امته مغفورا لها, ولا يحب لها
العنت والعذاب والأذى كما عرفنا من رقة طبعه وسعة صدره الكريم.
2- من منطلق علم النبيJ بأنّ شرك هؤلاء ليس من خلال علمهم المضاد,
بل هو من خلال الجهل الذي يفتقد لعنصر العلم والوعي.
ج - الوفاء والصدق في القول والعمل :
ويعتبر هذا دليل قوة شخصية النبي محمدJ وتوازنها, وهذا ما تقتضيه منهجية التربية
الإسلامية, التي تصب دائما في ضمن إطار التوافـق بين قول المربي وعمله, وهو من
أبلغ عوامل التأثير.
لذلك كان رسول الله o لا يأمر بشيء إلا وتجده أول المؤتمرين به,
ولا ينهى عن شيء إلا وتجده أول المنتهين عنه.
فإنّ تطبيق مقرّرات الأطروحة التي عرضها
الرّسول o على نفسه قبل كلّ شيء, تعتبر الدليل على
انسجام عقله وروحه الطاهرة مع جوهر عقيدته ورسالته, وهذا بدورهِ مما يعزز من قوة
شخصيته وصدقها في إيمانها وعقيدتها.
لأنّ الإيمان يجمع ثلاثة عناصر, كما
ذكر في قصار الحكم عن لإمام علي بن ابي طالبA قال: (الإيمان معرفة بالقلب, وإقرار
باللسان, وعمل بالأركان)[5].
فمن هنا : علمنا الإسلام أن نصدق القول
من خلال العمل والتطبيق في كل قضايانا ومواقفنا, إبتداء من أصغر الدوائر التي
نتعامل معها, وانتهاء بالدائرة الإجتماعية العامة. كما جاء بالحديث : ( إذا وعدتم
الصبيان ففوا لهم فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم)[6].
وفي حديث آخر: ( أشد الناس حسـرة يوم
القيامة من وصف عـدلا ثم خالفـه إلى غيره, ورجل وعـظ أناسا بشيء فعملوا به فدخلوا
الجنة ولم يعمل به فدخل النار)[7].
خامساً : شخصيته الحوارية
الهادئة o : لأنّ كلّ صاحب هدف سامي وفكرة أو
أطروحة, يحتاج إلى إسلوب حواري موضوعي في ترويج افكاره, وفي دعوة الناس إلى قبول
أطروحته والتسليم لقناعاته كما في رسول الله o لا يسب ولا يلعن كما في قوله تعالى: (
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
والله عز وجل
في محكم كتابه قال: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ
فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ
عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[8].
ولكن في المقابل هناك من يقول أن رسول
اللهo انه يسب
ويلعن من لا يستحق من خيار القوم فقد اخرج عدة من الحفاظ منهم الإمام مسلم في
صحيحه قال :
حدثنا
زهير بن حرب حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق
عن عائشة قالت:
دخل على رسول
الله o رجلان
فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من
أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان قال:
وما ذاك قالت
قلت لعنتهما وسببتهما قال أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما أنا بشر
فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة
وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية وحدثناه علي بن حجر السعدي واسحق بن ابراهيم
وعلي بن خشرم جميعاَ عن عيسى بن يونس كلاهما عن الاعمش كلاهما بهذا الإسناد نحو
حديث جرير وقال في حديث عيسى فخلوا به فسبهما ولعنهما وأخرجهما[9].
وعلى هـذا الأساس بنى رسول الله o حركته الرسالية في واقع المجتمع الجاهلي
المشرك, وذلك وفقا لما رسمت له ايات القرآن الكريم من اتجاهات للحوار الموضوعي وهي
كما يلي:
أ – ( إتجاه ) توفير أجواء الحريّة
للرأي الآخر:
مع تنقية المناخ الذي يجري في نطاقه
الحوار من المواقف والآراء المسبقة الذكر, لكي يشق الحوار طريقه نحو نتيجة مرتقبة.
فينبغي أن تكون الأجواء فارغة وخالية من
المواقف والآراء المسبقة, التي تعترض طريق الحوار, وتشكل بدورها عامل الضغط على
حريّة المحاور, فمثلاً لو افترض طرف من المتحاورين نفسه أمام خصمه أنه على الحق
والصواب, فقد صنع حاجز نفسي أمام حرية الطرف الآخر المقابل.
لذلك أرشد الله تعالى رسوله الكريم o من أن يطرح قناعاتهِ برأيه
جانبا, وأن يوحي لخصمه بما يشكه في ما يتبناه من رأي أو موقف.
لكي يثبت الهُدى والحق من خلال حوار قائم
على أساس الحاجة للوقوف على الحقيقة من أي طرف كانت, كما قال تعالى : (قل من
يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)[10].
ب - ( إتجاه ) تواضع المحاور أمام خصمه
:
لكي يملك خصمك حريّة الحركة
الحواريّة, ولا يشعر بأنه مسحوق تحت عناوين واعتبارات أخرى, وقد تكون عناوين
عملاقة تمسك بيدها سوط الإرهاب الفكري مقابل الخصم.
لذلك تعلمنا ايات القرآن الكريم, كيف
دخل رسول الله o في خضم الحوار مع أهل الكتاب والمشركين, وهو
في غاية التواضع والتنازل عن كل العناوين التي قد توحي لانفسهم بالتعالي عليهم.
فكان يمكن للنبيo أن يتفاخر عليهم بالجاه والقوّة والمنصب
والعلم والفهم, ولكنه ذهب لكي يؤكد لهم بشريته وانسانيته بصفتها الجامع المشترك
بينه وبينهم, سوى فرق مثل (الوحي والعصمة) الذي لم يعرضه في مقام التفاخر, بل في
مقام لفت النظر لغرض قيام الحجّة عليهم.
وإلا لماذا أكد لهم ضعف البشر مثلهم
أمام كلّ العوارض والطواريء التي تضعف أمامها طبيعة البشر كما أرشده القرآن الكريم
كما في قوله تعالى:
(قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا
ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير
وبشير لقوم يؤمنون)[11].
وقوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم
يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا)[12].
ج - ( إتجاه ) التجرّد عن التبعيّة
العمياء :
أي بمعنى أن يكون الحوار بعيد عن
مؤثرات الإنفعال التي لا تترك المحاور من التحرك في إطار رأيه الخاص, بل تفرض عليه
تبعيّة وهي أن يتحرّك ضمن إطار العقل الجمعي وتحت تأثيره.
وقد أرشد الله تعالى رسوله الكريم o أن يدعو مجتمع الجزيرة العربية, الذين تفشت
فيهم ظاهرة التبعيّة العمياء المقيتة, أن يقوموا لله مثنى وفرادى, ويتجرّدوا عن
جوّ الإنفعال العام, ثم يتفكـّروا في آرائهم ومواقفهم تجاهه. وهو كما قال تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ
بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا
بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ
عَذَابٍ شَدِيدٍ)[13].
( أ ) : تعامل
الرسول مع ظاهرة السب والشتمo : تجد ظاهرة السب والشتم لايخلوا منها أي
مجتمع من المجتمعات وقد يكون السب والشتم له دوافع وعوامل تساعد عليه في ذلك
المجتمع بسبب الظروف المحيطة به.
او التي تمر عليه سواء أكانت ظروف
سياسية ام اجتماعية وحتى الاقتصادية منها كذلك وقد اتخذ بعض المخالفين تهمة سب
الصحابة ذريعة لغرض لتشهير بالشيعة واتهامهم انهم يسبون الصحابة.
مع ان الذي يعيش مع الشيعة لا يجد
لهذه الظاهرة وجودا بل حتى لو وجدت فانها عند اشخاص معدودين وهم ممن لا يمثل
الشيعة.
ولكن اردنا بيان كيف تصرف النبي محمد o مع ظاهرة السب والشتم ومن المعلوم ان لفظ
السب ورد في ايات القران الكريم وقبل ذلك نقدم معنى السب والشتم لغة والفرق
بينهما.
لفظ ( سبب ) السَّبُّ القَطْعُ سَبَّه
سَبّاً قَطَعه[14],
السب بفتح السين الشتم وقد سبه يسبه سبا إذا شتمه[15].
واما لفظ ( شتم ) الشَّتْمُ قبيح
الكلام وليس فيه قَذْفٌ والشَّتْمُ السَّبُّ شَتَمَه يَشْتُمُه ويَشْتِمُه شَتْماً
فهو مَشْتُوم والأُنثى مَشْتُومة[16].
( ب ) : الفرق بين
الشتم والسب : أن الشتم : معناه تقبيح أمر المشتوم
بالقول وأصله من الشتامة وهو قبح الوجه ورجل شتيم قبيح الوجه وسمي الاسد شتيما
لقبح منظره.
واما السب : معناه الاطناب في الشتم
والاطالة فيه واشتقاقه من السب وهي الشقة الطويلة ويقال لها سبيب أيضا، وسبيب
الفرس شعر ذنبه سمي بذلك لطوله[17].
كما قال الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ
عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ
مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[18].
فقال الرازي في تفسيره للاية الكريمة:
فهو تنبيه على أن خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما
يجري مجرى كلامه فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والسفاهة وذلك لا يليق بالعقلاء[19].
ويقول السيد الطباطبائيu في تفسير الاية : والآية تذكر أدبا دينيا
تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها أن يتلوث بدرن الإهانة
والإزراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها فإن الإنسان مغروز على الدفاع
عن كرامة ما يقدسه.
والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا
إلى نفسه، وربما حمله الغضب على الهجر والسب لما له عنده أعلى منزلة العزة
والكرامة.
فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم
عصبية الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسب ما له عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز
اسمه ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه
[20].
ومن المعلوم ان النبي محمدo هو الذي يجسد التعاليم القرانية عمليا لانهُ
المبلغ عن الله تعالى لكن ماذا كان تصرف الرسولo عندما كان يسب واحد من الصحابة او يشتم في
حضرته.
كما ذكر الامام احمد بن حنبل في مسنده
قال: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان قال ثنا سعيد بن أبي سعيد عن
أبي هريرة:
ان رجلا شتم أبا بكر والنبي o جالس فجعل النبي o يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه (ابو بكر)
بعض قوله فغضب النبي o وقال. فلحقه أبو بكر فقال يا رسول اللهo : كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض
قوله غضبت وقمت[21].
وجاء في تفسير البيضاوي : قيل شتم عمر
رجل منهم- اي من الكفار- فهم به (أي ليقتله) فأمره...بالعفو[22].
ومثلهِ في تفسير زاد المسير قال:
[قوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا..) الآية في سبب نزولها أربعة أقوال: والرابع
: أن رجلا من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب فهم عمر أن يبطش به فنزلت هذه الآية
قاله مقاتل][23].
فمن المعلوم بالضرورة من ان ايات
القران نزل على النبي محمدo وهو بدورهِ يبلغها للناس فان صح سبب نزول هذهِ
الاية المذكورة فان رسول اللهo هو الذي امر عمر بالعفو وإلا اراد عمر قتل هذا
الرجل كما في الاحاديث.
وقد يقول قائل من ان هناك احاديث في
ان من سب عمر بن الخطاب فقد كفر ومن سب ابا بكر ففي صقر. يقال لك هذه الروايات
كلها احاديث من الموضوعات والكذب على رسول اللهo واعترف بذلك ائمة الحديث من اهل السنة.
وهنا نقول سؤال يفرض نفسهُ وهو ما هو
موقف رسول الله o ممن يسب الامام علي بن ابي طالب A؟.
كما ورد في مسند الامام احمد قال: حدثنا
عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن أبي بكير قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد
الله الجدلي قال دخلت على أم سلمةB فقالت لي:
أيسب رسول الله o فيكم قلت معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة
نحوها قالت سمعت رسول الله o يقول من (سب علياA فقد سبني)[24].
ومثلهِ جاء في المستدرك قال: (حدثنا)
أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمدان ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التميمي ثنا جندل
بن والق ثنا بكير بن عثمان البجلي قال سمعت أبا إسحاق التميمي يقول سمعت أبا عبد
الله الجدلي يقول حججت وانا غلام فمررت بالمدينة.
وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا
على أم سلمةB زوج النبيo فسمعتها تقول يا شبيب بن ربعي فأجابها رجل
جلف جاف لبيك يا أمتاه قالت:
يسب رسول الله o في ناديكم قال وانى ذلك قالت فعلي بن أبي
طالبA قال انا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا قالتB فاني سمعت رسول الله o يقول من (سب علياA فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى)[25].
وجاء في الرياض النضرة : [عن ابن عباس
قال بعثني رسول الله o إلى علي ابن أبي طالبA فقال لهo :
أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من
أحبك فقد أحبني وحبيبك حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ، الويل لمن أبغضك.
(أخرجه أحمد في المناقب)].
وكذلك جاء عن ابن عباس أنه مر بعدما
حجب بصره بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون علياA: فقال لقائده: ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال
سبوا علياA قال فردني إليهم فرده.
قال أيكم الساب الله؟ قالوا سبحان الله
من سب الله فقد أشرك قال أيكم الساب لرسول الله o قالوا سبحان الله من سب رسول الله o فقد كفر قال فأيكم الساب لعليA؟ قالوا أما هذا فقد كان. قال:
فأنا أشهد بالله لسمعت رسول الله o يقول : من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب
الله ومن سب الله عز وجل أكبه الله على منخره.
ثم تولى عنهم فقال لقائده ما سمعتهم
يقولون ؟ قال ما قالوا شيئاً قال فكيف رأيت وجوههم حيث قلت ما قلت ؟ قال :
نظروا إليك بأعين محمرة * نظر التيوس
إلى شفار الجازر
قال: زدني فداك أبي:
جزر الحواجب ناكسو أذقانهم * نظر
الذليل إلى العزيز القاهر
قال: زدني فداك أبي. قال: ما عندي
غيرهما قال ابن عباس: لكن عندي:
أحياؤهم حزني على أمواتهم * والميتون
مسبة للغابر[26]
وبعد سرد الاراء مما سبق ومن نتائج البحث
يمكننا ان نحصل على بعض النتائج والظواهر كما يلي:
1 - ان ظاهرة السب ليست من خلق الاسلام
مع المشركين والكفار لكي لا تحصل منهم ردود افعال تمس مقدسات الاسلام.
2 - ان رسول اللهo لم يرد على من شم بعض الصحابة مثل ابو بكر
في محضره الشريف بل كان يقابل ذلك بابتسامة نبوية كريمة.
3 - أمر عمر بن الخطاب بالعفو على من
شتمه.
4 – ان نبي الله o شدد على من سب علي بن ابي طالبA ووصفه من انه قد سبه ومن سبه فقد سب الله
وهو مدلول على اتحاد مقام الامام عليA مع مقام النبي محمد o.
5 - ان ظاهرة سب الامام علي بن ابي
طالب A قد وجدت وانتشرت بعد رحيل رسول اللهo.
والى هنا نقول الى كل من الصق تهمة سب
الصحابة بالشيعة اراد التغطية على من امر بسب الامام علي A وكأنه لم يلتفت الى قول النبيo ان سب علياA مثل سب الله ومن سب علياA على المنابر معروف عند جميع المسلمين.
وكأن المتهم يريد ان يهرج امام الناس
على الشيعة بتهم يمكن ان تغطي فضائل اهل البيت D ويغطي عن معتقده ما هو فاسد عنده.
ومن أقوى الاسباب هو لغرض التغطية على
لعن اعداء اهل البيتD مثل معاوية وابنه يزيد الذين عاثوا في الارض
فسادا وحاربوا وقتلوا اولياء الله.
وعليك ان تلاحظ اخلاق النبيJ قبل وفاتهo فلقد جاء في اصح الكتب مثل الامام البخاري
ومسلم وباقي المصادر بالاتفاق أن رسول اللهo قال ائتوني بكتف ودواة لأكتب لكم كتاب لم
تضلوا بعدي أبدا[27].
فقال عمر حسبنا كتاب الله أن رسول
اللهo غلبه الوجع وقال (يهجر) أو ماله أهجر كما
قال شيخ الاسلام ابن تيمية[28] إن
عمر القائل هذه الكلمة السيئة في حق رسول اللهo فمن هذا يلزم عدة أمور وبيانها منها.
منها : أما أن رسول الله o صادق في أن الأمة لا تضل أو غير صادق
والعياذ بالله والكل هنا يلتزم انه صادقo.
منها : أما أن عمر يعلم انهo صادق أو لا يعلم انه صادق ولا اعتقد أن أحدا
يقول أن عمر لا يعلم ان الرسولo صادق.
فلماذا عمر عارض عليها حتى رفضها رسول
الله o بالرغم أن رسول الله o صادق بالاتفاق وان عمر يعرف أن انه صادق وان
الكتاب فيه عدم ظلال الأمة الى يوم يبعثون.
أفلا يعتبر هذا ظلم الإنسان لنفسه،
وهل يمكن أن يحصل ذلك في الحقيقة وواقع الأمر، ونحن نعرف إن الظلم يحصل من الإنسان
للغير فقط. وجوابه يمكن أن نذكر ثلاثة مصاديق لظلم الإنسان لنفسه وهي عبارة عن:
1ـ إطلاق العنان لرغبات
الانسان : بلاشكّ إن لاي إنسان رغبات متعدّدة
كامنة في داخلهِ، ولابد من استيفاء استحقاقاتها في إطار حدودٍ وسقوفٍ حدّدها المشرع
والعقل، لكن فتح المجال أمام هذه الرغبات بدون قيد وشرط هو إيذاء للنفس، وظلم لها،
رغم السعادة الظاهريّة التي قد يحسّ بها الإنسان.
فمن المؤسف البعض ممن يطلقون العنان
لأنفسهم في عموم الميادين الغرائزيّة البشريّة، تجدهم لا يلتفتون إلى ذلك، ولعل
نظرة يسيرة إلى الغريزة الماديّة، وإطلاق العنان لها من قبل البعض، تعتبر كفيلة
بإيضاح هذا الموضوع.
فإن من تجاوز قيود السقوف الغذائيّة
مثلاً ينتهي به إلى ظهور أزمات صحيّة كثيرة، قد ترافقه طيلة حياته، وربما تقضي
عليه مبكراً، ومن هنا أكّدت نصوص الدين على ضرورة الالتزام بالضوابط والقيود في
استيفاء حقوق هذه الغرائز؛ كما في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا
تُسْرِفُوا)[29] وآية ذلك موضوعنا هي صحة الإنسان
وسلامة بدنه.
واشارت الإحصائيات نسبة مرض السمنة؛
حيث كثرة الجلوس واختزان السعرات الحراريّة بالجسم تتحوّل إلى امراض فتّاكة في
الجسم الإنساني. فلا يقتصر الأمر على غريزة الطعام، بل يشمل ذلك الغرائز الباقية.
2ـ تحجيم الاهتمام النفسي بالماديّات : بلاشكّ إن الإنسان مختلف عن باقي
الكائنات الحيّة الموجودة في قيمته المعنويّة العالية؛ حيث لم يُخلق من تراب خالص،
بل نفخ فيه خالقه الجبّار من روحه بعد أن أحسن صنعه وصنيعته.
ومن هنا فهو يمتلك أفق معنوي يتطلّع
من خلاله إلى دارٍ أخرى غير دار الدنيا وهذا يدعوه للحفاظ على البعد المعنوي
والاستجابة له وتنميته، لا أن يترك ذاته منغمسةً في بُعد ماديّ خالص.
لكن من المؤسف إن اكثرهم يذهب صوب
الماديّات، ويحرم نفسه من المكاسب المعنويّة الهائلة التي كانت تتوفّر له لولا
ابتعاده عنها وإهماله لها، ولكن المشرع المقدّس لا يقف أمام المكاسب الماديّة
وتحصيلها، لكنّه يدعو الإنسان إلى عدم تحجيم نفسه بإطارها؛ فأين الإنسان من هذه
المنجزات المعنويّة.
وروي قول عن رسول اللهJ وهو: « كُلُّ يَوْمٍ لا أَزْدَادُ فِيهِ
عِلْمًا يُقَرِّبُنِي مِنَ اللَّهِ فَلا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ ذَلِكَ
الْيَوْمَ»[30].
ومن هذه الإشارات المتقدّمة تفهم من إن
الإنسان الذي يهمل كلّ هذه المكاسب المعنويّة، بلا شكّ إنه ظلم نفسه، وهذا ما نبّه
إليه الإمام عليّ A حيث قال: «إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ أَثْمَاناً
فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِالْجَنَّة»[31].
وليس يعتبر ذلك دعوة للعزوف عن اللذائذ
الماديّة والابتعاد عنها، بل إنما هو للتشديد على ضرورة أن يكون الاستيفاء في إطار
النُصب التي وضعت لها.
3ـ ظلم الآخرين هو ظلم
للنفس : وهذا هو شاهدنا بموضوعنا فحينما يظلم إنسان
إنساناً آخر، فهو في واقع الأمر قد ظلم نفسه، وبخسها حقّها، فعليه أن يتجنّب ظلم
ابناءه أو زوجته أو أقربائه أو موظفيه وغيرهم، وهو من أجل لذّة زائلة لا استمرار
لها؛ فكيف به من ظلم أجيال بكاملها من ركب والالتحاق بالامام علي بن ابي طالبA.
وهكذا تعرف إن الانتصار الحقيقيّ هو انتصار
على الذات والنفس، وكما قال علي بن طالبA «مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الْإِثْمُ بِهِ،
وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوب»[32].
فالظلم يعتبر ظلمات وتبعاته خطيرة
جداً، وأول تبعاته مواجهة تأنيب الضمير، ثم بعدها سوء السمعة عند الآخرين، وقد يقع
تحت طائلة العقوبة وردّة فعل ممن أصابه ظلمه، أو يناله البلاء، وأما الأشد فهو
عذاب الآخرة، بقوله تعالى (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً)[33].
وكما قال علي بن ابي طالبA:
(وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ
مَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى
يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ)[34].
وكذلك عنه A قال: (وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا
يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ
لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى وَلَا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَلَكِنَّهُ مَا
يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ)[35].