الثلاثاء، 11 أبريل 2017

شبهات واعتراضات على ظواهر بعض آيات القران الكريم


شبهات واعتراضات على ظواهر بعض الآيات
أن تكليم الله تعالى للبشر المخلوق اما عن طريق الوحي وهو الإِعلام فى خفاء وسرعة او عن طريق الإِلقاء فى القلب سواء كان يقظة أو في منام، ويشمل الإِلهام والرؤيا المنامية.
واما عن طريق الإِسماع من وراء حجاب أي حاجز من أن يسمع النبي المرسل كلام بدون أن يرى من يكلمه كما حدث لموسى A عندما كلمه ربه تعالى وهذا الطريق المقصود بقوله تعالى: (أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ).
واما عن طريق إرسال ملكD تكون وظيفته أن يبلغ الرسلD ما أمره الله تعالى بتبليغه له وهو المقصود بقوله تعالى: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ).
شبهة رقم ( 1 )
وجه الشبهة أن الآية فرضت أن لكل قوم هادي فكيف نفرض ان رسول اللهo هادياً لجميع البشر؟[1] قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)[2].
والجواب عنها من عدة جهات:
هذا التفسير للآية الكريمة يعتبر تفسير ساذج لا يلتئم مع افتراض انسجام الرد مع قولهم المردود، فهذا الرد ـ على هذا التفسير ـ غير منسجم مع طبيعة طلبهم وموقفهم، فأي ارتباط بين طلبهم نزول الآية وبين هذا الرد.
ويمكنك أستظهار جهات اخرى للتفسير من الآية الكريمة منها:
منها : المقصود بالهادي ليس هو شخص رسول اللهo إنما القرآن الكريم أو نحوه من شواهد الرسالات، ليكون المعنى أن الله تعالى جعل لكل أمة ما ناسبها من الآيات الهادية لهم ويشهد له (المعنى) تعدد نسبة الهداية للقرآن الكريم ونحوه كما في قوله تعالى:
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)[3]. وقوله تعالى: (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد)[4]. وقوله تعالى: (إنا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق)[5]. وقوله تعالى: (إنا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنّا به)[6] وغيرها.
والتفسير هذا يوفر الانسجام بين مقدمة الآية وتكملتها، فإنهم لما طلبوا آية معينة من الرسول محمدo توجّه بالرد عليهم من أن الله تعالى ينّزل مع كل نبي الآية التي تنسجم مع محيطه أو طبيعة رسالته. كما هو قول الزجاج: (طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فأعلم الله أن لكل قومٍ هادياً).
منها : ما قاله الرازي عن ابن عباس: وضع رسول اللهo يده على صدره فقال: (أنا المنذر) ثم أومأ إلى منكب عليA وقال: (أنت الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي). وتجد قريب منه ما رواه الحسكاني.
ولاحظ ان هذا قريب من الوجه السابق، ومرجع الكلام ان (الهادي) هو الذي يربط الناس بالرسالة وعلى حد سواء أكانَ الحجة الناطقة أم الصامتة كما قالo: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي).
أ‌ - هذا التفسير بعيد عن المعنى اللغوي ومبني على تفسير كلمة (القوم) بالذين تجمعهم قومية واحدة بالمفهوم المعاصر اليوم.
كما قال الخليل في كتاب العين: (قومُ كلّ رجل شيعتهُ وعشيرتهُ، وقال في عشيرك: الذي يعاشرك، أمركما واحد.. وسميت عشيرة الرجل لمعاشرة بعضهم بعضاً).
ب – ان الاستعمال القرآني الشائع للفظة (القوم) ورد بهذا المعنى كما في قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الظالمين)[7] وقوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الكافرين)[8] وقوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين)[9].
وشاهدنا هي المقابلة بين القوم الظالمين ونحوهم والقوم المؤمنين التي أكدها القرآن الكريم على هذا المعنى وذلك باعتبار أن الإيمان قد جمع المؤمنين والكفر والفسق وكذلك يجمع الآخرين.
مع انه من كلا الطرفين تجد هناك مَن تجمعهم قومية واحدة، وعليه فكلمة (القوم) في الآية الكريمة هم المسلمين المهتدون به على حد سواء من أي عرق أو قومية كانوا وفي كل العصور والزمان والمكان، فتكون لفظة (القوم) أي بمعنى الأمة كما في قوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدةً وأنا ربكم فاعبدون)[10].
ج - هذه الآية الكريمة قد نزلت بالمدينة (قالوا بالإجماع) مما يؤكد ان كلمة (القوم) لا يقصد به قريش أو أهل مكة بالخصوص، كما وان إرادة خصوص العرب فقط دون غيرهم ترفضه الشواهد التاريخية.
والتي تؤكد أن رسول اللهo لم يكن يتعامل من هذا المنظار فلم يكن يفرّق فيما بين الروم وعرب الشام، ولا فيما الفرس وعرب العراق، بحيث لم يفهم أحد آنذاك منهم تميّز العرب وحدهم بالدعوة، وخاصةً ان الأفكار القومية المعاصرة لم تكن معروفة آنذاك.
د – مع رسول اللهJ تجد العديد من الصحابة غير العرب مثل سلمان الفارسي وبلال وصهيب وغيرهم وهذا بدوره ينفي التمييز، وبخاصةً سلمان المحمدي الذي كان مسيحي موحد، فلو لم يكن الاسلام دين أممي لم يكن هناك أي موجب لاعتناق سلمان له.
هـ - إرسال رسول اللهo الرسائل (الكتب) عن طريق الرسل إلى الملوك غير العرب ينافي هذا الفهم الخاطيء.
شبهة رقم ( 2 )
وجه الشبهة أن هدف الوحي إلى الرسولo كان إنذار أهل مكة ومَن حولها ممن هو قريب منها. قوله تعالى:
(وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدّق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومَن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون)[11].
وقريب منها في سورة الشورى: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير)[12].
الجواب عنها :
أ‌ - هذا مبني على تفسير الحول بالقرب، مع ان ايات القرآن الكريم استخدمته في غير ذلك كما في سورة الأحقاف قوله تعالى: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى)[13].
وقال الشيخ الطبرسيu: (معناه: ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم، وهم قوم هود وكانوا باليمن وقوم صالح بالحجر وقوم لوط على طريقهم إلى الشام). وكذا في سورة العنكبوت: (أوَلم يروا أنا جعلنا حَرماً آمناً ويتخطّف الناس من حولهم)[14].
ب - تلاحظ في الآية الكريمة أنها لم تعبّر بلفظة (مكة وما حولها) وهذا بدوره كاشف من ان المنظار ليس البقعة وما أحاط بها جغرافياً، بل في كلتا الآيتين ورد التعبير بـ(أم القرى).
كأنه لغرض تأكيد مركزية مكة بالنسبة للبقاع الجغرافية الأخرى والسبب وجود الكعبة المشرفة والبيت الحرام فيها، والعرب تسمي كل أمر جامع يُجتَمع عليه (أماً).
كما هو عن ابن عباس أن سبب تسمية مكة بذلك أن الأرضين دحيت من تحتها ومن حولها، وقال أبو بكر الأصم: (سمّيت بذلك لأنها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد والقرى تابعة لها).
فالاختصاص لهذا الاسم بمكة هو خير شاهد على عدم النظر إليها بما أنها بقعة معيّنة فقط.
ج – إن تفسيرهم هذا يجعل الرسالة محدودة بحدود جغرافية ضيقة ومحدودة، وهو بخلاف الضروري من سيرة رسول اللهo.
د - على فرض ظهور الآيتين بالبقعة الجغرافية فقد يكون من باب التأكيد كما في قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)[15]
وقوله تعالى: (اخفض جناحك للمؤمنين)[16] أو التدرج بالدعوة للاسلام.
على اعتبار أنهم كانوا المباشرين آنذاك، ومن المعروف أن القرآن ابتنى على ملاحظة المناسبات وتأكيده على ذكر الخصوصيات كما في قوله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم)[17].
وبناءً على التفسير القائل أنهم أهل مكة (مع أنه سورة الجمعة مدنية) فلم يستنكر ذلك أي واحد من المسلمين ولم يراوده تساؤل عن اختصاص الرسالة بأهل مكة دون غيرهم.
ومما يعتبر الشاهد بعدم ورود الآية في مقام الحصر الحقيقي، قوله تعالى: (وتنذر يوم الجمع)[18] حيث لا تجد إشكال من أن الهدف من إنزال القرآن ليس مجرد الإنذار ليوم الجمع.
هـ - قوله تعالى: (.. والذين يؤمنون بالآخرة..) شامل لكل المنتسبين للأديان السماوية وهو المناسب لانه يلتئم مع اختصاص الرسالة بأهل مكة ومَن حولها، بالخصوص مع ندرة وجودهم في هذه المنطقة.
شبهة رقم ( 3 )
تقولون الاسلام دين أممي ولكن ظواهر بعض الآيات يحصرها بمدينة مكة والمدينة والعرب وما حولهما وبالذين اسلموا فقط؟.
والجواب عنها :
ان الأدلة والشواهد كـ(القرآنية وغيرها) الدالة على أممية الاسلام هي كثيرة وواسعة جداً فمنها:
1 ـ قوله تعالى: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً)[19] ونظيرها ما تجده بالقران في سورة التوبة وسورة الصف.
2 ـ قوله تعالى: ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيِّن لكم على فترة من الرسل)[20] ونظيرها كثير من الآيات بالقران التي تخاطب أهل الكتاب.
3 ـ قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس)[21] وقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)[22] ونحوهما كثير من الآيات في القران الكريم التي تؤكد شمولية الرسالة الاسلامية للجميع.
4 ـ قوله تعالى: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)[23] ونحوها مما دل على تبشير غير العرب برسالة النبي محمدo وهو المطلوب.
5 ـ قوله تعالى: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا)[24] حيث دلّت على شمول رسالته كذلك لغير العرب، واليهود كانوا يترقبون بعثته.
6 ـ قوله تعالى: (إن الدين عند الله الاسلام)[25] وفوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام)[26] ونحوها من الآيات في القران.
7 ـ قوله تعالى: (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا إن تولوا فإنما عليك البلاغ)[27] وكذا غيرها من آيات المحاججة وتحدي أهل الكتاب، مثل آية المباهلة في القران.
8 ـ تعامل رسول اللهo مع أهل الكتاب ودعوته لهم باتباع الاسلام كما دعا المشركين إليه قبلهم.
9 ـ موقف أهل الكتاب من نبي اللهo وخوفهم وتوجسهم من دعوته، لعلمهم من أنه يستهدفهم في دعوته الى الله تعالى.
10 ـ اسلام العديد ممن كانوا سابقاً من اهل الكتاب واصبحوا من الصحابة ومن غير العرب مثلاَ النجاشي وبلال وسلمان وصهيب، وكذلك غيرهم من الأجيال اللاحقة والمعاصرة.
11 ـ رسائل رسول اللهo إلى الملوك مثل فارس والروم والحبشة، ودعوتهم للإيمان برسالة الاسلام وبما جاء بهJ.
12 ـ هناك إخبارات غيبية لرسول اللهo عن دخول شعوب من امم غير عربية في الاسلام.
13 ـ موقف أئمة اهل البيت الاثني عشرD وعدم ردعهم عن قضية الفتوحات بالرغم من التحفظات على الواقع القائم وبعض ممارسات الفتوحات.
وطبيعة صور التشريع المرتبط بالتعامل مع غير المسلمين، كأحكام الجزية وغيرها المعبّرة عن بيان خطة المشرّع الاسلامي لغرض جذب أهل الكتاب وغيرهم للاسلام.


[1]- راجع : السيد رياض الحكيم : (الاسلام دين أممي).
[2]- سورة الرعد الاية 7.
[3]- سورة الاسراء الاية 9.
[4]- سورة سبأ  الاية 6.
[5]- سورة الاحقاف الاية 30.
[6]- سورة الجن الاية 1و2.
[7]- سورة الصف الاية 7.
[8]- سورة البقرة  الاية 264.
[9]- سورة المائدة الاية 108.
[10]- سورة الانبياء الاية 29.
[11]- سورة الانعام الاية 92.
[12]- سورة الشورى الاية 7.
[13]- سورة الاحقاف الاية 27.
[14]- سورة العنكبوت  الاية 67.
[15]- سورة الشعراء الاية 214.
[16]- سورة الحجر الاية 88.
[17]- سورة الجمعة الاية 2.
[18]- سورة الشورى الاية 7.
[19]- سورة الفتح الاية 28.
[20]- سورة المائدة  الاية 19.
[21]- سورة سبأ الاية 28.
[22]- سورة الانبياء الاية 107.
[23]- سورة الصف الاية 6.
[24]- سورة البقرة الاية 85.
[25]- سورة ال عمران الاية 19.
[26]- سورة الانعام الاية 125.
[27]- سورة العمران الاية 20.