الثلاثاء، 11 أبريل 2017

تاليف القران والاستعانة باليهود


تاليف القران والاستعانة باليهود
شبهة التأليف والاستعانة : سنختصر هذا الاشكال لكثرته فقد أراد الله سبحانه وتعالى وهو العالم بالأصلح لعباده من أن يجعل دين الإسلام خاتمة الأديان السماوية، وأن يجعل دستور الإسلام (ايات القرآن) خاتمة الكتب السماوية، وأن يجعل رسول الإسلام محمد بن عبداللهJ خاتم الرسل والأنبياءD.
ومع كل ذلك، فإن الكثير من الذين لم يعرفوا طريقهم إلى الإسلام بعد، ولا يزالون يتخبطون في ظلمات الجهل، ويرتعون في مرابع الغي والضلال والظلمات. فما زال هؤلاء يأبون أن يُقرِّوا بحقيقة الإسلام، وحقيقة القرآن، وحقيقة رسول الإسلام محمدJ ليس هذا وحده بل إنهم يسعون بين الحين والآخر للتشكيك بهذا الدين.
فتعرض دين الإسلام عمومًا، والقرآن الكريم ورسول الإسلام الأمين بالخصوصJ للعديد من الشبهات والأقاويل الباطلة، التي بعد التحقيق والتمحيص يظهر زيفها وبطلانها.
ويبقى دين الإسلام عبر العصور والأزمان شامخ أبيِّ مؤيد بتأييد الله، ومحفوظاً بحفظه سبحانه، تصديقاً وتحقيقاً كما في قوله تعالى: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)[1].
ومن شبهات - القديمة الحديثة - التي أثيرت حول هذا الدين، شبهة تقول: إن محمدًاJ جاء بهذا القرآن من عنده، ولم يوحَ إليه به من الله سبحانه وتعالى!.
وقبلهم أهل مكة سبق وأن أثاروا هذه الشبهة منذ فجر دعوة الإسلام، ونقل القرآن الكريم شبهتهم تلك، فقال القران على لسانهم: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)[2].
وقد عُلِمَ بالتواتر والضرورة أن النبي محمدJ لم يكن يكتب شيئاً في حياته، لا في أول عمره ولا في آخره؛ وقد نشأ J منذ مولده إلى بعثته بين أظهرهم، وهم يعرفون مدخله ومخرجه، وصدقه وبره، وأمانته ونزاهته عن الكذب وسائر الأخلاق الذميمة.
بل إنهم - ولِمَا هو عليه من هذه الصفات - سمَّوه بالأمين؛ لِمَا يعلمون من صدقه ونزاهته، فكيف يستقيم أمر هذه الشبهة - والأمر على ما ذكرنا سابقا- لذلك وجدنا ان القرآن الكريم كافي لدحض دعواهم.
وكما ان القران رد عليهم تلك الفرية، بقوله تعالى: (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض)[3] أي: إن هذا القرآن أنزله الذي اتصف بما لم يتصف به أحد من خلقه ابداً.
ثم إن من المقرر عند علماء اهل اللغة والبيان أن الرجل هو الأسلوب، وأن الأسلوب هو الرجل؛ ومقتضى ذلك, أنه بالمقارنة فيما بين أسلوب القرآن الكريم وأسلوب وسنة اهل البيتD تجد فرق واضح وملموس بين كلا الأسلوبين.
بحيث لا يمكن لأي منصف أن يساويَ بينهما، فإذا ما وضح هذا فكيف يصحُّ قولهم (إن هذا القرآن من تأليف محمدٍ J) كما يدَّعي ذلك من لا خلاق لهم قديماً وحديثًا. إن هذا لشيء عُجاب.
ثم يقال أيضًا: على فرض لو جاز أن يكون هذا القرآن من وَضْعِ محمدٍJ لجاز لغيره ممن عاصروه وهم على ما هم عليه من قوة البلاغة والبيان وامتلاكهم لناصية اللغة.
نقول فلو كان ذلك لجاز لأولئك القوم - أو على الأقل لبعضهم - أن يأتيَ بمثل هذا القرآن، وواقع حالهم والمآل أنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، بل لن يستطيعوا لهذا الأمر ولو اجتمعت له جموع الأرض والسماء!.
ومما يدحض هذه الشبهة - القديمة الجديدة - لو كان النبي محمد J كاتم شيئاً مما أنزل عليه لكتم هذه الآية قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه)[4].
فليس من عادة البشر ولا من طبيعتهم وخصوصاً من يصبوا الى المراتب العليا أن يذكروا من الأمور ما لا يحبون إطلاع الناس عليه.
وهذا دليل على كون هذا القرآن ليس من وضع النبي محمد J وإنما هو وحي نزل به الروح الأمين A على قلب رسول الله J.
والآيات بهذا المعنى كثيرة جداً نقتصر منها في مقامنا هذا على ما في قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد..)[5].
ومما تقدم ظهر، أن القرآن الكريم إنما كان وحيًا أوحاه الله على عبده ورسوله محمد بن عبداللهJ ولم يكن هذا القرآن بحال من الأحوال، من تأليف محمدJ ولا من وضعه.
إذ الأدلة السابقة والواقع ينفيان القول بذلك أشد النفي، وبالتالي يدحضان كل قول يقول بخلافهما بحقيقة كما في قوله تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين)[6].
الف :
تأليف القران من محمد بن عبدالله J
تلاحظ هناك وضوح جلي وتام في الفرق بين كلام النبي o وبين كلام الله تعالى في القرآن الكريم. ومن جهة اخرى لو كان من تأليف النبي محمد o لاستطاع أهل الفصاحة والبلاغة والبيان أن يكتشفوا ذلك.
ومن جهة ثالثة إن ما في القرآن الكريم لو كان من تأليف النبي محمد o لكان سهولة أسراع الناس في ردهِ على مَن حاجّهُ في ادعائه، أو افترى على زعمهم.
والجهة الرابعة إن القرآن الكريم لو كان من تأليف النبي محمد o فكيف نفسر مخاطبة الله تعالى له في القرآن، وفي أكثر من الموضع! كما في قوله تعالى: (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ كَاذِبِينَ)[7].
والاخيرة هي نزول القرآن الكريم في نيف وعشرين عاما , ومستحيل أن ينسجم مزاج أي واحد من البشر على نسق واحد بهذه السنين ليله ونهاره.
ومنهم من قال ان كتابات أرسطو[8] من مصادر محمد بن عبداللهJ وخصوصاً في مسألة مراحل تكون الجنين ونوع الجنين في القرأن والاحاديث النبوية بالدليل والبرهان[9] وما أورده ويل ديورانت عن بعض كتابات أرسطو بخصوص نظرياته في علم الأحياء.
في صفحة 501و502 من الفصل الرابع من الباب الحادي والعشرون من الكتاب الرابع ( حياة اليونان) في موسوعة قصة الحضارة لمؤلفها ويل ديورانت وترجمة محمد بدران ؛ ذكر ما يلي:
[ أجر إّن شئت هذه التجربة: إيت بعشرين بيضة أو أكثر، وأجعل دجاجتين أو أكثر ترقدان عليها. ثم خذ منها بيضة كل يوم، أبتداءً من اليوم الثاني إلى أن تفقس، وأكسرها وأفحص عنها.. ففي حالة الدجاجة العادية تستطيع رؤية الجنين أول مرة بعد ثلاثة أيام..
فيظهر القلب في صورة نقطة من الدم، ينبض ويتحرك كأنه قد وهب الحياة، ويخرج منه وعاءان بهما دم يسيران في تلافيف، وغشاء يحمل خيوطاً رفيعة دموية من أنابيب الوريدين ويحيط بجميع أجزاء المخ ( الصفار)... وبعد عشرة أيام يرى الفرخ بجميع أجزائه واضحاً كل الوضوح.
ويعتقد أرسطو أن جنين الإنسان ينمو كما ينمو جنين الكتكوت: ويرقد الطفل في رحم أمه بهذه الطريقة عينها... لأن طبيعة الطائر يمكن تشبيهها بطبيعة الإنسان].انتهى.
فقد كون نظريته من أن الانسان يشبه أيضا الدجاج في تكوين الجنين بل كل الكائنات الحية... ( نطفة - وهو السائل المنوي- ثم علقة فمضغة فشكل جنين عام بهيكل ورأس وأطراف).
وحسب ادعائهم ان الرسول محمدJ لا بد أن وصلته كتب الفلاسفة الإغريق مع إنتشار حضارتهم في العالم قبل وبعد الميلاد في فترة تزيد عن إحدى عشر قرن وهي الفترة ما قبل ميلاد النبي محمدJ وحياة أرسطو!.
كما في قولهِ تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين)[10].
وقوله تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى)[11].
ومن صحاح المسلمين عن معرفة نوع الجنين كما ذكر ابن القيم قال: وسئل J عن شبَه الولد بأبيه تارة وبأمه تارة فقال: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها ) متفق عليه ، وأما ما رواه الامام مسلم في صحيحه عن جوابه لليهودي أنه قال (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر الرجل بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنث بإذن الله).
فقالوا ان هناك ثلاثة فلاسفة قبل النبي محمدJ بأحدى عشر قرن أجابوا نفس أجابة الرسول بالحديث المروي في صحيح مسلم ( بغض النظر عن صحة الاجابة علمياً) وهم أرسطو ثم أنبادوقليس وديموقريطس[12].
وجوابه عندنا ثوابت ان ما ذكره القران هو المطابق للواقع لا زيادة ولا نقصان والاخرى ان ما قالوا به الفلاسفة يعتبر مؤيد لما جاء به القران وليس ناقضاً له.
واما احاديث الصحاح فهي مروية عن اصحابها بعد النبيJ بأكثر من قرن تقريباً ففيها الخطأ والصواب ولا تمثل جميع طوائف المسلمين.
باء :
الاستعانة بأحبار اليهود
من الشبهات التي أُثيرت حول القرآن الكريم، شبهة تقول إن رسول الله J قد استعان في كتابة القرآن الكريم ببعض أحبار اليهود ورهبان النصارى.
ونقول في الرد على هذه الشبهة إن محاولة إيجاد أي علاقة بين نص القرآن (وهو نص إلهي) والاستعانة بعناصر اخرى من أهل الكتاب، هو نوع من القول بالخرافة والأسطورة، الذي كذبه الواقع التاريخي والدليل العقلي والنقلي.
وبيان ذلك، أن مشركين قريش من أهل مكة تجدهم قد دأبوا على أن يجدوا أي صلة أو علاقة تدل على كذب رسول الله محمدJ فيما جاء به عن ربه؛ ولو صح لديهم أو شاع عندهم آنذاك أن محمدJ كان يستعين ببعض أهل الكتاب لكانت تلك فرصتهم، وحجتهم القوية على أنه غير صادق فيما جاء به من الوحي والتنزيل.
فمن الثابت تاريخياً أن اتهامات المشركين - بما فيهم تاريخ اليهود - لم يكن فيها ذكر وارد أنه استعان بعناصر من أهل الكتاب.
مع أن الفرصة أمام اليهود والنصارى كانت سانحة لهم لكي يوجهوا له مثل هذه الاتهامات، أَمَا وإنهم لم يفعلوا ذلك - مع توافر الدواعي – خير دليل على أن هذه المقولة كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة.
وتنزلاً على فرض أن هذا الإدعاء لم يكن أهل مكة يعرفونه آنذاك، فمن المفروض أن مصدر الاستعانة - لو صح هذا - وهم أهل الكتاب (اليهود والنصارى) كانوا موجودين في زمن البعثة المحمدية.
بدلالة أن بعض الوفود من أهل الكتاب قد جاءت إلى رسول الله J ولم ينقل إلينا التاريخ أن أحداً منهم أعلن أن محمداًJ أخذ عنهم أو استعان بهم ولو اشارة بالكتب.
بل الأكثر من هذا وذاك، فإن الخلافات والنـزاعات التي جرت بين اليهود ورسول اللهJ بعد هجرته المباركة إلى المدينة كانت دافع مغري لإعلان كذبه (حاشاه) فيما يدعيه، من أن الوحي يأتيه من السماء.
وكان هناك ثمة فرصة لإشاعة من أنهم هم الذين علموه القرآن، أو على الأقل ساعدوه في تأليفه، وهذا هو الذي (لم يحدث)، ولو حدث ذلك لتناقلته الأخبار، ولسارت بأمره الركبان.
وكما ذكرنا سابقاً في غير هذا الموضع، من أن أسلوب الرجل يدل عليه، ويخبر عن صفاته وشمائله، وأن الشمائل والصفات التي عُرف بها رسول الله محمدJ في حياته وشبابه فهي تدل دلالة قاطعة على كذب هذه الفرية. فهل يُعرف بالكذب من كان يُلَقب بالصادق الأمين (نقيضان) وهل يُعرف الكذب ممن كان مرجعًا للقبائل، فيما اختلفت فيه وتنازعت عليه.
ثم لو كان محمدJ كذاباً أو مفترياً أكانت تكون له هذه المكانة بين قومه، تلك المكانة التي أقر له الجميع بها وعلى رأسهم مشركي قريش.
والحق الذي لا يقبل غيره هو أن شخصية ما اتصفت بتلك الصفات والشمائل لا يمكن لصاحبها أن يفتريَ على الناس الكذب، أو أن يدعيَ شيئًا لم يكن له.
وحاصل الكلام إن هذه الشبهة التي ذكرها اساتذة جامعات الغرب وامريكا وجامعات اليهود لطلابهم لا تنهض كدليل عقلي، ولا يقوم لها سند تاريخي، بل هي من ساقط القول وباطل ما كانوا يفترون.
وتبين أن النبي محمدJ لم يستعن بأي أحد من أهل الكتاب في كتابة شيء من القرآن، بل كل ما في القرآن الكريم وحي من الله إلى رسوله محمد الصادق الامينJ وصدق الله إذ يقول على لسان نبيه بقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون).

المصدر : من كتاب محمد ص في القران والسنةالفصل السادس الجزء 18 من موسوعة (اتقان القران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.

[1]- سورة التوبة الاية 32.
[2]- سورة الفرقان الاية 5.
[3]- سورة الفرقان الاية 6.
[4]- سورة الاحزاب الاية 37.
[5]- سورة الكهف الاية 110.
[6]- سورة الشعراء 194 – 192.
[7]- سورة التوبة الآية 43.
[8]- عاش أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد أي قبل محمدJ بأكثر من 1100 عام
[9]- وتبنى ذلك توماس برنابا حيث قال: قد لاحظت هذه العلاقة حينما كنت أقرأ المجلد الرابع من قصة الحضارة لويل ديورانت.... وأؤكد أني لم أسمع أبداً أو أقرأ لأي أحد قد ربط بين أرسطو ومحمد من قبل؟
[10]- سورة المؤمنون الاية 12 – 14.
[11]- سورة القيامة الاية 37 – 39.
[12]- في الصفحة 500 من الفصل الرابع من الباب الحادي والعشرون ( حياة اليونان) في موسوعة قصة الحضارة لمؤلفها ويل ديورانت وترجمة محمد بدران ؛ يذكر الأتي:
[ ويرفض أرسطو ما يراه أنبادوقليس وديموقريطس من أن جنس الجنين تعينه حرارة الرحم أو تغلب أحد عنصري التكاثر على العنصر الآخر؛ ثم يصوغ بعدئذ هذه النظريات على أنها من وضعه فيقول: (كلما عجز العنصر المكون - الذكر- على أن تكون له الغلبة، ولم يستطع لنقص حرارته أن يطبخ المادة، أو يشكلها في شكله هو، أنتقلت هذه المادة الى .. صورة الأنثى)].