الثلاثاء، 11 أبريل 2017

ق2 من هو أمين كلام الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
من هو أمين كلام الله تعالى ق2
ثم معركة الأحزاب : تمكن اليهود الذين أُخُرجوا من المدينة بسبب غدرهم وعُدوانهم من تشجيع قريش وتحريض القبائل على النبي محمّدo ورسالته، ووعدوهم بمساعدات ضخمة.
وهكذا تشكّلت جبهة عريضة ضد الإسلام جمعت تحت رايتها الكثير من القبائل والمنافقين واليهود. وفي شهر شوّال من العام الخامس للهجرة زحفتْ جيوشُ الأحزاب بقيادة (أبي سفيان) وبلغت عشرة آلاف مقاتل.
فوصلت الأنباء الى مدينة الرسولo حمَلها فرسان من خزاعة، فأعلن رسول الله o حالة الاستنفار، فاقترح (سلمانE) بحفر خندق، وبوشر بحفر نهر كبير لحماية المدينة من العدوان.
فكان ثلاثة آلاف مسلم كانوا يعملون ليلَ نهار منهكمين في حفر خندق بلغ طوله اثني عشر ألف متر، بعمق خمسة أمتار، وبعرض ستة أمتار تقريباً، وجهز داخل الخندق بمنافذ للعبور ووُضعت خلف الخندق متاريس ومواضع للرماة. فوجئت الجيوش الزاحفة بخطّ لا يمكن اقتحامه، فعسكر المشركين للحصار.
أراد أبو سفيان حسْمَ الموقف، وإنهاء حالة الانتظار، فبعث (حيَّ بن أخطب) زعيمَ يهود (بني النضير) لكي يتحدث مع (كعب بن أسد) زعيم يهود (بني قريظة) في مهاجمة المسلمين من داخل المدينة المنورة.
وفتْح الطريق أمام جيوش الأحزاب ولكن رسول الله o يُدرك طبيعة الغدْر في اليهود، فرصد خمسمائة مسلّح للقيام بدوريات في المدينة ومراقبة تحركات (بني قريظة).
وهكذا أمّن رسولُ اللهo المدينةَ من الداخل، أمّا في الجانب الآخر من الخندق بقيتْ قوّاتُ المشركين عاجزةً عن القيام بأي عمل مسلّح ما عدا مناوشات بالنبال. فكانت الأوضاع تزداد حدة فتمكّن خمسة من أبطال المشركين بقيادة (عمرو بن عبد ودّ) من اقتحام الخندق وتحدّي المسلمين.
راح (ابن عبد ود) يسخر من المسلمين، فنهض له الامام عليُّ بن أبي طالبA ودخل معه معركة ضارية سقط (عمرو بن عبد ود) على أثرها صريعاً، وفرّ رفاقه، فسقط أحدهم في الخندق أثناء العبور، فنزل إليه عليُّA وقتَله، فيما لاذَ الباقين بالفرار.
فكانت لضربة عليٍّA وموقفه الباسل الأثرَ الكبير في تصاعد الروح المعنوية عند المسلمين، وبثّ روح الذعر في قلوب المشركين. حتى أنّ رسولَ o قال : (ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين سبعين سنة).
حاول (خالد بن الوليد) تدارك الخسارة وتدنّي معنويات الأحزاب، فقام بعمليات استعراضية حاول فيها اقتحام الخندق، فتصدى له المسلمين وأجبروهم على الفرار.
وأثناء الحصار أسلم (نعيم بن مسعود) وكان رجلاً معروفاً بالذكاء، فطلب منه رسول اللهo أن يكتم إسلامه ويحاول تخذيل المشركين وبثّ الفرقة بينهم وبين اليهود.
فنجح في مهمّته، كما تسلل شخص من المسلمين هو (حذيفة) أثناء الظلام في صفوف المشركين، وتمكن من حضور اخطر اجتماعاتهم، فراح يشنّ عليهم حرباً نفسيّة أشعرتهم بالهلع. وهبّت عواصف عاتية، وكان الهواء شديد البرودة، فسيطر اليأس، وساد الاختلاف بين الجنود بعد حصار بلا طائل.
قرّر أبو سفيان الاستفادة من الظلام، والانسحاب على عجَل، قبل أن تحدث تطوّرات. وأشرقت الشمس وخرج المسلمين إلى مواقعهم، وكم كانت فرحتهم كبيرة وهم ينظرون إلى الجانب الآخر من الخندق ولا أثر للمعتدين.
وعندما اطمأنّ الرسول o إلى انسحاب المشركين، أصدر أمره إلى المسلمين بترك مواقعهم والعودة إلى ديارهم.
ثم بني قريظة : لم يلتزم اليهود بعهودهم بعدما أرادوا الغدر، فقرّر نبي اللهo تأديبهم، فحاصر حصونهم وقِلاعهم مدّة خمسة وعشرون يوماً، بعدها اضطرّوا للاستسلام.
فعندما شعر يهود بني قريظة أن طريقهم الوحيد للنجاة هو الاستسلام، طلبوا مغادرة المدينة، ولكن النبيo رفض وأصّر على الاستسلام دون قيد أو شرط. لقد كان اليهود وراء كل الدسائس والمؤامرات، ولم ينسى المسلمين غدر (بني قينقاع) و (بني النضير).
وبالتالي طلب اليهود النزول على حكم (سعد بن معاذ) فقد يتعاطف معهم، ولكن سعداً حكم فيهم بما أنزل الله، وانتهت لذلك مؤامرات اليهود في المدينة.
ثم صلح الحديبية : عزّزت الانتصارات المتلاحقة من مواقع المسلمين في الجزيرة العربية وازدات هيبتهم بين القبائل، وشعرت قريش بالفزع. ففي شهر ذي القعدة من السنة السابعة الهجرية عزم الرسول o على حج بيت الله الحرام ومعه ألف وأربعمئة من المسلمين، فقصد مكّة حيث أحرم في مكان يدعى (ذو الحليفة).
فكان لهذه الخطوة مكاسب سياسية إضافة للفوائد الروحية والمعنوية، فقد أظهرت المسلمون كأمّة جديدة تتمتع بكيان خاص فيما بين القبائل في جزيرة العرب. وعندما وصلت الأنباء لمكة أقسم أهلها بالأصنام أن يمنعوا دخول محمدo وأصحابه إلى الكعبة بينما تحرّك خالد بن الوليد في مقدّمة مائتي فارس لاعتراض النبيo وأصحابه.
كان رسول اللهJ يتفادى الاصطدام بقريش ، ولذلك سلك طريقاً آخر إلى أن وصل (الحديبية). وقد بعث النبيo مندوباً إلى مكّة لكي يخبرهم بعزم رسول اللهo على زيارة بيت الله وأنه لم يأت للقتال والحرب.
واستُقبلوا مبعوث النبيo باهمال وعُومل معاملة قاسية، وكانت تصرفاتهم تحمل كل معاني العداء والكراهية للنبيo والمسلمين. فوقف رسول اللهo تحت (الشجرة) وتحلّق حوله المسلمين مجددِّين معه البيعة.
وعندما علمتْ قريش بذلك شعرتْ بالخوف وأرسلت (سهيل بن عمرو) لغرض التفاوض مع رسول اللهo وإبرام الصلح. فبعد مداولات بين الطرفين تمّ الصلح، ووقّع الفريقين على بنوده الخمسة، وفيها أن يعود المسلمين إلى المدينة على أن يحجّوا العام القادم دون سلاح، وهم أحرار في أداء مراسم الحج حسْب طريقتهم.
وكان من نتائج هذا الصلح، انتشار الإسلام بالجزيرة، ثمّ بعدها تُوِّج-بالنهاية – بفتح مكّة، وبالرغم من ذلك فإن بعض الصحابة اعترضوا على الصلح واعتبروه ضعفاً دون أن يلتفتوا إلى فوائده العديدة. فلقد تضمّن الصلح من شروطه بنداً وهو من أن يعيد المسلمين كلَّ من يُسلم من قريش إلى مكّة.
ثم معركة خيبر : في مطلع ربيع الأول من السنة السابعة الهجرية توجّه النبي محمد o إلى (خيبر) ومعه ألف وستمائة مقاتل من المسلمين، وأحاط الرسولo تحركه بسرّية كاملة لغرض مفاجئة اليهود.
ومنْع الإمداد العسكري الذي قد يصلهم من قبائل (غطفان). فوصل منطقة تدعى (رجيع) تفصل بين (خيبر) و (غطفان).
وتحت جنح الظلام حاصر المسلمين حصون (خيبر) واتخذوا مواقعهم فيما بين أشجار النخيل، وفي الصباح بدأت المعارك، فكانت الحصون تسقط، الواحد بعد الآخر. واستعصى عليهم فتْح آخر حصنين، وكان اليهود قد اجتمعوا فيهما للمقاومة ورشْق السهام.
بعث النبي o (أبا بكر) على رأس قوّة من المسلمين، وما أسرع أن عاد مهزوماً، فأرسل رسول اللهo (عمر) فعاد هو الآخر، وكان اليهود يسخرون من المسلمين. فقال رسول الله o : لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسولَه ويحبُه الله ورسولٌه كرّار غير فرار فلا يرجع حتى يفتح الله عليه.
وبات المسلمون ليلتهم وهم يتساءلون عن هذا الشخص، وكلُّ يحلم بذلك. في الصباح دعا سيدنا محمدٌ o علياً A وأعطى الراية إليه، ودعا له بالنصر وهزّ الامام عليٌ A الراية بحماس، وانطلق مع قوّاته باتجاه أعداء الإسلام.
فاليهود غرّتهم بعض الانتصارات السابقة، فبدأوا يجترئون، عندما وصل الامام (علي) A ووجد بعض قواتهم خارج الحصن، فشنّ المسلمين هجوم صاعق.
وقتل الامام عليُّ A كُلاً من (مرحب) و (الحارث) وكانا من أبطال اليهود، فدبّ الذعر في صفوفهم، وانسحبوا إلى داخل الحصن، وأحكموا إغلاق الأبواب.
طاردوا فلول اليهود، حتى إذا وصلوا باب الحصن وقفوا عاجزين، وهنا مدّ الامام علي A يده إلى باب الحصن وهزّه بقوّة ثم انتزعه وجعله جسراً لكي تعبر عليه قواته، ودهش اليهود من قوّة عليA وشجاعته وأعلنوا استسلامهم.
وكذلك المسلمين تعجبوا من قوّة الامام علي A وتساءلوا كيف تمكن من ذلك، وحاول سبعة من المسلمين تحريك الباب فلم يستطيعوا. وطلب اليهود من رسول الله A الصلحَ والبقاء في ديارهم، شرط أن يقدّموا نصف محصولهم من كل عام إلى المسلمين، فوافق رسول اللهA على ذلك وصفَح عنهم.
ثم فـدك : وصلت أنباء الانتصار الساحق للمسلمين إلى يهود (فدك) فأوفد أهلها مبعوث خاص لغرض التفاوض مع النبي o حول (السلام) مقابل التنازل عن نصف أراضيهم.
فوافق رسول اللهo على طلبهم ووهب (فدكاً) إلى السيدة (فاطمة الزهراء)B ابنتهُ الوحيدة وكان يعلم أن ابنته سوف تهب وارداتها إلى الفقراء والمحرومين.
وسار رسول الله o إلى آخر القواعد اليهودية في الجزيرة في منطقة (وادي القرى) وما أسرع أن سقطت بأيدي المسلمين، وصفح عنهم الرسولo. وترك لهم أرضهم مقابل تقديم نصف ريعها إلى المسلمين وأنعشت هذه الاتفاقيات وضْع المسلمين الاقتصادي كما عزّزت قدراتهم العسكرية لمواجهة الأعداء في خارج الجزيرة العربية.
ثم معركة مؤتة : بعث رسول الله o سفيراً إلى ملِك (بُصرى) لغرض دعوته إلى الإسلام ، ولما وصل إلى أرض (مؤتة) اعترضه حاكم تلك الديار وألقى القبض عليه وأمر بقتله.
وعلى أثرها جهّز النبيo جيشاً يتألّف من ثلاثة آلاف مقاتل، وعيّن جعفر بن أبي طالبA قائداً ، فإن استشهد فزيد بن حارثة، فإن استشهد فعبد الله بن رواحة. وانطلقت نحو مؤتة، وعندما وصلت الأنباء إلى الروم، حشدوا قوّاتهم البالغة مئتي ألف جندي نصفهم من الروم والنصف الآخر من القبائل العربية الموالية لهم.
وفي مؤتة اشتعلت حرب غير متكافئة، فحشود الروم تبلغ مئتي ألف أما الجيش الإسلامي فلم يتعدّ الثلاثة آلاف فقط. ولكن الإيمان العميق للمسلمين لا يراعي للكثرة أي وزن، فاندفع (جعفر)A إلى المعركة وقاتل بحماس حتى استشهد، وأستشهد بعده (زيد) ثم (عبد الله)F.
 وفي خضمّ المعارك الطاحنة استلم (خالد بن الوليد) القيادة الذي فكر بالانسحاب وقاد المسلمين باتجاه المدينة المنوّرة.
ثم فتح مكّة : وصلت أخبار المعركة إلى مكة واستبشر المشركين وظنوا أنها نهاية رسالة الإسلام، فانتهزوا الفرصة وخرقوا (صلح الحديبية). وذلك بإغارتهم على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، فاستنجدت وأرسلت وفداً إلى المدينة المنورة.
أدرك (أبو سفيان) أن المسلمون لن يتركوا (قريش) دون جواب، فأسرع للمدينة لغرض تجديد بنود (الصلح) وحاول تقديم اعتذار قريش عن هذه الإساءة. وقوبل بالرفض التام حتى من قبل ابنته (أم حبيبةB) وكانت زوجة للنبي o.
أمر رسول الله o المسلمون بالاستعداد للحرب فاجتمع عشرة آلاف مقاتل، وأحاطت بتحركاته سرّية كاملة وبثّ دوريات تطوف حول المدينة لغرض منع تسرّب الأخبار. فأراد أحد اسمه حاطب أن يخبر أهل مكّة بذلك، فبعث رسالة بيد امرأة، وهبط الوحي يخبر رسول اللهo بهذه الخيانة.
فبعث النبيo الامام علي A فأوقفها، وصادر الرسالة. وفي العاشر من شهر رمضان تحرك الجيش بقيادة رسول اللهo، وبعد أسبوع عسكرت قرب مكّة.
فوجئت قريش بهذا الجيش الكبير، وكان رسول الله o يحاول تفادي الحرب وبثّ الرعب في نفوس المشركين، فأمر المسلمين بإيقاد النار ليلاً، فارتفعت ألسنة النيران وأضاءت رمال الصحراء.
فكان أبو سفيان يراقب هذا المنظر فأدرك أن مكة لن تصمد بوجه المسلمين، فطلب من العباس بن عبدالمطلبF عم النبيo يطلب السلام وبعدها استسلم أبو سفيان.
ثم العفو العام : دخل جيش الإسلام مكة فاتحاً، فكان بعض المسلمين يفكّر في الانتقام والثأر من الذين عذّبوهم وأخرجوهم من ديارهم بغير حق. لكن رسول اللهo أعلن العفْو العام حتى عن أولئك الذين آذوه وتهاوت الأصنام والأوثان واعتلى بلال الكعبة، وارتفع هتاف التوحيد : الله أكبر ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله.
ثم معركة حنين : احدث سقوط مكة بأيدي المسلمين دويّ في جزيرة العرب وأصبح المسلمين قوة ضاربة فأرادت قبيلتا هوازن وثقيف مفاجأة المسلمين والانقضاض عليهم، وحشدوا للحرب اثني عشر ألف محارب بقيادة (مالك بن عوف) واحتلّوا مرتفعات (حنين) حيث الوادي الّذي سيعبر منه المسلمين.
تقدمت قوّات الإسلام إلى مواقع (هوازن) و (ثقيف) عندما دخلت كتائب الإسلام بطن الوادي في ظلمة الفجر تعرضت لوابل من السهام والنبال، فساد الارتباك طلائع الجيش وكانت بقيادة خالد بن الوليد.
وفي ذلك الموقف ثبت رسول الله o وامامه الامام عليA ومعهم جمع من المؤمنين وتجلّت قدرة الرسول o القيادية، وراح يهتف: (أنا رسول الله هلمّوا إليّ). وأمر عمَّه العباسF أن ينادي بالمسلمين، وكان صوته جهورياً، فنادى بأعلى صوته :
يا معشر الأنصار، يا أصحاب بيعة الشجرة! وكان النبيo ومعه المؤمنون الصادقون يقاتلون بضراوة. وهكذا بدأ المسلمون يضيقون من هول الصدمة وراحوا يتجمّعون حول قائدهم العظيمo الذي حوّل هزيمتهم إلى نصر ساحق.
اجتمع حول النبي o حوالي مئة مقاتل وهم يصيحون : لبيك لبيك، واندفع الامام علي A إلى حامل راية المشركين فقتله، وسقطت راية الشرك، فساد الذعر حشودهم وتحطمت روحهم المعنوية وحميّتهم الجاهلية.
وعندما شاهد النبيo أن الكفّة قد مالت لصالح المسلمين أصدر أمره بشنّ الهجوم المعاكس ونادى : الآن قد حمي الوطيس، شدّوا عليهم، واندفع المسلمين نحو أعدائهم ومزّقوا صفوفهم وألحقوا بهم هزيمة ساحقة، وارتفعت في الأفق راية (لا إله إلا الله).
ثم معركة تبوك : وفي شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة جاءت إلى رسول اللهo أخبار عن حشود عسكرية يقوم بها الروم على الحدود الشمالية، وأنهم يبيّتون خطّة لاجتياح مناطق الشمال.
قام رسول اللهo وبخلاف لما عرف عنه في تحركاته السابقة، بالإعلان عن التعبئة العامّة. ولم يبخل المسلمين بتقديم كافّة أنواع الدعم، حتى النساء جادتْ بأقراطهن وحليّهن الذهبية.
ثم موقف المنافقين : قام المنافقين والذين في قلوبهم مرض بحرب نفسية لغرض تثبيط العزائم وبثّ روح الفشل في نفوس المؤمنين، وراحوا يبثّون الدعايات المغرضة.
وجاء بعض المنافقين إلى رسول الله o وهو يستعدّ للحرب فقالوا : إنّا قد بنينا مسجداً، وإنّا نرغب أن تأتينا فتصلّي لنا فيه، وأدرك نبي اللهo أن في مسجد (ضرار) أهداف خبيثة، ويريدون التنصّل عن الجهاد في سبيل الله، وهبط الوحي يفضح تلك الأهداف الدنيئة.
فكان المنافقين يجتمعون في بيت اليهودي (سويلم) ويبثّون سمومهم، فبعث إليهم الرسولo جمعاً من المؤمنين، فأشعلوا النار، وفرّ المنافقون.
ثم إلى تبوك : لما غادر الجيش الإسلامي كان قوامه ثلاثون ألف مقاتل من المدينة متَّجها نحو تبوك في مسيرة تبلغ أكثر من ستمائة كيلومتر، في صحراء ملتهبة بالحرارة، في فصل الصيف الحارق.
كان الرسولo قد استخلف على المدينة الامام علي بن أبي طالبA لإحباط مؤامرات المنافقين لكثرتهم، وقال بعد أن سمع دعايات المنافقين: كذبوا ولكني خلّفتك لما تركت ورائي، (أفلا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي).
فقطع الجيش الإسلامي الصحراء نحو تبوك، ووصلت الأنباء إلى الروم الذين فضّلوا الانسحاب وعدم المغامرة في حرب مع جيش يقوده النبي محمدJ فعسكر الجيش الإسلامي مدّة عشرين يوماً، أثبتوا خلالها عزمهم الأكيد على مواجهة دولة الروم الكبرى. بعدها أصدر الرسولo أمره بالعودة إلى المدينة.
ثم المؤامرة : فعندما عاد سيدنا محمّد o من تبوك فكّرت زمرة من المنافقين في الاستفادة من الظلام ودفع مركب الرسول J في الوادي، ففضحهم الله وردّ كيدهم وأراد بعض المسلمين قتلهم، ولكن النبيo منعهم.
فعاد رسول الله o إلى المدينة وأصدر أمره بحرّق مسجد (ضرار) وبثّ اليأس في نفوس المنافقين، وتاب بعضهم. واستخدم الرسول o في (تبوك) لأول مرة أسلوب الحرب الشاملة، إذ عبّأ كل قادر على حمل السلاح، ولم يتخلّف سوى ثلاثة أشخاص فقط.
كما أدّت هذه التعبئة إلى ارتفاع معنويات المسلمين، وهم يرون بأعينهم كيف تراجع الروم عن مواجهتهم.
ثم البراءة من المشركين : ففي العاشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية، كان المشركين ما يزالون يحجّون إلى بيت الله، نزلت سورة التوبة، التي تضمنّت آياتها إعلان الجهاد على الشّرْك والمشركين: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين).
وانطلق الامام علي بن ابي طالبA بأمر من رسول اللهo إلى مكّة لكي يقرأ كلمات الله في إعلان نهاية الوثنية، وينادي في الحجاج جميعاً:  (أيها الناس لا يدخل الجنّة كافر، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدّته).
ثم المباهلة : بعث سيدنا محمّد بن عبداللهo برسائل إلى ملوك الأرض يدعوهم فيها للإسلام، وكان من بين تلك الرسائل رسالة لأسقف نجران، وكان الأسقف يترقّب ظهور نبي جديد بحسب ما موجود عنده في بشارة الإنجيل.
فأرسل وفداً إلى (يثرب) المدينة لغرض التحقيق في ذلك، وحاورهم رسول اللهo بالتي هي أحسن وبيّن لهم حقائق متعلقة بالإسلام، وكان النصارى يتسائلون عن طبيعة السيد المسيح؛ هل هو (ابن الله) أم (ابن مريم)؟.
فأجابهم نبينا وسيدنا محمّدo بالقرآن كما في قوله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلَت من قَبله الرسُلُ وأمّه صديقة كانا يأكلان الطعام)[1]. وقوله تعالى: (إن مَثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون)[2].
ولكن وفد نجران، الذي كان متألف من ستين شخص، رفَض الإيمان بهذه الحقائق والإذعان لها، وهنا دعاهم رسول اللهo إلى المباهلة لكي يلعن الله الكاذب فقال الله تعالى:
(فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندْعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)[3].
وتحدد موعد للمباهلة، ولكنّ أهل نجران تراجعوا في اللحظات الأخيرة وهم ينظرون إلى نبي اللهo وقد خرج وهو يحمل ابناءهِ الحسنA والحسينA وخَلفه نسائهِ السيدة فاطمة الزهراءB ونفسهِ الامام علي بن أبي طالبA فخافوا أن تحلّ بهم لعنة الله.
ثم حجّة الوداع : غمرت الفرحة قلوب المسلمين بعد إعلان نبي اللهo عزمه على حج بيت الله الحرام، وانتشر الخبر في جميع الأرجاء. ففي الخامس والعشرين من ذي القعدة تحرك موكب رسول اللهo تحيط به الألوف، وخلّف على المدينة أبا دجانة الأنصاري.
وعندما وصل سيدنا ونبينا محمّدo ذا الحليفة، ارتدى ثوب الإحرام، وهتف: لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. وبعد عشرة أيام دخل مكة وطاف بالبيت العتيق سبعة أشواط، ثم صلّى خلْف مقام إبراهيمA وسعى بين الصفا والمروة.
ثم وقف فوق جبل الصفا حتى إذا اطلّ على الكعبة هتف منادياً : لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
ثم غدير خم : وفي يوم الخميس وهو الثامن عشر من ذي الحجة عندما وصل الرسولo مكان يدعى (غدير خمّ) وهو في طريق عودته من الحج هبط عليه الوحيA بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك).
فتوقف رسول اللهo وأمر المسلمين أن يتوقّفوا. فتوقّفتْ ألوف المسلمين وهي تنتظر نبأً هام في تلك الصحراء الحارقة. فخطب الرسولo بأعلى صوته : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا..
وراح رسول اللهo يعظهم بمواعظ الأنبياء والرسل. ثم قال وهو يمسك بيد علي بن ابي طالبA ويرفعها عالياً : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه .. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه). وقال J في خطابه أيضا : (ألا وأنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب اله وعترتي أهل بيتي).
وبعد أن أتّم رسول اللهo خطابه ، هبط الوحيA مرّة أخرى. وتلا عليه كلمات الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)[4].
ثم الوفاة المؤلمة : رجع الرسول o إلى المدينة بعد حجة الوداع، فألمّت به الحمى ولزم فراشه. وفي تلك الفترة ادعى بعض المشعوذين النبوة مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهم، ليخدعوا بألاعيبهم السذج والبسطاء، ولكن الله أبطل كيدهم وعاد الناس إلى ظِلال الإسلام.
وذات ليلة اشتد الأرق برسول الله o فخرج في قلب الظلام وقال لعليA : (إني قد أُمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي) وفي البقيع قال النبيJ: ( إني قد أُوتيت خزائن الدنيا والخلد فيها وخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي، فاخترت لقاء ربي والجنة).
اللحظات الأخيرة : ففي أثناء مرض رسول الله o بعد رجوعه إلى المدينة بقليل، كانت شؤون أمّته شغله الشّاغل، حتى وهو على فراش المرض، كان لا يدع فرصةً تمر من دون أن يزوّد الناس بموعظة، أو يقدّم لهم نصيحةً, فكانo يريد أن تكون تكاليف المسلمين بعد وفاته واضحةً وجليةً.
وأما أولئك الذين كانت تشغلهم المناصب والمقامات الرفيعة، فكانوا يحولون من دون تحقيق ذلك، أجل فإنّ رسولنا الكريمJ قد عانى الكثير من قسوة أصحاب الغايات وعبيد الدنيا والمناصب، حتى في آخر لحظات حياته المباركة.
وحينما كان علي وفاطمةD وغيرهم من الصحابة الأوفياء، يجلسون قرب وسادة رسول اللهo يذرفون الدموع حزناً عليه. كان هناك جماعة آخرين يضعون الخطط، ويفكرون بشتّى أنواع المكر والخداع، وهم ينتظرون وفاة النبي o حتى يطبقوا بأيديهم على الخبز والماء والمنصب.
إنهم هم نفسهم أولئك الذين سابقوا الآخرين يوم «غدير خم» كي يباركوا لامام عليّ A بخلافة رسول الله o وقد رأينا كيف نجحوا في مسعاهم. واستطاعوا أن يخدعوا البسطاء من الناس بألسنتهم، ويغسلوا أدمغتهم، فينسوا كلّ ما قال ونطق بهِ رسول الله J في غدير خمّ، وما قدّمه من مواعظ ونصائح.
مرةَ في المسجد واخرى على فراش المرض، ينسون كلّ هذا، ويستمعون إلى نفر مالوا إلى الدنيا وباعوا أنفسهم للشيطان، حتى أنّهم لم يتورّعوا عن كسر ضلع سيدة نساء العالمين فاطمةB بضعة الرسول J وجعلوا أميرالمؤمنين علياً A يقيم في بيته سنواتٍ لا يبرحه، ومهّدوا لمملكة قريشٍ ومعاوية ويزيد واليزيديّين حتى اصبح التكفير سنة يتعبد بها.
مضت أيّام، والمدينة يلفّها القلق، ويعمّها الحزن والأسى فكان العديد من أهلها يتجمعون حول بيت رسول اللهo يذرفون الدّموع، ويدعون الله ليلاً ونهارا، يرجون لنبيّهم السلامة.
كان كلّ شيءٍ يشير وينبه إلى أنّ حادثاً جللاً سيقع وكان المرض يشتدّ على سيدنا ومولانا محمّد o يوماً بعد الآخر.
وأخيراً، ففي يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر، من السنة الحادية عشرة من الهجرة أسلم وعرجتْ روح حبيبنا وشفيعنا حبيبناJ إلى الملأ الأعلى خالق الروح الذي ارسلهُ. وترك آلاف العيون الباكية والقلوب الحزينة الى يومنا هذا.
فحينما كان مسنداً رأسه الكريم إلى صدر ابن عمه ووليّ عهده الامام عليّA ودفن جسده الطاهر في اليوم التّالي بيدهِ الطاهرةA.
رحلo وما زلنا بعد قرون من رحيله نسمع ترداد ندائه إذ يقول: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين. كتاب الله وعترتي أهل بيتي». صدق رسول اللهo.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يُبعث حياً والسلام عليك وعلى الارواح التي بفنائك يا سيدي يا رسول الله. ولاحول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الهوامش.........


[1]- سورة المائدة الاية 75 .
[2]- سورة آل عمران الاية 59 .
[3]- سورة آل عمران الاية 61 .
[4]- سورة المائدة الاية 3 .