قوة
شخصية محمد بن عبدالله الغريبة العجيبة ص قسم1
قوة الشخصية لدى النبي J : الله سبحانه وتعالى بعث كلّ نبيّ
بلسان قومه، حتّى يهدي قومه أوّلا، ثمّ تنتشر دعوته في المناطق الأُخرى. يخاطب
القرآن النّبيJ بلحن التهديد وبشكل قاطع حيث يقول: (ولئن
اتّبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق).
وبما أنّ إحتمال الإنحراف غير موجود إطلاقاً في
شخصيّة الرّسولJ لما يتميّز به من مقام العصمة والمعرفة،
فهذا التعبير ـ أوّلا ـ يُوضّح أنّ الله سبحانه وتعالى ليس له إرتباط خاص مع أي
أحد حتّى لو كان نبيّاً، فمقام الأنبياء الشامخ إنّما هو بسبب عبوديتهم وتسليمهم
وإستقامتهم.
وثانياً: تأكيد وإنذار للآخرين، لأنّ
النّبيJ إذا لم يكن مصوناً من العقوبات الإلهيّة في
حالة إنحرافه عن مسيرة الحقّ وإتّجاهه صوب الباطل، فما بال الآخرين؟
واما ملاحظاتهم التي لا قيمة لها على
شخصيّة الرّسولJ ما هي إلاّ أعذار واهية، وشكّهم وتردّدهم في
هذه المسألة ليس بسبب وجود إبهام في القرآن المجيد، وإنّما بسبب أهوائهم النفسية
وحبّ الدنيا وحسدهم.
فلا يمكن تبرير تسهيل الإساءة للآخرين
بدواعي حرية التعبير، ولا يكفي الاعتذار بمعسول الكلام حينما تكون الإهانة متعمدة،
والأشد إيلاما من كل هذا حين تُستهدف شخصية نبيJ الإنسانية ثم تُساق التبريرات فتأتي أوقح من
فعل الإساءة نفسه[1].
اذا تأملنا شخصية الرسول محمد بن
عبدالله o من عدة جوانب تجد الكثير من البحوث ولكن لفت
انتباهي ما قاله الشيخ عبدالرزاق فرج الله الاسدي[2]
حينما قال:
بما أنّ شخصيّة رسول الله o هي الشخصيّة المصطفاة لعمليّة تغييريّة
شاملة وشاقة, فقد برأها الله عزّ وجل ونقاها من كلّ نقص, وصانها من كلّ عيب,
ووهبها عناصر القوّة, لمواجهة العقبات, وعلاج السلبيات, وتحدي مواقف الرفض
الجاهلي, وأهم ما في هذه العناصر هي:
أولاَ : العنصر النوراني في
تكوين النبي o : وذلك أنّ أول ما يقع بصر اي إنسان على
رسول الله o يجد نفسه أمام جمال مدهش لا مثيل له, وشخصية
موهوبة, ومظهر يلقي بهالة جمالية مطلقة تأخذ بمجامع القلوب, ويحتل أعماق الوجدان.
كما أخرج البيهقي عن جابر بن سمرة قال
: رأيت النبي o في ليلة أضحيان (أي مقمرة مسفرة) فجعلت أنظر
إليه وإلى القمر فهو كأحسن من القمر[3].
وكما كان تكوينه o نورا على وجه الحقيقة لا المجاز, بدليل كما
في قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)[4]
فمثلاَ إذا مشى لا يرى له ظلً على الأرض, لأنّ الظل أثر من آثار الكثافة الجسمانية,
أما النور اللطيف فلا ظل له.
كما روى ابن المبارك وابن الجوزي عن
ابن عباس قال: لم يكن للنبيo ظل, ولم يقم من الشمس قط إلا غلب ضوؤه على الشمس,
ولم يقم من سراج قط إلا غلب ضوؤه السراج[5].
ومثلهِ أورد الزرقاني قولا لأبي هريرة
قال: (ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللهo كأن الشمس تجري في وجهه في فلكها).
فقال الزرقاني: إنّ شدة النور وسريانه
في وجه الناظر إليهo منزّل منزلة الشمس التي ظهر نورها في وجهه
ثم استشهد بقول القائل: لم لا يضيء بك الوجود وليله فيه صباح من جمالك مسفر فبشمس
حسنك كل يوم مشمس وببدر وجهك كل ليل مقمر.
وكذلك عن ابن عـباس قال : قال رسول الله
o:
خلقني الله نورا تحت العـرش قبل أن
يخلق آدم بإثني عـشر ألف سنة فلمـّا أن خلق الله آدمA ألقى النّور في صلب آدمA فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتـّى
افترقنا في صلب عـبد المطلب بين عـبد الله وأبي طالب, فخلقني ربّي من ذلك النّور
لكنّه لا نـبيّ بعـدي[6].
فمحمد بن عبداللهo نور الأنوار وسر الأسرار, ومفتاح باب
اليسار, وهو النور اللامع والقمر الساطع, والبدر الطالع, والفيض الهامع, والمدد
الواسع, ما سجد لله ساجد وركع راكع.
ولو أبصر الشيطان طلعة نورهo في وجه آدمA كان أول من سجد عيسىA وآدمA والصدور جميعهم هم أعين هو نورها لما ورد
أخيه علي A عناية الإعجاز الرباني الالهي.
وليس مرادنا هنا عرض تفصيل لأنواع
الإعجاز الرباني لغرض إثبات صدق النبوة, بقدر ما هو عرض لخواص الإعجاز بشكل عام,
من أنه يمثل مصدر قوة لمواقف الأنبياء والمرسلين مع قومهم, ثم الفرق بين الإعجاز
وبين ما قد يقع فيه بعضهم.
ولعله من مصاديق عدل الله تعالى هي
تقوية مواقف الرّسل بعناية الإعجاز الدال على صدقهم, لأنهم الهداة لجميع الناس,
والله عزّ وجل لا يمكـّن بالإعجاز إلا من وجدهُ هو صادق في قوله وفعله.
اذاً : الإعجاز هو العمل الخارق
للعادة, والقائم على صدق دعوى المنصب الإلهي, والذي عجز البشر عن الإتيان به وهو
مما تعجز أمامه كافة إرادات البشر مهما كانت قدرتها وإمكانياتها, ولا يمكن الصمود
أمامها لأيّ من مواقف الرفض.
والسبب لأنّ الإعجاز يتحرّك دائما وباستمرار
في خط التحدي ضد المنكرين للمنصب الإلهي, وذلك لأن المتبني لإجراء هذا العمل
الخارق للعادة هو الله جلّ وعلا.
وإذا رجعنا إلى القاعدة الفكريّة التي
نمتلكها وهي (عقيدتنا) التي تقتضي من أنّ الله تعالى يصب قراراته وأفعاله وفق
حكمته, مع مقتضيات مصلحة الدين والرسالة.
فبهذا الحصر نستوحي أنّ المعجزة دائما
تصب دائماً في خط الحكمة, ولا تجري عبث وبلا مصلحة تقضي بإجرائها, لذا تكون
المعجزة لإثبات المنصب الإلهي.
فمن المعجزات ما لازم البعثات
الرّسالية مع مرور الزمن, ولم يكن مرتبط بما لو طلب الناس من الرسل ذلك أو لم
يطلبوا, فتأتي المعجزة ملائمة لأرقى فنون العصر الذي يبعث فيه النبي.
من دون أن يكلف الله تعالى النبي
المرسل بأكثر من دعوة الناس إلى الإيمان بالرّسالة التي جاء بها من ربّه تعالى,
وهو ما عليه مسيرة كل الرسالات التي بعث بها الأنبياء السابقين وختمت بنبينا محمدJ.
ثانياَ : من المعاجز ما
يطلبه الناس من النبي o : لو أجاب الله تعالى الناس ولم يؤمنوا
بذلك يصبهم الله بعذاب من عنده, كما أنبأنا بذلك القرآن الكريم عن الكثير من
الآيات التي كانت السبب في هلاك الأمم التي كانت تلح على طلبها من أنبيائها, ولم
تؤمن بها فيعاجلها الله بإنزال العذاب.
لذلك أغلق الله تعالى باب الإستجابة
لطلب المعجزات التي تستوجب التكذيب بها إنزال العذاب كما قال تعالى: (وما منعنا أن
نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما
نرسل بالآيات إلا تخويفا)[7].
وذلك إكراما لنبي الرّحمة رسول الله o فأوكل الله الناس إلى عقولهم للتدبر في أرقى
كمال المعجزات, وهي معجزة (القرآن الكريم) وذلك أن هناك شروط مجتمة لكي تشكل الميزان
والضابطة للمعجز, فمن هذه الشروط:
أ - أن تكون المعجزة مقترنة بدعوى
المنصب الرباني عند من هو أهل لهذا المنصب, وفي ظرف الإمكان لإدعائه, لهذا لا يحق
لأي أحد أن يدعي منصب من مناصب النبوة في هذا الزمن.
وذلك لقول خاتم الانبياءo: (إلا أنه لا نبي بعدي) ولا منصب من مناصب
الإمامة, وذلك لعدم الإستحقاق الموضوعي لهذا المدعى بعد وضوح سلسلة الإمامةD.
ب - أن لا تكون المعجزة بخلاف سِنة
الكون أو تكون أمر مهلك أو مستحيل عقلاً كما طلبت قريش من رسول الله o كما في قوله تعالى:
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ
لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ
السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا)[8].
فلاحظ في هذا الطلب ما خالف سِنة
الكون, ومنها الأمور المهلكة التي تخالف هدف بعثة النبي o ومنه ما هو مستحيل عقلاً, ولهذا لا تجد لمثل
هذه الطلبات قبول عند الله تعالى.
ج - أن لا تكون المعجزة من الأمور التي
تعتبر ملجئة للناس على الإيمان, أي بمعنى أنها تسلب الإختيار, لهذا لما عظم على
النبيo إعراض الناس عن إيمانهم بالرّسالة, فوقع في
نفسه الزكية الألم والحسرة عليهم.
والسبب لانهم لم يؤمنوا بالله, فخاطبه
الله سبحانه بقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ
اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ
فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا
تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[9].
كما روي عن ابن عباس E: أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى
النبي o في نفر من قريش فقالوا:
يا محمدo ائتنا من عند الله كما كانت الأنبياء تفعل
فانا نصدق بك فأبى الله أن يأتيهم بها فأعرضوا عن رسول الله o فشق ذلك عليه، فنزلت هذه الآية، والمعنى،
وإن كان كبر عليك إعراضهم عن الإيمان بك، وصحة القرآن، فإن استطعت أن تبتغي نفقاً
في الأرض أو سلماً في السماء فافعل[10].
د - أن لا تتجرّد المعجزة عن غايتها وهدفها,
كما لو كانت استجابة للجاجة أو لعناد بعض من الناس, وهم غير مستعدين للإيمان
والإنضواء تحت لواء الهدى.
لأنّ هدف المعجز كما في تأريخ
الرسالات, هو ربط الناس بالله تعالى من ناحية, ومن ناحية اخرى إقامة الحجج على
الكافرين والمعاندين.
وهذه الغاية ترى انها تحصل من أول
معجزة تقوم على صدق المدّعى, كما في معجزة خاتم الانبياء القرآن الكريم, القائمة
على صدق الرسالة, والذي أغلق الله تعالى به باب كل طلب, وأفحم به كافة المدّعيات,
وما يتوقع من ظهور الأوهام.
لما توفي عبد المطلب أخذ أبو طالب
النبي o عنده لوصية أبيه به، وكنت أخدمه، وكان في
بستان دارنا نخلات وكان أول إدراك الرطب، وكنت كل يوم ألتقط له حفنة من الرطب فما
فوقها وكذلك جاريتي.
فاتفق يوماً أن نسيت أن التقط له
شيئاً ونسيت جارتي أيضاً، وكان محمدo نائماً ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من
الرطب وانصرفوا. فنمت ووضعت الكم على وجهي حياءً من محمد o إذا انتبه، فانتبه محمد o ودخل البستان فلم ير رطبةً على وجه الأرض.
فأشار إلى نخلة وقال: أيتها الشجرة
أنا جائع. فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها ما أراد ثم
ارتفعت إلى موضعها.
فتعجبت من ذلك وكان أبو طالب غائبا
فلما أتى وقرع الباب عدوت إليه حافية وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت فقال هو: إنما
يكون نبياً وأنت تلدين له وزيراً بعد يأس. فولدت علياً A كما قال.
ثالثا : وعي الرسول
للمسؤولية o : من الطبيعي ان أيّ شخص من الحركيين
المصلحين, بصفته صاحب أطروحة يريد أن يضعها بين يدي الناس, بهدف أن يكون لها
النفوذ والقبول في واقع الأمم, لابد وأن يكون المتصدي عالم ومستوعب لتفاصيل هذه
الأطروحة.
وهو مما يعزز من مواقفه, ويضاعف اكثر من
تحمله لمسؤوليته في سبيل ترويجها, فكيف اذا كان هذا رسول الله o الذي هو على موعد من السماء أن تلقي عليه
قول ثقيل, وأن تحمله هذه الأمانة العالمية الشاملة ؟.
لهذا كان من احدى عناصر نجاح حركة
الرسول o أنه كان قد أحاط بكل خطوط رسالته التي حملها
للأمّة, وكان على وعي كامل وبصيرة لما يدعو إليه من مبادئ هذه الرسالة ومفاهيمها.
كما في قوله تعالى: ( قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[12].
فلا تعتبر تلك الأطروحة لدى رسول اللهo كمهنة من المهن التي يزاولها أبسط الناس
انتظاراً لعوائد اودخل مادي, أو على أمل لمردود الوجاهة, أو حتى لطمع في مركز
إجتماعي.
بل كانت لديه هذهِ الأطروحة طموح من
الطموحات, وتطلع من التطلعات وهدف من الأهداف والغايات, التي يعيش تأثيرها في نفسه
وروحه الزكية وعقله منذ ان فتح عينه النورانية على الدنيا, والتي تصاغرت وتفانت
أمامها كل الرغبات المادية والدنيوية.
لهذا كان وعيه وشعوره بالمسؤولية اتجاهها,
دافع من دوافع الإصرار والتصميم على مواصلة الطريق إليها, فكان يقول لعمه أبي طالب
A : (يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في
يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
وكل هذا كان إيماناً منه من أنّ هذه
الأطروحة الجديدة هي موضع أمل كل الإنسانية على امتداد التأريخ الى يوم يبعثون. فكانت
هذه الأطروحة تطلعاً في كل أحاسيسه ومشاعرهJ, فقد بقي يراقب ويتابع درجة تأثيرها في عمق نفوس
الناس, وفي مظاهر السلوك الإنساني.
وطبق ذلك من خلال تصرفاتهJ فمع القوة والعزيمة التي يمتاز بها
الأنبياء، لم يغفل عن أصحابه الأوفياء الذين لبّوا دعوته. وبذلوا في سبيل الله
مهجهم وأرواحهم، واستشهدوا في معركة أحد إلى آخر يوم من أيام حياته، فكان يذكرهم،
ويدعو لهم، ويزورهم[13].
وسرى هذا الحب إلى المكان والحدث الذي
قامت فيه هذه المعركة، والجبل الذي شاهدها، والبلد الذي احتضنه، فروى عنه الصحابة
أنه قالJ
(هذا جبل يحبنا ونحبه)[14] كما عن أنس بن مالك أن رسول اللهo طلع له أحد، فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه)[15].
ومثلهِ عن أبي حميد قال: أقبلنا مع
النبي o من غزوة تبوك حتّى إذا أشرفنا على المدينة،
قال: (هذه طابة، وهذا جبل يحبنا ونحبه)[16].
وكذلك عن عقبة أن رسول الله o خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت[17] كما عن جابر بن عبد الله E قال: سمعت رسول اللهo يقول إذا ذكر أصحاب أحد: (أما والله، لوددت
أنّني غودرت مع أصحاب نحض[18] الجبل)[19].
واما موقفه مع عمه حمزة بن عبد المطلب
D وقد احتمل شهادة عمه وقيل هو أخيه في
الرضاعة، لمّا دخل المدينة راجع من معركة أحد، ومر بدار بني عبد الأشهل، فسمع
البكاء، ونوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه، ثم قالo: (لَكُنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ)[20].
واما موقفه مع وحشي بن حرب لما فتح
الله للمسلمين مكة، ضاقت على وحشي المذاهب، دخل في دينه، وسمع منه قصة قتل حمزةA، الى أن قالo: (ويحك غيب عني وجهك، فلا أرينك قال وحشي:
وكنت أتنكَّب[21] لئلَّا يراني، حتى قبض)[22].
واما في رواية الامام البخاري: فلمّا
رآني قالo: أنت وحشي؟. قلت: نعم. قالo: أنت قتلت حمزةA؟ قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: فهل
تستطيع أن تغيِّب وجهك عنِّي؟[23].
واما عند قبر أمه آمنة بنت وهب B فمن مظاهر هذا الشعور الإنساني الرقيق،
وعاطفته النبيلة أنه o انتهى إلى رسم القبر الشريف فجلس وبكى، وقالo: هذا قبر آمنة بنت وهبB وحينها مضت على وفاتها مدة طويلة[24].
في ايات القران الكريم والروايات من
فضائل النبي محمّد o كثيرة جداً كما قال الله تعالى في كتابه
العزيز في سور عديدة ونبدأ بـ(آل عمران) قوله تعالى:
(الم* الله لا إله إلا هو الحي
القيوم* نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والانجيل* من
قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بأيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز
ذو أنتقام)[25].
وقال في سورة آل عمران قولهِ تعالى: (
لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم أياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[26].
وقال في سورة الأنعام قولهِ تعالى:
(وأوحى إلى القرءان لأنذركم به ومن بلغ)[27]. وقال في سورة الأعراف قولهِ تعالى:
(يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والارض لا إله إلا
هو يحى ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبي الاُمي الذي يؤمن بالله وكلماته)[28].
وقال في سورة الأنفال قوله تعالى:
(يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون)[29]. وقال في سورة الأنفال قوله تعالى:
(وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)[30].
وقال في سورة الأحزاب قوله تعالى: (ما
كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)[31] وقال في سورة النجم قوله تعالى:
(والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحى يوحى)[32].
واما ما روي في الروايات فقد حدثنا
محمّد بن علي ماجيلويه[33] قال: حدثني عمي محمّد بن أبي القاسم
، عن أحمد بن هلال ، عن الفضل بن ذكين ، عن معمَر بن راشد قال : سمعت أبا عبد الله
الصّادق A يقول:
« أتى يهودي إلى النبي o فقام بين يديه يحد النظر إليه فقالo : يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال : أنت أفضل أم
موسى بن عمرانD النبي الذي كلمه الله تعالى وأنزل عليه
التوراة والعصا وفلق له البحر واظله بالغمام؟ فقال له النبي o: أنه يكره للعبد أن يزكي نفسه، ولكن أقول:
إنَّ آدم A لما أصاب[34] الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم
إِني أسالك بحق محمّد وآل محمّد لمّا غفرتَ لي ، فغفر الله له. وأن نوحاًA لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال : اللهم
إني أسالك بحق محمّد وآل محمد (لمّا أنجيتني)[35] من الغرق ، فنجاه الله عنها.
وأنّ إبراهيم A لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق
محمد وآل محمّد لما أنجيتني منها فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وأن موسىA لمّا ألقى عصاة فاوجس في نفسه خيفة قال :
اللهم إني أسألك بحق محمّد وآل محمّد (لما امنتني)[36] منها فقال الله جل جلاله : (لا تخف
إنكَ أنتَ الأعلَى )[37].
يا يهودي : إنَّ موسى A لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه
إيمانه شيئاً ولا نفعته النبوة. يا يهودي : ومن ذريتي المهديA إذا خرج نزل عيسىA بن مريمB لنصرته فقدمه وصلى خلفهA».
وقد قال الشيخ الفقيه[38] أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن
موسى بن بابويه القميu: حدثنا الحسين بن أحمد بن إِدريس F قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن
محمّد بن الضحاك قال :
أخبرنا عزيز[39] بن عبد الحميد ، عن إسماعيل بن طلحة
، عن كثيربن عمير[40]، عن جابر بن عبد الله الأنصاريE قال : سمعت رسول الله o يقول:
« إنَّ الله خلقنيo وخلق علياًA وفاطمةB والحسنA والحسينA والأئمةD من نور[41]. فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا
فسبّحنا فسبّحوا وقدسنا فقدسوا وهللنا فهللوا ومجَّدنا فمجّدوا ووحّدنا فوحّدوا.
ثم خلق الله السماوات والأرضينِ ،
وخلق الملائكة ، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساَ ولا تمجيداً
فسبّحنا فسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا وقدَّسنا فقدست شيعتنا فقدست
الملائكة لتقديسنا ومجّدنا فمجدت شيعتنا ومجدت الملائكة لتمجيدنا ووحدنا فوحدت
شيعتنا فوحدت الملائكة لتوحيدنا وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً من
قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا.
فنحن الموحدون حين لا موحد غيرنا
وحقيق على الله تعالى كما اختصنا واختص شيعتنا أن ينزلنا في أعلى عليين. إن الله
سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفى شيعتنا من قبل أن نكون أجساماً ، فدعانا وأجبنا ،
فغفر لنا ولشيعتنا من قبل أن نسبق أن نستغفر الله».
وكذلك حدثنا محمّد بن إبراهيم الطالقاني[42] قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى
الجلودي بالبصرة قال : حدثنا ابو عوانة قال : حدثنا محمّد بن زكريا ، عن عبد
الواحد بن غياث ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجذ ، عن علي
بن أبي طالب A قال :
« سمعت رسول الله o : يقول : إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وخلق
علياً وفاطمة والحسن والحسينD من نور».
فمن من المسلمين حينما قال لهم النبي o: ان الأئمة من قريش فهل أئمتهم من قريش؟ ولاحظ
راويتهم في كتبهم الصحيحة والمتفق على صحتها انه من مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية[43].
كما أخرج أحمد
وابن أبي شيبة والنسائي عن أنس قال : كنا في بيت رجل من الأنصار فجاء رسول الله o حتى وقف
فأخذ بعضادتي الباب فقال o:
(الأئمة من
قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك ما إن استحموا عدلوا وإن استرحموا رحموا وإذا
عاهدوا أوفوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)[44].
ومثلهِ جاء حدثنا
عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داود ثنا سكين ثنا سيار بن سلامة سمع أبا برزة
يرفعه إلى النبي o قال:
( الأئمة من
قريش إذا استرحموا رحموا وإذا عاهدوا وفوا وإذا حكموا عدلوا فمن لم يفعل ذلك منهم
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وتعليق شعيب الأرناؤوط قال: صحيح لغيره
وهذا إسناد قوي[45].
وكذلك مثلهِ ما جاء ان
الأئمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك ما إن استرحموا رحموا وإن استحكموا
عدلوا وإن عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل (حم ن الضياء) عن أنس قال الشيخ الألباني:
(صحيح) انظر حديث رقم : 2758 في صحيح الجامع[46].
فمن هم هؤلاء
الخلفاء الإثنى عشر إمام الذين اخبر عنهم الرسولo وكلهم من
قريش ولا تنقضي الأمة حتى ينقضي الإثنى عشر أي إلى آخر الزمان ولا يمكن أن ينطبق
هذا الحديث المتفق عليه وهو حديث الإثنى عشر إلا على أئمة من أهل البيت D وهو معتقد
الشيعة الإمامية واخرهم مهدي اخر الزمانA.
وايضاَ اخرج العديد
من الحفاظ منهم الامام مسلم والبخاري في صحيحهما قال: حدثني محمد بن المثنى حدثنا
غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال:
[سمعت النبي o يقول ( يكون
اثنا عشر أميرا ) فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي إنه قال ( كلهم من قريش )][47].
وكذلك قول
الآمدي : (ومما دل السمع على اشتراطه أن يكون قرشيا وذلك نحو قوله o الأئمة من
قريش وقوله o قدموا قريشا
ولا تقدموا عليها)[48].
ولاحظ كذلك
ما جاء من كلام ابن حجر العسقلاني في مصنفهِ فتح الباري حيث قال : ( .. قال ائتموا
بقريش خاصة وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ويؤخذ منه ان الصحابة اتفقوا على إفادة
المفهوم للحصر خلافا لمن أنكر ذلك والى هذا ذهب جمهور أهل العلم أن شرط الإمام أن
يكون قرشيا..
إلى ان يقول
: على هذا القول بعد ثبوت حديث الأئمة من قريش وعمل المسلمون به قرنا بعد قرن
وانعقد الإجماع على اعتبار ذلك قبل أن يقع الاختلاف)[50].انتهى.
واشترط غياض بقوله
(وقال عياض اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع
)[51].
وما افترق
فيه الإمامة العظمى والقضاء حيث (يشترط في الإمام أن يكون قرشيا بخلاف القاضي ولا
يجوز تعدده في عصر واحد وجاز تعدد القاضي ولو في مصر واحد ولا ينعزل الإمام بالفسق
بخلاف القاضي على قول)[52].
[1]-
راجع : تفسير الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل للشَيخ نَاصِر مَكارم
الشِيرازيK.
وراجع: موسوعة الدفاع عن الرسولJ.
[7]-
سورة الإسراء الاية 59.
[12]-
سورة يوسف الاية 108.
[13] -
راجع : رسول الله رقة الشعور ونبل العاطفة - أبو الحسن الندوي.
[14] -
راجع : البخاري كتاب المغازي باب: أحد يحبنا، برقم (3367). و: مسلم في كتاب الحج،
باب فضل أحد، برقم (1392) و (1393). و: الترمذي في أبواب المناقب باب ما جاء في
فضل المدينة، برقم (3922) وغيرهم.
[15] -
راجع : البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل الخدمة في الغزو، برقم (2889) و:
مسلم في كتاب الحج، باب فضل المدينة. برقم (1365) و: الترمذي في أبواب المناقب،
باب ماجاء في فضل المدينة، برقم (3922) ، و: أحمد في المسند (2/ 387) برقم (9013)
وغيرهم.
[16] -
راجع : البخاري في كتاب المغازي، باب قصة تبوك، برقم (4422) ، و: مسلم في كتاب
الحج، باب فضل أحد، برقم (1392).
[17] -
حديث متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، برقم
(1344)، وراجع : مسلم في كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا J
وصفاته، برقم (2296)، وكذلك: النسائي في كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد،
برقم (1956)، وكذلك: أحمد في المسند (4/ 149) من حديث عقبة بن عامر.
[18] -
نحض الجبل: أي سفح الجبل.
[19]
- تفرّد به أحمد، وأخرجه في المسند (3/
375)، وكذلك ابن كثير، السيرة النبوية، ج3،ص89.
[20] -
ابن كثير: ج 3 ص 95، وأخرجه ابن ماجه في أبواب الجنائز باب ما جاء في البكاء على
الميت، برقم (1591) وراجع: أحمد في المسند (2/ 40) و (2/ 84) من حديث عبد الله بن
عمر وقال ابن كثير: (وهذا على شرط مسلم).
[21]
- أتنكّب: أي أتنحّى وأعرض عنه.
[22] -
ابن هشام: السيرة النبوية، ج 2، ص72، وكذلك روى البخاري هذه القصة في كتاب
المغازي، باب قتل حمزةA
برقم (4072) ، وكذلك أحمد في المسند (3/ 501) ، وكذلك ابن حبان في الصحيح برقم
(7013) وغيرهم.
[23] -
نفس المصدر.
[24] -
ذكره البيهقي عن طريق سفيان الثوري مطولاً. وراجع كذلك: ابن كثير، ج، ص236، وكذلك
أخرجه ابن أبي شيبة بمعناه في المصنف (3/ 29) برقم (11808) من حديث سليمان بن
بريدة عن أبيه.
[25] -
سورة آل عمران الاية 1 - 4 .
[26] -
سورة آل عمران الاية 164.
[27] -
سورة الأنعام 6 : 19 .
[28] -
سورة الإعراف 7 : 158 .
[29] -
سورة الأنفال 8 : 20 .
[30]
- سورة الأنفال 8 : 33 .
[31]
- سورة الأحزاب 33 : 40 .
[32]
- سورة النجم 53: 1 -4 .
[34]
- في نسخة « م » : إصابته خ ل.
[35] -
في نسخة « ن » : إن تنجيني .
[36]
- في نسخة « ن » : إن تؤمنني خ ل .
[37]
- سورة طه 20 : 68 .
[38] -
نقله المجلسيu في
بحار الأنوار25 : 17 عن كتاب رياض الجنان ، وعن منهج التحقيق إلى سواء الطريق من
كتاب الآل لابن خالويهu في
27 : 131/ 122 .
[39]
- في نسخة « ن » و« ث » : جرير ، وفي
هامشي « ن » و« م » : عزيز .
[40]
- في نسخة « م » : عمر خ ك .
[41] -
في نسخة « م » : نور واحد خ ل .
[42] -
انظر علل الشرائع : 208/ 111 تجد ما يدل عليه وكما نقله المجلمي في البحار 27/ 131
ح122 عن كتاب منهج التحقيق إلى سواء الطريق رواه من كتاب الآل لابن خالويه.
[45] - راجع : مسند الامام احمد بن حنبل ج4 ص421 ح19792 . و: مسند الطيالسي ج1
ص125 ح926 و ج1 ص284 ح2133 , وكذلك المعجم الأوسط ج4 ص26 5321 , وكذلك مسند ابي
يعلى جح ص321 ح3644 قال محقق الكتاب حسين أسد سليم إسناده صحيح.