بسم الله الرحمن الرحيم
من هو أمين كلام الله تعالى ق1
على أبواب تأريخ مولد محمد بن عبداللهo لسبعة عشر ليلة مضت من شهر ربيع الاول من
يوم الجمعة في عام الفيل[1] وكما قيل عند طلوع الفجر قبل أن يبعث
باربعين سنة[2] ولد سيد الكائنات محمدo.

حملت به امه الطاهرةB في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى وكانت في
منزل عبدالله بن عبد المطلبD.
وأسمها السيدة آمنةB بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
وكانت السيدة (آمنة) سليلة بيت الكرم والشرف والنبل، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة
والطهارة والعفاف.
فولدته في داخل شعب أبي طالب في دار محمد بن
يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار المباركة، وقد أخرجت الخيزران
ذلك البيت فصيرته مسجدا، يصلي الناس فيه.
أمّا أبوه فكان يدعى عبد اللهA الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد
الرسولD) وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم.
وقد فارق عبد الله بن عبدالمطلبD الحياة بالمدينة عند أخواله وهو ابن شهرين،
وقيل قبل ولادة الرسول الأكرم محمد o.
فماتت امه (آمنة بنت وهب) وهو o ابن أربع[4] سنين وقيل ستّ سنوات فتكفّله جدُّه
عبد المطلّب ومات وللنبي D نحو ثمان سنين وهكذا نشأ محمد بن عبدالله بن
عبدالمطلبD
يتيماً.
وعهد به إلى امرأةٍ عفيفةٍ شريفةٍ،
اسمها حليمة السعديةI لكي تقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي جده
عبدالمطلب بعد عامين، فأخذه عمه أبو طالبٍA إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته مع
اولادهِ.
فكان أبو طالبA يتعاطى التجارة، ومن عادة تجار مكة أن
يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً واحدة في السنة، وقد رافق محمد بن عبداللهo عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.
اذاَ: نبينا محمد بن عبدالله بن
عبدالمطلبo من مدينة[5] في ارض الحجاز نشأت وعاشت هناك قبيلة
تسمى قريش ،وهي من أبرز القبائل العربية، فيها (قصيّ بن كلاب) وهو الجدّ الرابع
لامين القران النبي محمّدJ وله ولاية البيت العتيق (الكعبة).
وبقي رسول اللهo بمكة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة، ثم بعدها هاجر
إلى المدينة المنورة ومكث بها عشر سنين، ثم بعدها قبض الله تعالى رسولهo في 28 من صفر وهو ابن ثلاث وستين سنة.
واما قبيلة قريش فهي انذاك بيوت
متعددة فمن أبرزها بنو هاشم، وهاشم هذا رجل شريف شجاع سخيّ يتمتّع باحترام أهل
مكّة جميعاً.
فقد كان يصنع للحجاج طعاماً يومياً على
سبيل الضيافة، وقد سُمِّيَ هاشماً، لأنّه يهشم الثريد لقومه بمكة، بعد ما أصابهم القحط.
وإليه ترجع تجارة قريش في الشتاء
والصيف، ومن أجل هذا دعاه الناس (سيّداً) وما يزال الى اليوم الذين ينتسبون إلى
هاشم يُدعون بالسادة. ثم بعد هاشم جاء ابنه المطلب، وأعقبه عبد المطلب لزعامة
قريش.
فكان عبد المطلب رجل مهاب، يحترمه جميع
الناس، وفي زمانه هجم أبرهة الحبشي على مكة لتحطيم الكعبة، ولكن الله تعالى ردّ
كيده إلى نحره، وارتفع شأن عبد المطّلب فيما بين القبائل.
وكان لعبد المطلب أولاد كثيرون، ولكن لعبد
اللهA
خصوصية فاعتبرهُ أفضل أولادهُ وأعزّهم عندهُ، فوالد الرسول محمدJ كان في الرابعة والعشرين
من عمره عندما اقترن بالسيدة (آمنة بنت وهبB) ام نبيناJ.
وتحصل ثمرة هذا الزواج المبارك من أن وُلِدَ
خاتم النبوة امين كلام الله تعالى وهو (محمّد) o بعد شهرين من عام الفيل.
فعاش الامين محمدo في مكة، تحت كنف جده العظيم، وعانى الكثير
من مرارة اليُتْم. وحينما أصبح شابّاً عرف أهل مكة فضلَه وأمانته، واشتهر بلقب (الصادق
الأمين)، فكانوا يُودِعون أموالهم لديه.
فتجده يحبّ الفقراء والمساكين, ويدافع
عنهم، ويتناول الطعام معهم، ويصغي لهمومهم، ويسعى في حلّ مشاكلهم.
وعندما أسّس شبابُ مكّة حلفَ (الفضول)
للدّفاع عن المظلومين والانتصاف من الظالمين، سارع (محمد) o فانضمّ إليه، والسبب لأنه ينسجم مع أهدافه
وأخلاقه.
وفي أحد الايام اشترك في قوافل أم
المؤمنين السيدة (خديجة)B التجارية بطلب من عمّه (أبي طالب)A فتزعّم قيادة القافلة.
وعندما لمسَتْ ام المؤمنين السيدة خديجةُB – عن قربٍ - أمانته وصدقه وحسن سيرته ثم ما ان
لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فعرضتْ نفسها الكريمة عليهo الزواج فوافق على ذلك، وكانت السيدة خديجةB امرأة فاضلة ثريّة.
فقام محمد بن عبداللهo مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته
له زوجتهB من إمكانيّاتٍ، لكي يقوم بمساعدة المظلومين،
ومد يد العون إلى الفقراء المستضعفين.
فرزق o من السيدة خديجةB ولدين وبنت وأسماهما قاسم وعبد اللهD، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته o الشريفة.
واما البنت هي فاطمة B ثمرة زواجهما فهي سر الوجود وسيدة النساء
والزهراءB، ومنها كان نسلُ الأئمة من أهل البيتD.
وكان o كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ
إحساس بالضعف لموت ولديهD، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى
والإقرار.
وهو o يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا
يرجعون إليه لكي يساعدهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به ويعتمدون عليه، ويودعون
لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه حتى ولو كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً
أميناً.
وأنذر عشيرتك الأقربين : كان النبي محمدo حينما يقوم للصلاة، يقف عليّ بن ابي طالبA عن يمينه وتقف السيدة خديجةB من ورائه، واستمر الأمر كذلك، حتى أمر عمه أبو
طالبٍA ولده جعفرA باتّباع الرسول o.
ثم نزل إليه أمر من الله تعالى، من أن
يقوم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين إلى الإسلام كما في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك
الأقربين)[6].
فدعى محمدo إلى بيته ما يزيد على أربعين رجل من بني
هاشمٍ، فبعد أن تناولوا الطعام، وقف بينهم، وحمد الله وأثنى عليه ثم قالJ:
« يا بني عبد المطلب، إني والله ما
أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا
والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على
أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم».
ومن بين الحضور جميعهم، وقف ابن عمهِ عليّ
بن ابي طالبA وهو ما يزال ابن عشر سنواتٍ، وأعلن استعداده
لمؤازرة الرسول o. ثم كرّر النبي محمدo قوله ثلاث مراتٍ، وكان الوحيد الذي استجاب
له في المرّات الثلاث هو عليّ A.
بعدها بقي الرسول o يدعو إلى الإسلام سرّاً، لمدّة ثلاث سنوات،
واستجاب لدعوة الإيمان عدد قليل من الناس.
مواجهة الشرك : في تلك الأيّام آنذاك ، كان الناس يوفدون
إلى مكّة من بلادٍ وأماكن بعيدةٍ لغرض الحج، فكانوا يحضرون معهم من البضائع ما يحتاجها
أهل مكة، فيتّجرون بها معهم، وهذا العمل بنفسهِ مصدر ربح وفير يجنيه أثرياء مكة ،
والربح هو همهم ومحور تفكير غايتهم.
بدأ رسول اللهo يدعو الناس إلى ترك العادات السيئة، مثل الزنا
وشرب الخمر ووأد البنات وقتلهن، وأكل مال اليتيم وأكل الميتة وشهادة الزور، وغيرها
من الفواحش العظيمة.
ولكن في المقابل كان يدعوهم إلى الأمر
بالمعروف والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمساكين وصلة الرحم وحسن الجوار وغيرها
من الخصال الحميدة.
فكان النبيo يجلس إلى أولئك الزوار الحجاج القادمين من
بعيد، ويتحدّث إليهم، وينصحهم بترك عبادة الأصنام، التي صنعها الكفّار بأيديهم من
الخشب والحجارة، ونصبوها في المسجد الحرام فوق بيت الله (الكعبة)، وينصحهم بترك
عبادتها لأنّها لا تنفعهم ولا تضرّهم. وأن يتّجهوا بالعبادة إلى الإله الواحد، لانهُ
خالق كلّ شيءٍ.
فكان تجار مكّة يتساءلون فيما بينهم ماذا
لو استمع الناس إلى محمدo وتركوا عبادة الأصنام، إذن لا نقطع بقدومهم
إلى مكة، فينقطع معهم مورد رزقنا ومصدر أرباحنا.
لهذا شرعوا في إعلان الخصام الشديد
لمحمد بن عبداللهo ولتابعيه من المسلمين الأوائل، ولكن بالرغم من
ذلك فقد كان عدد المسلمين يزداد يوماً بعد يوم، ولكن كانت معاملة قريش لهo ولأصحابه، تزداد قسوةً ووحشيةً وغلظة.
ومشركوا قريش كانوا ينزلون بالمسلمين
الأذى والضرر، ويوجّهون لهم السب والشتم، لكي يمنعوا انتشار الإسلام بين الناس،
غير أنّهم لم يجرؤوا على توجيه الأذى لجميع المسلمين.
والسبب لأنهم ينتسبون الى قبائل
عديدة، تحسب قريش حسابها، وأمام عجزهم ذاك، فتوجّه عدد من أعيانهم إلى بيت أبي
طالبA، عمّ رسول اللهo وحاميه، وسيد بني هاشم، وشكوا إليه أمرهم مع
محمد o قائلين:
يا أبا طالب إنّ ابن أخيك محمداًo قد عاب آلهتنا، وسفه أحلامنا وسخر من
عقائدنا، واتّهم آباءنا بالضلال، ونحن على استعداد لكي نقدم إليه كل ما يطلب، لو
ترك هذا الأمر، فإمّا أن تمنعه أنت، وإمّا أن تسلمه إلينا فنرى فيه رأينا.
قال أبو طالبA: سأتحدث إليه في هذا الأمر. وعندما نقل أبو
طالب أقوال قريش إلى النبي o أجابهo: « والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني
والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».
فلمّا سمع أبو طالب مقالة النبي o وردّه على العرض الذي تقدمت به قريش، أخذ
يده بقوة وحرارة قائلاًA: وأنا أيضاً أقسم بالله. أنّي لن أرفع يدي
عنك. فسر في طريقك.
بعد المشاورة فيما بينهم رأى كبار
قريش أن يلجأوا إلى الخديعة والمكر، بعد أن شاهدوا فشل تخطيطهم، فقالوا له:
يا أبا طالب، إنّ محمداًo قد شتت جموعنا وسخر منا ومن أصنامنا التي
نحن لها عابدون، حتى أغرى بنا غلماننا، وشجّعهم على العصيان والتمرد، ونحن لا نرى
تفسيراً لسلوكه ولا ندري ما هو غرضه. فإن كان فقيراً أغنيناه، وإن كان يريد الملك
والجاه، أمرناه علينا وله منا الطاعة، وكل ما نطلبه منه، هو أن يتخلّى عن هذه
الدعوة ويتركنا لحالنا وأمورنا.
لكنّ الرسول o نظر إلى عمّهA وقال
o: يا عمّاه، أنا لا أريد من هؤلاء الناس
شيئاً ولا أطلب منهم إلا أن يؤمنوا بالله الواحد العظيم، ويتركوا معبوداتهم
وأصنامهم الحقيرة تلك، فإنّها لا تغني عنهم شيئاً.
سمع رجالات قريش جواب رسول اللهo فملئوا غضباً وغيظاً وخرجوا وقد صمّموا على
أن يستعملوا معه الشدّة والقسوة منذ ذلك اليوم.
بعد هذه الحادثة، بدأت تضاعف قريش من
إيذائها لرسول اللهo، وتعذيبها لأصحابه، حتى أن بعض أقارب النبي محمدo مثل أبي لهب، أصبحوا من ألد أعدائه.
فكانوا يرمونه بالأقذار وغيرها،
ويسخرون منه ويوجّهون إليه السباب على مرأى ومسمع من الناس، حتى أنّهم اتّهموه
بالخبل والجنون.
لكنّهم كانوا عبثاً يحاولون، فلم
يفوزوا من أفعالهم هذه بأي نتيجة فكم كانوا يتمنون لو يقتلوه ويتخلّصوا منه، لولا
خوفهم من عزيمة عمهِ أبي طالب، وسيف عمهِ حمزة، وانتقام بني هاشمD.
وكم من مرّات رسموا خططاً لغرض قتله،
لكنهم كلما حاولوا تنفيذ خططهم الشريرة، كان الله سبحانه وتعالى لهم بالمرصاد،
فأبطل أعمالهم وسفّه أحلامهم.
فكان نصيب بعض المسلمين من الأذى
قليلاً، لأنّهم ينتمون لقبائل كبيرةٍ ومشهورة، والمشركين كانوا يخافون من قبائلهم
تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا فقراء ومستضعفين، أو من العبيد
الأرقّاء، فكان الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ.
مثل بلال الحبشيّ، فكان عبد أسود
البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة تحت شمس مكة الحارقة، كما طرحت فوق
صدره صخور كبيرة الحجم، وترك هناك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش،
كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمدJ ودعوته.
لكن كان جواب بلال لهم قوله (أحد ...
أحد) الله واحد. فما كان من المشركون أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في
أزقّة وشوارع مكة، فوق الحجر والرمل، لكنّ بلالاً كان مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة
العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.
والحال هكذا مع ياسر وسميّة وابنهما
عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين لا يجدون من الناس من يحميهم ويدفع
الأذى عنهم. لهذا رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّةF فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب.
وأمّا عمارE، فقد قاومهم حتى اقترب من الموت، بعد أن رأى
مصرع أبويهF أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً لم يرتدّ عن
شريعة الإسلام، وإن تفوّه بكلمة الكفر من باب التقيّةً تحت تأثير العذاب قوله
تعالى: (إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان)[7].
فكان رسول اللهo يرى هذه الألوان من العذاب، تنزل على أصحابه
وأحبابه، فيتفطّر لهم قلبه الودود العطوف، ويألم لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من
علاجٍ إلاّ الصبر الجميل.
ثم جاء بعدها المقاطعة او الحصار
الظالم حينما شعروا مشركي قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد
عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى تدبير يحمل قمة النذالة والخسة، بعيد عن
الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا وثيقةً
تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة هي:
1-
منع الشّراء والمبيع من جميع المسلمين.
2 -
مناصرة ومؤازرة خصوم النبي محمدٍo، والالتزام بها، واجب يدخل في جميع نزاعاتهم.
3 -
لا حقّ لأحد في الزواج من جميع المسلمين أو تزويجهم.
4 -
منع أيّ صورة او شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع جميع المسلمين.
ثم علّقوا ما كتبوه واتفقوا عليهِ في هذه
المسماة (صحيفة المقاطعة) على استار بيت
الله الكعبة المشرفة.
ولما رأى عمه أبو طالبٍ ما وصلت إليه
الحال، وكيف اصبحت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه (محمدJ)، وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض
ضواحي مكة.
لكي يقيموا ويسكنوا في وادي يعرف
بـ«شعب أبي طالب» وحين لمس القبول من رسول الله o باقتراحه، جمعوا أفراد بني هاشم وقال لهمA:
لقد عزم محمدo على الانتقال إلى الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف
بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.
وامتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث
سنين، فكانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين والاسلام، وخاصةً من حيث قلّة
المواد الطعام والشراب التي وصلت إلى درجة كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر
واحدةً في اليوم.
بل كانت حبّة التّمر هذه تقسّم
أحياناً بين اثنين منهم واكثر، وكان الامام علي A يأتيهم بالطعام سرّاً من مكة.
ولكن في الأشهر الحرم، حينما كان
الأمن يتوفّر بشكل أفضل، كان بعض فتيان بني هاشم يقصدون مكة لغرض تأمين بعض ما
يلزمهم من حاجياتٍ، فكانت قريش تحرّض الباعة على رفع الأسعار امامهم كما هو ابو لهب
يصيح في أسواق مكّة قائلاً: (أيّها الناس، ارفعوا من أسعاركم حتى لا يستطيع
المسلمون شراء ما يلزمهم).
وبعد مقاطعةٍ دامت ثلاث سنواتٍ دون
جدوى وحينما ثبت لقريش أنّ الحصار الاقتصادي بدوره لم يأتي بأي نتيجةٍ، ولم يضعف
من عزيمة المسلمين، بل زادهم إيماناً.
ولم يكتفي المشركين بذلك، بل كانوا
يراقبون (الوادي) مراقبةً دقيقة لغرض منْعهم من البيع والشراء وتهيئة الطعام، وكان
الذين يتعاطفون معهم يخافون أن يحملوا إليهم حتى الماء.
فينتظرون حلول الظلام لكي يتسلّلوا
خُفية ويُوصِلوا لهم شيئاً من الطعام والشراب ففشِل الحصارُ، وأخفق المشركين في القضاء
على الدين الإسلامي. ووقفوا عاجزين أمام صلابة المسلمون وإيمانهم.
وتندم بعض القرشييّن على ما أقدم عليه
قومهم، وبدأوا شيئاً فشيئاً يخفّفون الحصار، حتى انتهت الأمور بأن أصبح المسلمين
أحراراً في المجيء إلى مكة.
واستطاعوا أن يعودوا مرة اخرى إلى
بيوتهم، وحدثت معجزة الله تعالى، إذ بعث حشرة الأرضة (وهي حشرة صغيرة تقرض الأخشاب
وغيرها) إلى صحيفة المقاطعة. فأكلت كلّ ما كتب فيها من كلمات الظلم والمقاطعة،
وأبقت على بعض الكلمات، فلمّا رأى الناس ذلك، عرفوا أنّ الله سبحانه لا يقبل بهذه
المقاطعة، فمزّقوا الصحيفة وأسلم عدد كبير منهم.
الحجر الأسود : مضت عشرة أعوام على حياة النبي محمدo مع السيدة خديجةB وفي يوم من الايام اجتاحت السيولُ مكة،
ولحقتْ بالكعبة المشرفة أضرارٌ كبيرة.
فعزمتْ قيادة قريش على إعادة بناء
البيت الحرام، فاقتسمتْ طوائفُ قريش العمل، وعندما اكتمل البناء، وأرادوا وضْع
(الحجر الأسود) في مكانه اختلفوا فيمن يقوم بذلك العمل الذي يوجب الفخر، وأرادت
كلُّ قبيلة منهم أن تنهض بهذا الشرف، وكاد الأمر من أن يصل إلى القتال والحرب.
فتدخّلت يد غيبية سماوية من خلال
النبي محمد بن عبداللهo بتلك الفكرة حيث نزع رداءه المبارك ووضع (الحجر
الأسود) فيه فأخذت كلُّ قبيلة طرف من الرداء، وحملت الحجر الأسود، فأعاده رسول
الله o إلى مكانه.
الـوحي : وعندما بلغ الأربعين من عمرهo كان يتعبّد كعادته في غار حرّاء, وهو يتفكّر
في خلْق السماوات والأرض وخلْق الناس هبط الملائكة كانهُ أحتفال بمولد ومعهم
جبريلُA - ملاك الرحمان - ظهر أمامه وبشَّره برسالة
السماء.
وهي في السابع والعشرين من شهر رجب،
بعد ان طبطب على كتفهِ لكي يهنئهُ ثم نظر إليه حتى بادره قائلاً: (اقرأ) لكنّ
محمداًo أجاب أي شيء من القران أقرأ؟ قال جبرائيلA: إقرأ.. إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلَق
الإنسانَ من علَق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان مالم يعلم.
وهكذا اختار الله سبحانه محمداًo للنبوّة، وهو في سن الأربعين، وكلّفه من أن
يقوم بهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب
العلم ونور الإيمان، ويرشدهم لطريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة كما في قوله
تعالى: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين)[8].
فنزل رسول اللهo من الجبل[9] يحمل رسالة السماء إلى العالمين,
وكانت الدعوة في بدايتها سرّية، والذين يؤمنون به يخفون إيمانهم وإسلامهم. ثم
توجّه إلى بيته، فكانت أوّل امرأة آمنت به، زوجته السيدة خديجةB، وأوّل رجلٍ مد يده بالبيعة، ابن عمه الفتى
علي بن أبي طالبA، الذي تربّى في بيت الرسول o منذ نعومة أظفاره.
مرّت ثلاثةُ سنوات فانتشر الإسلام فيما
بين فقراء مكّة، وجاء أمرُ الله بإعلان دعوة الاسلام إلى الناس كافّة. فليس من السهل
إعلان التوحيد في مدينة مملوءة بالأصنام والأوثان وبين قبائل تقدّس الحجارة وتعبدها
على مرور السنين.
واعلن رسولُ اللهo الأمر، وهتف في مكّة : لا
الله إلا الله وأنا رسول الله. وبعد هذا الإعلان العام بدأت المصاعب من مشركي قريش
من خلال حرْبهم للدين الجديد.
في البداية فكّروا أن يرْشوا (محمداً)
o بالأموال والزعامة والجاه والسلطة، وعندما
أخفقوا في ذلك ذهبوا يصبّون العذاب على ضعفاء المسلمين ليصادروا أموالهم، ونهبوا
منازلهم، وسخروا منهم، ولكن كل ذلك لم يمنع من انتشار الاسلام.
الـهجرة المباركة : بعد فترة من الزمن فارقهم أبو طالبA عمّ رسول اللهo وكذلك فارقتهم السيدة خديجةB زوجته، فكان لفقدهما أسوأ الوقع والأثر على
نبي اللهo. وهما ظهيراه وناصراه، واشتدّت بعد موتهما
ضغوط قريش على المسلمين، وخاصّة على محمد بن عبداللهo فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة قائلاًo لهم:
« إنّ بها (أي الحبشة) ملكاً لا يظلم
عنده أحد، وهي أرض صدق». فهاجر مجموعة من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ رسول اللهo جعفر بن أبي طالب D.
وهبط الوحيA على رسول الله o وأخبره بتآمر المشركين وخطّتهم، فعرض
النبيُّo على ابن عمه الامام (علي بن ابي طالبD) المبيت في فراشه، فيما انسلّ هو مهاجراً من
مكّة إلى (يثرب).
واجتمع المتآمرين وحاصروا منزل النبي محمدo ينتظرون الفرصة المناسبة لاقتحام الدار وقتل
رسول اللهo. وشعروا بالدهشة وهم يرَون ابن عمهِ الامام
(عليA) في فراشه، وغادروا المنزل لاقتفاء أثر
النبيo، وراحوا يبحثون عن المهاجر في الطرق
والمفازات ولكن دون جدوى، فعادوا إلى مكة خائبين كما في قولهِ تعالى: (ويمكرون
ويمكر الله والله خير الماكرين)[10].
وبعد تسعة أيام قضاها الرسول o انتظر في الطريق وصيه
وخليفتهA
لكي يلحق به الفاطميات ووصل مكاناً قرب المدينة يسمى (قُبا)
فتوقّف فيه وبنى هناك أول مسجد في الإسلام.
وبدأ المسلمين في بناء المسجد بحماس،
وكان رسول اللهo يعمل معهم، وما أسرع أن اكتمل البناء، وصلّى
محمد بن عبداللهo فيه أول صلاة للجمعة، ومكث فيهم فترة
يعلّمهم الكتاب والحكمة.
دخل الرسول o (يثرب) وأصبح اسمها مدينة الرسولo أو المدينة المنوَّرة. وقد كان ابن
عمه الامام علي A قد أمضى ثلاثة أيام في مكة، وأدّى الأمانات
إلى أصحابها، ثم حمل الفاطميات والتحق بالنبيo في قُبا.
استقبل أهل المدينة (يثرب) الرسولَo ومن معه من المهاجرين استقبالاً كبيراً،
وعمّت الفرحة، وكان كلُّ واحد من المسلمين يدعوه للحلول في داره واستضافته، وكان
يقول o: (دعوا الناقة فإنّها مأمورة).
وسارت الناقة في طريقها حتى إذا وصلت
أمام دار (أبي أيوب الأنصاري) وقفتْ وبركتْ، فحلّ النبي o في دار الصحابي (أبي أيوب)F. وأوّل شيء فعله نبينا o هو تأسيسه المسجد لكي يكون قاعدة كبرى لنشر
رسالة الإسلام.
وعندما استقر النبيo في المدينة انتهت العداوة والبغضاء والحروب فيما
بين الأوس والخزرج، والتي امتدت اكثر من مئة وعشرين سنة، وكان اليهود يزيدون أوارها،
وحلّ مكانَها الإخاءُ والوئام السلام.
ولكي يُزيل الرسولُ o الحواجز بين (المهاجرين) القادمين من مكّة
وبين (الأنصار) من سكان المدينة (يثرب)، آخى بينهم، وأصبح لكلِّ مهاجر أخٌ من
الأنصار، ولكلّ أنصاري أخٌ من المهاجرين، كما شجع المهاجرين على العمل والسعي لكي
لا يبقوا عبئاً على إخوانهم من الأنصار.
فكان اليهود الساكنين ينظرون بحقد إلى
الإخاء الذي ساد بين المهاجرين والأنصار، وكذلك بين الأنصار أنفسهم، وحاولوا ضرب
هذا الإتحاد من خلال بثّ روحَ التفرقة بينهم، وكان محمّدٌ o يخمد نار الفتنة كلما حاول اليهود إشعالها.
فكانت هجرة رسول اللهo إلى المدينة المنوّرة، ذات أثر كبيرٍ
وأهميّة فائقة، حتى اتخذت بداية السنة الهجرية وتعتبر للمسلمين بداية للتاريخ
الإسلامي (التقويم الهجري).
تغيير القبلة : عندما كان رسول الله o في مكة يتّجه في عبادته وصلاته إلى المسجد
الأقصى في مدينة القدس مدّة ثلاثة عشرة سنة، وكذلك عندما هاجر إلى المدينة المنورة
استمر على هذا سبعة عشر شهراً، وكذلك اليهود كانوا يتّجهون في صلاتهم بأتجاه المسجد
الأقصى، ويسخرون من المسلمين ويقولون لهم: لو لم نكن على الحق لما اتبعتم قبلتنا.
وذات يوم هبط الوحي A يأمر رسول الله o بتغيير قبلة الصلاة من جهة المسجد الاقصى
لمدينة القدس وأن يتّجه المسلمين في صلاتهم إلى جهة الكعبة المسجد الحرام في مكة
المكرمة بالجزيرة العربية.
وساء هذا الخبر اليهود حينما سمعوا به
وقالوا ما حوّلهم عن قبلتهم. ولكن هم غافلين من أن هذا امتحان واختبار لجميع المسلمين,
ثم بعدها نأتي لحروب النبي o ونبدأ بـ:
معركة بدر : تحالف رسولُ الله o مع القبائل القريبة لغرض حماية المدينة من
الغارات والغدر، ولما كانت قريش صادرت أموال جميع المسلمين في مكة ففكر o في استعادتها منهم، فتعرض إلى قوافلهم
التجارية لكي يجبرهم على ذلك.
وكان رسولُ الله o يهدف من ورائها زعزعة هيبة قريش بين القبائل
بالإضافة إلى استعادة ما نهبوه من أموال المسلمين في مكّة.
وهكذا حدث أول اصطدام مسلّح بين
المسلمين والمشركين قُرْب آبار بدر، فسُمَّيَتْ بذلك معركة بدر، حيث انتصر
المسلمين انتصار ساحق وارتفع شأنهم بالجزيرة العربية.
ثم معركة اُحد : شعرتْ قريش بالغضب بسبب هزيمتها في واقعة
بدر أمام المسلمين ، وراح (أبو سفيان) يعدّ العدّة لغرض الثأر، حتى أنه منع النساء
من البكاء على قتلاهم في بدر لكي يبقي على نار الحقد متأجِّجة في نفوسهم.
وكان اليهود الذين أقلقهم انتصار
المسلمين، يُحرِّضون قريش على الثأر، فأرسلوا (كعب بن الأشرف) إلى مكة لكي يُردِّدَ
أشعاراً تحرِّض المشركين على الثأر والإنتقام.
وعقدت قريش اجتماع في (دار الندوة) لغرض
التداول واستقرّ رأيهم على اجتياح (يثرب) المدينة للثأر، ورصدوا أموال طائلة
لجيشهم بلغت أكثر من خمسين ألف دينار، وطلبوا النجدة من حلفائهم من القبائل
المحيطة بمكة.
فبلغت قوّات المشركين ثلاثة آلاف
مقاتل. وكانت تطوي الصحراء في طريقها إلى المدينة المنوَّرة. وكان العباس بن عبد المطلب
مؤمناً برسول اللهo، ولكنه يُخفي إيمانه، فكتب رسالة إلى النبي محمدo يُخبره فيها بتحرّك جيش المشركين.
تولى أبو سفيان قيادة الحملة، فيما
كان (خالد بن الوليد) قائداً للفرسان. فأمر رسول اللهo بتجهيز جيشٍ كبير ومغادرة
المدينة. وفي صباح يوم السبت السابع من شهر شوّال من السنة الثالثة الهجرية تحرك
جيش المسلمين باتجاه جبل أُحد.
أمر رسول الله o (عبدَ الله بن جُبَير) وخمسين من الرماة
بالمرابطة فوق سُفوح تلال (أُحد) وحماية مؤخَّرة الجيش الإسلامي، وحذَّرهم من مغادرة
أماكنهم، سواء انتصروا أو هُزموا. وهكذا التقى جيش التوحيد وجيش الشرك، وخاض
المسلمين قتال ضاري، ولاح النصر للمسلمين ودبّت الهزيمة في جيش المشركين.
فكان الرماة يراقبون سير المعارك،
وعندما شاهدوا إخوانهم يطاردون فلول المشركين غادروا سفوح الجبال أماكنهم لغرض جمع
الغنائم، متجاهلين أوامر الرسولo بعدم مغادرة مواقعهم في كل الظروف. وهنا
تغيرت سير المعركة، فقد انتهز خالد بن الوليد الفرصة واندفع مع قوّاته في حركة
التفاف سريعة مهاجماً مؤخرة الجيش الإسلامي.
دبّت الفوضى في جيش التوحيد ولكن رسول
الله o ثبت في مكانه يقاتل، وحوله جمعٌ من
المسلمين، في طليعتهم الامام علي بن أبي طالبA.
قدّم المسلمين في هذه المعركة سبعين
شهيداً ومع هذا فقد جمع النبيo وانسحب إلى الجبل بقوّاته ، وبدأت حملة
مطاردة لجيش المشركين الذين أسرعوا في العودة إلى مكّة، فعاد رسول اللهo إلى المدينة، وقد تعلّم المسلمين درساً في
الطاعة لن ينسوه.
المصدر : من كتاب محمد ص في القران والسنة المقدمة الجزء 18 من موسوعة (اتقانالقران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.
الهوامش..............
[1]- عام الفيل : قبل الهجرة باثنتين
وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن بجيش كبير، عماده محاربون يركبون
الفيلة، توجّه الى مكّة لتدمير بيت الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ
من حاول الوقوف في وجهه.وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام
معسكر بانتظار الصّباح ليشرع في هجومه، وسارع أهل مكّة إلى الجبال هرباً منه،
وأسلموا الكعبة إلى الله، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.
وفي الصباح: شرع المقاتلين بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم ركّاب الفيلة،
وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور. تحمل في مناقيرها حجارةً صغيرةً،
قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم،
وبدأوا يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب الفيل، تساقطوا
فوق بعضهم أكواماً من الجثث. وهكذا قضى الإله القدير على المارقين. وكان الحدث
العجيب وراء تسمية تلك السنة بـ«عام الفيل»، العام الذي تمّ فيه القضاء على فيلة
الحرب وركابها، وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.
[2]- وروي في اصول الكافي ولادتهo لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع
الاول بوم الجمعة في عام الفيل مع الزوال وروى ايضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث
بأربعين سنة. (تفسير نور الثقلين الجزء الخامس).
[4]- في بعض النسخ ثلاث سنوات.
[5]- كتاب : سيّدنا محمد o تأليف : سيد مهدي آيت اللّهي
ترجمة : كمال السيّد نشر : مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر.
[6]- سورة الشعراء الاية 214.
[7]-
سورة النحل الاية 106.
[9]- يدعى اليوم بجبل النور وهو على
بعد ستة كيلومترات عن مكة في الطريق إلى منى.
[10]- سورة الانفال الاية30.