الخميس، 13 أبريل 2017

عدم فهم الإرادة بايات القران الكريم


عدم فهم الإرادة بايات القران الكريم
   قالوا[1]: الآية ليس فيها أن الله أذهب عنهم الرجس، لأنّ هذه الإرادة إرادة شرعية، إرادة محبة، وهي غير الإرادة القدرية، يعني الله يحب أن يذهب عنكم الرجس.
ولا شك أن الله أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعليD وزوجات النبيJ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، ولكن الإرادة هنا في هذه الآية هي الإرادة الشرعية، ولذلك في الحديث نفسه أن النبيJ لما جللهم بالكساء قالJ:
 اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس، فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس! ودعاء النبيJ دليل أن هذه الإرادة الشرعية، مثل قول الله تبارك وتعالى:
( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)[2].
 كل هذه الإرادات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى هي إرادات شرعية، الله يريد أن يخفف عن الناس جميعاً، وكذلك يريد أن يتوب على الناس جميعاً، ولكن هل تاب الله على جميع الناس!.
كما في قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)[3] لتجد من الناس هو مؤمن وتجد مِنَ الناس مَنّ هو كافر، فلم يتب الله على جميع الناس.
نقول ان من عقائدنا الإرادة في آية التطهير تكوينية لا تشريعية. وهذا خلط بين الإرادة في آية التطهير والإرادة في بقية الآيات الكريمة التي وردت.
فدعواهم من أن الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية لا تكوينية بقولهم: (إرادة محبة) واستدلوا بدعاء النبيJ لأهل الكساء بقولهJ: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) واستمروا بالقول مستفهمين: ( إذا كان الله أذهب عنهم الرجس فلماذا يدعو لهم النبيJ بإذهاب الرجس؟) بعدها جاءو بمزاعم لم تطرق باسماع واحد وهي:
 الدعوى بأن الله تعالى أذهب الرجس ليس فقط عن أصحاب الكساء بل عن زوجات النبيJ عن آل عقيل وعن آل جعفر وعن آل عباس وهم بهذه الدعوى ينقضون قولهم بأن الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية؟
والسبب إذا كانت الآية أفادت أن الله تعالى أذهب عن المخاطبين بها الرجس وطهرهم تطهيرا، فقطعاً لا تكون الإرادة فيها إرادة تشريعية بل ارادة تكوينية فانظروا كيف تناقضون انفسكم بانفسكم!.
2 - توضيح مختصر للارادتين
1 -  الإرادة تنقسم الى الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، وذكروا علماء أصول الفقه وعلماء التفسير وغيرهم ما نحن بصدده.
فالإرادة التكوينية هي إرادة الشخص صدور الفعل عنه بنفسه من دون تخلل إرادة غيره في صدوره، كما في إرادة الله تعالى خلق العالم وإيجاد الأرض والسماء، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[4].
واما الإرادة التشريعية هي إرادة الشخص صدور الفعل من غيره بإرادة ذلك الغير واختياره، مثل إرادة الله عزّ وجل من عباده الصلاة والصوم بإرادتهم واختيارهم فليس الإرادة هنا بمعنى إجبارهم عليها!
كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)[5] فإرادته التوبة عليهم هنا ليست تكوينية، والإّ لكان معناها حصول التوبة عن جميع المسلمين! بل يريد منهم أن يعملوا بشريعته التي أمرهم بها، فيتوب عليهم، وهي الإرادة التشريعية.
واما الإرادة في آية التطهير (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) هي من الفرع الأول (التكوينية) والتي لا تتخلف.
واما لو كانت تشريعية أي بمعنى أنه يريد أن تتطهروا فيطهركم لما كان فيها الفضيلة لاي أحد. لماذا ؟ لأن إرادة التطهير التشريعية هي لجميع المسلمين وشاملة لجميع البشر!
اذا هي ليست مثل التطهير الذي أراده الله تعالى لكل المسلمين من الوضوء والتيمم من حيث قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[6].
 والسبب أن إرادة التطهير هنا تشريعية وخاصة لا عامة للتطهير للصلاة، وبشرط الوضوء أو التيمم، بينما هناك إرادة التطهير في آية أهل البيتD تكوينية عامة لكل طهارة.
وتمييز هذه الآية عن غيرها انها نصت على إرادة إذهاب الرجس مطلقاً، وهو تعبير خاص بأهل البيتD وإذهاب الرجس هنا عام على خلاف إذهاب رجز الشيطان عن البعض وهم الذين هربوا في معركة أحد فغشيهم النعاس لكي يطهرهم من معصيتهم.
واحاديث المسلمين بخصوص النعاس كان خاص فقط لبعض الصحابة دون بعضهم! فالمنافقين لم يلقى عليهم النعاس، كما قال الله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ)[7].
فتحصل ان أهل البيتD بنص الآية مطهرون تكويناً بقدرة الله سبحانه وتعالى عن كافة أنواع الرجس سواء صغيرً أو كبير؟ وهذا هو معنى العصمة التي لم يدعيها أحد، ولم تدعي لأحد غيرهم بعد خاتم النبوةJ.
ودليل الإرادة فيها تكوينية التي صدرها (الاية) أداة الحصر (إنما) وهي تعتبر من أقوى الأدوات للحصر في لغة القران، وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه كما هو قول ابن منظور:
ومعنى (إنما) إثبات لما يذكر بعدها ونفي ما سواه كقوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي. المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلاّ أنا ومثلي[8].انتهى.
وعلى هذا كله فالآية الكريمة تثبت إذهاب الرجس وتطهير المخاطبين بها وهم أصحاب الكساء وكذلك كاشفة عن تحقق العصمة لهم. واما لو قلنا من أن الإرادة تشريعية فيصبح معنى الاية:
( إنما شرعنا لكم - أهل البيت - الأحكام لنذهب عنكم الرجس ونطهركم تطهيرا) وهذا متنافي مع الحصر المستفاد من لفظة (إنما) ومن المعلوم ان غاية تشريع الأحكام هو إذهاب الرجس عن جميع المكلفين.
لا فقط عن خصوص أهل البيتD ولا خصوصية لهم في تشريع الأحكام، وليس هناك لهم أحكام مستقلة عن بقية البشر المكلفين، فيصبح الحصر لغواً! واستغفر الله أن يحصل في كلامه لغو!
2 -  وأما مغالطة من قال: (فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس). وكانهم يريدون ان يقولوا إن دعاء النبيJ لهم الله (فأذهب عنهم الرجس) يدل على أن الرجس كان فيهم (اعوذ بالله) فدعا لهم النبي!.
وهو بعينه أسلوب التلاعب باللفظ، وغرضه ذم أهل البيتD وجعلهم قبل نزول الآية كانوا من أهل الرجس كزوجات النبيJ؟
فلو كان هذا الكلام صحيح لحرم على كل مسلم قراءة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) في صلاته والسبب لأنه اصلا مهتد إلى الصراط المستقيم.
والرسولJ قصد بدعائه تحديد من هم المقصودين من أهل البيتD فخاطب الله تعالى وحدد ضمن خطابه أن هؤلاء فقط هم أهل بيتي والغرض منه لكي يعرف الناس من أهل البيت الذين أراد الله تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم.
آية التطهير تدلّ على الإمامة وعلى العصمة فهل فاطمة تكون إماماً: إنّ آية التطهير تدلّ على الإمامة وعلى العصمة , فهل فاطمة الزهراءB تكون إماماً؟! لأنّ حديث الثقلين مربوط بآية التطهير، وبيّن النبيّJ من هم أهل البيت في حديث الثقلين من خلال آية التطهير، وحديث الاثني عشر خليفة.
وأراد الرسول J أن يفهمنا من خلال هذه الآية وحديث اثنى عشر خليفة على أنّهم أئمّة وخلفاء.
لكن السيدة فاطمة الزهراءB رغم وجودها في آية التطهير هل هي إمام، أم هي تستخلف النبيّJ من بعده؟
الرد على الشبهة : هناك فرق بين الإمامة والعصمة، فهم مفهومين لا واحد. فـ(العصمة) شرط من شروط الإمامة، وهناك تلازم بين الإمامة والعصمة.
ولكن التلازم من طرف الإمامة لا من الطرفين (العصمة والامامة)، فـ(الإمامة) مستلزمة للعصمة، فكلّ إمام معصوم، وليس كلّ معصوم إمام، فتلاحظ دائرة العصمة أوسع من دائرة الإمامة.
ويمكن إذا تحقّقت بقية الشروط مع العصمة في شخص بحيث تتساوى دائرة الإمامة مع دائرة العصمة وانحصرت فيه، فلا بدّ أن يكون إمام.
ودلّت الأدلّة وإجماع الأُمّة من أنّ المرأة لا تكون نبيّة ولا إماماً، فإذا دلّت آية التطهير على طهارة السيدة فاطمة الزهراءB وعصمتها، فهذا لا يدلّ على إمامتها.
وآية التطهير لا تدلّ على الإمامة لكي تكون السيدة فاطمةB إماماً لدخولها فيها، بل تدلّ على إذهاب الرجس والتطهير، أي بمعنى (العصمة) وهي أعمّ من الإمامة، فتشمل السيدة فاطمة الزهراءB.
ولاحظ  ترتّب على عصمتها صدق قولها، وصحّة ادّعائها؛ فإنّها ادّعت الإمامة لزوجها الامام عليّA، ولم تدّع ذلك لنفسهاB، هذا على القول بصحّة مثل هذا الادّعاء من النساء.
ثمّ إنّ التمسّك المطلوب بالثقلين كذلك أعمّ من التمسّك بالأئمّة؛ فشمل التمسّك بفاطمة الزهراءB.
إلاّ أنّ عدم دخول السيّدة فاطمة B ضمن الأئمّة لا يقلّل من شأنها؛ لأنّهاB عصمة الله الكبرى، وحجّة الحجج، أي: أنّ ولايتها تشمل جميع الأئمّة، وهيB حجّة على جميع الأئمّةD.



[1]- راجع : حقبة من التاريخ: 191 والرد النفيس على أباطيل عثمان الخميس - حسن بن عبد الله العماني/ (131) إعداد مركز الأبحاث العقائدية.
[2] - سورة النساء الآية: 26- 28.
[3] - سورة التغابن الآية: 2.
[4] - سورة يس الآية: 82.
[5] - سورة النساء الآية: 27.
[6] - سورة المائدة الآية: 6.
[7] - سورة ألأنفال الآية: 11.
[8] - لسان العرب 13/31.