الخميس، 13 أبريل 2017

البداء من تفاسير اهل السنة


البداء من تفاسير اهل السنة
البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء . والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافيا على الناس.
والشيعة تعتقد بالبداء وأنه من المسلّمات وقد حثّت احاديث أهل البيتD على الاعتقاد به وهي روايات كثيرة فمنها اجمالا[1]:
قال الامام الصادقA: ما عُظّم الله بمثل البداء. وايضا : لو علم الناس ما في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه. قال الامامين الباقر أو الصادقD: ما عبد الله بشيء مثل البداء.
تعرّض المخالفون لمسألة البداء من دون مراجعة الى مصادر كتب الشيعة فاتهموهم من انهم يقولون بالبداء على الله تعالى ولازم قولهم الجهل على الله تعالى.
ولكن منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى وجعلوا يرددون به كالببغاء غافلين عن أن علماء ائمة أهل البيتD براء من ذلك المعنى كبراءة يوسفA من الذنب الذي ألصق به.
وكما سبق من ان معنى البداء في اللغة هو الظهور بعد الخفاء والدليل عليه بعض الآيات المباركة مثل قوله تعالى: ( وبدا لهم سيئات ما كسبوا)[2]. أي ظهر لهم ما كان خافيا عليهم سيئات ما كسبوا.
وقوله تعالى : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات)[3]. وهذا المعنى من البداء يحصل كثيراً ما للانسان فقط.
 ولا يحصل في حقهِ تعالى لانه يلزم الجهل عليه (اعوذ بالله) وقد اتفقت الشيعة على انّ الله تعالى لا يجهل شيئا بل هو عالم بالحوادث كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها.
فلا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء فلا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل بل الاشياء دقيقها وجليلها حاضرة عنده. ودل عليه مثل قوله تعالى: ( إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)[4].
وهناك احاديث مروية عن طرق رجالات ائمة أهل البيتD كقول أمير المؤمنينA: ( كل سر عندك علانية وكل غيب عندك شهادة)[5]. مضافا الى ذلك البراهين العقلية المقررة في موضعها ومحلها.
واما البداء في الاصطلاح : فيمكن نسبته اليه سبحانه وتعالى ولا يلزم منه الجهل فعندما يقولون: بدا لله تعالى بمعنى اظهر ما كان خافيا على الناس لا خافيا عليه.
لأنّ الآيات والاحاديث دلّت أنّ مصير العباد تتغيّر كل حسب افعالهم وصلاح أعمالهم من الصدقة والاحسان وصلة الارحام وبر الوالدين والاستغفار والتوبة وشكر النعمة وأداء حقّها الى غيره من الامور التي تغيّر المصير وتبدل القضاء وتفرّج الهموم والغموم وتزيد في الارزاق والأمطار والاعمار والآجال.
وفي المقابل أن لمحرّم الاعمال وسيئها تأثير في تغيير مصيرهم بعكس ذلك. ودل على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)[6].
وكذلك الآيات التالية ( سورة الاعراف الاية:96 وسورة ابراهيم الاية:7 وسورة نوح الاية:10 ـ 12 وسورة الصافات الاية:143 ـ 146 سورة يونس الاية:98 سورة الانبياء الاية:76 ، 83 ، 88 وسورة الطلاق الاية:2 ـ 3 وسورة الانفال الاية:33- 53).
واما من روايات سنة اهل البيتD فمنها قول الامام الكاظمD: (عليكم بالدعاء فان الدعاء لله والطلب الى الله يرد البلاء وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ امضاؤه فإذا دعي الله وسئل صرف البلاء صرفه)[7].
ومنها : قال أمير المؤمنينA في خطبه: ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) فقام اليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء. فقالA: (نعم ويلك قطيعة الرحم). وقالA أيضا : ( إذا قطعوا الارحام جعلت الأموال في أيدي الأسرار)[8].
ومنها : قال الامام الصادقA : ( إن الدعاء يرد القضاء وإن المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق). ومنها : قال أمير المؤمنينA: ( الاستغفار يزيد في الرزق)[9].
اذن فتغيير مصائر العباد له أثر في عقيدة البداء ولزيادة التوضيح فالمقدرات الالهية على جانبين:
الجانب الاول : مقدّر ومحتوم لا يتغير وهو موجود في اللوح المحفوظ وعبّرت الآية الكريمة عنه بأمّ الكتاب: ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب)[10] وهذا الجانب لا بداء فيه ولا تغيّر.
الجانب الثاني : مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم موجود في لوح المحو والاثبات وأشارت اليه الآية السابقة: ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت) فراجع تفاسير الآية الكريمة الدالة على وجود هذا الجانب من المقدّرات التي يتصوّر فيه البداء بوضوح مثل:
البداء في تفسير الرازي[11].
البداء في تفسير ابن كثير[12].
البداء في تفسير المراغي[13].
البداء في تفسير روح المعاني[14].
البداء في الدر المنثور[15].
البداء في فتح البيان[16].
البداء في تفسير الكشاف[17].
البداء في الجامع لاحكام القران[18].
البداء في تفسير جامع البيان[19].
البداء في مجمع البيان[20].
     اذاً : المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة. والكل يعلم ان الله تعالى عالم لكلا التقديرين السابقة.
 وخلاصة الكلام ان البداء اذا نسب الى الله تعالى فهو بداء منه، وإذا نسب الى البشر فهو بداء لهم، فالبداء من الله تعالى هو اظهار ما خفي على الناس. والبداء من البشر بمعنى ظهور ما خفي لهم، وهذا هو الحق الذي لا يرتاب أحد فيه.
ولأهمية مسألة البداء وما أثير حولها من نزاع بين المسلمين فنرشدك لفصل مهم كتبه الإِمام الخوئيH في كتابه البيان مقدمة تفسير القرآن[21], وكذلك في موسوعة من اشعة الايمان للامام محمد ال شبير الخاقانيK.
وأما مسألة الرجعة فهي تعتبر مجرد فهم من كتاب الله تعالى (القران) لبعض الآيات ولمضمون تلك الآيات، بالإضافة لأحاديث كثيرة تدعم تلك المضامين، وهي (أقصد الرجعة) ليست من ضروريات الإِسلام عندنا بقوله تعالى: ( ويوم نحشر من كل اُمة فوجاً)[22]. وقوله تعالى : (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً)[23].
ففي أكثر التفاسير عندما تجمع بين الآيتين أعلاه ما يفيد أنّ هناك حشراً قبل حشر القيامة وفيه روايات عن أهل البيتD، وذكر الشيخ الصدوقH في كتابه الإِعتقادات فصل كامل عن الرجعة.
وأورد فيه دلالة الآيات والروايات على ذلك وقال في آخره مستدلاً بقوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)[24].
ثم قال بعد هذه الآية : ليبين لهم الذي يختلفون فيه، والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة فالآية واردة في الرجعة كما فهم منها الصدوقH..
إلى أن يقول الصدوقH منبهاً إلى أنّ البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأنّ في التناسخ: إبطال الجنة والنار[25].
 فمسألة الرجعة لا تعدو فهماً من كتاب الله تعالى بإمكان وقوع رجعة في فترة زمنية معينة وهذا كله لا يستوجب الجلبة والضوضاء في كتب أهل السنة.
فكم من آراء لاهل السنة تستوجب الاعتراض ولكن كتب الشيعة يعالجونها من جهة علمية بدون تهريج مع أحترام فهم الكاتب ما دام له منشأ من القرآن أو السنة.
نرجع للشهرستاني فهو عندما يعدد الأئمة يقول: إنّ الشيعة ساقوا الإِمامة بعد موسى بن جعفر فقالوا والإِمام بعده عليّ بن موسى الرضا ومشهده بطوس ثم بعده محمد التقي وهو بمقابر قريش ثم بعده عليّ بن محمد النقي وهو مشهده بقم، وبعده الحسن العسكري الزكي وبعده ابنه محمد القائم المنتظر، هذا هو طريق الإثني عشرية[26].
راجع التاريخ وكذلك الباحثين يعلمون أنّ الشيعة لا يقولون إنّ ابن محمد النقي مدفون بقم لأنّه مدفون بسامراء ويزوره الآن الناس والمدفونة بقم شقيقة الإِمام الرضاA السيدة فاطمة المعصومة[27]B.

[1] -  راجع كتاب الكافي للشيخ الكليني H ـ باب البداء.
[2] -  سورة الزمر الاية 48.
[3] -  سورة يوسف الاية35 .
[4] -  سورة ال عمران الاية 5.
[5] -  نهج البلاغة الخطبة 105.
[6] -  سورة الرعد الاية11.
[7] -  كتاب الكافي 2/470/ح8 باب ان الدعاء يرد القضاء.
[8] -  كتاب الكافي 2 / باب قطيعة الرحم ح7 و 8 .
[9] -  الخصال / باب الاستغفار ح4 ـ 17
[10] -  سورة الرعد الاية39 .
[11] -  تفسير الرازي  10 / 64  .
[12] -  تفسير ابن كثير  2 / 520.
[13] -  تفسير المراغي  5 / 155.
[14] -  روح المعاني  13 / 111.
[15] -  الدر المنثور  4 / 660.
[16] -  فتح البيان  5 / 171.
[17] -  الكشاف  2 / 169.
[18] -  الجامع لاحكام القران  5 / 329.
[19] -  تفسير جامع البيان  3 / 112 .
[20] -  مجمع البيان  6 / 398 .
[21] -  الشيعة والرجعة للطبرسيH 2/248.
[22]- سورة النحل الاية 83.
[23]- سورة الكهف الاية 47.
[24]- سورة النحل الاية 38.
[25]- البيان للسيد ابو القاسم الخوئيH ص385 فصاعداً.
[26]- راجع : الملل والنحل فصل الشيعة.
[27]- السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم وأخت الإمام علي بن موسى الرضاD (توفيت عام 201هـ على المعروف)، حاول بعضهم وأبرزهم محمد علي المعلم في كتابه حول فاطمة المعصومةB إثبات كونها معصومة من خلال الأمور التالية:
الاول :  في الرواية عن الإمام الرضاA: (من زار المعصومة بقم كمن زارني). أنّ الإمام الرضا نفسه قد وصفها بالمعصومة، وهو دليلٍ على كونها من المعصومين.
الثاني : استنادا لما ورد من الوعد بالجنّة لمن زار قبرها، وذلك الوعد يُعهد في زيارة قبور المعصومين.
الثالث : كونها شفيعة بدون تقييد. (هل السيدة فاطمة المعصومة كسائر المعصومين – حيدر حب الله).
الرابع : فضل مدينة قم المقدسة وذلك من بركات هذه السيدة الفاضلةB.