وقرن في بيوتكن، ولاتبرجن تبرج الجاهليه الاولى، واطعن الله ورسوله
المرأة والاختلاط : يوكد الامام علي بن ابي طالب
A على امر المشرع بحفظ المرأة، فان عدم
اختلاطها بالرجال احفظ لها و لهم.
فقال A: (واكفف عليهن من ابصارهن بحجابك اياهن) أي
احجبهن عن الغرباء حتى لا تقع ابصارهن على ما يكون سببا لفسادهن.
ثم يقول A: (فان شدة الحجاب ابقى عليهن) وليس المقصود
بالحجاب هنا ما يوضع على الراس والعنق والجيب، وانما المقصود به الاعتزال
وعدم الاختلاط.
وان كان حجاب الراس هو واجب ايضا بنص القرآن
الحكيم. يقول تعالى عن الحجاب الاول مخاطبا نساء النبيo اللواتى هن قدوه المسلمات: (وقرن في بيوتكن،
ولاتبرجن تبرج الجاهليه الاولى، واطعن الله و رسوله).
ويقول
سبحانه عن حجاب الرأس (يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المومنين يدنين
عليهن من جلابيبهن، ذلك ادنى ان يعرفن فلايودين)[1].
ثم يوكد على لزوم ستر العنق وما يليه من الصدر
وهو الجيب فيقول (وقل للمومنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن
الا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن)[2].
والمقصود بالزينه الظاهره ما تظهره المرأة من
جسمها حال الصلاه، وهو الوجه الوضوئي واليدين الى الزندين والقدمين الى الكعبين)[3].
ثم قال الامام A: (وليس خروجهن باشد من ادخالك من لايوثق به
عليهن) فهو A يقول:
ان خروج النساء من البيت اهون من دخول شخص غير
موثوق عليهن، لان من تكون هذه صفته يتمكن من الخلوه معهن في البيت بدون رقيب،
بينما لا يتمكن من ذلك اذا راهن في الطريق.
ورغم ان المشرع الحكيم سمح للمرأة بالخروج من
بيتها في حالات الضروره والحاجه، فان الامام A شدد كثيرا على هذه الناحيه، لتقديره المفاسد
الكبيرة التي تنشا عن اختلاط النساء بالرجال، كما هو في عصرنا لحاضر.
ولذلك قال A: (وان استطعت الا يعرفن غيرك فافعل). ورغم
ان الخطاب في هذه الوصيه هو للامام الحسن A فهو غير موجه اليه بقدر ما هو موجه لعامه
المسلمين، لان عقيلات اهل البيت D كن اشد الناس تمسكا و تطبيقا لتعاليم
الشريعه.
وروى ابن شهر آشوب في المناقب ان النبي o قال لفاطمه B: (اى شى ء خير للمرأة؟ قالت: ان لاترى رجلا
ولايراها رجل. فضمها اليه و قال: ذريه بعضها من بعض).
وقد اثر عن زينب العقيله B انها كانت لا تعرف من باب دارها غير وجهه
الداخلي. وكانت عند ما تضطر الى مغادره بيتها، تخرج ليلا محجبه ومعها الحسن A عن يمينها والحسين A عن شمالها، وابوها امير المومنينA امامها.
وقد كانت مولاتنا سكينه[4]B (ت 5 ربيع أول 117هـ) بنت الامام الحسين A شبيهه بجدتها فاطمه الزهراء B فكانت مقطعه الى العباده ودائمه الا تصال مع
الله، لا تغادر بيتها ولا تلتفت عن مسجدها.
حتى انه لما خطبها ابن عمها الحسن المثنى بن
الامام الحسن E قال له ابوها الحسين A: (اعطيك فاطمهB بنتي فهي كأمي الزهراء B في العباده، اما سكينهB فلا تصلح لرجل، لانها غالب عليها الاستغراق
مع الله).
جاء
في استقلال المرأة في الإسلام انه قيل : ان المرأة في تكوينها العقلي تساوي الرجل
، فليس للرجل رأس ، وللمرأة نصف رأس ، ولا يأتي الفرق إلا من تقييد المرأة في
البيت[5].
وقيل
: ان كل ما يعاب الآن على المسلمين ليس من الإسلام ، وإنما هو شيء آخر سموه
إسلاماً[6].
وقيل
: لم يحترم أحد المرأة كما احترمها محمد بن عبد الله ، ولم يسمُ بها أحد إلى
المكان اللائق بها ، كما سما بها محمد بن عبد الله[7].
وقيل
: الدرجة التي جعلها القرآن للرجال على النساء ، ليست هي درجة القوامة والوصاية ،
وإنما هي درجة الإحسان في المعاشرة الزوجية، والإحسان في المفارقة ( فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان) فهي درجة تجعل الرجال أكثر إنسانية وذوقاً وكياسة[8].
والإسلام
الأصيل ، القرآن والعترة الطاهرة D ، لا تفاسير القرآن الكريم ، والسنة المحمدية المفسرة لهذا القرآن
في جلاء ووضوح.
لا
الأحاديث أو المأثورات المنسوبة إلى رسول الإسلامo ظلماً وعدواناً ، ثم الممارسة العملية
للقرآن الكريم والسنة الصحيحة في العهد الإسلامي الأول.
ولا
سيما عهد الرسولo وخليفته ووصيه الراشد علي بن ابي طالب A ثم ما تيسر من الأحكام الإسلامية الفقهية
الحرة المسايرة للتطور الزاحف إلى الأمام تحت ظل الأئمة الأثني عشر اماماَ كلهم من
قريش من ولد فاطمةB.
إن
تسجيلنا لأفضال الإسلام على تحرير المرأة واستقلالها لا يجوز أن يكون على حساب
الإنصاف للحقيقة والتاريخ.
فأبدلهم
الإسلام من كراهية الأنثى حباً لها وفرحاً بمولدها بأحاديث نبوية كثيرة مثل :
لا تكرهوا البنات ، فأنا أبو البنات.
ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم.
استوصوا بالنساء خيراً.
إلى
آخر أحاديث ما نسب للرسولo الإنسان الأول الذي كما يكنى أبي القاسمA ويكنى بأبي الزهراءB وحمل القران حملته على جريمة وأد البنات
بآيات كثيرة يكفينا منها قوله تعالى :
(وإذا
الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) و(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم
يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما
يحكمون) و(وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسوداً وهو كظيم).
وكان
كثير من العرب يعتبرون عقد الزواج من إحدى بناتهم (صفقة تجارية) كما يدل على ذلك
أن البنت في معجمات اللغة العربية بلقب (النافجة).
ومن
ذلك قولهم في التهنئة بمولدها أحيانا : هنيئاً لك (النافجة) أي المنفجة لمالك بما
تأخذه من مهرها - وهو العوض الذي يدفع لأهلها - وبما تأخذه من صداقها - وهو العوض
الذي يدفعه الرجل لها.
وبفضل
المهر والصداق ينتفخ ويتضخم مال والدها – وهذه النظرة إلى البنت كسلعة تجارية قد
أبدلهم الإسلام منها نظرة إلى عقد الزواج كرباط مقدس.
وآية
ربانية عالمية شاملة : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم
ومما لا يعلمون) وقد وصفه بالميثاق الغليظ ، وأقامه على أمتن الدعائم والأركان من
السكينة والمودة والرحمة قائلاً :
(
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
وفي
ظلال السكينة والمودة والرحمة لا وجه لاعتبار هذه الرابطة المقدسة سلعة تجارية ،
ولا مكان للمغالاة في المهر والصداق ، تلك المغالاة التي عرفت بها بعض القبائل
العربية - ولا سيما قبيلة كندة - وأعلن
الرسولo الحرب على هذه المغالاة بالقول والعمل.
فأخير
النساء أيسرهن صداقاً ومن اكتفى من المهر بخاتم من حديد ، فإن لم يتيسر فبتعليم ما
تيسر من آيات القرآن الكريم.
ولحرص
الإسلام على كرامة المرأة بحرصه على حقها في المهر أبطل الزواج الذي كان معروفاً
في الجاهلية بزواج (الشغار) الذي سمي بهذا الاسم لخلوه من المهر.
وهو
الزواج القائم على اتفاق رجلين فيما بينهما على أن يزوج كلاهما الآخر ابنته أو
أخته بدون مهر مطلقاً ، وكأنها سلعة تجارية تبادل بسلعة تجارية أخرى.
ولحرص
الإسلام على كرامتها وحريتها واستقلالها كفل لها قبل الزواج حقها كاملا في اختيار
أو رفض من يتقدم لزواجها بكراً كانت هذه المرأة أو ثيباً.
ولا
تكون كالسُّفُور التي من ملازماتها الاختلاط[9]
وهذه حرب ناعمةُ الملمس ضاريةُ النتائج لينةُ المظهر قاسيةُ المخبر يتذرع دعاتُها
بالتقدم ويتظاهرونَ بحريِة المرأة وليس لهم من وراء ذلك غاية إلا نبذ الفضائل
والتخلي عن مكارم الأخلاق وإشباع نزواتهم المحمومة وغرائزهم البهيمية.
ولست
أدري مَنِ المرأةُ التي صرخت في هؤلاء لينقذوها ؟ ومَنْ تلك التي استغاثت بهم
لينجدوها ؟ يا لكِ من مخلوقةٍ مظلومة : لقد أخرجوكِ مِنْ خِدْرِكِ المصون زاعمين
أنهم يريدون تحريركِ.
ومتى
كنتِ أمةً حتى يحرروكِ ؟ إنكِ منذُ خلقَ اللهُ الخلقَ حرةٌ طليقةٌ تنجبين الرجالَ
الأفذاذَ وتصنعينَ الأبطالَ الأشاوس.
ولقد
حفظكِ الله وضربَ عليكِ الحجابَ ليبعدك عن عبث العابثين ومجونِ الماجنين وأحاطكِ
بالإجلال والتوقير كما تحيط الصدفةُ باللؤلؤةِ لحمايتها من كل معتد أثيم .
فأغارَ
عليك هؤلاء في غفلة أبنائك البررة فأخرجك من قصرك المنيع وأنزلوك من عرشك الرفيع
وتركوك في الشوارع هائمةً حائرةً لا تدرين إلى أين تذهبين.
ولست
بذلك أدعو إلى ما يزعمه الزاعمون من جَعْلِ المرأةِ كُماً مهملاً أو سلعةً تباع
وتشتري أو اتخاذها كمقطعةٍ من أثاث البيت تزين به الغُرفُ والصالونات .
معاذ
الله أن يكون الإسلامُ داعياً إلى شيءٍ من ذلك أو يكون المسلمون الواعون يفهمون
ذلك الفهم .
إن
الإسلام هو أول من أنصفَ المرأةَ , ووقف إلى جوارها يشد أزْرَها وينزلها تلك
المنزلة الرفيعة .
الإسلامُ
هو الذي اعتبر المرأةَ صِنْوَ الرجل ففرض عليها كل ما فرض عليه وجعل لها من الأجر
والمثوبةِ على عمل الصالحات مثلما جعل له (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصالِحاتِ مِنْ
ذَكَرٍ أوْ أنْثى وهُوَ مُؤمِنٌ فاؤلئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ
نَقِيراً).
والإسلام
هو الذي جعل بِرَّ الأم مقدماً على برِّ الأب حيث أمر الرسولُo ببرها ثلاثاً , وفي الرابعة أمر ببر الأب.
[1] - سورة الاحزاب 59
[2] - سورة النور 32
[3] - البحث المتقدم فقهي فيه
مسائل خلافية بين الفقهاء. وما ذكر هنا هو بحسب ما جاء من سياق الكلام.
[4] - ومن غريب الامر، ان يذكر احد المورخين وهو الزبير بن بكار في كتابه نسب قريش ان سكينهB نفسها كانت تقيم مجالس الانس والشعر والغزل، وان بيتها كان منتدى
للرجال والنساء.
وفي
هذا تزوير متعمد، للحط من قيمه اهل البيتD في
نظر الناس وتشكيكهم بهم. والحقيقه ان التي كانت تقوم بهذا الامر هي سكينه بنت خالد بن الزبير، فقد كانت تجالس الشعراء
ويتغزلون بها وبجمالها.
فرفع
ابن بكار هذه الوصمه عن آل الزبير وجعلها في آل البيت D
لان الوضع السياسي يناسب ذلك.
وقد
كشف هذا الافتراء ابو الفرج الاصبهانى في كتابه الاغاني حيث
قال: ان التي كانت تجالس الشعراء هي سكينه بنت خالد بن الزبير وليست سكينه بنت
الحسين D.
[5] - هو جمال الدين الافغاني
[6] - محمد عبده ص 120 كتاب : العلم والمدينة.
[8] - د. محمد البهي ص332 كتاب : الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر.