من مصادر اهل السنة حديث الثقلين
قال رسول اللهJ ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا
بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل
بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) صحيح الترمذي.
قالوا : ( أما العترة فالأمر فيه واسع
فعترة الرّجل في اللغة هم نسله كولده وولد ولده، أي الذكور من الأولاد، وهذا إشكال
يخرج عليّاًA من كونه من
العترة، وتوسع البعض فقال عترة الرّجل هم أدنى قومه من إليه في النسب، ورهطه، ورهط
الرّجل قومه وقبيلته، إلى غير ذلك وعلى الأخير ندلل ببعض الرّوايات...الخ).
مفهوم العترة في حديث
الثقلين
نقول: إن مفهوم العترة في حديث الثقلين هو مفهوم محدد
ومخصص فقط بالأئمة من أهل البيتD ومن معاني لفظ
العترة لغة أخص أقارب الرّجل، كما جاء في لسان العرب[1] وتاج
العروس قالا : (قال ابن الأثير: عترة الرّجل أخص أقاربه).
وفي مفهوم العترة بنفس المجلد والصفحة
قالا: ( وقال ابن الأعرابي: العترة ولد الرّجل وذريته وعقبه من صلبه، قال: فعترة
النبيJ ولد فاطمة البتولB).
ثمّ أنّ النبيJ بين في أكثر المواطن لطرق حديث الثقلين أن
عترته هم أهل بيته حيث قوله: (وعترتي أهل بيتي) بل في بعض طرق هذه الرواية لم يرد
ذكر العترة أصلاً بل قالJ وأهل بيتي كما في
حديث مسلم الذي ذكر سابقاً وغيره, فقد روى مسلم[2] بسنده عن
عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال:
أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال :
ما منعك أن تسبّ أبا التّراب ؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول اللهJ فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ
من حمر النعم . سمعت رسول اللهJ يقول له ، (وقد)
خلفه في بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله ! خلفتني مع النساء والصبيان ؟
فقال له رسول اللهJ: أما ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ
الرّاية رجلاَ يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، قال: فتطاولنا لها فقال :
ادعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الرّاية إليه . ففتح الله عليه.
ولمّا نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم)[3] دعا
رسول اللهJ عليّاً وفاطمة
وحسناً وحسيناًD فقال: ( اللهم
هؤلاء أهلي).
ورواه أيضا الترمذي في صحيحه وصححه
كما رواه غيره، فهذا هو رسول اللهJ يقول أنّ هؤلاء هم
أهله.
وحديث الثقلين يدل على عصمة العترة،
فالنبيJ أمر فيه باتباع
العترة (أهل البيت) فلا يمكن أن يأمرJ باتباع الخاطئين
والمخالفين لكتاب الله تعالى، وبعدها قرنهم بالكتاب وأمر باتباعهم معاً.
فكما أنّ الكتاب منزه عن كل باطل
فكذلك أهل البيت منزهين عن كل باطل, وجعل التمسك بهم مانع من الضلال كالكتاب ومن
كان جائز عليه الضلال لا يكون مانع من الضلال.
وصرّح بعدم الأفتراق بين كتابه
وعترتهِ لإنهم لا يخالفونه في وقت من الازمان وكلها دالة على عصمتهمD، وليس عندنا من الدلائل ما يثبت أن جميع
أقارب النبيJ معصومين غير هؤلاء
فقط، وإذ ثبتت عصمتهم ثبت لنا أن هؤلاء هم المعنيين بالعترة وأهل البيت في روايته
هذهJ.
فهم علماء أهل السّنة من
حديث الثقلين
واغلب علماء أهل السّنة فهم من هذا
الحديث أنّ النبيJ لا يريد بقوله
(عترتي) و (أهل بيتي) جميع أقاربه بل إنما ذلك خاص بفئة ومجموعة معينة وخاصة تعتبر
مصداق لهذين اللفظين فـ:
منهم : الحكيم الترمذي في كتابه نواد
الأصول[4] قال:
( وقولهJ ما إن أخذتم به لن
تضلوا واقع على الأئمة منهم السادة لا على غيرهم).
منهم : المناوي في فيض القدير[5] قال
وهو بصدد شرح حديث الثقلين قال:
( إني تارك فيكم بعد وفاتي خليفتين
زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم
شأنهما كتاب الله القرآن حبل أي هو حبل ممدود ما بين السماء والأرض قيل أراد به
عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه وعترتي بمثناة فوقية أهل بيتي تفصيل بعد إجمال
بدلا أو بيانا وهم أصحاب الكساء الذين
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
منهم : أبو عبد الله الشافعي[6] في
كتابه كفاية الطالب قال بعد أن نقل حديث الثقلين حسب رواية مسلم قال:
[ قلت: إنّ تفسير زيد (أهل البيت) غير
مرضي، لأنّه قال: أهل بيته من حرم الصدقة بعده، يعني بعد النبيJ، وحرمان الصدقة يعمّ زمان حياة الرسولJ وبعده، ولأنّ الذين حرموا الصدقة لا ينحصرون
في المذكورين، فإنّ بني المطلّب يشاركونهم في الحرمان.
ولأنّ آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى
قول زيد يخرج أمير المؤمنينA عن أن يكون من أهل
البيت.
بل الصحيح أن أهل البيت علي وفاطمة
والحسنانD كما رواه مسلم
بأسناده عن عائشة أنّ رسول اللهJ خرج ذات غداة
وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه،
ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله.
ثم قالJ : ( إنمّا يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل
البيت ويطهّركم تطهيرا). وهذا دليل على أنّ أهل البيت هم الّذين ناداهم الله بقوله
أهل البيت وأدخلهم رسول اللهJ في المرط.
وأيضاً روى مسلم بأسناده أنه لما نزلت
آية المباهلة دعا رسول اللهJ عليّاً وفاطمة
وحسناً وحسيناً، وقال: اللهم هؤلاء أهلي].انتهى.
منهم : الملا علي القاري[7] في
كتابه مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح قال:
[ وأقول الأظهر هو أنّ أهل البيت
غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على
سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلاً
لكتاب الله سبحانه كما قال: ( ويعلمهم الكتاب والحكمة).
ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب عن
حميد بن عبد الله بن زيد أن النبيJ ذكر عنده قضاء قضى
به علي بن أبي طالبA فأعجبه وقال:
الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين
عن محمد بن مسعر اليربوعي قال: قال علي للحسن: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع
أصابع. قال: بيّن.
قال : اليقين ما رأته عينك، والإيمان
ما سمعته أذنك وصدقت به. قال: أشهد أنك ممن أنت منه ذرية بعضها من بعض.
وقارف الزهري فهام على وجهه فقال له
زين العابدين: قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك. فقال
الزهري: الله أعلم حيث يجعل رسالته فرجع إلى أهله وحاله].انتهى.
وجاء من طرق الشيعة بسند صحيح روي عن
الشيخ الصدوقH بسنده عن الإمام
الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسينD قال:
سئل أمير المؤمنينA عن معنى قول الرسولJ: ( إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي،
من العترة؟ فقال : أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم
مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول اللهJ حوضه)[8].
ولفظ كلمة ( عترتي ) الوارد في حديث
الثقلين خصصه النبيJ بأهل بيته (وعترتي
أهل بيتي) وعليه فشمول لفظ العترة لبعض أقرباءهJ غير هؤلاء لا يضر في استدلالات الشيعة بحديث
الثقلين على إمامة الأئمة من أهل البيتD وعصمتهم ثم وجوب
طاعتهم.
وأما القول المنسوب لأبي بكر بأنه قال
: ( نحن عترة رسول الله ) فهذا القول لم يأتي عندهم بسند صحيح ابدا، والاغرب من
ذلك البعض من علمائهم يستشهد به ويسلّم به من المسلمات كتسليم مطلق.
في حين تجدهم يطالبون الشيعة عندما
يستشهدون برواية يطالبونهم وقبل كل شيء بالإتيان بسند الحديث واثبات من أنه صحيح
أو غير صحيح فهنا المصاديق ومنها لفظة (باء) المخالف تجر واما (باء) الشيعة لا
تجر، ألا قاتل الله المتعصبين والمعنادين على الباطل لاحظ حب الشيء كيف يعمي ويصم.
وذكر قول أبي بكر في بعض مصادر الشيعة
ولكن من أورده كان الغرض منه الرّد على من يحتج به لكي يدحض حجته مثل ذكر السيد
المرتضىH (علم الهدى)[9] له
في كتاب الشافي قالH:
[...على أنّ أبا بكر لو صح كونه من
عترة الرّسولJ على سبيل الحقيقة
لكان خارجاً عن حكم قوله: (إني مخلف فيكم) لأنّ الرسول J قيّد ذلك بصفة معلومة أنها لم تكن في أبي
بكر وهي قولهJ:
(أهل بيتي) ولا شبهة في أنّه لم يكن
من أهل البيت الّذين ذكرنا أن الآية – آية التطهير – نزلت فيهم واختصتهم ولا ممن
يطلق عليه في العرف أنّه من أهل بيت الرّسول J لأنّ من اجتمع مع غيره بعد عشرة آباء أو
نحوهم لا يقال: إنه من أهل بيته..الخ]. والله العالم.