الخميس، 13 أبريل 2017

حديث الكساء من مصادر اهل السنة


حديث الكساء من مصادر اهل السنة
قبل الدخول بما يدور حول الحديث وردت فقرة من دعاء شهر رجب العبارة الآتية: « أسألك ما نطق فيهم من مشيّتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنّهم عبادك وخلقك»؟
وهنا الضمير في «بينها» في قوله «لا فرق بينك وبينها» يعود إلى آياتك المراد منها الأئمةD ومنه يتّضح عود الضمير في قوله «إلا أنّهم عبادك» فالمقصود بهم الأئمةD وأمّا قوله «أسألك بما نطق فيهم من مشيّتك» فهو إشارة إلى كلمته سبحانه وتعالى التي عبّر عنها في القران بقوله تعالى: « إنَّمَا أمرُهُ إذا أرَادَ شَيئاً أن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
ويدخل في ذلك ما ذكره سبحانه في آية التطهير، وفيها دلالة واضحة على أنّ ما يتميز به الأئمةD عن سائر البشر ليس بأمر كسبي بل هو أمر مما تعلّقت به مشيئة اللّه تعالى، كما هو ظاهر آية التطهير أيضاً.
نعم تعلّق المشيئة مسبوق بعلمه سبحانه على أنّهم يمتازون عن سائر الناس أيضاً في إطاعتهم لّه سبحانه وتعالى حتّى لو لم يعطهم ما تعلّقت به مشيئته كما جاء في دعاء الندبة.
بقي هل ثبت حديث الكساء بالسند الصحيح, وما هو ثواب قراءة هذا الحديث الشريف. فهو حديث مشهور والثواب المنقول يعطى للقارئ والمتوسّل بقراءته ومن ورد في حقّهم الحديث إلى اللّه سبحانه وتعالى عند الحاجات[1].
حديث الكساء من مصادر اهل السنة: أن حديث الكساء المنقول عن الزهراءB حديث معتبر، ويمكن نسبته إليها أثناء الصوم إذا كانت النسبة بطريقة الحكاية والنقل من الكتب التي ورد فيها.
كما أخرج الإمام أحمد[2]عن أنس بن مالك أنّ النبيّJ كان يمرّ ببيت فاطمةB ستّة اشهر إذا خرج إلى الفجر، فيقول: الصلاة يا أهل البيت: (انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[3].
وكذلك أخرجه الواحدي في تفسير الآية من كتابه[4].
وكذلك أخرجه ابن جرير في تفسير الآية من تفسيره الكبير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والطبراني وغيرهم.
وكذلك أخرجه الترمذي، والحاكم وصححاه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عديدة، عن أمّ سلمةB قالت:
في بيتي نزلت هذه الآية، وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسينD، فجلّلهم رسول اللهJ بكساء كان عليه، ثمّ قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».
وكذلك أخرجه مسلم في باب فضائل أهل البيت[5]D عن عائشة، قالت: خرج رسول الله غداة، وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
وهذا الحديث أخرجه أحمد من حديث السيدة عائشة في مسنده، وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصاحب الجمع بين الصحيحين، وصاحب الجمع بين الصحاح الستة.
ومن أراد المزيد فعليه بـ« رشفة الصادي» لأبي بكر شهاب الدين، على أنّ في هذا المقدار كفاية لاُولي الالباب.
وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده[6] عن عبد المطلب، عن عطاء بن أبي رياح، قال: حدّثني من سمع اُمّ سلمة تذكر أنّ النبيّJ كان في  بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة[7] فدخلت بها عليه، فقال لها: «ادعي زوجك وابنيك».
قالت: فجاء علي والحسن والحسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له على دكان[8] وتحته كساء خيبري قالت:
وأنا اُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قالت فأخذ فضل الكساء، فغشاهم به، ثمّ أخرج يده، فألوى بها إلى السماء، ثمّ قال:
« اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً»، قالت «إنّك إلى خير، إنّك إلى خير».
وقال أحمد بعد إيراده الحديث: قال عبد الملك: وحدثّني أبو ليلى، عن اُمّ سلمة مثل حديث عطاء سواء. قال عبد الملك: وحدّثني داود بن أبي عوف الجحّاف، عن حوشب، عن اُمّ سلمة بمثله سواء.
وكذلك ورد هذا الحديث لدى ابن كثير في تفسيره[9].
وكذلك أورد الحديث عن عطاء الواحدي في «أسباب النزول»[10].
وكذلك ورد عن الواحدي ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمّة»[11].
وكذلك أورده في «الطرائف»[12] عن الثعلبي، ومسند ابن حنبل بتفاوت يسير في بعض الفاظه.
وقال السيوطي في الدرّ النثور[13]: أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، عن اُمّ سلمةB زوج النبيّJ: أنّ رسول اللهJ كان في بيتها على منامة له، عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول اللهJ: «أدعي لي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً».
فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللهJ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
فأخذ النبيّJ فضلة إزاره، فغشاهم إيّاه، ثمّ أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، ثمّ قال: « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتّي، فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» قالها ثلاث مرات.
قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا رسول اللهJ وأنا معكم؟ فقال: «إنّك إلى خير» مرتّين.
وذكر الحديث السيد الأمين في «أعيان الشيعة»[14] عن اُسد الغابة.
وقال في الدرّ المنثور[15]  أيضاً: أخرج الطبراني، عن اُمّ سلمةB أنّ رسول اللهJ قال لفاطمةB: «آتيني بزوجك وابنيه»، فجاءت بهم، فألقى رسول اللهJ عليهم كساءاً فدكيّاً، ثمّ وضع يده عليهم، ثم قال:
« اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد ـ وفي لفظ: آل محمّد ـ فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» قالت اُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، وقال:  «إنّك على خير».
وكذلك أورد الحديث أحمد بن حنبل[16] عن اُمّ سلمةB.
وكذلك أورد الحديث الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب»[17]  عن أحمد في «مناقب عليّA» وعن شهر بن حوشب، عن اُمّ سلمةB.
وكذلك أورد الحديث الطبري في «ذخائر العقبى»[18] وقال بعد إيراده: أخرجه الدولابي في «الذرّية الطاهرة».
وكذلك أورد الحديث الهندي في «كنز العمال»[19]  
وكذلك اورد الحديث ابن كثير في تفسيره[20].
وكذلك اورد الحديث ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمّة»[21].
وكذلك اورد الحديث الترمذي في صحيحه[22].
وكذلك اورد الحديث القندوزي الحنفي في «ينابيع المودّة»[23].
وكذلك اورد الحديث الشبلنجي الشافعي في «نور الابصار»[24].
وكذلك اورد الحديث الشيخ محمّد الصبّان في «إسعاف الراغبين» بهامش نور الأبصار[25].
وغير هؤلاء الكثير من أعاظم علماء اهل السنّة، ممّن يطول الكلام بتعداد أسمائهم.
اجتهاد ونصوص: إن القول في الآية الكريمة نزلت في زوجات النبيJ أو أنها خاصة بهن أو أنها تشملهن هو اجتهاد في مقابل نص الرسولJ!
 فالروايات الواردة سابقا والخاصة بحديث الكساء هي نصوص صريحة بأن الآية الكريمة خاصة بأصحاب الكساء فقط ولا علاقة لاي من زوجات النبيJ بها.
فلم يبقى أي وجه للقول باختصاصها في نساء النبيJ إلا أنه يعتبر رد على النبيJ واجتهاد في مقابل نصهJ والاجتهاد في مقابل النص أقل ما يقال فيه أنه من الكبائر.
اية التطهير نزلت مستقلة : دلت الأحاديث الصحيحة على أنه آية: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) نزلت مستقلة في بيت أم سلمةB، ولا يوجد ولو دليل واحد يثبت أنها قد نزلت من ضمن الآيات التي خاطب الله تعالى فيها زوجات النبيB!
وسياق الاية هو الدليل على إثبات مدعي نزولها في زوجات النبيJ أو حتى شمولها لهن!
فصحة التمسك بوحدة السياق في حالة ثبوت نزول هذه الآيات دفعة واحدة وفي مناسبة واحدة، أما لو وجد نص على خلاف ذلك كما في موضوعنا هنا ، أو وجود قرينة، فلا يصح الاستدلال بالسياق!
وأحاديث الكساء المتقدمة كلها من النصوص الصريحة في نزول آية التطهير مستقلة لوحدها!
في بعض الروايات تقول أم سلمةB: نزلت هذه الآية في بيتي، وهذا يفيد أمرين: اولاً نزولها مستقلة لوحدها! وثانياً كونها آية كاملة!
وبعد ايراد الشهادات الصريحة باستقلالها في النزول وباختصاصها بعلي وفاطمة والحسنينD فكيف يجوز لعاقل أن يقول إنها مختصة بنساء النبيJ أو أنها تشملهن مع أهل البيتD!.
القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول: باتفاق المسلمين أن القرآن الكريم لم يجمع بحسب النزول، ولم يتم نظم آياته كلها على أساس تسلسل زمني، فكم من آية مدنية وقعت في آيات مكية وبالعكس، وحسب اجتهاد الذين جمعوه، وهذا بديهي فلا يحتاج إلى إثبات، فبطل ادّعائهم من دليل السياق.
الصحابة لم يقولوا بها : إن آية التطهير نزلت في نساء النبيJ أخذت من روايات النواصب المدلسين! فلم تصح رواية عن أحد من الصحابة أبداً أن آية التطهير خاصة بزوجات النبيJ أو أنها شامله لهن!
 وقد عثرت على روايتان نسب فيهما الكذب على ابن عبّاس أنّه قال إنها نزلت في نساء النبيJ واحدة منها: رواها الواحدي في أسباب النزول قال:
( أخبرنا ابو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبيJ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ )[26].
والأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال: (عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال: نزلت في نساء النبيJ خاصة)[27].
وهما روايتين لا اعتبار بهما اولاً لضعف سندهما لدى الجميع، وثانياً لمخالفتهما النصوص الصحيحة الصريحة التي ذكرت فيما سبق، ومن ضمن الروايات التي سبق ذكرها عن ابن عباس نفسه! والتي تنص أن آية التطهير خاصة بأصحاب الكساء فقطD.
فرواية الواحدي فمن خلال سندها أكثر من واحد ضعيف، مع أن القاعدة لو ثبت ضعف فرد واحد راوي يكفي لابطال الاستدلال بها.
وكما عرفت في سندها (أبو يحيى الحماني) واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وقد رمي بالإرجاء والخطأ[28]. فقد قال فيه النسائي: (ليس بالقوي)[29] وكذلك قال فيه ابن سعد وأحمد: (كان ضعيفاً)[30] وكذلك قال فيه العجلي: (كوفي ضعيف الحديث)[31].
وكما عرفت في سندها (صالح بن موسى الرشي) وهو (الطلحي) فقد قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)[32] وكذلك قال فيه الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير وغيره متروك)[33] وكذلك قال فيه البخاري في ضعفائه: (منكر الحديث)[34]. وكذلك قال فيه النسائي: (متروك الحديث)[35] وكذلك قال فيه الذهبي: (واهٍ)[36] وكذلك قال فيه العسقلاني: (متروك)[37].
وكما عرفت في سندها (خصيف) وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو (خصيف بن عبد الرحمن الجزري) مولى عثمان بن عفان وقيل معاوية بن أبي سفيان.
قال عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة ولا قوي في الحديث) وقال أيضاً: (ضعيف الحديث)[38] وكذلك قال أبو حاتم: (صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه)[39] وكذلك قال العسقلاني: (صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء)[40] وكذلك قال الذهبي: (صدوق سيء الحفظ ضعفه أحمد)[41].
وأما رواية ابن كثير فساقطة سنداً أيضاً ففي سندها (الحسين بن واقد) فقد وصفه الداقطني بالتدليس ووصفه أبو يعلى الخليلي بالتدليس[42] وكذلك قال ابن حبّان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات) [43].
وكذلك قال فيه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب) وكذلك قال العقيلي: (أنكر أحمد بن حنبل حديثه) وكذلك قال فيه الأثرم: (قال أحمد: في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي؟! ونفض يده)[44].
وكما عرفت في سندها (عكرمة البربري) مولى عبد الله بن عباس واشتهر كذبه على مولاه ابن عباس! فقال سعيد بن المسيب لغلامه (برد): (يا برد إياك وأن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس)[45].
وقيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الكنيف! ولما سئل عن سبب فعله ، قال: (إنه يكذب على أبي) وكذبه سعيد بن جبير وذكر أنه من الخوارج[46]. وكذبه ابن سيرين، وذكر أنه من الخوارج[47]، ورأي الخوارج معروف في أمير المؤمنين وأهل البيتD.
لم تدعيه زوجات النبي J: لم تدعي أي واحدة من زوجات النبيJ اختصاص الآية المباركة بهن بل حتى الشمول لهن، ولا يوجد أي أثر ذلك بالروايات لذلك! ومن المعلوم أن السيدة عائشة كانت حريصة جدا على تبيان ما يمكن أي فضيلة تذكر لها!
بل أن السيدة عائشة أم سلمةB روتا اختصاص الآية بأصحاب الكساءD كما قال ابن الجوزي: (والثاني: أنه خاص في رسول اللهJ وفاطمة وعلي والحسن والحسينD، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك)[48].
منع النبيJ أم سلمةB من الدخول: روايات حديث الكساء المروية عن طريق أحمد وغيره صرحت بأن النبيJ منع أم سلمةB من الدخول تحت الكساء عندما أرادت ام المؤمنينB ذلك.
فلو كانت الآية شامله لهن او تعنيهن فلماذا كان هذا المنع، أو لقال لها الرسولJ عبارة أخرى غير قوله: (إنك إلى خير)! فناتج من فعل النبيJ وقولهJ كان تقرير منه أنهن غير المقصودات بالآية ولا بمفهوم أهل البيت فيها. كما في حديث الامام أحمد في مسنده[49] قال:
عن أم سلمةB أن رسول اللهJ قال لفاطمةB ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهمD فألقى عليهم كساءً فدكياً، قال ثم وضع يده عليهم ثم قالJ: اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي! وقال: إنك على خير. انتهى.
رواه أبو يعلى في مينده[50] وكذلك رواه الطبراني في المعجم الكبير[51] وغيرهم.
وعليه مما سبق لا يصح القول بأن الآية في نساء النبيJ أو أنها شملتهن إلاّ من خلال جذب الكساء من يد النبي الشريفةJ ويدخل معهم السيدة عائشة وأم سلمةB ونساء النبيJ.
ولو تنزلنا بأن آية التطهير في سياق آيات نساء النبيJ: فالكلام البليغ قد يداخله إستطراد وإعتراض، وتتخلل فيه جمل أجنبية مثل قوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها كما في قوله تعالى:
( إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ)[52]. فقوله: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) يعتبر مستطرد بين خطابيه معها، ومثله كذلك قوله تعالى:
( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)[53].
فقوله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) هو مستطرد من جهة الباري عز وجل بين كلام بلقيس، ومثله كذلك قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ *إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)[54].
وتقدير الكلام فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم، واما الاية الموجودة بينهما فهي استطراد على استطراد، وهو منه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب البلغاء.
وكذا آية التطهير من هذا القبيل فقد جاءت مستطردة بين آيات النساء وبسبب استطرادها يتضح أن خطاب الله تعالى لهن بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلاّ لغرض العناية من الله تعالى بأهل البيت (أقصد الخمسةD).
لئلا ينالهم من جهتهن لوم، أو ينسب إليهم ولو بواسطتهن هنات، أو يكون عليهم للمنافقين ولو بسببهن سبيل، ولولا هذا الاستطراد ما حصلت هذه النكة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم، وكمل إعجازه الباهر كما لا يخفى[55].
وقالوا : [ ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة، لأن النساء دخل معهن النبيJ وهو رأس أهل بيتهJ كما قال الله تبارك وتعالى عن زوجة إبراهيم: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)[56].
وكانت معه زوجته، وقال تعالى عن موسى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ)[57] وكانت معه زوجته، فالرجل من أهل البيت فقول الله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ).
قال عنكم لدخول النبيJ مع نسائه في هذه الآية، لا أن علياً وفاطمة والحسن والحسينD دخلوا ضمن هذه الآية، وإنما كان علي والحسن والحسين وفاطمةD من أهل بيت النبيJ بدليل حديث الكساء لا بدليل الآية.
فحديث الكساء هو الذي يدل على أنّ علياً وفاطمة والحسن والحسينD من آل بيت النبيJ وذلك لما غطاهم بالكساء قرأ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) فأدخلهم في أهل بيته][58].انتهى. 

[1] - راجع : كتاب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءH في أصل الشيعة وأصولها، وكذلك كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر H.
[2] - مسند الامام احمد الجزء الثالث: ص 259.
[3] - راجع : لماذا اخترت مذهب الشيعة - محمد مرعي الانطاكي تحقيق عبدالكريم العقيلي.
[4] - الواحدي أسباب النزول: ص 267.
[5] - صحيح مسلم الجزء الثاني: ص 331. ويأتي الحديث ص 118 بتخريجاته.
[6] - مسند بن حنيل المجلد السادس: ص 292.
[7] -  البرمة: القدر من الحجر. والخزيرة: مرقة، وهي أن تصفّى بلالة النخالة، ثم تطبخ، وقيل: الخزيرة والخزير : الحسا من الدسم والدقيق وهي ارق منها (لماذا اخترت مذهب الشيعة - محمد مرعي الانطاكي - تحقيق عبدالكريم العقيلي).
[8] - الدكّان ـ واحد دكاكين (فارسية) ـ: شيء كالمصطبة يقعد عليه. (المنجد مادة دكن) عن لماذا اخترت مذهب الشيعة لمحمد مرعي الانطاكي تحقيق عبدالكريم العقيلي.
[9] - تفسير بن كثير المجلد الثالث: ص 484.
[10] - الواقدي في اسباب النزول ص267.
[11] - الفصول المهمة ص 8.
[12] - الطرائف ص30.
[13] - السيوطي في الدر المنثور ج5 ص198.
[14] - اعيان الشيعة ج2 ص433 عن اسد الغابة.
[15] - الدر المنثور ج5 ص198.
[16] - احمد بن حنبل ج6 ص323.
[17] - كفاية الطالب ص228.
[18] - ذخائر العقبى ص21.
[19] - كنز العمال ج7 ص228.
[20] - تفسير بن كثير ج3 ص484.
[21] - الفصول المهمة ص7.
[22] - صحيح الترمذي ج2 ص308.
[23] - ينابيع المودة ص 78.
[24] - نور الابصار ص102.
[25] - اسعاف الراغبين ص104 هامش نور الابصار.
[26] - أسباب النزول للواحدي 203.
[27] - تفسير ابن كثير 4/515.
[28] - راجع : تقريب التهذيب 2/334، تهذيب الكمال 6/109 الكاشف 1/617.
[29] - راجع : الكاشف 1/617 وتهذيب التهذيب 6/109 وتهذيب الكمال 15/454.
[30] - تهذيب التهذيب 6/109.
[31] - تهذيب التهذيب 6/109.
[32] - الجرح والتعديل 4/415.
[33] - ضعفاء الأصفهاني 1/93.
[34] - ضعفاء البخاري 1/59.
[35] - الضعفاء للنسائي 1/57.
[36] - الكاشف 1/449.
[37] - تقريب التهذيب 1/347.
[38] - تهذيب الكمال 2/385.
[39] - تهذيب الكمال 2/385.
[40] - تقريب التهذيب 1/220.
[41] - الكاشف 1/236.
[42] - راجع : أسماء المدلسين 1/70  وطبقات المدلسين 1/20.
[43] - تهذيب التهذيب 2/321.
[44] - كتاب تهذيب التهذيب 2/321.
[45] - راجع : تهذيب الكمال 7/213 وتهذيب التهذيب 7/238.
[46] - راجع : كتاب تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213 – 214.
[47] - تهذيب التهذيب 7/238 وتهذيب الكمال 7/213 – 214.
[48] - زاد المسير في علم التفسير 6/381 – 382.
[49] - مسند أحمد 6/323.
[50] - مسند أبي يعلى 21/344و 456.
[51] - المعجم الكبير 3/53 و 32/336.
[52] - سورة يوسف الآية: 28 – 29.
[53] - سورة النمل الآية: 34- 35.
[54] - سورة الواقعة الآية: 75 – 77.
[55] - الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء 25- 26.
[56] - سورة هود الآية: 29.
[57] - سورة القصص الآية: 29.
[58] - صحييح مسلم 7/123.