الاثنين، 10 أبريل 2017

المرأةُ في فكر الأديان عبر الزمان والتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم
المرأةُ في فكر الأديان
هناك شخصيات مجاهدة حينما تتذكرها يبدأ الألم يتسرب إليك منها المرأة مع النبي o في شريعتهِ مثل العلوية الشهيدة بنت الهدى u حول قِيمةُ المَرأةِ حيث قالت:
المرأة هي المدرسة الأولى في الحياة، وهي أحد العنصرين الأساسيين في تكوين المجموعة البشرية. فنحن حينما نذكر المرأة نرى أنها مدرسة ومربية أجيال.
فحينما نأتي لنتحدث عن دورها في المجتمع نلاحظ أنها في الواقع نقطة لانطلاق المجموعة البشرية، ولولاها لما كان هناك بشر على وجه الأرض.
ونظراً كونها المعهد الفطري للوليد وصدرها هو واهب الحياة للجيل اهتم الإِسلام بأن يلقي الضوء في شريعته وأحكامه على المرأة ومكانتها في المجتمع والحياة.

وأن يرتفع بها إلى مصاف الرجل لها ما له وعليها ما عليه، بعد أن كانت المرأة مهضومة الحق في جميع الأنظمة الدولية التي جاءت قبل الإسلام.
حتى أن كثيراً من الأمم كان قد راج فيها وأد البنات خوفاً من عار وجودهن على وجه الأرض.
وكانوا علماء وزعماء الديانات يبحثون ويتناقشون على طول قرون عديدة في أن المرأة هل هي إنسان أو غير إنسان، وهل تحمل روحاً أم لا.
واما المرأة في العالم الغربي فهي أسوأ حال من كل ما تقدم، لا يحسب لها حساب سلعة تتداولها أيدي تجار الأخلاق، وبأبخس الأثمان، بوصفهن زينة المجالس، وأداة من أدوات الترف التي يحرص الأغنياء والمترفون على إبرازها للزهو والعجب.
ولم تكن قط موضع الاحترام الحقيقي كمخلوق إنساني جدير بذاته، بل تستغل في الأعمال والوظائف التي تهان فيها.
ففي العصور الوسطى[1] عقدت في العديد من البلدان الأوروبية الاجتماعات للبحث بشأن المرأة، وما إذا كانت تعتبر إنسانا أم لا!.
وذكر أن أحد هذه الاجتماعات عقد في فرنسا لمعرفة ماهية المرأة؛ وبعد نقاش طويل تبين للمجتمعين أن المرأة يمكن أن تكون إنسانا؛ لكنها مخلوقه من أجل خدمة الرجل فقط ومن أجل راحته هو فحسب.
وفي إنجلترا حرم الملك (هنري الثامن)[2] على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس، وبقيت المراة حتى سنة 1850م غير معدودات من المواطنين؛ وظللن حتى عام 1882م ليس لهن حقوق شخصية؛ ولا حق لهن في التملك الخاص.
ورويت الكثير مثله التي هي أقرب للخيال منها إلى الحقيقة؛ فقد روى كيف كان الرجال في إنجلترا يفرون من ظل النساء ويتأثمون من قربهن والاجتماع بهن؛ ويعتقدون مصادفتهن في الطريق والتحدث إليهن، حتى لو كن أمهات أو زوجات أو شقيقات تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية.
وكانت الديانة الهندوكية مثلاً قد سدت أبواب تعليم كتبهم المقدسة على المرأة لعدم جدارتها لذلك.
بل قضت شرائع الهنود القديمة (أن الوباء والموت والجحيم والأفاعي خير من المرأة) وحق الأنثى في الحياة ينتهي بانتهاء حياة زوجها الذي هو مالكها قبل أن يكون زوجها.
وما عليها – من واجب- بعد موت وإحراق جثة زوجها إلا أن تلقي بنفسها في النار أسوة بمالكها (الزوج)؛ وإلا فإن اللعنة الأبدية ستحيق بها إلى نهاية الزمان.
وكانت مسلوبة الحرية والحقوق بكل أنواعها، وورد في بعض النصوص في شرعهم أنه (لا تليق الحرية المطلقة بالمرأة قط، بل يجب أن يرعاها أبوها في صغرها وزوجها بعد ذلك وابنها في كبرها).
وكذلك المرأة لا تتاح لها فرصة التحصيل العلمي خاصة، لأنَّها لا تطيق ذلك، ويقودها إلى الجنون لكي يحرمونها دراسة كتب ( الفيدا والويدا) المقدسة عندهم.
ونقل (ديورانت) بهذا الصدد: ( ففي المهابهاراثا إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه علامة الفساد في المملكة).
وروى (المجسطي) عن أيام شاندرا جوبتا قال ( إنَّ البراهمة يحولون بين زوجاتهم وبين دراسة الفلسفة؛ لأنَّ النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذّة والألـم، والحياة والموت، نظرة فلسفية، أصابهن مسٌّ من جنون، أو أبَينَ بعد ذلك أن يظلن على خضوعهن).
والهندوس كما ذكر في منوسمرتي يشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عارا، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم.
والزواج يربط المرأة بزوجها رباطا أبديا، لذلك انتشر عندهم إذا مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها لأنَّه خير لها أن لا تبقى بعد الزوج.
والديانة البوذية لم يكن فيها سبيل للنجاة لمن اتصل بامرأة. وأما في الديانات النصرانية واليهودية فقد كانت المرأة هي مصدر الإِثم ومرجعه فيهما.
فإن صورة المرأة في الإنجيل مثلاً تقوم من أنها هي التي أغوت آدم وكانت سببا في خروجه من الجنة.
وأثرت هذه الصورة الشائهة كثيراً على وجود المرأة في المجتمع، فهي يعتقدون أنها ورثت الذنب من أمها حواء، بالتالي فالمرأة لا يوثق بها وليست على خلق.
ففي الإنجيل الكاثوليكي (لا يوجد خطيئة يمكن مقارنتها بخطيئة المرأة، فأي خطيئة تكون وراءها امرأة وبسبب المرأة سنموت جميعا).
واعتبر حاخام يهودي تسع لعنات على المرأة بسبب السقوط من الفردوس حيث قال: (على المرأة تسع لعنات ثم الموت: الطمث ودم العذرية وتعب الحمل والولادة وتربية الأطفال وتغطية رأسها كأنها في حداد، وتخرم أذنها مثل الجارية ولا يؤخذ بشهادتها، وبعد كل هذا الموت).
وحتى الآن، اليهود الأرثوذكس يذكرون في صلاتهم: (نحمد الله أننا لم نخلق نساء). ودعاء آخر يوجد في كتاب الصلاة عند اليهود: (الحمد لله أنه لم يخلقني وثنيا، الحمد لله أنه لم يخلقني امرأة، والحمد لله أنه لم يخلقني جاهلا).
والمشهور بالمصلح (مارتن لوثر) لا يرى فائدة للمرأة سوى إنجاب كثير من الأبناء حيث قال : ( إذا تعبن أو متن الأمر لا يهم، فليمتن بعد الولادة، فهذه هي وظيفتهن).
بل في الإنجيل الكاثوليكي قال بكل وضوح (إن ميلاد الفتاة خسارة). وذكر في التوراة (المرأة لا يحق لها أن تدرس التوراة). وصرح حاخام يهودي (أنه من الأفضل أن يحترق كتاب التوراة عن أن تقرأه امرأة). (لا يحق للرجل أن يعلم ابنته التوراة).
وقال القديس بول في العهد الجديد: (لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذونا لهن أن يتكلمن، بل يخضعن كما يقول الناموس أيضا، ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئا فليسألن رجالهن في البيت، لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة)[3].
والمرأة الحائض أيضا في الكتاب المقدس مدنسة وتدنس كل ما حولها، أي شيء أو أي أحد تلمسه يظل مدنسا يوما بأكمله[4].
وبسبب كل هذا كانت المرأة الحائض تنفي أحيانا لتجنب أي تعامل معها، فكانت ترسل إلى بيت يسمى بيت الدناسة.
واما التلمود يعتبر المرأة الحائض قاتلة، حتى بدون أن تلمس أحدا. وقد ورد في التلمود ما يشبهها بالغائط؟.
وكذلك اليونان لم يكن للمرأة عندهم أي نصيب من العلم والحضارة ولا ثقافة ولا حقوق مدنية، وعلى مثله كانت الحال في الروم وفارس والصين وما عداها من مراكز الحضارة الإنسانية.
والحضارة الإغريقية والرومانية[5] فلقد كانت المرأة مظلومة على الدوام، بل كانت كما يقول عنها: إنها لا تمثل الأسلاف؛ فهي إن كانت زوجه لا تنحدر منهم؛ وإن كانت ابنة لا ينحدر الأسلاف منها؛ وليس عند موتها عبادة خاصة.
فهذه كانت حياة المرأة عندهم فلا يليق بالكاهن أن يصلي على امرأة؛ ولا يجوز إشعال المجامر وإضرام النار في مواقد المعابد من أجل موت أنثى.
وكان نتيجة لهذا المقت العام الذي كانت تشعر به المرأة أنها نسيت أنّ لها مكانة اجتماعية وأنّ لها كياناً خاصاً.
ولكن الإِسلام الدين الوحيد الذي جاء لكي يعطي الصنفين الذكر والأنثى حقه في الحياة، وهو الدين الفريد الذي أصلح عقلية الصنفين وبعث في الأذهان فكرة إعطاء حقوق المرأة[6] وحفظ كرامتها.
ومن ناحية أخرى فتح أمامها أبواب العلم والمعرفة وأباح لها أن تتعلم ما تشاء من العلوم المقدسة مثل قراءة القرآن ودراسته وتفسيره إذا أمكنها ذلك.
وقد جاء في الروايات عن رسول الله o أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وقد أشاد القرآن بالمرأة وخصها في آيات كثيرة تبين مكانتها في المجتمع بقوله تعالى:
( فاستجاب لهم ربهم أنِّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)[7] وقوله تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)[8].
وقوله تعالى : ( من عمل سيئة فلا يجزى إلاّ مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب)[9].
وذلك لكي تشعر المرأة المسلمة بمسؤوليتها في المجتمع ولكي يشعر المجتمع بوجودها وباعتبارها عضواً أساسياً في حياته، ولكي لاتستغل إمكانياتها العاطفية والتكوينية أستغلال يؤدي للظلم.
وعلى هذا الأساس فإن المرأة المسلمة قد حصلت في ظل الإسلام على حقوق وإمكانيات لم تحصل عليها أية أمرأة سواها في القوانين والتشريعات.
وأرتفع الإسلام بالمرأة لحسابها الخاص ولمجرد كونها إنسانه أعطاها حقها الطبيعي في كل أدوار حياتها الإجتماعية، ونحن الآن في صدد إعطاء فكرة مختصرة عن المرأة في تشريعات الإسلام ومفاهيمه.
فالأمر في الإسلام لم يقف عند الحفاظ على حقِّ المرأة في الحياة فقط، بل رغَّب الإسلام في الإحسان إليها صغيرة؛ فقال الرسول o : (مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّار)[10].
ثم أمر الرسولo بتعليمها فقال: ( أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا.. فَلَهُ أَجْرَان)[11]. وجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ، ويذكِّرَهُنَّ، ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى[12].
وما أن تكبر البنت وتصير فتاة بالغة؛ حتى يُعْطِيَها الإسلام الحقَّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوِّز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده.
وقد قال في ذلك الرسول الاكرم o الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا[13].
وقالo أيضًا: لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قالo: (أَنْ تَسْكُتَ)[14].
ثم لمَّا تصير زوجةً يأمر الشرع الحنيف على حُسْن معاملتها وعشرتها؛ مبيِّنًا أن حُسْن عِشْرَة النساء دليل على نُبْل نفس الرجل وكريم طباعه.
فمثلاً يقول الرسول o مرغِّبًا: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْـمَاءِ أُجِرَ[15]. ويقول مرهبًا: اللَّهُمَّ، إِنِّي أُحَرِّجُ[16] حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْـمَرْأَةِ[17].
وإذا ما كرهت الزوجة زوجها ولم تُطِق الحياة معه، فلقد سنَّ لها الإسلام حقَّ مفارَقة الزوج، وذلك عن طريق الخُلْعِ.
فعن ابن عباس  قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي o فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر[18].
فقال رسول الله o: (فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟) فقالت: نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها[19].
وإضافةً إلى ما سبق، فلقد أثبت الإسلام للمرأة ذِمَّة ماليَّة مستقلَّة تمامًا مثل الرجل؛ فلها أن تبيع وتشتري، وتستأجر وتؤجِّر، وتوكل وتهب، ولا حِجْر عليها في ذلك ما دامت عاقلة رشيدة.
وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[20].
وهكذا تعيش المرأة المسلمة عزيزة أبيَّة كريمة مصونة في ظِلِّ تعاليم الإسلام، تحت ظِلِّ الحضارة الإسلامية السامية كما وصفها بقوله تعالى:
( يا أيّها الناسُ اتّقوا ربَّكمُ الذي خلقكُم منْ نفسٍ واحدةٍ وخَلَقَ منها زوجها وبثَّ منهما رِجالاً كثيراً و نساء)[21]. [22] 
وهنا المراد بالنفس الواحدة هو الحقيقة الواحدة ، والجوهرة الواحدة ، فالآية توضح إن الناس جميعا رجال ونساء متفقين في الحقيقة الإنسانية  ، ولا فرق بين الرجل والمرأة بالمبدأ ، واعتبار التمايز هو التقوى قال تعالى: ( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)[23].
ومكانة المرأة في الخطاب الإلهي عندما يتحدث عن موقعها فإن الحديث في الحقيقة يكون عن موقع الأنسان بالقرآن لأن المرأة تتمتع بمكانة عالية في القرآن الكريم تقوم على موقع الإنسان.
وبما أن القرآن جاء لهداية الإنسان ، ولم يأتِ لهداية الرجل وحده أو المرأة وحدها ؛ لذلك عندما يبين القرآن هدف الرسالة ونزول الوحي قال: (شهرُ رَمضانَ الذي أُنزِلَ فيه القرآنُ هدىً للنّاسِ)[24].
فكلمة ( ناس ) الموجودة في الاية بعنوان (هداية الإنسان) ? تلحظ صنف خاص بل تشمل المرأة والرجل على سواء كما قال تعالى : (الرَّحمن * علَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسانَ *علَّمَهُ البيانَ)[25].
 وهنا المعلّم هو الرحمن ، ودرس العلم هو الرحمة ، والتلميذ هو الإنسان ؛ فكلام الاية ليس عن رجل او امراة ، بل محور التعليم والتربية وهو الروح الإنسانية ، والروح لا تُصنّف إلى ذكر أو أنثى لذلك ليس في مورد بحث الاية رجل أو امرأة.
فالقيم والأخلاق لا يمكن ان تقبل التصنيف وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن القيم والأخلاق.
فمثلاً العلم قيمة أخلاقية وضدّه الجهل ،  والإيمان قيمة أخلاقية وضده الكفر والصدق قيمة أخلاقية وضده الكذب ، والتقوى قيمة أخلاقية وضدها الفسق... والخ.
وهذه الأوصاف ليست مذكر أو مؤنث ، وكذلك موصوفها ؛ فالبدن المادي لا يوصف من أنه عالم أو جاهل ، أو تقي أو فاسق ؛ بل صاحب القيمة هو الروح فقط التي لا تقبل التصنيف لذكر او أنثى.
لذلك تقول الآية الكريمة (ونفسٍ وما سوّاها * فالهمها فجورَها وتقواها)[26] فالفجور والتقوى معلومين للإنسان بإلهام فطري.
وليس هي علوم خارجية يتعلّمها بالبحث والدراسة ، والنفس الإنسانية هي التي أُلهمت ، وهي التي تُزكّى أو تٌدسّ وهي التي تكون نهايتها الفلاح أو الخيبة في نهاية المطاف.
وكما قلنا لا تقبل النفس التصنيف إلى ذكر أو أنثى فيكون الخطاب الإلهي في كل آيات القرآن التي تتحدث عن قيم الأخلاق واحدا للنساء والرجال على حد سواء.
واما قوله تعالى : ( يا أيُّها الإنسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى ربِّكَ كدحاً فملاقيه)[27].
هو السير والسلوك له سبحانه تعالى لا يكون بالبدن ، بل بالروح وهي التي تسير إلى ربها وخالقها سير تكاملي حتى اللقاء ، وهي التي تحدد مصيرها في هذا اللقاء.
فأما ان تأخذ كتاب أعمالها بيمينها وتفوز بالجنة والسرور ، وأما تأخذه بشمالها فتكون جهنم هي المصير والمأوى[28].
وهنا الخطاب بالآية موجّه للإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك كلام عن ذكر وحده أو أنثى بدون الرجل، فالمهم ان يصل الإنسان للقاء الله تعالى فأما لقاء للجمال الإلهي ، أو للجلال الإلهي ، وفي الطريق تتساوى المرأة مع الرجل.
والسير له تعالى ليس منسوبا إلى البدن ، ولو كان كذلك لكان رجوع مادي وقرب مادي وهو لا يكون إلا لشيء مادي ، والله تعالى منزّه عن القرب والبعد الماديين.
ولذلك تلاحظ بعض الآيات استخدمت لفظ النفس كـ(يا ايّتها النفسُ المطمئنةُ * ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيةً)[29]  أو لفظ القلب كـ(يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنون * إلا منْ أتى اللهَ بقلبٍ سليم)[30].
وقوله تعالى : (وإذ أخَذَ ربُّكَ من بني آدم من ظهورِهم ذريّتهم وأشهَدَهُم عل أنفسِهِمْ ألستُ بربّكم قالوا بلى شهِدْنا)[31] وتسمى هذه الآية في كتب التفسير آية الذّر.
والآية الكريمة تتحدث عن أخذ الميثاق في نشأة إنسانية أخرى غير هذه النشأة، فاستخدمت عبارة ( بني آدم ) ورغم إن ألفاظ هذه الآية هي الفاظ مذكرة.
ولكن عنوانها واضح وهو أبناء آدم ، الذكور والأناث ، فالجميع قالوا ( بلى ) وشهدوا على عبوديتهم ، وأدركوا ربوبية الله تعالى بالعلم الشهودي لا العلم الحصولي ، وهذا المقام الرفيع متعلّق بإنسانية الأنسان بدون تدخل الذكورة او الأنوثة.
ومثلهِ آية الفطرة قوله تعالى : ( فأقمْ وجهّكّ للدينِ حنيفا * فطرةَ اللهِ التي فطَرّ الناس عليها لا تبديلَ لخلقِ الله)[32].
فهذه الآية الكريمة توضح إن الناس خلِقوا على فطرة التوحيد ، واستخدمت كلمة (الناس) فالناس جميعا خلِقوا موحّدين فالمسألة لا تختصُّ بالماضي والحاضر ، بل المستقبل كذلك محكوم بهذا الحكم  ، وهو ما أكده ذيل الآية : (لا تبديل لخلق الله ).
واما قوله تعالى : ( منْ عمِل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فَلَنحيينَّهُ حياةً طيبةً)[33].
توضح الآية الملاك في الوصول إلى الحياة الطيبة أمرين وهما الأول الحسن الفاعلي ، وهو أن يكون الإنسان مؤمن والإيمان كما ذكر قيمة أخلاقية تتعلق بالروح التي لا تقبل التصنيف.
واما الآخر الحسن الفعلي ، وعبرّت عنه الآية بالعمل الصالح ، فإذا صدر العمل الصحيح من العامل الصحيح فإن الثمرة بالنهاية هي الحياة الطيبة.
ومجمل محتوى القرآن يوضح إن الكمالات الإنسانية تكمن في معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ، ومعرفة الوحي والرسالة ، فهذا العالم له بداية وهو الله تعالى ، وله نهاية وهي المعاد.
وتجد بين البداية والنهاية طريق النبوة والوحي ، وهي أصول الدين التي يجب على كل مكلف ان يعتقد بها ، وقيل الجملة المروية عن الإمام علي A تتعلق بالأصول الثلاثة وهي : ( رحم الله امرءا عرف من أين ، وفي أين ، وإلى أين ).
فلا الذكورة وحدها مشروطة بمعرفة أصول ادين ، ولا الأنوثة وحدها مانع ، والأنبياء دعوا جميع الناس إلى هذه الأصول فلا توجد دعوة خاصة للرجال وأخرى للنساء  فعندما قال القرآن : (أدعوا إلى اللهِ على بصيرةٍ أنا ومنِ اتبعني)[34].
فهذه الدعوة عامة تشمل الناس جمعاء وهو قوله تعالى : (فمنْ تَبِعني فإنّهُ منّي)[35] فكل من يتّبع الوحي ينسب للنبيJ مهما كان جنسه.
فهل جزاء الأعمال لا يختصٌّ بجنس  بالرغم من إن الله تعالى يقول في جزاء الأعمال ( كلُّ امرء بما كسبَ رهينٌ)[36] لكن لفظ ( امرء ) ليس المقصود منه الرجل في مقابل المرأة.
لأنه بآية أخرى جاء بكلمة ( نفس ) قال تعالى : ( كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينةٌ)[37] وأخرى جاء بعبارة الإنسان : ( وأنْ ليسَ للإنسانِ إلّا ما سَعَى)[38].
فبناءً عليه إن مسألة الجزاء لا تختصُّ بجنس خاص ، ولأن المعاد هو العودة للمبدأ ، فكل إنسان مسؤول تجاه عمله سواء كان ذكرا أو أنثى.
وبعد أن عرفت عدم وجود أي فارق في الخطاب الإلهي بين الرجل والمرأة ، وعدم وجود فرق في السلوك له تعالى ولا في معرفة أصول الدين ولا في جزاء الأعمال ، والإسلام لم يشترط الذكورة في الكمالات المعنوية.
فهنا يظهر لك سؤال : لماذا ترى في قسم مهم من مسائل الفقه يشترط فيها الذكورة مثل القضاء والولاية والمرجعية ؟
جوابه : المسائل المعنوية شيء ، والمناصب والأعمال التنفيذية شيء مختلف ؛ فالأولى تعتبر مقام متعلق بالإنسان لكي تعطيه زينة وفخر.
لكن بينما المناصب والأعمال التنفيذية هي وظيفة ؛ لذلك هي بمثابة أمانة مثل المرجعية ، والولاية ؛ والفرق بين المقام المعنوي والمنصب من ان المقامات المعنوية هي ملك للإنسان.
بينما المنصب أمانة في العنق لذل كتب الإمام علي A إلى الاشعث بن قيس قال: (واعلم أن عملك ليس لك بطعمة وإنما هو أمانة في عنقك).
واما التفقّه في الدين كمال تستطيع المرأة الحصول عليه ، وتستطيع أن تصل إلى مستوى الشيخ الأنصاريH أو السيد الخوئي H او غيره من الفقهاء.
فالمرأة تستطيع الدراسة لتكون فقيهة ومجتهدة ، وتخرّج رجال فقهاء ومجتهدين، ولكنها لا تتصدى للمرجعية والولاية.
لأن المرجعية أمانة ووظيفة وحدودهما الأعمال مقسّمة ؛ فولي أمر المسلمين يجب أن يكون رجل لأن الولاية متممة للإمامة.
فمثلاً ولي أمر المسلمين عليه أن يأمر بالحرب مرة ، وبالسلم أخرى وهذه الأعمال تحتاج لجهد بدني ونفسي صعب ، ويتوجب على المتصدي لها أن يكون له ارتباط في كل المجتمع.
وهذا للمرأة ينافي ما جاء في الروايات : ( إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ) ، ونفس الأمر بالنسبة للقضاء الذي يرافقه إقامة الحدود مثل حد السرقة والزنا وغيره ، وتطبيق التعزيرات.
وهو أمر صعب على المرأة القيام به ، هذا باللإضافة إن وظيفة المرأة الأساسية الحمل والولادة والرضاعة والتربية ، وحفظ كيان الأسرة من الداخل وهو سبب وجيه لعدم تصديها للأعمال التنفيذية.
فإن العظمة التي جعلها الإسلام للمرأة هي نفس العظمة التي جعلها للإنسان فلا فرق بين الرجل والمرأة في الخطاب الإلهي ، وللمرأة دور ومقام عالي بيّنه القرآن الكريم في كثير من الآيات.
فلكل صنف وظيفته الخاصة به وإن الله تعالى ينظر الى القلوب ويجازي بالأعمال على السواء ، ففي المعايير الأساسية يساوي الإسلام فيما بين المرأة والرجل.
وإن وجدت اختلاف فهو في مسائل تنفيذية تميز بها الرجل ، وتقابلها مسؤولية أكبر ، ووزر أعظم إن لم يقم بها على الوجه الكامل[39]. والله العالم.
*****


الهوامش

[1] -  الدكتور أحمد شلبي كتاب : مقارنة الأديان
[2] - ليكي (Licky) كتاب : تاريخ الأخلاق الأوروبية
[3] - كورنثوس 14: 34- 35
[4] - لاويين 15: 19- 23
[5] - راجع : د. عبد السلام الترمانينى كتاب : الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية.
[6] - عقد المؤتمر الإقليمي الرابع للمرأة في الخليج والجزيرة العربية في 15 / 2 / 1986م في إحدى دول الخليج، وكان التركيز على قضية ما يسمى بتحرير المرأة وأصدر بعضاً من القرارات فمن أهمها:
الاول : لا بد من مراجعة قوانين الأحوال الشخصية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة، ومحاولة الدفع باتجاه دراسة قانون الأحوال الشخصية العربية الموحد - قانوني علماني-. ( حتى الأحوال الشخصية لا يريدونها على ضوء الإسلام، في حين دولاً علمانية أخرى لم تتجرأ على هذا التشريع).
الثاني : التأكيد على أهمية وضرورة النظر في الكتب والمناهج التربوية عند تناولها لقضية المرأة بما يضمن تغيير النظرة المتخلفة لأدوارها في الأسرة والعمل! ( هذه الفقرة يقصد النظرة الإسلامية؟ وليهنأ حكماء صهيون والمستعمرون بهذه النماذج من أفراخهم).
ثم تتابع بقولها: إن القوانين والأنظمة التي كانت تخضع لها الأسرة قبل ألف عام لا تزال تطبق على العلاقات الأسرية في عصرنا الحاضر!! دون النظر إلى مدى ملاءمتها لنا! (فهل الشريعة الإسلامية غير ملائمة لنا).
[7] - سورة ال عمران الاية 195
[8] - سورة النحل الاية 97
[9] - سورة غافر الاية 40
[10] - البخاري عن عائشة : كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5649)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان إلى البنات (2629).
[11] - البخاري عن أبي موسى الأشعري: كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها (4795).
[12] - عن أبي سعيد الخدري: قالت النساء للنبيo غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك. فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن. رواه البخاري: كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم (101)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه (2633).
[13] - مسلم عن عبد الله بن عباس: كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1421).
[14] - البخاري عن أبي هريرة: كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها (4843).
[15] - أحمد عن العرباض بن سارية (17195) وقال شعيب الأرناءوط: صحيح بشواهده..، وقال الألباني: حسن لغيره. انظر: صحيح الترغيب والترهيب (1963).
[16] - أحرِّج: أي ألحق الحرج والإثم بمن ضيعهما، فأحذره من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجره زجرًا أكيدًا، انظر: المناوي: فيض القدير 3/27.
[17] - ابن ماجه عن أبي هريرة (3678)، وأحمد (9664) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي، والحاكم (211) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم. والبيهقي (20239)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (1015).
[18] - راجع : حقوق المرأة في الحضارة الإسلامية تاليف : د. راغب السرجاني
[19] - صحيح البخاري : كتاب الطلاق - باب الخلع وكيفية الطلاق فيه (4973) والامام أحمد (16139).
[20] - سورة النساء 6
[21] - سورة النساء 1
[22] - راجع : المرأة في الخطاب القرآني تأليف : الاستاذة هناء كاظم.
[23] - سورة الحجرات 13
[24] - سورة البقرة الاية 185
[25] - سورة الرحمن الاية 1 - 4
[26] - سورة الشمس الاية 7و8
[27] - سورة الانشقاق الاية 6
[28] - راجع : جمال المرأة وجلالها تأليف : الشيخ جوادي آملي
[29] - سورة الفجر الاية 27 - 28
[30] - سورة الشعراء الاية 88 - 89
[31] - سورة الاعراف الاية 179
[32] - سورة الروم الاية 30
[33] - سورة النحل الاية 97
[34] - سورة يوسف الاية 108
[35] - سورة ابراهيم الاية 36
[36] - سورة الطور الاية 21
[37] - سورة المدثر الاية 38
[38] - سورة النجم الاية 39
[39] - راجع : المرأة في الخطاب القرآني تأليف : الاستاذة هناء كاظم