الاثنين، 10 أبريل 2017

المرأة في الحضارة الغربية

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة في الحضارة الغربية

من كتاب المرأة في القران والسنة الفصل الاول ص52 الجزء 25 من موسوعة (اتقان القران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.
في أدبيات الإغريق، أصل الحضارة الرومانية والأوروبية بشكل عام لا نجد ذكر حسن للنساء، سواء في أيام أفلاطون أو محاوراته أو في كتاباتهم وآثار طلابه الفلسفية وعلى رأسهم أرسطو.
بل تجدهن لديهم رمز للخراب والدمار، كما صورتها القصص التي دارت حول الحروب مثل (طروادة) فتجد (هيلين) هي السبب في إضرام نيران تلك الحرب التي أحرقت الناس والبلاد.
أو هي عنوان القسوة والانتقام مع اضطراب فنفوسهن الممتلئة بالنزعة الغرائزية فهن لسن كالرجال بحكمتهم وإخلاصهم للواجب.
هكذا نقرأ عن كلتمنسترا وألكترا وأنتيجون في سائر أساطيرهم الممسرحة ليوربيس وأسخليوس وسوفكليس بشكل عام[1].
وديموستين خطيب اليونان المشهور قسم النساء لفرعين وهما الاول هن الخليلات للعناية براحة الرجال، والقسم الاخر هن الزوجات ليلدن الأولاد الشرعيين.
ولما بلغت الحضارة الغربية الحديثة أوجها، نالت المرأة فيها - بعد جهاد شاق وتضحيات غالية - حريتها وحقوقها، وغدت تستشعر المساواة بالرجل، وتشاطره الأعمال في الدوائر والمتاجر والمصانع، ومختلف الشؤون والنشاطات الاجتماعية.
وابتهجت المرأة الغربية[2] بهذه المكاسب التي نالتها بالدموع والمآسي، متجاهلة واقع غبنها وخسرانها في هذا المجال.
ولو أنها حاكمت وعادلت في ميزان المنطق بين المغانم التي حققتها والمغارم التي حاقت بها لوجدت الخيبة والخسران.
فلقد خدعها دعاة التحرر في هذه الحضارة المادية، وغرروا بها واستغلوا سذاجتها استغلالاً ماكراً دنيئاً.
استغلوها لمضاربة الرجل، ومكايدته حينما بدأ يطالب بمضاعفة أجور العمل وتخفيف ساعاته، فاستجابت لذلك تعمل اعمال الرجل قانعة بأجر دون أجره.
واستغلوا انوثتها في الحقل التجاري لمضاعفة الأرباح المادية، لقدرتها على اجتذاب الزبائن وتصريف البضائع، مستثيرين كوامن الجنس في نفوسهم فأي استغلال أنكى وأسوأ من هذا الاستغلال؟

وكان عليها بعد هذا أن تضطلع بمهامها النسوية من الحمل والوضع والتربية والتدبير المنزلي، الى جانب كفاحها في سبيل العيش كيلا يمسها السغب والحرمان لنكول الرجل عن اعالتها في الغالب.
وبالرغم مما حققته المرأة الأروبية من صنوف الانجازات والمكاسب، فانها تعتبر في المعيار المنطقي خاسرة مخفقة، قد خسرت أزاء تحررها دينها وأخلاقها وكرامتها، وأصبحت في حالة مرزية من التبذل والاسفاف كما شهد به الغربيون أنفسهم.
فأما الإسلام فقد منحها هذا الحق ابتداء؛ وبدون طلب منها ، وبدون ثورة ، وبدون جمعيات نسوية ، وبدون عضوية برلمان!.
منحها هذا الحق تمشياً مع نظرته العامة إلى تكريم الإنسان جملة؛ وإلى تكريم شِقَّيْ النفس الواحدة؛ وإلى إقامة نظامه الاجتماعي كله على أساس الأسرة؛ وإلى حياطة جو الأسرة بالود والمحبة والضمانات لكل فرد فيها على السواء[3].
ومن هنا كانت المساواة في حق التملك وحق الكسب بين الرجال والنساء من ناحية المبدأ العام .
وهناك ألتفاتة دقيقة[4] إلى وضع المرأة في الإسلام ووضعها في الدول الغربية من أنه قد سوى الإسلام كذلك بين الرجل والمرأة أمام القانون ، وفي جميع الحقوق المدنية سواء في ذلك المرأة المتزوجة وغير المتزوجة.
فالزواج في الإسلام يختلف عن الزواج في معظم أمم الغرب المسيحي، في أنه لا يفقد المرأة اسمها ولا شخصيتها المدنية، ولا أهليتها في التعاقد ، ولا حقها في التملك.
بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها ، وبكامل حقوقها المدنية؛ وبأهليتها في تحمل الالتزامات ، وإجراء مختلف العقود.
من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية؛ وما إلى ذلك؛ ومحتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها.
فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة ، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته.
ولا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً من مالها قل ذلك أو كثر قال تعالى : (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج * وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً * أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض * وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
وقال : (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) وإذا كان لا يجوز للزوج أن يأخذ شيئاً مما سبق أن آتاه لزوجته فلا يجوز له من باب أولى أن يأخذ شيئاً من ملكها الأصيل إلا أن يكون هذا أو ذاك برضاها ، وعن طيب نفس منها.
وفي هذا يقول الله تعالى : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ، فكلوه هنيئاً مريئاً ) ولا يحل للزوج كذلك أن يتصرف في شيء من أموالها.
إلا إذا أذنت له بذلك ، أو وكلته في إجراء عقد بالنيابة عنها. وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالته ، وتوكل غيره إذا شاءت.
وهذه المنزلة من المساواة لم يصل إلى مثلها - بعد - أحدث القوانين في أرقى الأمم الديمقراطية الحديثة.
فحالة المرأة في فرنسا كانت إلى عهد قريب - بل لا تزال إلى الوقت الحاضر - أشبه شيء بحالة الرق المدني.
وجاء في موسوعة الدفاع عن الرسول o لا شك أنّ المفكرين الغربيّين تدهشهم هذه المشاهد، وتهزهم من الأعماق، وهم يدركون أنّ الفراغ الروحيّ والفكريّ الذي تعيشه مجتمعاتهم لا يملؤه إلا الإسلام.
فكان هناك اهتمام متميز وخاص بحقوق المرأة، تشهد على ذلك كثرة الكتابات والدراسات التي أنجزت في هذا الموضوع.
سواء الكتابات العامة التي تحدثت عن موضوع المرأة في الإسلام، واهتمت بالرد على الشبهات والانتقادات التي يروج لها الغزو الفكري الغربي.
لتجد بعض الآذان الصاغية لها داخل العالم الإسلامي، أم الكتابات المتخصصة في مجال الحقوق كما نصت عليها الكتابات الحقوقية الغربية، ومن ضمنها المواثيق والإعلانات الحقوقية العالمية.
وموضوع المرأة في الإسلام، كان قد اكتسب صبغة ذات حساسية خاصة قبل التوجه الحقوقي، خلال العقود الأخيرة.
لأن وضع المرأة بشكل عام كان من بين القضايا التي احتدم حولها النقاش مبكراً، مع وصول الجحافل الأولى للاستعمار الغربي وسيطرتها العسكرية على العالم الإسلامي.
وبقي هذا الجدل محتدماً، وفي تصاعد مستمر، بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، لأن الغزو الثقافي عبر وسائط الإعلام والتعليم، ما فتىء يركز على هذا الموضوع ويثيره بين الحين والآخر.
لذلك فقد وجدت المرأة المسلمة نفسها تتقاذفها التيارات المختلفة، بين منتصر لما تدعو له الحضارة الغربية من قيم وحقوق تخص المرأة.
وبين قيم الإسلام التي امتزجت مع تقاليد المجتمعات الإسلامية وأعرافها.
وقد استطاعت عملية التأصيل لحقوق المرأة أن تميط اللثام عن عدد من المغالطات الأيديولوجية، ووضعت في بعض جوانبها المتميزة، حداً بين ما يريده الإسلام من المرأة وما قدمه لها من حقوق.
وبين الواقع التاريخي، أو وضع المرأة المسلمة الحالي، الذي يحكمه التخلف وعدم الانسجام بين النظرة الإسلامية الحقوقية والواقع المعيش.
لكن يمكن أن يقال إن عملية التأصيل في مجال حقوق المرأة قد بلغت طوراَ من التقدم، تم فيه الاعتراف والأنتباه لعدد كبير من الحقوق التي كانت، إلى عهد قريب، خارجة عن موضوع البحث أو المعالجة.
بل كان النسيان والتجاهل يلفها ويلغيها من الوجود الواقعي. وبدأ الكلام عن حقوق تثير حساسية كبيرة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، مثل الحديث عن الحقوق السياسية للمرأة وحقها في الولاية؟
لكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن الفكر الإسلامي ما زال يتعامل مع الموروث الروائي المتعلق بالمرأة، بنوع من الحذر، وقلة الجرأة لمعالجته.
لأنه مما لا شك فيه أن عدداً كبيراً من الأعراف والتقاليد قد استحالت عبر الوضع والكذب إلى أحاديث نبوية كما تجده في الكثير من كتب أهل السنة.
كما أن التفسيرات التقليدية لكثير من الأحاديث، يجب إعادة النظر فيها، إذا أردنا فعلاً أن نكشف عن الوضع الحقوقي للمرأة كما جاء به الإسلام عن طريق أهل بيت الرحمة وهم الائمة عشر أماماَD كلهم من قريش.
وهذان الأمران: التردد والتخبط كثيراً ما يظهران في الكتابات العامة أو المختصة بحقوق المرأة في الإسلام كنتيجة معروفة لما نقل في الصحاح عنها.

تحرير المرأة في الاسلام
وندرك من هذا العرض السالف مبلغ التخبط والتأرجح في تقييم المرأة عبر العصور القديمة والحديثة، دون ان تهتدي الأمم الى القصد والاعتدال، مما أساء الى المرأة والمجتمع الذي تعيشه.
فلما انبثق فجر الاسلام وأطل على الدنيا بنوره الوضّاء، أسقط تلك التقاليد الجاهلية وأعرافها البالية، وأشاد للانسانية دستوراً خالداً يلائم العقول النيّرة والفطر السليمة، ويواكب البشرية عبر الحياة.
فكان من اصلاحاته أنه صحح قيم المرأة وأعاد اليها اعتبارها، ومنحها حقوقها المادية والأدبية بأسلوب قاصد حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلة رفيعة لم تبلغها نساء العالم.
كما في الحديث يا محمد : ( إتقوا الله في النساء فإنهنّ عوان بين أيديكم ، أخذتموهنّ على أمانات الله عزوجل ، لما استحللتم من فروجهنّ بكلمة الله وكتابه من فريضتي وسنتي وشريعة محمد بن عبد الله J.
فإنّ لهنّ عليكم حقّاً واجباً لمّا استحللتم أجسامهنّ وبما واصلتم من أبدانهنّ ويحملن أولادكم في أحشائهنّ حتى أخذهنّ الطلق من ذلك ، فأشفقوا عليهنّ وطيّبوا قلوبهنّ حتى تقفن معكم ولا تكرهوا النساء ولا تسخطوا بهنّ ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلا برضاهنّ وإذنهنّ)[5].
لقد أوضح الاسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الانسانية، واتحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهلية أزاء تخلف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.
« يا أيها الناس، انّا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ اكرمكم عند اللّه اتقاكم» [6].
« من عمل صالحاً من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»[7].
وكان بعض الأعراب يئد البنات ويقتلهن ظلماً وعدواناً، فجاء ناعياً ومهدداً على تلك الجريمة النكراء، ومنح البنت شرف الكرامة وحق الحياة بقوله تعالى:
« واذا الموؤودة سُئلت، بأي ذنب قتلت»[8].
« ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق، نحن نرزقهم واياكم، إن قتلهم كان خطأً كبيراً»[9].
وقضت الأعراف الجاهلية ان تسوم المرأة ألوان التحكم والافتئات، فتارة تقسرها على التزويج ممن لا ترغب فيه، او تعضلها من الزواج.
وأخرى تُورث كما يورث المتاع، يتحكم بها الوارث كيف يشاء، فله ان يزوجها ويبتز مهرها، أو يعضلها حتى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثها كُرهاً واغتصاباً.
وقد حررها الاسلام من ذلك الأسر الخانق والعبودية المقيتة، ومنحها حرية اختيار الزوج الكفوء، فلا يصح تزويجها الا برضاها، وحرم كذلك استيراثها قسراً واكراهاً:
« يا أيها الذين امنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرهاً، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن»[10].
وكانت التقاليد الجاهلية، وحتى الغربية منها، الى عهد قريب تمنع المرأة حقوق الملكية، كما حرمتها الجاهلية العربية حقوق الارث، لأن الارث في عرفهم لا يستحقه الا رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسيف.
وقد اسقط الاسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكية والارثية، وقرر نصيبها من الارث. أمّاً كانت، أو بنتاً، او اختاً او زوجة بقوله تعالى:
« للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن»[11].
« للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون»[12].
وفرض للزوجة على زوجها حق الاعالة، ولو كانت ثرية موسرة, وقد عرضنا في حقوق الزوجة طرفاً من وصايا أهل البيت D في رعايتها وتكريمها، تعرب عن اهتمام الشريعة الاسلامية بشؤون المرأة ورفع معنوياتها.
واستطاع الاسلام بفضل مبادئه وسمو آدابه أن يجعل المرأة المسلمة قدوة مثالية لبناء الامم، في رجاحة العقل وسمو الايمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعية.
حتى استطاعت ان تناقش وتحاجّ الخليفة الثاني ابّان خلافته، وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المغالاة في المهور، فانبرت له امرأة من صف الناس، وقالت: ما ذاك لك.
فقال: ولمه؟
اجابت : لأن اللّه تعالى يقول « وآتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً»[13].
فرجع عمر عن رأيه، وقال: أخطأ عمر واصابت امرأة[14].



الهوامش

[1]- راجع : الأدب الإغريقي، أحمد عثمان، عالم المعرفة - الكويت.
[2]- هل من الإنسانية أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمه، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم. فهنا قمة الاستعباد والاسترقاق.
[3]- كتاب : في ظلال القرآن تأليف : سيد قطب ص113
[4]- راجع :  كتاب حقوق الانسان تأليف : عبد الواحد وافي
[5]- مستدرك الوسائل جزء 14 صفحة 238.
[6]- سورة الحجرات الاية13
[7]- سورة النحل الاية97
[8]- سورة التكوير الاية8-9
[9]- سورة الاسراء الاية31
[10]- سورة النساء الاية19
[11]- سورة النساء الاية32
[12]- سورة النساء الاية7
[13]- سورة النساء الاية20
[14]- وللمزيد راجع : Ameer Ali, The Spirit of Islam, Chatto and Windus, London, 1978, P.134 وكتاب (الأصنام) لابن الكلبى (تحقيق أحمد زكى/ الدار القومية للطباعة والنشر/ 19).
وكتابى المستشرقون والقرآن- دراسة لترجمات نفر من المستشرقين الفرنسيين للقرآن وآرائهم فيه (دار القاهرة/ 1423هـ- 2003م/ 55- 66).
والغريب أن بلاشير له كتاب فى النحو العربى (بالاشتراك مع ديمومبين) فهو يتصيد أخطاء الخليفة عمر بالقران والحكم.
وراجع كتاب : Blachere, Le Coran, PP. 318- 319.