الاثنين، 10 أبريل 2017

تأثير لوازم الحجاب على المراة

بسم الله الرحمن الرحيم

تأثير لوازم الحجاب على المراة

تأثير لوازم الحجاب : هناك العديد من اللوازم مرافقة لمسألة الحجاب فقد قال السيد سامي خضرة[1] ان علّة ظهور الحجاب وما هو سبب ظهور الحجاب، وما هي فلسفته؟ وكيف أضحى الحجاب ظاهرةً بين سائر الأمم القديمة أو لدى بعضها؟
نحن نعرف أنّ الإسلام دين، جاءت كلُّ أحكامه على أساس مصلحةٍ وحكمة، فلِمَ وعلى أساس أيّة مصلحة أكّد أو أسّس الإسلام الحجاب؟
فقد سعى المناهضون لظاهرة الحجاب الى إبراز جملة ممارساتٍ ظالمة، بوصفها عللاً لهذه الظاهرة، ولم يُميِّزوا في ذلك بين الحجاب الإسلاميّ وغير الإسلاميّ، فأوحوا بأنّ الحجاب الإسلاميّ ينطلق من هذه الممارسات الظالمة أيضاً.
وموضوع الحجاب[2] قد يبدو انتقاصاً من حق المرأة عند البعض الذي يرى أن من الحق للمرأة ارتداء ما تبغي، ونقول: إن هذا الأمر متعلق بأمرين:
أولاً: (تحريم العري) على كل من الرجال والنساء.
ثانياً: (فرض الحشمة والحياء) في الظهور بين الناس على كلا الجنسين حماية للأخلاق العامة. وهذا ما ميز الإنسان عن الحيوان باصطناع اللباس حماية لهيبته.
ولذا كان ستر العورة أول خطوات الإنسان المتحضر تمييزاً لنفسه عن الحيوانية المتوحشة.
وقد أقر الإسلام هذه المفاهيم الحضارية، حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ( يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)[3].
ومن ثم حدد محل العورة للرجل والمرأة، والحدود الدنيا في لباسهما في الصلاة والمعيشة اليومية[4].
فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمه، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم. وليت شعري لهذا قمة الاستعباد والاسترقاق.
والقرآن الكريم يجعل للمرأة حق المشاركة وإبداء الرأي في رضاع ابنها وفطامه وتربيته: ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)[5].
والسنة تجعل للأم رأياً في زواج بناتها كما قيل آمروا النساء في بناتكم لتجعل الرأي الأخير للبنت نفسها والبكر تستأذن وإذنها صمتها، والثيب أحق بنفسها[6].
هذا بالإضافة إلى مظاهر الاستقلالية الاقتصادية التي تتمتع بها المرأة في التشريع الإسلامي وطرح الباحثون نظريّات متنوّعة بصدد أسباب ظهور الحجاب.
وقد ثُبِّتت هذه الأسباب في الأعمِّ الأغلب لإبراز الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسة جاهلة. وبدورنا نذكر جملة من هذه الأسباب.
يُمكننا تصنيف النظريّات التي عثرنا عليها إلى: فلسفيّة، واجتماعيّة، وأخلاقيّة واقتصاديّة ونفسيّة وهي كما يلي:
1 - الاتّجاه الرهبانيّ والميل نحو الرياضة الروحيّة (الجذر الفلسفيّ).
2 - فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة (الجذر الاجتماعيّ).
3 - حكومة الأب وتسلُّط الرجل على المرأة، واستغلال طاقتها الاقتصاديّة لمصلحة الرجل الاقتصاديّة (الجذر الاقتصاديّ).
4 - أنانيّة الرجل وحسده (الجذر الأخلاقيّ).
5 - العادة الشهريّة وإحساس المرأة بالنقص أمام الرجل، مضافاً إلى العادات القاسية، التي تُمارس ضد المرأة أيّام حيضها من احتقارها وترك معاشرتها (الجذر النفسيّ).
هذه هي أهمُّ العوامل، والإسلام لم يأخذ بنظر الاعتبار أيّاً من هذه العوامل في فلسفته الاجتماعيّة، وأنّ أيّاً من هذه العوامل لا ينسجم مع الأسس المعروفة والعامّة للتفكير الإسلاميّ.
1 ـ الاتّجاه الرهبانيُّ والرياضة الروحيّة
ترتبط مسألة الحجاب بالاتّجاه الرهبانيّ والرياضة الروحيّة من خلال كون المرأة أروع موضوع من مواضيع المتعة والّلذة، التي يتوفّر عليها الرجال. فإذا اختلط الرجل بالمرأة، وتعاشرا فسوف يتّجهان حتماً صوب المتعة والّلذة.
وبغية أنْ يكون المحيط الاجتماعيّ منسجماً بشكلٍ كامل مع روح الزهد والرياضة، أقام أتباع الفلسفة الرهبانيّة حاجزاً بين الرجل والمرأة، وألزموها بالحجاب[7].
كما جانبوا سائر المغريات الأخرى. وجاء ظهور الحجاب في ضوء هذه النظريّة نتيجة احتقار الزواج وتقديس العزوبة.
أنتج الاتّجاه الرهبانيّ وتركُ الدنيا بالنسبة للمال فلسفة الفقر والعزوف الكامل عن كلِّ الوسائل الماديّة، كما أنتج بالنسبة للمرأة العزوبة ومجانبة الجمال.
إطالة الشَّعر عادة مُتعارَفة بين السيخ والهندوس وبعض الدراويش، كما أنّ مجانبة الجمال والوقوف ضدّ الشهوة من ثمار الفلسفة الرهبانيّة والميل نحو الرياضة الروحيّة.
يقول هؤلاء: إنّ تقصير الشَّعر وتمشيطه عامل زيادة الشهوة الجنسيّة، بينما تُفضي إطالة الشَّعر إلى تقليل وإضعاف الشهوة[8].
واما علّة ظهور الحجاب نرى هل ينسجم مثل هذا التبرير للحجاب مع النهج الإسلاميّ وطريقته الفكريّة؟
للإسلام - من حسن الحظّ - نهج فكريٌّ واضح ونظرة جليّة للعالَم. فوجهة نظره بصدد الإنسان والعالَم والّلذّة واضحة، من هنا يُمكن أنْ نتعرّف بيُسرٍ، هل أنَّ للإسلام اتّجاهاً نحو الرياضة الروحيّة أم لا؟
نحن لا نُنكر أنّ للرهبانيّة والرياضة الروحيّة وجوداً في نقاط من العالَم. وربما يُمكن اعتبار حجاب المرأة ـ في البقاع التي يُسيطر عليها هذا اللون من التفكير ـ نتيجةً له.
ولكن عندما شرّع الإسلام الحجاب لم يستند في جميع الحالات إلى مثل هذه العلّة، كما أنّ مثل هذا الاتّجاه لا ينسجم مع روح الإسلام ولا مع سائر أحكامه.
فالإسلام - من حيث الأساس - حارب بشدّة التفكير الرهبانيّ. وهذه الحقيقة يُذعن بها حتى المستشرقون الأوروبيون.
لقد دعا الإسلام للنظافة، فبدلاً من اعتبار القُمَّل جواهر إلهيّة، قال: (النظافة من الإيمان). وقد جاء في الحديث عن رسول الله Jأنّه قال: (مِنَ الدين المتعة)[9] كما جاء عنه J :(بئس العبد القاذورة). وجاء عن أمير المؤمنين A أنّه قال: (إنّ الله جميل يُحبُّ الجمال)[10].
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق A أنّه قال: إنّ الله يُحبُّ الجمال والتجمُّل ويُبغض التبؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أنْ يُرى عليه أثرها، قيل: كيف ذلك؟ قال: يُنظِّف ثوبه ويُطيِّب ريحه، ويُجصِّص داره ويكنس أفنيته حتى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق[11].
ونجد في أقدم كتب الحديث والرواية مثل كتاب (الكافي) الذي يعود الى ألف عام بحثاً تحت عنوان (باب الزيّ والتجمُّل).
لقد قدّم الإسلام وصايا أكيدة لتقصير الشَّعر وتمشيطه واستخدام الطيب ودهن الشَّعر.
جاء في الرواية: أنّ جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل، فأخبرت أمُّ سلمة رسول الله I فخرج إلى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء، إنّي آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل....
وعن الصادق A قال: إنّ ثلاث نسوة أتينَ رسول الله J فقالت إحداهنَّ: إنّ زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يشمّ الطيب، وقالت الأخرى: إنّ زوجي لا يقرب النساء.
فخرج رسول الله J يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثُمّ قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا يشمّون الطيب ولا يأتون النساء، أما إنّي آكل اللحم وأشمّ الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي[12].
إنّ الحكم بتقصير الثياب - خلافاً لعادة العرب آنذاك حيث كانت ثيابهم تخطُّ في الأرض - كان لأجل النظافة، وقد بُيّن هذا الحكم في الآيات الأولى التي نزلت على الرسول o : (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[13].
كما أنّ استحباب لبس الثوب الأبيض هو لأجل جماله من جهة ولأجل النظافة من جهة أخرى، إذ الّلباس الأبيض يعكس بشكل أفضل الأوساخ، ولهذه المسألة جاءت الإشارة في الروايات: (إلبسوا البياض فإنّه أطيب وأطهر)[14].
وقد جاء في الأثر عن النبيِّ J أنّه كان ينظر في المرآة، ويرجّل جمّته ويمتشط، وربّما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً عن تجمّله لأهله[15].
وقد اعتبر القرآن الكريم خلق أسباب الزينة والتجمّل من ألطاف الله تعالى على عباده، وهاجم بشدّة تحريم هذه النعم الإلهيّة: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق)[16].
وقد ورد في النصوص الإسلاميّة أنّ الأئمّةD استندوا في جدالهم مع المتصوِّفة إلى نفس هذه الآية لإثبات بطلان ادعاءاتهم[17].
فالإسلام لم يرفض تمتُّع الزوجين جنسيّاً أحدهما بالآخر فحسب، بل جعل لذلك ثواباً وأجراً.
ولعلَّ من المدهش بالنسبة لشخص غربيٍّ أنْ يسمع أنّ الإسلام يذهب الى استحباب المُلاعبة بين الزوج والزوجة، وتجمُّل المرأة لزوجها.
فالغربيّون سابقاً حينما كانوا يلتزمون تعاليم الكنيسة وكانوا يشجبون كلَّ ألوان الّلذّة، كانوا يعتقدون بخطأ ما يُستحبّ في الإسلام، بل كانوا يهزأون به.
لقد منع الإسلام بشدّة ألوان المتعة الجنسيّة خارج إطار الزواج الشرعيّ، ولهذا المنع فلسفة خاصّة.
لكنّه رحّب بالمتعة الجنسيّة في حدود الشرع، حتى أنّه اعتبر حبَّ النساء من خصائص الأنبياء: (من أخلاق الأنبياء حبُّ النساء)[18].
وذمَّ الإسلام المرأة التي تُقصِّر في تجميل وتزيين نفسها لزوجها، كما ذمّ الأزواج الذين لا يُشبعون رغبات نسائهم.
جاء في الأثر عن الحسن بن الجهم قال: رأيت أبا الحسن A (الإمام موسى بن جعفر A) اختضب، فقلت: جُعلت فداك اختضبت فقال: نعم إنّ التهيئة ممّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة.
ثم قالA:
أيسرّك أنْ تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا. قال: فهو ذاك. ثُمَّ قال: مِنْ أخلاق الأنبياء التنظيف والتطيّب وحلق الشَّعر وكثرة الطروقة[19].
وقد جاء في حديث آخر عن الرسول J أنّه قال:تنظّفوا ولا تشبّهوا باليهود[20] ثُمَّ أشار بعد ذلك إلى أنّ انحراف نساء اليهود نشأ جرّاء وساخة رجالهنّ فكانوا غير مرغوبين من قِبَل نسائهم، وأَمَرَ المسلمين بالنظافة لكي ترغب بهم نساؤهم.
وقد ورد في الأثر: أنّ الصحابيَّ عثمان بن مظعون اتّجه نحو الرهبنة وترك الدنيا وملذّاتها، فجاءت زوجته إلى النبيِّ J فقالت:
يا رسول الله إنّ عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله J مُغضِباً يحمل نعليه حتى جاء الى عثمان فوجده يُصلّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله J فقال له:
يا عثمان لم يُرسلني الله بالرهبانيّة ولكن بعثني بالحنيفيّة السمحة أصوم وأصلّي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي، ومِنْ سنّتي الزواج[21].
2 ـ فقدان الأمن
الشيء الآخر الذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب هو: فقدان الأمن. لقد كان فقدان الأمن والعدالة الاجتماعيّة ظاهرة سائدة بوضوح في الأزمنة الغابرة.
فقد كانت يد ذوي النفوذ والقدرة طويلةً على أموال الناس ونواميسهم، فإذا كان لدى الناس مال أو ثروة فإنّهم مضطرّون لإخفائها بالدفن تحت الأرض.
فبقاء الكنوز مخفيّة يعود سببه إلى أنّ أصحاب الذهب والثروة لم تكن لديهم الجرأة لإطلاع أبنائهم على أماكن إخفائها، فقد كانوا يخافون كشف سرِّ ذلك بواسطة أبنائهم فتقع فريسة بيد الأشقياء والمتجاوزين.
من هنا فقد يموت الأب فجأةً، ولم تتسنّ له فرصة لإخبار ابنه بأسراره، فتبقى ثروته دفينة تحت التراب، ولذا اشتُهِرت الكلمة المعروفة: (إحفظ ذهبك، وذهابك، ومذهبك).
فكما لم يكن هناك اطمئنان أمنيّ بالنسبة للثروة، لم يكن أيضاً بالنسبة للمرأة، فكلُّ شخص لديه امرأة جميلة كان مضطرّاً لإخفائها عن الأشقياء، إذ لو اطّلع هؤلاء على وجودها لم يبقَ ذلك الشخص مالكاً لها.
فبمجرّد اطّلاع أبناء السلاطين ورؤساء القبائل والإقطاعيّين على وجود امرأة حسناء في منزلٍ ما، يهجمون على ذلك المنزل، ويخطفون المرأة من بيت زوجها.
فلم يكن آنذاك الحديث حول (الستر) بل كان الحديث يدور حول إخفاء المرأة، لكي لا يعلم بها أحد. وقد نقل (ويل ديورانت) في كتابه (قصّة الحضارة) وقائع مُخجِلة.
وذكر في عودة الحجاب[22] إن جملة الأحكام التي يطلق عليها عنوان (الحجاب) هي في الحقيقة مشتملة على أهم أجزاء النظام الاجتماعي في الإسلام.
 فإذا وضعت هذه الأحكام موضعها الصحيح في النظام الإسلامي بكامله ثم تأملها أحد فيه أثارة من البصيرة الفطرية السليمة لم يلبث أن يعترف بأنها الصورة الوحيدة الممكنة التي تضمن القصد والاعتدال في الحياة الاجتماعية[23].
وأن هذه الأحكام لو عرضت على العالم منفذة في الحياة العملية بروحها الحقيقية الصحيحة لهرولت الدنيا المنكوبة إلى هذا النبع الصافي تلتمس فيه الدواء لأدوائها الاجتماعية المتفشية بدل أن تنفر منه أو تطعن عليه.
ففي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومطلع القرن التاسع عشر فوجئت الشعوب الإسلامية بطوفان من الاستعمار الغربي.
بينما المسلمون في سبات لم يستيقظوا بعد كل اليقظة مما جعل هذا السيل يمتد من بلد لاخر حتى شرق العالم الإسلامي وغربه وما أن انتصف القرن التاسع عشر.
حتى غدت معظم الأمم المسلمة عبيداً للغرب الأوربي وخولاً له والتي لم تدخل منها في عبوديته لم تسلم من الخضوع لسلطانه ورهبة بأسه وسطوته[24].
ولما بلغ هذا الانقلاب تمامه بدأت في المسلمين آثار اليقظة والحركة فلما فتحوا أعينهم على الحال التي قد صاروا إليها فشلت ريحهم وزال عنهم بغتة ذلك الفخار والاعتزاز.
الذي طالما تأصل فيهم لبقائهم في نشوة وعزة من ان الاسلام نزل بلغة العرب فأصبحت لهم الغلبة ومجد السيادة قروناً متوالية فعادوا يفكرون في أنفسهم كالسكران يفيقه توالي الضربات[25].
من عدو شديد ويبحثون عن الأسباب التي هبطت بهم وغلبت الإفرنج عليهم غير أن عقولهم لم تكن ثابت بعد إلى رشدها إذ كان السكر لا ريب قد ذهب عنهم ولكن ميزان الفكر كان لا يزال مختلاً فيهم بسبب ابتعادهم عن وصية النبيo كتاب الله وعترتي.
فمن جانب كان يلح بهم شعور بالذلة والهوان ويؤزهم أزاً على تبديل ما هم فيه من الأحوال وبجانب آخر يغلبهم من حب الراحة وإيثار الدعة والارتخاء ما يحملهم على توخي أقرب الطرق وأسهلها.
لتبديل تلك الحالة وقد خارت فيهم من جهة ثالثة قوى الفكر والعقل وصدئت ملكات الفهم والذكاء بطول تعطلها عن العمل زد على ذلك كله ما أخذ بمجامع نفوسهم من الدهشة والروعة التي تعتري بالطبع كل أمة منهزمة مستعبدة.
فما سر العلاقة الودية الوثيقة التي تربط بين دعاة تحرير المرأة وبين القوى الاستعمارية والمعادية للإسلام وعلمائه ودعاته وأهله في كل مكان من العالم حولنا ؟
إنه بالرغم من افتراض حسن النية أو الجهل عند من كان يظهر الإسلام من دعاة تحرير المرأة لكن هذا الافتراض لم يمنع بعض المحللين والباحثين حق الاجتهاد والبحث.
عن علاقة ما محتملة سرية أو علنية بين مخططات الصهيونية والماسونية ومسيرتها السرطانية الدؤوبة التي لا نشعر بها إلا بعد ظهور الأورام وتفشي الموت في الدم واللحم والعظم.
وبين قيادات ودعاة السفور على مساحة ديار المسلمين الواسعة ومن أوقع نفسه في مواقع التهمة فلا يلومن من أساء الظن به[26].
متابعات وتحاليل : نحن لا نُنكر أنّ فقدان الأمن والعدالة في الأزمنة الماضية كان له أثر في إخفاء المرأة.
ومن المسلّم به أنّ الحجاب المتطرِّف والأفكار المتطرِّفة بشأن ستر المرأة ناتجة عن هذا اللون من الممارسات في التاريخ.
ولكن يجب علينا أنْ نتساءل: هل أنّ فلسفة الحجاب في الإسلام تقوم على أساس هذا الأمر؟
من المقطوع به أنّ علّة تشريع الحجاب في الإسلام ليست هي فقدان الأمن، وعلى الأقلّ ليست هي العلّة الوحيدة والأساس، إذ إنّ فقدان الأمن لم يأت علّة في النصوص الإسلاميّة، كما أنّه لا يتطابق مع وقائع التاريخ.
فرغم أنّ الحجاب لم يكن تقليداً في العصر الجاهليّ إلاّ أنّ العرب كانوا يعيشون بأمن في ظلِّ محيطهم القبليّ والبدويّ.
ففي نفس الوقت الذي كان يسود فقدان الأمن الاخلاقيّ والتجاوز على الأعراض بحدِّه الأعلى، وكان هناك حجاب أيضاً، لم تكن بين أفراد القبائل العربيّة مثل هذه التجاوزات. فإنّ العرب كانت تفتقد في حياتها القبليّة الأمن الاجتماعيّ بين القبائل.
والحجاب ليس تدبيراً لمعالجة هذا الوضع. فقد كانت القبائل تتصارع بشكل دمويّ فيما بينها، ويُغير بعضها على الآخر فيُأسر الرجال والنساء، وبالتالي لا يُعالِج الحجاب مشكلة المرأة.
فرغم الفارق الكبير بين مستوى حياة العرب في الجاهليّة وبين مستوى الحياة الصناعيّة المعاصرة، إلاّ أنّ هناك تشابهاً في شيوع ظاهرة (الزنا) حتى بذوات الأزواج.
ولكنْ مع الفارق وهو أنّ فقدان الأمن الفرديّ في عصرنا الصناعيّ لم يكن آنذاك، بحكم لون من الحريّة السياسيّة وفقدان الحكم الدكتاتوريّ، فلم يُمارس إخراج النساء بالقوّة من بيوت أزواجهنّ.
يكون الحجاب مانعاً من التجاوز فيما إذا كان المتجاوِز يعيش في ظلِّ عرفٍ وحياةٍ مشتركةٍ مع الآخرين، ولم يكن هناك تجاوز بين أفراد القبيلة الواحدة بحكم العُرف الحاكم آنذاك، ولذا لا يُمكننا أن نقول: إنّ الإسلام شرّع الحجاب لأجل إقرار الأمن الأخلاقيّ.
إنّ فلسفة الحجاب في الإسلام أمر آخر ونحن لا نُريد أنْ نقول في الوقت ذاته إنّ مسألة الأمن الأخلاقيّ لم تكن منظورة على الإطلاق.
فسوف ترى عندما تفسر (آية الحجاب) أنّ القرآن أخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار.
كما لا ندّعي أيضاً أنّ هذه المسألة لا محلَّ لها في عصرنا وأنّ الأمن الأخلاقيّ متوفِّر للمرأة بشكلٍ كامل. فالصحف اليوميّة تعكس لنا أخبار الاعتداءات الخشنة التي تُمارس في بلدان العالم المتطوِّر.
فهذه الدرة المصونة والجوهرة المكنونة جاءها الإسلام وهي مهضومة الحقوق مهيضة الجناح مسلوبة الكرامة مهانة مزدراة محل التشاؤم وسوء المعاملة معدودة من سقط المتاع[27].
وأبخس السلع تباع وتشترى توهب وتكترى لا تملك ولا تورث بل تقتل وتوأد بلا ذنب ولا جريمة فلما جاء الإسلام بحكمه وعدله ورفع مكانتها وأعلى شأنها وأعاد لها كرامتها وأنصفها فمنحها حقوقها والغى مسالك الجاهلية نحوها واعتبرها شريكة للرجل شقيقة له في الحياة.
وقد ذكرها الله في كتابه الكريم مع الرجل في أكثر من موضع يقول سبحانه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ).


[1] - راجع : كتاب الحجاب الاعرج تاليف السيد سامي خضرة
[2] - راجع : كتاب مجلة مجمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي بجدة - تصدر عن منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة.
[3] - سورة الاعراف 26
[4] - راجع: روح الدين الإسلامي عفيف عبد الفتاح طبارة ومحاضرات للسيد سامي خضرة.
[5] - سورة البقرة الاية 223
[6] - ولو انتقلنا إلى القانون المدني الفرنسي (قانون نابليون) في الفصل (271) وجدناه يقرر:
أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغيره بدون اشتراك زوجها في العقد، وموافقته عليه موافقة كتابية.
وهذا مما يدل على أن المرأة افتقدت أهليتها وشخصيتها واستقلاليتها حتى في أكثر التشريعات تقدماً، بل وفقدت في العرف الجاري اسمها ونسبها العائلي الخاص، وصارت من متعلقات زوجها !
[7] - راجع : كتاب الحجاب الاعرج تاليف السيد سامي خضرة
[8] - نأتى إلى بعض ما قاله راسل في كتابه (الأخلاق والعلاقة الجنسيّة) الصفحة 30 من الترجمة الفارسيّة:
إنّ نهج (بولس المقدّس) الفكريّ أشاعته الكنيسة بشكل كامل، خصوصاً في القرن الأوّل لميلاد المسيح، وسلك عدد كبير من الأفراد سبيل السياحة الروحيّة ليقهروا الشيطان، الذي يملأ أذهانهم في كلِّ آنٍ بألوان التخيّلات الشهوانيّة.
وقد حاربت الكنيسة - ضمن هذا السياق - الاستحمام، إذ إنّ الاستحمام يدفع مفاصل البدن الإنسانيّ نحو الخطيئة. فرحّبت الكنيسة بوساخة البدن، وأخذت رائحة البدن لوناً من القدسيّة، إذ إنّ نظافة البدن وتجميله تتعارض - من وجهة نظر بولس - مع نظافة الروح...
[9] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت ج5 ص6.
[10] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت ج4، ص 455.
[11] - م. ن، ج5، ص 5.
[12] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت جزء20 صفحة 107.
[13] - سورة المدثر الاية 4
[14] - وسائل الشيعة ج 3، ص 41.
[15] - م. ن، ج5، ص 11.
[16] - سورة الاعراف: 32.
[17] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت ج 5، ص 7.
[18] - وسائل الشيعة طبعة آل البيت ج 20، ص 22.
[19] - الكافي، ج5، ص567.
[20] - نهج الفصاحة.
[21] - الكافي، ج5، ص494.
[22] - راجع : كتاب عودة الحجاب ج1 وراجع : تاريخ معركة الحجاب تأليف: محمد إسماعيل المقدم. وراجع : محاضرات للسيد سامي خضرة.
[23] - في سنة 1894م ظهر طعن بالحجاب هو( مرقص فهمي ) المحامي وكتابه هو ( المرأة في الشرق) دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى تحقيق أهداف خمسة محددة وهي:-
أولاً :  القضاء على الحجاب الإسلامي .
ثانياً :  إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها .
ثالثاً :  تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي .
رابعاً :   منع الزواج بأكثر من واحدة .
خامساً : إباحة الزواج بين المسلمات والقساوسة والأقباط .
وقد أحدث الكتاب ضجة عنيفة ولم يلبث المسلمون حين صدموا به حتى انطلقت في غمرات هذه الضجة قذيفة أخرى.
[24] - كتاب: الحجاب للمودودي ص37- 47 طبعة مؤسسة الرسالة.
[25] - وللمزيد راجع: الحركات النسائية في الشرق لمحمد فهمي عبد الوهاب ص13- 14 طبعة دار الاعتصام. وراجع : الحجاب الاعرج للسيد سامي خضرة. وراجع : الإسلام والحضارة الغربية ص41 - 100 وقاسم أمين للدكتور ماهر حسن فهمي ص19 – 20 وراجع : دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام لمصطفى فوزي بن عبد اللطيف غزال نشر دار طيبة - الرياض وهي دراسة.
[26] - راجع : كتاب عودة الحجاب ج1ص68. وراجع : تاريخ معركة الحجاب تأليف محمد إسماعيل المقدم. وراجع : كتابات السيد سامي خضرة حول الحجاب.
[27] - راجع : موسوعة البحوث والمقالات العلمية تأليف : علي بن نايف الشحود وراجع : محاضرات السيد سامي خضرة.