بسم الله الرحمن الرحيم
سجل التاريخ صفحات مشرقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطولية في
نصرة الاسلام، يقصّها الرواة بأسلوب رائع ممتع يستثير الاعجاب والاكبار.
فهذه « نسيبة المازنية » كانت تخرج مع رسول اللّه o في غزواته، وكان ابنها معها،
فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، الى اين تفر عن اللّه وعن
رسوله؟ فردته.
فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال
رسول اللّه o: بارك اللّه عليك يانسيبة.
وحجّ معاوية سنة من سنيّه ، فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل
بالجحون، يقال لها « دارميّة الجحون ».
وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر
بسلامتها، فبعث اليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يا بنة حام؟ قالت: لست لحام إن
عبتني، إنّما أنا امرأة من بني كنانة، ثمت من بني ابيك.
قال: صدقت، أتدرين لم بعثت اليك؟ قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه.
قال: بعثت اليك لأسألك، علامَ أحببت علياً وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟
قالت: أوَتعفيني يا أمير المؤمنين. قال: لا أعفيك.
قالت: أما اذا أبيت، فأني أحببت علياً A على عدله في الرعية، وقسمه
بالسوية. وأبغضتك على قتال من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق. وواليت
علياًA على ما عقد له رسول اللّهo من الولاء، وعلى حبه للمساكين، وإعظامه لاهل
الدين، وعاديتك على سفك الدماء، وشقك العصا وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
قال: فلذلك انتفخ بطنك.
قالت: يا هذا، بهند واللّه يضرب المثل في ذلك لا بي.
قال معاوية: يا هذه، اربعي، فانا لم نقل الا خيراً، فرجعت وسكنت.
فقال لها: يا هذه، هل رأيت علياًA؟ قالت: أي واللّه لقد رأيته.
قال: فكيف رأيتيه.
قالت: رأيته واللّه لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي
شغلتك.
قال: هل سمعت كلامه.؟
قالت: نعم واللّه، كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الصدأ.
قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أوَ تفعل اذا سألتك؟ قال: نعم.
قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.
قال: تصنعين بها ماذا؟
قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم،
وأصلح بها العشائر.
قال: فان أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محل عليّ؟
قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.
ثم قال: أما واللّه لو كان عليA حيّاً ما اعطاك منها شيئاً.
قالت: لا واللّه ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
واستدعى معاوية امرأة من أهل الكوفة تسمى «الزرقاء بنت عديّ» كانت تعتمد
الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب علي، تسمعهم كلامها كالصوارم،
مستحثة لهم بقول لو سمعه الجبان لقاتل، والمدبر لأقبل، والمسالم لحارب، والفار
لكرّ، والمتزلزل لاستقر.
فلما قدمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لم بعثت اليك؟
قالت: لا يعلم الغيب الا اللّه سبحانه وتعالى.
قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وانت بين الصفوف توقدين نار
الحرب، وتحرضين على القتال؟
قالت: نعم. قال: فما حملك على ذلك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، انه قد مات الرأس، وبتر الذنب، ولن يعود ما ذهب،
والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
قال: صدقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت؟
قالت: لا واللّه، ولقد انسيته.
قال: للّه أبوك، فلقد سمعتك تقولين «أيها الناس، ارعوا وارجعوا، انكم
أصبحتم في فتنة، غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء
صماء بكماء، لا تسمع لناعقها ولاتسلس لقائدها.
ان المصباح لايضيء في الشمس، وان الكواكب لا تنير مع القمر، وانّ البغل
لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد الا بالحديد، ألا من استرشد ارشدناه، ومن سألنا
أخبرناه.
أيها الناس: ان الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين
والأنصار على الغصص، فكأنكم وقد التأم شمل الشتات، وظهرت كلمة العدل، وغلب الحق
باطله، فانه لا يستوي المحق والمبطل.
أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر
الصبر، ألا ان خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأمور عاقبة،
أئتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده».
ثم قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك؟
قالت: لقد كان ذلك.
قال: لقد شاركت علياً في كل دم سفكه.
فقالت: أحسن اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وادام سلامتك، فمثلك من بشر
بخير، وسرّ جليسه.
فقال معاوية: أوَ يسرك ذلك؟
قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنى لي بتصديق الفعل. فضحك معاوية،
وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته اعجب عندي من حبكم له في حياته[2].
وهذه ام وهب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم
يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.
فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر.
فبرز وهو يقول رجزه المشهور، ثم حمل فلم يزل يقاتل، حتى قتل منهم جماعة،
فرجع الى امّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين A.
فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.
فقالت أمّه: يابني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول
اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.
فرجع ولم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، ثم قطعت
يداه.
واخذت امه عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين
- حرم رسول اللّه o-. فأقبل كي يردها الى
النساء، فأخذت بجانب ثوبه «لن أعود او أموت معك».
فقال الحسين A: جزيتم من أهل بيتٍ خيراً،
ارجعي الى النساء، رحمك اللّه. فانصرفت. وجعل يقاتل حتى قتلA[3].
هذه لمحة خاطفة من عرض تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة، ومواقفها
البطولية الخالدة، اقتصرنا عليها خشية الاطالة.
واين من هذه العقائل المصونات، نساء المسلمين اليوم، اللاتي يتشدق
الكثيرات منهن بالتبرج، ونبذ التقاليد الاسلامية، ومحاكاة المرأة الغربية، في
تبرجها وخلاعتها.
فخسرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتز به، وغدون
عاطلات من محاسن الاسلام، وفضائله المثالية.
المساواة بين الرجل والمرأة لقد غزت الشرق فيما غزاه من صنوف البدع
والضلالات، فكرة المساواة التامة بين الرجل والمرأة، ومشاطرتها له في مختلف
نشاطاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وانخدع اغرار المسلمين بهذه الفكرة، وراحوا ينادون بها ويدعون اليها،
جهلاً بزيفها ومخالفتها مبادئ الفطرة والوجدان، للفوارق العديدة بين الجنسين،
واختلاف مؤهلاتهما في مجالات الحياة.
ومتى ثبتت المفارقات بين الرجل والمرأة، تجلى خطأ هذه الفكرة، واستبان ما
فيها من تفريط وتضييع لخصائص كل منهما وكفاءته.
فالرجل غالباً: هو أضخم هيكلاً من المرأة، وأصلب عوداً، وأقوى جلداً على
معاناة الشدائد والأهوال، كما هو اوسع أفقاً، وأبعد نظراً، وأوفر خبرة في تجارب
الحياة.
والمرأة غالباً، هي أجمل صورة من الرجل، وأضعف جسماً وطاقة، وأرق عاطفة،
وأرهف حسّاً، تيسيراً لما اُعدت له من وظائف الأمومة ورسالتها الانسانية في الحياة.
ويزداد التغاير والتباين بين الجنسين فيما ينتاب الإناث خاصة، من أعراض
الحيض والحمل والارضاع، مما يؤثر تأثيراً بالغاً في حياة المرأة وحالتها الصحية.
فهي تعاني أعراضاً مرضية خلال عاداتها الشهرية، تخرجها عن طورها المألوف.
قال الطبيب (جب هارد):
« قلّ من النساء من لا تعتل بعلة في المحاض،
ووجدنا اكثرهن يشكين الصداع والنصب والوجع تحت السرة، وقلة الشهوة للطعام، ويصبحن
شرسات الطباع، مائلات الى البكاء.
فنظراً لهذه العوارض كلها يصح القول، أن المرأة
في محاضها تكون في الحق مريضة، وينتابها هذا المرض مرة في كل شهر، وهذه التغيير اتفي
جسم المرأة تؤثر لا محالة في قواها الذهنية وفي افعال اعضائها ».
وهكذا أعرب الباحثون عن امتناع المساواة بين الجنسين.
قال الباحث الطبيعي الروسي (انطون نميلاف) في كتابه الذي أثبت فيه عدم
المساواة الفطرية بينهما، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته:
« ينبغي ان لا نخدع انفسنا بزعم أن إقامة
المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هيّن ميسور.
الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه
المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من
القوانين السمحة البريئة من التعصب في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق ان
منزلة المرأة قلّما تبدلت في الأسرة، ولا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع
ايضاً ».
ويقول في مكان آخر:
« لا يزال تصور عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك
التصور العميق راسخاً لا في قلوب الطبقات ذات المستوى الذهني البسيط، بل في قلوب
الطبقات السوفيتية العليا ايضاً»[4].
وقال الدكتور (الكسيس كاريل) الحائز على جائزة نوبل:
« يجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص
العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعية.
فهناك اختلافات لا تُنقض بين الجنسين ولذلك فلا
مناص من ان نحسب حساب هذه الاختلافات في انشاء عالم متمدن»[5].
ولا يعتبر تفوق الرجل على المرأة في المجالات العملية والنظرية مقياساً
عاماً شاملاً لجميع الرجال، فقد تَبُذُّ المرأة الرجل وتفوقه في ذلك، ولكن هذا لا
ينفي تخلفها عن أغلب الرجال.
وعزا بعضهم تخلف المرأة عن الرجل الى التقاليد الاجتماعية، والنظم
التربوية التي تكتنف حياتها.
وغفلوا من أن تلك التقاليد والنظم قد تلاشت في أغلب الدول المتحللة،
وانعدمت فيها الفوارق بين الجنسين، وغدت المرأة تتمتع بجميع فرص التكافؤ التي
يتمتع بها الرجل. وبالرغم من ذلك فانها تعتبر في المرتبة الثانية منه.
ومن هنا ندرك امتناع المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ونعتبرها ضرباً
من الحماقة والسخف.
فهل يسع دعاة المساواة أن يطوروا واقع الرجل ويجعلوه مشاركاً للمرأة في
مؤهلاتها الخاصة، ووظائفها النسويةالتي يعجز عنها هو، كذلك لا يسعهم ان يسترجلوا
المرأة ويمنحوها خصائص الرجل ووظائفه التي تعجز عنها هي.
ان الحكمة الالهية قد كيفت كلاً من الجنسين وأعدته إعداداً خاصاً، يؤهله
لأداء وظائفه ومهماته في الحياة، فلامناص من تنويع الأعمال بينهما حسب كفاءتهما
ومؤهلاتهما... وكُل مُيسر لما خُلق له.
فوظيفة الرجل هي: ممارسة الأعمال الشاقة، والشئون الخارجية عن المنزل،
والكدح في توفير وسائل العيش لأسرته،والدأب على حمايتها وإسعادها مادياً وأدبياً،
مما تنوء به المرأة ولا تستطيع اتقانه واجادته.
ووظيفة المرأة هي: أن تكون ربة بيت وراعية منزل، وأمّاً مثالية تُنشئ الأكفاء
من الرجال، وهي وحدها التي تستطيعأن تجعل البيت فردوساً للرجل، يستشعر فيه الراحة
من متاعب الحياة، وينعم الأطفال فيه بدفء الحنان ودواعي النمو والازدهار.
فإقحام المرأة في ميادين الرجل، ومنافستها له في أعماله... تضييع
لكفاءتها ومؤهلاتها، ثم هو تجميد للرجل عنممارسة نشاطاته الحيوية التي يجيدها ولا
تجيدها المرأة، وتعطيل له عن انشاء أسرة وتكوين بيت.
وقد أحدثت منافسة المرأة للرجل في وظائفه ونشاطاته الخاصة في الجاهلية
الحديثة... شروراً أخلاقية واجتماعيةونفسية خطيرة، وكانت مضارها اكثر من نفعها
أضعافاً مضاعفة.
وأصبحت المرأة هناك تعاني مرارة الكفاح ومهانة الابتذال في سبيل العيش،
كي لا تمسّها الفاقة لنكول الرجل عنإعالتها، مما عاقها عن أداء وظائفها الخاصة من
تدبير المنزل ورعاية الأسرة وتربية الأبناء تربية صالحة.
وبتقاعس المرأة عن أداء واجبها الأصيل، وانخراطها في المجتمع الخليط،
أصيبت الأسرة هناك بالتبعثر والتسيبوالشقاء، وشاع فيها التفسخ والتهتك والانهيار
الخلقي، كما شهد بذلك الباحث الطبيعي الروسي (انطون نيميلاف) فيكتابه الآنف الذكر:
«الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم اعراض الفوضى
الجنسية، وهذه حالة جدّ خطرة، تهدد النظام الاشتراكيبالدمار، فيجب أن نحارب بكل ما
أمكن من الطرق، لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات.
ولي أنأدلكم على آلاف من الأحداث، يعلم منها ان
الاباحية الجنسية قد سرت عدواها لا في الجهال الأغرار فحسب، بل فيالأفراد المثقفين
من طبقة العمال»[6] .
وحسبُنا هذه الشهادة عِظة وعبرة على بطلان المساواة بين الجنسين، وأضرار
اختلاطهما في الوظائف والأعمال،فهل من متعظ ؟!
فاقحام المرأة في ميدان أعمال الرجال خطأ فاضح، وجناية كبرى على المرأة
والمجتمع الذي تعيشه، وهدرلكرامتهما معاً.
نعم... يستساغ للمرأة ان تمارس أعمالاً تخصها وتليق بها، كتعليم البنات،
وتطبيب النساء وتوليدهن، وفي حالة فقدانالمرأة من يعولها، أو عجزه عن إعالتها،
فانها والحالة هذه تستطيع مزاولة الأعمال والمكاسب التي يؤمن عليها منمفاتن
المجتمع الخليط، ويُؤمن عليه من فتنتها كذلك.
ولكن الاسلام، صان كرامة المرأة المعوزة، وكفل رزقها من بيت المال، دون
ان يحوجها الى تلك المعاناة، فلو أدىالمسلمون زكاة أموالهم ما بقي محتاج.
فماذا يريد دعاة المساواة؟ أيريدون إعزاز المرأة وتحريرها من الغبن
الاجتماعي؟ فقد حررها الاسلام ورفعمنزلتها ومنحها حقوقها المادية والأدبية.
ام يريدون مخادعة المرأة وابتذالها، لتكون قريبة من عيون الذئاب
ومغازلاتهم؟
وماذا تريد المرأة المتحررة؟ أتريد المساواة التامة بالرجل، أم تريد حرية
الخلاعة والابتذال؟
وكلها غايات داعرة، حرمها الاسلام على المرأة والرجل ليقيهما مزالق الفتن
ومآسي الاختلاط.
المصدر: من كتاب المرأة في القران والسنة الفصل الاول الجزء 25 من موسوعة (اتقانالقران وعلوم الرحمن) تاليف ساجد شريف عطية.