الاثنين، 10 أبريل 2017

استغلال المرأة والحسد (الجذر الأخلاقيّ) والعادة الشهريّة (الجذر النفسيّ)

 بسم الله الرحمن الرحيم

استغلال المرأة والحسد (الجذر الأخلاقيّ) والعادة الشهريّة (الجذر النفسيّ)

استغلال المرأة : ذهب بعضهم إلى اعتبار العامل الاقتصاديّ جذراً من جذور ظاهرة الحجاب، فقالوا: إنّ ظاهرة الحجاب والحريم من بقايا عهد ملكيّة وسلطة الأب.
فبغية أنْ يتوفّر الرجال من خلال النساء على منافع اقتصاديّة، كانوا يحفظونهنّ في البيوت، ولأجل تكييف المرأة وإقناعها بالبقاء ذاتياً في البيت، واعتبار الخروج من المنزل عملاً قبيحاً، اخترعوا فكرة الحجاب.
لقد سعى أصحاب هذه المقولة إلى توجيه وتفسير مسائل أخرى، نظير النفقة والمهر أيضاً على أساس مالكيّة الرجل للمرأة.
فقضية الحجاب اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفور من معارك، إلى أنَّها لم تُعد قضيةً فرعية ومسألةً خلافية فيها الراجح والمرجوح[1].
ولكنَّها باتت قضيةً عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل، في كلِّ صغيرة وكبيرة، وعدم فصلها عن شئونِ الحياة كلها، لأنَّ ذلك هو مقتضى الرضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد o نبيًّا وعليA أماماَ.
إن التشنيعَ على تغطيةِ المرأة بالحجاب والتهالك على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليوم مسألة فقهية فرعية، ولكنَّها مسألة خطيرةً لها ما بعدها.

لأنها تقومُ عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس، وعلى تغريب المجتمع، وهي أحدى الخطوات يا أختي المسلمة[2] فأعلمي أن العلم أنفس ما تبذل فيه الأعمار، فهو طريق العمار، وعنوان الصلاح في كافة الأزمان والأعصار.
والأخت المسلمة أشد حاجة من ذي قبل إلى العلم والتعلم، لتوازي به ركب العصر ومجرياته، وتقاوم طغيان الغرب وتحدياته، وتكون في مستوى التكوين الثقافي والعلمي بحيث تجابه متطلبات العصر وأولوياته دون إخفاق أو فشل.
ولما كان العلم لا يتعارض مع الدين والالتزام كان لزاما عليك أن تجعلي من طلبك للعلم وسيلة لنصرة الدين والاعتزاز به.
تتعبدين الله بخروجك إلى طلب العلم، وتمرسك على التعلم والمطالعة، وتحافظين أثناء كل ذلك على العفة والحياء والطهارة والنقاء! وإليك بعض الوصايا التي لا غنى للطالبات عنها:
أ - تذكري أن ذهابك لطلب العلم هو عبادة وتدين فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من ذكر الله وما ولاه وعالم ومتعلم.
ومهما كان اختصاصك في العلوم، سواء في العلوم الشرعية أو غيرها كالفيزياء والطب والهندسة.
فأنت ملزمة في ذلك بالإخلاص لأنه يحول عاداتك إلى عبادات ويملأ صحيفتك بالثواب الجزيل على ما تتعلمين.
ب - حافظي على حجابك أثناء الخروج والدخول وفي الشارع والمدرسة والجامعة، فإن الحجاب لا ينافي العلم.
بل التبرج هو الذي ينافيه وينقضه لأنه محرم شرعا ومعاب عقلا وقد دلت التجربة الميدانية في الغرب وفي كثير من الدول الأخرى على فساده، وتسببه في الأمراض والأوبئة الفتاكة! فتأملي!.
واعلمي أيضا أنه لا ينافي الجمال ولا يعيبه، بل يحفظه ويستره لئلا تنهشهُ أنياب الذئاب ممن طاش عقلهم واستهوتهم الشياطين!
وتذكري أيضا أن الحجاب له أوصاف معلومة لا تتجدد بتجدد الموضة والأزياء بل هي ثابتة ثبات الجبال وباقية ببقاء كتاب الله تعالى وصاحب الزمانA!
أمثلة للمتابعة : ويكفي في الردّ على هذا الادعاء أنْ ندرس ونُحلِّل الإجابة عن هذا الاستفهام: هل أنّ الحجاب معلول لملكيّة الرجل للمرأة، أم لا؟.
ما هو هدف الإسلام من أحكامه بالنسبة للستر والحجاب بين المرأة والرجل؟ هل أراد أنْ تكون المرأة من الزاوية الاقتصاديّة في خدمة الرجل؟
من المقطوع به أنّ الإسلام لا يستهدف ذلك. فالإسلام لم يُرد مطلقاً أنْ يستغلّ الرجل المرأة اقتصاديّاً. لقد أعلن الإسلام بحزم - لا مجال للشكّ إليه: أنّ الرجل لا يتمتّع بأيِّ حقٍّ في استثمار المرأة.
فاستقلال المرأة اقتصاديّاً من المسلّمات الثابتة في الشريعة الإسلاميّة. فعمل المرأة تعود ثماره إليها.
فإذا رغبت المرأة في العمل داخل الدار تبرّعاً فلها ذلك، وإلاّ لا يحقّ للرجل إجبارها على أنْ تعمل، حتى رضاعة طفلها، فرغم أنّ الأم أولى من غيرها في إرضاع ولدها، لكن هذه الأولويّة لا تُسقط حقّها في الأجرة.
فإذا طلبت أجرة معيّنة مقابل رضاعة ولدها وكانت الأجرة متعارَفة فهي أولى بإرضاع ولدها وأخذ الأجرة على الرضاعة.
إنّ المرأة إسلاميّاً تستطيع أنْ تختار أيَّ عمل لا يؤدّي إلى إفساد الأسرة ولا يتعارض مع حقوق الزوج، وترجع ثماره الماديّة إليها.
أجل، فلو كان الإسلام يستهدف من الحجاب استغلال المرأة اقتصاديّاً، لم يسمح للمرأة بأنْ لا تعمل في بيت الزوج.
فلا يُعقل أنْ يؤمن من جهة باستقلال المرأة اقتصاديّاً، ويُشرّع الحجاب من جهة أخرى لأجل استغلال المرأة اقتصاديّاً وهناك نواة أولى كانت قاعدة لضرب الحجاب وتأسيس السفور.
فالنتيجة إذن لم يستهدف الإسلام مثل هذا الهدف؟.
فمثلاَ : تلميذة وفية لـ(طه حسين) أسمها أمينة السعيد ترأس تحرير مجلة (حواء) فمن خلالها تحرض نساءنا على النشوز وفتياتنا على التهتك والانحلال[3].
ومثلاَ : ماري إلياس زيادة الأديبة السورية[4] الأصل التي اشتهرت فيما بعد بالآنسة مي سافرة متحررة يجتمع في دارها (المحفل الذي أسسته سنة 1913م).
الحسد: ( الجذر الأخلاقيّ )
الْحَسَدُ قِسْمَانِ : حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ ، فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا ، وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ.
وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً ، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ[5].
وهو الجذر الآخر والمعادلة الصعبة - الّذي ذكروه لبروز ظاهرة الحجاب - ذو وجهة أخلاقيّة.
وهنا قال السيد سامي خضرة طرحوا هنا ـ كما هو الحال في النظريّة السابقة ـ أنّ علّة ظهور الحجاب هي سلطة الرجل وأسر المرأة، مع فارق، وهو أنّ الاتّجاه هنا استبدل الجذر الاقتصاديّ بآخر أخلاقيّ في تفسير سلطة الرجل، فقالوا:
إنّ علّة حفظ الرجل للمرأة ـ بهذه الصورة التي تضحى فيها المرأة أسيرة ـ هي أحاسيسه الحسود، وأنانيّته إزاء الرجال الآخرين.
فالرجل لا يرغب أنْ يستغلّ الرجال الآخرون المرأة التي تحته، ولو بالنظرة أو الحديث.
وباعتقاد هؤلاء أنّ الأحكام الدينيّة، رغم معارضتها في مجالات أخرى للأنانيّة وعبادة الذات، فقد انقلب الأمر هنا، إذ أمضت هذه الأحكام صحّة أنانيّة الرجال هنا، وحقّقت مآربهم.
فمن المعادلات الصعبة ان الناس دون استثناء يميلون إلى سعة العيش والرفاهية والدعة، إنهم من خلال وفرة الأشياء بين أيديهم يشعرون بالأمان من الفقر والعوز.
ويشعرون بالقدرة على بلوغ الرغبات والتمتع بالمرفهات والمشتهيات، لكن الناس يغفلون -في العادة- عن السنة التي تحكم حياة المرفهين.
وهي التعرض للإصابة بداء الترهل والكسل، وضعف روح المقاومة، والوقوع في أسر الأشياء التي يحبونها.
إنك لا تستطيع أن تستمتع بالأشياء دون الشعور بالضعف أمام سلطانها، والنظر إليها على أنها قد تحوّلت من أشياء ثانوية لا مشكلة مع فقدها، إلى أشياء أساسية يصعب الاستغناء عنها.
والنفوذ المتزايد للمرأة في الحياة الأسرية والحياة العامة نابع من هذه المعادلة؛ فالناس حينما يدرجون في سلم الحضارة يتذوقون طعم الرفاهية وليونة العيش.
والمرأة بالنسبة إلى الرجل مصدر أمن واطمئنان وترفيه، وبما أن المرأة تنظر إلى الرجل على أنه أيضًا مصدر أمن وترفيه بالنسبة إليها، فإن الرجل لا يستطيع أن يترفّه بها دون أن يرفّهها، ومن جملة ترفيهها الانصياع لها، والسعي في تحقيق رغباتها[6].
يقول (راسل): لقد استطاع بنو البشر إلى حدٍّ ما السيطرة على أنانيّتهم بالنسبة للمال والثروة، ولكنّهم لم يستطيعوا السيطرة على أنانيّتهم بالنسبة للمرأة.
فمن وجهة نظر (راسل) الغيرة ليست أمراً ممدوحاً، وتعود في جذورها إلى لون من البخل والأنانيّة.
نستنتج[7] من حديث (راسل) أنّه: إذا كان البذل والعطاء بالنسبة للثروة أمراً حسناً، فهو حسن أيضاً بالنسبة للمرأة. فلِمَ نذمّ البخل والحسد بالنسبة للمال، ولا نذمّه بالنسبة للمرأة؟
لِمَ يُعدّ الكرم والإطعام عملاً أخلاقيّاً، بينما يُذمّ تمتيع الآخرين جنسيّاً؟ ليست هناك علّة معقولة لهذا التفاوت باعتقاد أمثال (راسل)!
فالأخلاق لم تستطع التغلّب على الأنانيّة والاحتكار بالنسبة للأمور الجنسيّة، بل على العكس استسلمت لعبادة الذات واعتبرت ما يُسمّى بالغيرة لدى الرجل والحجاب والعفاف لدى النساء عملاً حسناً.
وجرت تجارب على هذا فمثلاَ  في تركيا فلقد شرع أتاتورك - عليه من الله ما يستحق - قانونه لنزع حجاب المرأة المسلمة و راقب تنفيذه و عاقب مخالفيه وشنق معارضيه[8].
فقال: لقد رأيت كثيرات من أخواتنا يغطين وجوههن إذا ما رأين غريب يتقدم نحوهن ومن المؤكد أن هذا الغطاء يضايقهن كثيراً في الحر[9].
وقام عام (1925م) بإجبار تركيا بأكملها - و ليس المرأة فقط - على هجر الإسلام كلية حتى الحرف الذي تكتب به اللغة التركية متشابهاً مع لغة القرآن أم نزع حجاب المرأة التركية فقد تم بالإرهاب و الإهانة في الطرقات حين كان البوليس يقوم بنزع حجاب المرأة التركية بالقوة[10].
وجاء في دائرة المعارف الماسونية ما نصه : ( إن الانقلاب الذي قام به الأخ مصطفى كمال أتاتورك أفاد الأمة الماسونية فقد أبطل السلطنة وألغى الخلافة الإسلامية وأبطل المحاكم الشرعية وأبعد دين الإسلام عن الحياة)[11].
فيعتبر الحجاب حصنا أساسياَ من الحصون التي تحافظ على العفة والستر والاحتشام, و يمنع إشاعة الفاحشة، كما انه مظهر من مظاهر الاعتزاز بالشعائر الشرعية، المحققة لعفاف الرجل والمرأة والمجتمع[12].
وحجاب المرأة ليس نافلة، فضلاً عن أن يكون مجرد رمز يسع المسلمة التحلي به أو تركه، بل هو فريضة من الله على النساء؛ صوناً لهن؛ وإعلاناً لعفافهن.
مثل قدواتهن من السيدة فاطمةB وأبنتها بطلة كربلاء السيدة زينبB فلا يطمع فيهن أهل الأهواء والشهوات كما في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)[13].
لقد دارت رحى الحرب على الحجاب مكشوفة صريحة, من قبل أعداء هذا الدين، ومن قبل متبعي الشهوات من المسلمين والمتاجرين بها، وربما استترت أحياناً, فأعلنت قبول الحجاب.
لكن مع مسخ حقيقته، وتحويله إلى مجرد تقليد، وتراث يمكن أن يدخله التطوير والاختزال، بما يلغى مقصده وغايته.
إننا عندما ندرك أهمية الحجاب والقيمة المرتبطة به، يزول عجبنا من شراسة الحرب ضده, فالغرب -مثلاً- أصبح يضيق بالحجاب ذرعاً.
كما لم يضق بأي لباس آخر لأي طائفة دينية, أو نحلة بشرية، والشواهد على مضايقة المحجبات قانونياً وعملياً واضحة لكل متابع.
سواء أكان ذلك في العالم الغربي -الذي يزعم أن من أسسه حماية الحقوق الشخصية-، أو في بعض دول العالم الإسلامي والعربي المتبني لهم.
تحاليل ومتابعات : نحن نجد أنّ لدى الرجل ميلاً لعفاف وطهارة المرأة، يعني: أنّ للرجل رغبة خاصّة في أنْ تكون زوجته طاهرة لم يلمسها أحد، كما أنّ لدى المرأة ميلاً خاصاً للعفاف.
وبديهيّ أنّ لدى المرأة أيضاً ميلاً لأنْ يكون زوجها غير ذي علاقة جنسيّة مع غيرها.
غير أنّ هذا الميل ينطلق من أساس - كما نعتقد - مغاير للأساس الذي ينطلق منه الميل المشابه لدى الرجل.
فما لدى الرجل هو الغيرة، أو الحسد المخلوط بالغيرة، أمّا ما لدى المرأة فهو حسد بحت.
لا نُريد هنا أنْ نتناول بالبحث لزوم عفاف الرجل وأهميّته بالنسبة إليه وبالنسبة للمرأة وإنّما بحثنا ينصبّ على الإحساس الذي لدى الرجال، والذي يُدعى (الغيرة)[14].
أوّلاً : هل أنّ الغيرة هي عين الحسد، مع تغيير في الألفاظ، أم أنّها أمر آخر؟
ثانياً : هل أنّ أساس الستر والحجاب الإسلاميّ هو احترام إحساس الرجل بالغيرة، أم أنّ هناك جهات أخرى يقوم عليها؟
أمّا أوّلاً : نحن نعتقد أنّ الحسد والغيرة صفتان مختلفتان تماماً، ولكلٍّ منهما أساس مستقلّ.
فأساس الحسد هو الأنانيّة، وهو ينطلق من غرائز الإنسان وأحاسيسه الذاتيّة. لكنّ (الغيرة) لون من الإحساس الاجتماعيّ العامّ، الّذي يعود بالفائدة على الآخرين.
(الغيرة) لون من الصيانة أودعتها يد الإبداع في الوجود البشريّ، بُغية الاحتراز من اختلاط النسل.
وسرُّ توفّر الرجل على حساسيّة شديدة إزاء اختلاط زوجته جنسيّاً مع غيره هو: أنّ التكوين والخلق وظّفه للحفاظ على نسبه في الأجيال القادمة. وهذا الإحساس شبيه بإحساس الارتباط مع ولده.
الكلُّ يعرف مدى ما يحمله الابن لأبويه من آلام ومتاعب ونفقات، ولو لم تكن تلك العلاقة الشديدة لدى الآباء بأبنائهم لم يُقدم أحد على التناسل وحفظ النسل.
ولو لم يكن الإحساس بالغيرة موجوداً لدى الرجل للحفاظ على حرثه وزرعه، لانقطعت عندئذ علاقة النسل تماماً، فلا يعرف أيُّ والد ولده، ولم يدر أيُّ ولد مَنْ هو أبوه. وقطع هذه العلاقة يؤدّي الى إلغاء كون البشر اجتماعيّين.
إنّ الاقتراح الذي يرى أنّ: على الإنسان في نضاله ضدّ الأنانيّة أنْ يضع الغيرة جانباً، يُشبه تماماً الاقتراح الذي يرى إلغاء غريزة الارتباط بالولد، بل إلغاء الإحساس الإنسانيّ كليّاً بوصفه ميلاً نفسيّاً لدى البشر. مع العلم أنّ هذا الميل النفسيّ ليس ميلاً دونيّاً بل هو إحساس بشريّ رفيع الدرجة.
الميل لحفظ النسل موجود لدى المرأة أيضاً. ولكنّ هذا الميل لا يحتاج الى حراسة وصيانة، إذ نسبة الولد لأمّه محفوظة على الدوام ولا تقبل الشكّ والاشتباه.
ومن هنا يُمكن أنْ نفهم أنّ حساسيّة المرأة إزاء اختلاط زوجها بغيرها جنسيّاً له أساس مغاير لحساسيّة الرجل.
إحساس المرأة يُمكن أنْ نعتبره ناشئاً من الأنانيّة ورغبتها في التفرّد به، لكنّ إحساس الرجل ذو صبغة اجتماعيّة، ولأجل حفظ النوع.
نحن لا ندّعي أنّ الرجل خلو من الحسد والرغبة في التفرّد بالمرأة، وإنّما ندّعي أنّ الرجل لو افترضنا أنّه هذّب ذاته أخلاقيّاً وقضى على الحسد في نفسه، فهناك إحساس اجتماعيّ يمنعه من السماح لزوجته بالارتباط جنسيّاً مع الآخرين.
نحن ندّعي أنّ حصرَ علّة حساسيّة الرجل في الحسد الذي هو لون من الانحراف الأخلاقيّ خطأٌ.
وقد وردت الإشارة في بعض الروايات أيضاً إلى هذا الموضوع: أنّ ما لدى الرجال هو الغيرة، وما لدى النساء هو الحسد.
ولأجل إيضاح هذه المسألة يُمكن أنْ نُضيف حقيقة هنا، وهي: أنّ المرأة تُريد على الدوام أنْ تكون معشوقة الرجل ومطلوبة منه، فتجمُّل المرأة وتغنُّجها لأجل أنْ تجلب انتباه الرجل.
فالمرأة لا تطلب الوصال الجنسيّ بمقدار رغبتها في جعل الرجل عاشقها المولّه.
فإذا لم تُرد المرأة أنْ يتّصل زوجها بغيرها من النساء جنسيّاً فذلك لأنّها تُريد أنْ تختصّ بمركز المعشوق والمطلوب.
ومثل هذا الإحساس لا وجود له لدى الرجل، فالرغبة في الاختصاص على هذا الشكل غير موجودة في تكوين الرجل، من هنا فإذا حال دون اتّصال زوجته بالرجال الآخرين جنسيّاً، فذلك يعود إلى ما أشرنا إليه من حراسة النسل وصيانة النوع.
ولا ينبغي أيضاً أنْ نقيس المرأة بالثروة، فالثروة تفنى بالاستهلاك، ولذا تكون مورداً للنزاع والصراع، ورغبة البشر في الاختصاص بها يحول دون استفادة الآخرين.
إلّا أنّ تمتّع رجلٍ بالمرأة ليس مانعاً من تمتّع الآخرين، ففي مثال المرأة لا تُطرح قضية الاحتكار والتخزين.
تنطبق على البشر المعادلة التالية: كلّما غطس الإنسان في وحل الشهوات وخسر عفافه وتقواه وإرادته الأخلاقيّة، كلّما ضعف في نفسه الإحساس بالغيرة.
فعبيد الشهوات لا يتأثّرون حينما تتّصل زوجاتهم بغيرهم جنسيّاً، بل يلتذون أحياناً ويُدافعون عن هذا العمل!
وعلى العكس من ذلك، الذين يُحاربون أنانيّتهم ويهذّبون شهواتهم، والذين يقتلعون من أنفسهم جذور الحرص والطمع والماديّة، فيتحوّلون إلى (إنسان ومحبّي الإنسان) بمعنى الكلمة، ويوقفون أنفسهم على خدمة الخلق، ويستيقظ في ذواتهم الإحساس بضرورة خدمة أبناء جنسهم، مثل هؤلاء أكثر غيرةً وأشدّ حساسيّة.
بل تمتدّ غيرتهم وحساسيّتهم لنساء الغير أيضاً. فوجدانهم لا يسمح لهم بأنْ يروا تجاوزاً على الناموس الاجتماعيّ، حيث يضحى الناموس الاجتماعيّ ناموسهم الشخصيّ.
وغيرهم يتحرجون من ولاية اليتيم ولا يتحرجون من الزنى فقيل لهم إن خفتم الذنب في مال اليتيم فخافوا ذنب الزنا ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء ولا تقربوا الزنا.
لعليٍّ A جملة مثيرة، حيث يقول: (ما زنى غيور قطّ) فلم يقل الحسود لا يزني بل قال: الغيور لا يزني. لِمَ؟ ذلك لأنّ الغيرة لون من الشرف الإنسانيّ ولون من الحساسيّة الإنسانيّة بالنسبة لعفاف المجتمع.
فكما لا يرضى الإنسان الغيور بتلويث ناموسه الشخصيّ لا يرضى أيضاً بتلويث الناموس الاجتماعيّ، إذ الغيرة تختلف عن الحسد، فالحسد حالة شخصيّة وفرديّة تنشأ جرّاء سلسلة من العقد النفسيّة، أمّا الغيرة فهي إحساس إنسانيّ وعاطفة نوعيّة.
وهذا بنفسه دليل على أنّ (الغيرة) لا تنشأ من الأنانيّة، بل هي إحساس خاصّ أوجده قانون الخلق لأجل تحكيم أساس الحياة الأسريّة التي هي حياة طبيعيّة، لا اعتباريّة.
ونتيجة هذه الغيرة أحس أكثر النساء[15] بعواقب الاختلاط الوخيمة وقالوا إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طبعت المرأة بما يخالف فطرتها.
وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى وهنا البلاء العظيم على المرأة. وأما آن لنا أن نبحث عما يخفف إذا لم نقل عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية.
فها هي المرأة الغربية تنادي بأعلى صوتها، أريد العودة إلى منزلي، فقد جربت ورأت نهاية الحياة التعيسة.
وأمّا هل أنّ تقديس الإسلام للستر والحجاب استجابة لغيرة الرجل، أم لا؟. فالجواب هو: أنّ الإنسان - بلا شكّ - يحسب نفس الحساب الذي تحسبه (الغيرة) أي الحفاظ على النسل وعدم اختلاط الأنساب.
ولكن ذلك ليس هو العلّة الوحيدة للحجاب.
العادة الشهريّة: ( الجذر النفسيّ )
يعتقد بعضهم أنّ الحجاب وجلوس المرأة في المنزل ذو جذر نفسيّ. فالمرأة منذ البدء تحسّ بنقص أمام الرجل، وينشأ هذا الإحساس من ناحيتين[16]:
إحداهما، إحساسها بالنقص العضويّ، والأخرى، ما ينزل منها من دم حال الحيض والنفاس وحال إزالة البكارة.
إنّ اعتبار العادة الشهريّة نقصاً وأمراً حقيراً، تفكير ساد منذ القدم بين بني الإنسان، من هنا كانت النساء - أيّام العادة - تُسجن في زاوية من المنزل، كأيِّ شيء تافه وحقير، ويُبتعد عنهنّ.
ولعلّ هذا الاعتبار كان السبب في سؤال الرسول J عن هذه العادة. لكنّ الآية التي نزلت في الجواب عن هذا السؤال لم تعتبر الحيض نقصاً وحقارة، ولم تعتبر المرأة الحائض أمراً حقيراً يجب اجتناب معاشرته.
بل جاء الجواب القرآنيُّ معتبِراً الحيض لوناً من الألم الذي يعتري الجسد، وأَمَرَ القرآن باجتناب اللقاء الجنسيّ بالمرأة، حال الحيض. قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء).
فالقرآن الكريم عدّ حالة الحيض لوناً من المرض فقط، كسائر الأمراض، ونفى عنه أيّ لون من التحقير والإهانة.
ذكر في سنن أبي داود عن سبب نزول هذه الآية ما يلي: عن أنس بن مالك، أنّ اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يُشاربوها، ولم يُجامعوها في البيت، فسُئل رسول الله J عن ذلك، فأنزل الله سبحانه
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء)[17]. فقال رسول الله J : جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كلّ شيء غير النكاح.
فالمرأة الحائض - من وجهة نظر الإسلام - حكمها حكم الإنسان المُحدِث، الّذي يفتقد الوضوء أو الغسل، حيث يُمنع في هذه الحالة عن الصلاة والصوم.
وإذا اعتبرنا (الحدث) أمراً تافهاً، يرتفع بالطهارة (الوضوء أو الغسل) ويكون الحيض كالجنابة والنوم والبول وغيرها من الأمور الّتي نُعدّها تافهة، فإنّ هذا اللون من التفاهة لا يختص بالمرأة، كما أنّه يرتفع بالغسل أو الوضوء.
لقد جرى حديث كثير بصدد أنّ المرأة أخذت تشعر بالنقص، وقد أدّى ذلك إلى أنْ يعتبرها الرجل وتعتبر هي نفسها موجوداً حقيراً.
وسواء كان هذا الحديث صحيحاً أو غير صحيح، فلا علاقة له بفلسفة الإسلام بصدد الحجاب.
فلا يرى الإسلام الحيض سبب لتحقير وإهانة المرأة، ولم يُشرّع الحجاب بسبب حقارة وتفاهة المرأة، بل كانت له أهداف وغاية أخرى. والله العالم.



[1] - كتاب : مجلة مجمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي بجدة - تأليف : تصدر عن منظمة المؤتمر الاسلامي بجدة
[2] - الدكتور خالد سعد النجار - همسة في أذن الطالبات - دار ابن خزيمة مجمع الفقه الاسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي بجدة.
[3] - الأخوات المسلمات ص 264
[4] - أسس هذا المحفل - فيما بعد - بصورة رسمية سنة 1914 وذلك بجهود البرنس أولفادي لبيدف.  وللمزيد راجع : رجال عرفتهم لعباس محمود العقاد ( الهلال 1963 ) فصل رجال حول مي. وراجع : المؤامرة على المرأة المسلمة للدكتور السيد أحمد فرج ص21.
[5] - كتاب : تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا.
[6] - راجع : موسوعة البحوث والمقالات العلمية تأليف : علي الشحود
[7] - انظر : الحجاب الاعرج تاليف: السيد سامي خضرة وبعض المحاضرات له.
[8] - المرأة المسلمة لوهبي غاوجي الألباني ص189
[9] - مصطفى كمال أتاتورك إعداد لجنة الرواد والمشاهير بإشراف الدكتور رؤوف سلامة موسى ص96 / وزوجة أتاتورك رفضت الاستجابة لطلب زوجها حينما راودها على كشف وجهها ورأسها وأمرها بالتخلي عن الحجاب وأصرت على لزوم الحجاب حتى كان هذا الأمر أحد أسباب طلبها الطلاق منه.
[10] - كتاب : في مسألة السفور والحجاب تاليف : صافي ناز كاظم ص9
[11] - دائرة المعارف الماسونية ص162وراجع : محاضرات الجامعة الإسلامية عام 1395م- 1396هـجري ص132 وراجع: مصطفى كمال اتاتورك د . رؤف سلامة موسى ص93 : 96 وراجع : الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 2 / 20 - 21
[12] - انظر : موسوعة البحوث والمقالات العلمية تاليف : علي الشحود ( وثيقة حقوق المراة المسلمة وواجباتها).
[13] - سورة الاحزاب الاية 59
[14] - راجع : الحجاب الاعرج تاليف : السيد سامي خضرة مع بعض المحاضرات له.
[15] - هي : الكاتبة الإنجليزية LADY COOK أحست بعواقب الاختلاط الوخيمة. وكتبت قبل عشر سنين في صحيفة ALAIEO.
[16] - راجع : الحجاب الاعرج تاليف: السيد سامي خضرة
[17] - الصفحة (76) الجزء الأوّل سنن أبي داود