السبت، 15 أبريل 2017

تاملات في الاية33 من سورة الاحزاب


تاملات في الاية33 من سورة الاحزاب
الاية33 من سورة الاحزاب: وهي قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) الأجماع لدى الشيعة قاطبة وأصحاب الحديث وكذلك (جمهور المفسـيرين اهل السنة أو أكثرهم) على نزول الاية في أهل الكساء وخالف ذلك بعض من علماء أهل السنة والجماعة إلى أن المخاطب هي نساء النبي بقرينة كون الآية واقعة بين الآيات التي تخاطب النساء وما ذهبوا إليه مردود من وجوهٍ منها:
منها :: التانيب و العتاب الواردين في الآيات السابقة لآية التطهير وغيرهن من الآيات كالتهديد بمضاعفة العذاب كـ(يا نساء النبي من يأتِ منكنَّ بفاحشةٍ مبينةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً).
منها :: التهديد للبعض بالطلاق كـ(عسى ربُهُ إن طلقكنَّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنَّ مسلماتٍ مؤمناتٍ قانتاتٍ).
منها :: كونهنَّ لسن بمنأى عن الوقوع في المعصية لقول الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قـلوبكما) ومن خلال الايه ممكن ميلان القلب لنساء النبيJ عن الحق حتى توجب عليهن التوبة.
منها :: إفشاء سرَّ الرسولJ خلافاً لأمرهJ بدليل قوله تعالى: (إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض).
منها :: تهديد البعض منهن للمظاهرة عليهJ بنصرة الله وجبريلA وصالح المؤمنين والملائكة بقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه فإن ا لله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ).
ومن أراد الوقوف على نزول هذه الآيات في خصوص اثنين من نساء الرسولJ بنحو الخصوص أو المشاركة مع غيرهنَّ من كتاب صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما فليرجع؟.
إذا كان مراد الله تعالى تطهير نساء النبي الأكرمJ ويذهب عنهن الرّجس كما دعى بعضهم فكيف الله تعالى وصفهن بهذه الأوصاف:
منها :: يعرّض بتهديد نساء النبيJ فيقول (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن) وميزتهن؟ قال( مسلماتٍ...)؟ ولا سيما إذا تأملنا وجدنا التميز لم يأت مفردا منصوبا كما هو الأصل فتقول مثل (زيد أكثر مني مالا). فلماذا التهديد بالطلاق! برغم أنه أبغض الحلال عنده (الله تعالى) كما قال الرسولJ.
منها :: لماذا هذا التقريع والتكبيت لهن فيؤكد معصيتهن بقوله فيهن (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما).
وكلمة (صغت) بالفعل الماضي دالة على اليقين من تحقق المعصية من المقصود منه من نساء النبيJ واكّدَ ذلك أكثر بـ(قد) الذي هو حرفٌ يفيد تحقيق وتوكيد دلالة الفعل.
منها :: ما هو تفسيركم لجمع القلوب في الآية ؟ وما هما في الحقيقة إلا قلبان لا أكثر .وللعلم أن الله تعالى قال ذلك في معرض ذكر المعصية؟
وجوابه : ما هو إلا لتوكيد خطورة هذا الأمر فنظير هذا الجمع , جمع كلمة الناس في قوله تعالى (الذين قال لهم -الناس- إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
 وإذا لم يكن هنا المراد بلفظ الناس إلا رجل واحد وهل ينطبق على نعيم بن مسعود الأشجعي كما ذكره المفسرين والمحدثين وأهل الأخبار شيعة وسنة , وهل يمكن لنا اعتباره بيان منه سبحانه لهذا الفعل من نعيم بن مسعود وما قام به ليعبر عنها لكبرها وكثرة عددها بالناس.
منها :: لماذا يعبر القران عن توبتهن (أي عن نساء النبيJ) بقوله سبحانه وتعالى (إن تتوب) ولم يقل (إذا تتوبا) وكما هي لفظة الاداة (إن) تستعمل في : ( لما لا يقع إلا نادراً - ولما يقلّ وقوعه - ولما يستبعد - ولما يظن ظنا كبيرا عدم وقوعه).
واما لفظة الاداة ( إذا ) تستعمل في : ( الأمر المقطوع بوقوعه أو يظن ظناً قوياً وقوعه) ولذا كان الغالب في الفعل الذي يأتي مع لفظة الاداة (إذا) أن يكون بلفظ الماضي للإشعار بتحقق الوقوع.
واما لفظة الاداة ( إن ) يأتي الفعل معها بالمضارع وكذلك نفس الإشكال وارد بحقهن في قوله تعالى (يانساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتنَّ...) حيث قال الله تعالى عبارة (إن اتقيتنَّ) ولم يقل عبارة (إذا اتقيتنَّ .(
ومن باب المثال نذكر ما طرحه اهل البلاغة لذلك كما في قوله تعالى (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه * وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) والسبب هو لأن ورود النعمة من الله تعالى كثيرة وهو الأصل فجاءت لفظة الاداة (إذا) ومجيء السيئة والعذاب قليل وهو فرع لا يلتفت إليه أمام تكثر النعم ووفرتها فجاءت لفظة الاداة (إن).
منها :: الخطاب للنساء لغرض الالتفات للمبالغة في المعاقبة أو المعاتبة كما هو قول الزمخشري والبيضاوي وقد ذكر نحو ذلك الطبري وابن كثير والرازي وغيرهم أي بمعنى كان الكلام عنهنَّ على سبيل الغيبة ثم تحول إلى الخطاب و المواجة الصريحة إمعاناً في التقريع.
منها :: لماذا هذا التهديد بمضاعفة العذاب لهنَّ ؟ في قوله تعالى (يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً) وتأمل جيدا في لفظ كلمة (يسيرا) وما تتركه من ظلال وإيحاءات من محذور.  
منها :: لماذا التهديد والوعيد القاسي جداً منه تعالى لمّا تظاهرت النساء (المخصوصة بالخطاب) على النبي الاكرمJ بنصرته ونصرة جبريلA وصالح المؤمنين والملائكةD؟
 أما كانت تكفي نصرة الله تعالى متفردا وحده عز اسمه؟ فأردف الله تعالى هذه النصرة منه تعالى بنصرة جبريلA وصالح المؤمنين والملائكةD؟
ألا يخطر ببالك السر والسبب لتتجلى لك الأمور في قوله تعالى (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).
منها :: لماذا أشار الرسولJ نحو مسكن احدى نسائهِ وقال كما في صحيح البخاري[1] (ها هنا ـ الفتنة ـ ثلاثا من حيث يطلع قرن الشيطان)  بالإشارة للقريب لا للبعيد إذ لم يكن النبيJ يعني الشرق كما هي دعوى المدافعين عن هذه الدار.
وإلا لقالJ من ها هنالك أو نحوها من المفردات الموضوعة للإشارة إلى البعيد حيث إن هنا للإشارة للقريب كما يقول النحاة. ومن طهرت أو أريد تطهيرها ومحاولة دخولها بالاية فهل من المعقول أن تخاطب (من القران والرسولJ) بهذه الطريقة؟
منها :: حذر النبيJ احدى نسائهِ بأن تنبحها كلاب الحوأب وقد نبحت عليها, وهي في طريقها إلى البصرة وهي تؤم الناكثين ببيعة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالبD.
 والمحاربين ومن سل السيوف بوجه الامامA في حرب الجمل لا مفر لهم لانه قد خلدهم التاريخ وصحاح وكتب التفسير والمؤرخين في أحاديث لا يوجد ادنى شك في عدم صحتها عن طريق إخواننا السنة فراجع ما يلي: ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وما رواه أبو يعلى وما رواه البزار وما روي في مجمع الزوائد[2] وما رواه البزار وصححه الألباني[3].
في نفس الوقت كانت مأمورة من الله تعالى بالقرار في بيتها بقوله تعالى (وقرن في بيوتكن) في البيت فذهب من ارواح المسلمين بسبب ذلك الخروج ستة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون رجلاً من الضحايا المسلمين وغير ذلك من المآسي والويلات.
1 - التلطف وألوان المبالغة : هذا المقام في الذكر وهذه التعابير ونظائرها هل تتناسب مع قولهم بنزول آية التطهير في نساء النبي الأكرمJ وهي المحلاة بأنواع التلطف وألوان المبالغة في الإكرام والتبجيل والتفخيم المستفادة من اتجاهات متعددة وكما يلي:
الاتجاه الاول : نزول التعبير القرآني بصورة اهتمام خاص من أجل إبراز المعنى المراد بهذه الآية وذلك يظهر بوضوح من كلمة (إنما) الدالة على حصر إرادته تعالى على هذا الأمر فهي مقصورة عليه لا تتجاوزه إلى سواه في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم وخصوصا إذا تأملنا العلة التي من أجلها نصبت كلمة أهل في قوله تعالى (أهل البيت) لأنها:
( إما نصبت على الاختصاص أي على تقدير أخصّ أهل البيت - أو على النداء أي أنادي أهل البيت - أو على المدح أي أمدح أهل البيت كما يقول النحاة وفن الاعراب في الآية الكريمة.
الاتجاه الثاني : صرف الله تعالى عنهم ( الرجس ) وهو مطلق (لم يقيد بوقتٍ أو نوع) ومحلى بالاداة ( أل الجنسية)  فإن لفظ الاداة (أل) في اللغة والنحو وعلم المعاني على نوعان(عهدية وجنسية) وكل نوعٍ يندرج تحته أقسام. ومورنا هنا لفظ الاداة (ال) ليست عهدية قطعاً لماذا (لا عهد ذكري - ولا عهد ذهني - ولا عهد حضوري) في مقامنا.
وعلى هذا فهي جنسية بل هي جنسية استغراقية التي تشمل (جميع أفراد الجنس) أي لفظة الاداة (ال) ترفع عنهم جميع أنواع الرجس (كل ما يصدق عليه أنه رجسٌ).
 ولغرض التوضيح نأتي بمثال فنقول لو أصاب ثوب بعضُ النجاسات ثمّ أزيل بعضٌ من هذه النجاسات وبقي بعض النجاسات على الثوب بعضٍ منها, فهل سيكون الثوب طاهراً في هذه الحالة.
 قطعاً سيكون الجواب بالنفي فلابد من إزالة جميع النجاسات لكي يطهر الثوب: ( وبما أن كل ذنبٍ رجسٌ - وبما إن ارتكاب الذنوب لا يجتمع مع إذهابها عنهم وطهارتهم منها) فهم إذاً بحكم هذه الآية مطهرون من الأرجاس والذنوب. فهل لمفهوم العصمة شئ بعد هذا؟ هي العصمة بعينها؟
واما ( الرجس ) : فهو كل ما ليس لله تعالى فيه رضا وجميع ما هو مستقذر من قول أو فعل ونحو ذلك والمعاصي والذنوب والشرك ونحو ذلك.. الخ قد دفع عنهم ذلك كله.
الاتجاه الثالث : يؤكد سبحانه وتعالى فقال : (ليذهب عنكم) ولم يقل (ليذهب منكم أو ليذهب ما فيكم) مما يقطع على أنه (الرجس) لم يكن فيهم ثم أزاله الله سبحانه وتعالى بل الرجس مدفوعٌ مصروفٌ عنهم كقوله تعالى في النبي يوسفA: ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)[4].
ولم يدعي ِاي أحد طهارة نساء النبيJ من النجاسات المادية فكانت تاتيهن) الدورة الشهرية) بأنواعها وهذا وحده كافي لنفي مطلق الطهارة والمعنوية.
 وكذلك نساء النبيJ حينما تتلبسنّ بفترة (الحيض) هذا بالإضافة إلى اتصافهن بكثير من الأخطاء والاشتباهات المتعلقة بدخولهن ضمن الاية.
الاتجاه الرابع : تأكيد دلالة الفعل يطهركم بالمفعول المطلق لكلمة (تطهيراً) لكي يدل على أنهم نالوا أعلى المراتب وأكملها .
الاتجاه الخامس : تنكيره سبحانه وتعالى لذلك المصدر أي بمعنى كونه للتوكيد لا لغرض بيان العدد أو النوع حيث قال بكلمة (تطهيراً) للإشارة إلى كون تطهير الله تعالى لهم نوع مميز ليس مما تتصوره ويعهده الخلق.
ولا مما يحيطون بإدراك نهايته أو قل لكي يذهب الذهن في ذلك كل مذهب أي بجميع أقسامه وأنواعه ، أو قل (تنوينه بتنوين التعظيم والتكثير والتعجيب المفيد إلى أنه ليس من جنس ما يتعارف ويؤلف على حد قول ابن حجر بالصواعق).
الاتجاه السادس : دلالة تأكيد لفظة عبارة (ليذهب عنكم) بــ(يطهركم) مع تأكيد كلمة (يطهركم) بـ(تطهيراً) ولنبقى مع: [ تقديم الجار والمجرور(عنكم) على المفعول به (الرجس)].
خلاف الأصل بالترتيب المنزلي اللغوي والنحوي والأصل في الجملة الفعلية أن يأتي الفعل أولا والفاعل ثاني والمفعول به ثالث ثم بقية الفضلات مثل (الجار والمجرور والظرف وغيره).
لدلالة أن المخاطب بها هو محل العناية وموطن الاهتمام (عنكم الرجس) فهذه مثل قول السيدة آسية بنت مزاحمB بقوله تعالى (ابن لي عندك بيتا ًفي الجنة)[5] بتقديم كلمة (عندك) وهو الظرف على المفعول به (بيتاً) رغم تقدم المفعول به رتبة.
الاتجاه السابع : الرجس مدفوع عنهم لا مرفوع أي بمعنى لم يكن موجوداً فيهم بالأصل.
وأقوى واهم شاهدٍ على ما نحن عليه هو شمول الآية للنبيJ وهو الذي دلت البراهين القاطعة على عصمتهJ قبل البعثة وبعدها عن كبائر الذنوب وصغائرها بل وحتى عن مخالفة الأولى.
 وشمولها للحسنينD اللذين لم يكونا قد بلغا التكليف لكي يصدر منهما ذنب أو يتلوثا برجس بل ويجلي ذلك في أبهى الصور استعمال حرف الجر بكلمة (عنكم) بدل من (منكم أو فيكم) ليدل أن المراد مصروف عنهم ولم يبتلوا به وإلا لقال منكم أو فيكم ليدل على أنه فيهم ثم أزاله.
2 - القول بالإرادة التكوينية يؤدي إلى الجبر: إن الإرادة في الآية المباركة قيل يؤدي القول بكونها تكوينية إلى القول بالجبر وهذا الإشكال قد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه:
إن الله سبحانه وتعالى لمّا علم أن هؤلاء لا يفعلون إلا ما يؤمرون به وليست أفعالهم إلاّ هي مطابقةً للتشريعات الإلهية وكذا الحال فيما يتركون وبعبارة أخرى:
( جميع أفعالهم وما يتركون هي المصداق الأسمى للتشريعات الإلهية وهي التجسيد الراقي لها أي جميع ما يفعلون وما يتركون ليس إلا ما يحبه الله سبحانه وتعالى فلما علم سبحانه منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنوية في ذواتهم المطهرة وتلك الحالة المانعة من الاقتحام في الذنوب والمعاصي جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم) [6].
ونفهم أنه الإرادة ما هي إلا كاشفة عن ما سيصدر من آل محمدD من أنهم لن يخالفوا ما يريده الله وما تقتضيه شريعته وأنهم سيقومون بتنفيذ أوامر الله تعالى بأتمّ وجهٍ وهو بمثابة إخبارنا عن طلوع الشمس غداً فإن ذلك لا يدل على أن لنا الأثر أو التأثير على طلوعها وإن كان ما أخبرنا به واقعٌ لا محالة استناداً لعلته الخاصة به أو على حد قول الله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)[7] وكذلك قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبلنَا وإن الله لمع المحسنين)[8].
فالإشكال لو صح القول به فهو غير مختص بـ(آية التطهير) بل يكون شامل لجميع القضايا الأزلية مثل اختيار الأنبياءD وعصمتهم ومنح الاستعدادات الأولية والكمالات الخلقية من جمال الهيئة وسلامة الأعضاء والحواس والفطنة والذكاء بل وصفاء الروح واعتدالها وغيرها.
فهذه من البديهيات والواضحات فهل ستتنكرون لها؟ وهذا اللطف والتوفيق الإلهي الكبير جاء استجابة لطاعتهم وإخلاصهم واستحقاقهم له تعالى. بل آية التطهير قد حكمت لهم بالمزيد من الطهارة بدليل أن قول الله تعالى قد قال بكلمة (يريد) بالمضارع لا بالماضي للدلالة على الاستمرار والزيادة.
وهو انتفاء القول بالجبر لمن لم يصيبه عمى التعصب ويضله الهوى ، ودعا الرسولJ بمضمون الآية لتأكيد الطلب على الاستمرار بدوامه فالداعي يعلم أن الله تعالى خلع عليه الوجود وأفاض عليه الجوارح ووهبه النعمة التكوينية ولكنهJ يسأل الله ويدعوه استمرارها ودوام الإنعام بها وعدم زوالها وقد ينزل الدعاء بمثل هذه المواضع لمنزلة الشكر والحمد على النعمة.
3 - الفرق بين التطهير وليطهركم: ما هو الفرق بين: كلمة (التطهير) في آية التطهير وكلمة (التطهير) في قوله سبحانه وتعالى[9]: (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .... ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان).
 في الآيتين المباركتين من سورة المائدة وسورة الأنفال إرادة تشريعية وهي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمم والهدف منه هو طهارة الناس من الحدث والخبث وستجد بعضهم سيمتثل للأحكام ويعمل بمقتضاها فيقع التطهير لذلك الممتثل وسيعرض آخرون ولن ينفذوا هذه الأوامر فلا يقع التطهير.
فلو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد التخلف عن تطهير نفسه. وأما التطهير في آية التطهير فهو عن الذنوب والأرجاس والآثام والنقائص والإرادة فيها تكوينية.
والإرادة التشريعية تتعلق بفعل الغير على ضوء إرادته وطوعه واختياره وفي الآيتين أضيفت إرادة الله تعالى إلى أفعال الناس وغايتها قيام المؤمنين وفق اختيارهم بالوضوء والتيمم وكون الإرادة متعلقة بفعل الإنسان نفسه فهو دليل على أن الإرادة في قوله تعالى (...يريد ليطهركم...) تشريعية لا تكوينية على خلاف آية التطهير إذ أن الإرادة فيها إرادة تكوينية فأين هاتين من هذه.
الحديث في آية الأنفال بإنزال ماء المطر في قصة بدر سببه حينما كانوا بحاجة إلى الماء بصريح الآية ليس ناظراً إلى (التطهير) عن الذنوب والنقائص كما هو في آية التطهير بسورة المائدة. فهي تتحدث عن سبب تشريع الوضوء أو التيمم أو الغسل.
فالتطهير المراد هو الذي يناسب ذلك بخلاف التطهير في سورة الأحزاب اية33 الناظرة إلى التطهير عن الرجس وكل النقائص عن أناس بأعيانهم دون كل من سواهم شأن هذا التطهير في آية التطهير شأن التطهير في قوله سبحانه وتعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين)[10].
ويعضد هذا الفارق مما سبق ذكره من أن آية التطهير الإرادة فيه تكوينية لا تشريعية .
وعلى فرض لو كان المخاطب بالآية  (التطهير) نساء الرسولJ لم يكن للشرط والتقييد أي معنى في قول الله تعالى (يا نساء النبي لستنَّ كأحدٍ من النساء إن اتقيتنَّ) فيفترض تقواهن حاصلة يقيناً بشهادة آية التطهير والشرط دال على التعليق بدون تأكيد الحدوث. ثم راجع قوله الاداة (إن) ولم يقل الاداة (إذا) كما سبق ذكرهِ.
 وكما ان الله تعالى خيرهن بينه ورسولهJ وبين الدنيا وزينتها ، والإخبار (أن للمحسنات منهن أجراً عظيماً) فإن (الله أعدَّ للمحسنات منكنَّ أجراً عظيماً) وهذا دليل على أن من نساء النبيJ محسنات ومن (نساء النبيJ) غير محسنات وكل ذلك يتنافى مع كونهن المخاطبات بآية التطهير ؛ لأن مفاد آية التطهير أنهن جميعاً محسناتٍ لا أن منهن محسنات وغير محسنات .
ثم تخيير النبيJ أن يرجى من يشاء من نساءه ويؤوي إليه من يشاء من نساءه لقوله تعالى (تُرجى من تشاء منهنَّ وتؤوي إليك من تشاء). كما قال ابن عباس : (أي تطلق منهن من تشاء وتمسك من تشاء ، وقال أبو جعفرA: من أرجى لم ينكح ومن آوى نكح).
 وهذا منافي لنزول الاية فيهن إذ كيف يتوجهن بوسام التطهير لكونهن أهل البيت ثم يعطي للنبيJ صلاحية التطليق.
وادلة تشكيك بعض  المصادر المختصة بالعربية في صحة إطلاق (الأهل) و (الآل) على الزوجات على سبيل الحقيقة. وأن جوازه إنما على سبيل المجاز والتوسع والكناية على سبيل المثال لا الحصر. ونأتي ببعض المصادر وكما يلي:
الاول : تاج العروس[11] قال: (من المَجاز : الأَهْلُ لِلرَّجُلِ : زَوْجَتُه)
الثاني : معجم متن اللغة[12] قال: (بيت النبي : علي وفاطمة والحسن والحسينD ، وقيل أزواجه وبناته وصهره علي أو نسائه خاصة ...الأهل : من يجمعك وإياهم نسب أو بيت أو قربى وهم الأهلة ج أهلون وآهال وأهال وأهلات).
الثالث : المغرب في ترتيب المعرب[13] قال: (وقيل الأهلُ المختصُّ بالشّيء اختصاصَ القَرابة وقيل خاصّةُ الشيء الذي يُنسب إليه ويُكنى به عن الزوجة ومنه وسار بأهله).
الرابع : مثل المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي[14] قال: (ويطلق –الأَهْلُ- على الزوجة و –الأَهْلُ- أهل البيت والأصل فيه القرابة وقد أطلق على الأتباع).
الخامس : التعاريف[15] قال (وصار أهل البيت متعارفا في أهل بيت النبيJ).
السادس : تاج العروس[16] قال : (وتُعُورِفَ في أُسرةِ النبيِّJ)
السابع : المفردات للراغب الأصفهاني[17] قال : وتعورف في أسرة النبي Jمطلقا إذا قيل أهل البيت لقوله عز وجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وعبر بأهل الرجل عن امرأته.
والسؤال: لماذا تعورف هذا الإطلاق فيهم ولم يتعرف في حق الزوجات؟
الثامن : التعاريف[18] قال : (وعبر عن أهله بامرأته).
التاسع : المعجم الكبير[19] قال : [أهل في العربية الجنوبية القديمة : القبيلة وفي العبرية ohe أهل : خيمة وفي السريانية يهلا : قبيلة ، جماعة وفي الأكدية آل : مدينة ... الأهل 1ـ القرابة 2 ـ ما يؤتدم به ونحوه ....الأهل : عشيرة الإنسان وذو قرباه وفي القرآن الكريم : (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها[20]) من يجمعهم بالإنسان نسب أو دين أو ما يجري مجراه ... ) وفي معجم الكليات الآل : القرابة)]
4 - توضيح مقصود مدلول ( الآل ) : قال الرازي[21] ( وأنا أقول آل محمد الذين يؤول أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ولاشك أن فاطمة وعليا والحسن والحسينD كان التعلق بينهم وبين رسول اللهJ أشد التعليقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل.
وأيضا اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل أمته فإن حملناه على القرابه فهم الآل وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل فثبت أن جميع التقديرات هم الآل وأما غيرهم فهل يدخل تحت لفظ الآل فمختلف فيه). 
لماذا لم يخرج الامام مسلم في صحيحه فضائل أهل البيتD ويخرج لزوجات النبي الأعظمJ ؟
اعتقد على هذا المنوال أكثر علماء اهل السنة فحينما يذكرون الرأي القائل (من الصحابة وغيرهم) بأنها نازلة في خصوص أهل البيت بالمفهوم الشيعي كما في صحيح ابن حبان[22] قال:
( ذكر الخبر المصرح بأن هؤلاء الأربع الذي تقدم ذكرنا لهم أهلJ في آية التطهير تفصيل لهذه الأمور وحسبك قول عكرمة ليس بالذي تذهبون اليه، إنما هو نساء النبيJ).
لماذا يعتبرون أحاديث الكساء معارضة للقرآن الكريم وأنه يجب حذفها وتركها لأن الأحاديث وإن تواترت فيجب أن تغفل لمعارضتها للقرآن الكريم.
واعتقد أننا نتفق عليه هو أن القرآن الكريم يحتج به ولا يحتج عليه وأنه مقدم على السنة وهي تاتي دائما ثانيا بعد القرآن ولا تتقدمه باي حال.
 واما في حالة تعارض الحديث والقرآن نقدم القرآن لأنه الكتاب الوحيد المعصوم الا في حال ثبتت الدلالة اللغوية كما في الشواهد والمصادر من كتب التخريج والمسانيد مثلاً قال ذكر في :
صحيح مسلم[23] قال: (وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة).
وتأمل في هذه العبارة أيضا : كتاب أمثال الحديث[24] : (والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيد الأولين والأخرين محمد وآله وأصحابه وأزواجه أجمعين وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله وحده).
وفي سنن أبي داود[25] قال: (صمنا مع رسول اللهJ رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال فقال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر).
وفي صحيح الحاكم[26] قال: (حدثناه علي بن عيسى ثنا إبراهيم بن أبي طالب ثنا بن أبي عمر ثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم سمع أنس بن مالك يبلغ به النبيJ قال ثم يتبع المؤمن بعد موته ثلاثة أهله ماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحدة يرجع أهله ماله ويبقى عمله وقد تابع عمران القطان الحجاج فساق الحديث بطوله).
وفي غريب الحديث لابن قتيبة [27] قال: (وسُمّي أهل الرجُل ونِساؤه لَدَماً لأنَّهن يَلْتدِمْنَ عليه إذا مات أي يضربن صدورَهن أو خدودهن واللَّدْم الضرب يريد حُرَمي مع حُرَمكم).

[1] - صحيح البخاري - كتاب فرض الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي J وما نسب من البيوت إليهنّ الحديث برقم 3104 ص 553 ط دار إحياء التراث العربي.
[2] - مجمع الزوائد  ج7 ص234.
[3]-  الالباني  ج1 ص227 ح475.
[4] - سورة يوسف الاية 24.
[5] - سورة التحريم الاية 11.
[6] - كلام السيد علي الميلانيK .
[7] - سورة محمد الاية 17.
[8] - سورة العنكبوت الاية 69.
[9] - سورة المائدة الاية 6.
[10] - سورة ال عمران الاية 42.
[11] - تاج العروس ج1 ص6857.
[12] - معجم متن اللغة موسوعة لغوية حديثة أحمد رضا ج1 ط دار مكتبة الحياة بيروت.
[13] - المغرب في ترتيب المعرب المؤلف أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيدبن علي بن المطرز الناشر  مكتبة أسامة بن زيد حلب الطبعة الأولى 1979 تحقيق محمود فاخوري وعبد الحميد مختار عدد الأجزاء2.
[14] - مثل المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي  المؤلف أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي الناشر المكتبة العلمية بيروت جزء 1 صفحة 28.
[15] - التعاريف دار الفكر المعاصر بيروت ، دمشق الطبعة الأولى ، 1410 تحقيق د.محمد رضوان الداية جزء 1 صفحة 151.
[16] - تاج العروس ج1 ص 6857.
[17] - المفردات للراغب الاصفهاني ط دار المعرفة ص29.
[18] - التعاريف : دار الفكر المعاصر : دار الفكر : بيروت ، دمشق:الطبعة الأولى ، 1410تحقيق د.محمد رضوان الداية جزء 1 صفحة 1.
[19] - المعجم الكبير لمجمع اللغة العربية ج 1 ص 578 ط دار الكتب.
[20] - سورة النساء الاية 35.
[21] - الرازي ج9 ص 595 ط - دار احياء التراث العربي.
[22] - صحيح ابن حبان ج15 ص432 ط – مؤسسة الرسالة بيروت ط2 تحقيق شعيب الارنؤوط / بتصرف.
[23] - صحيح مسلم ج2 ص662 ح962 باب دعاء الميت في الصلاة.
[24] - كتاب أمثال الحديث ابن خلاد الرامهرمزي ص 30.
[25] - سنن أبي داود ج 2 ص50 قال عنه الشيخ الألباني : صحيح.
[26] - صحيح الحاكم ج1 ص146 ح249 ط : دار الكتب العلمية.
[27] - غريب الحديث لابن قتيبة ج1 ص304 المؤلف عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد مطبعة العاني بغداد ط: الأولى1397 تحقيق د.عبد الله الجبوري عدد الأجزاء3.